مؤتمر آستانة يجمع المعارضة والنظام... وتجميد الاتصالات هدفه الضغط على الأسد

تضارب المعلومات حول شكل الحكومة التي تريدها روسيا في سوريا

أطفال من قرية دوديان في ريف حلب الشمالي، أول من أمس، يجتازون ركام الأبنية التي دمرها القصف (رويترز)
أطفال من قرية دوديان في ريف حلب الشمالي، أول من أمس، يجتازون ركام الأبنية التي دمرها القصف (رويترز)
TT

مؤتمر آستانة يجمع المعارضة والنظام... وتجميد الاتصالات هدفه الضغط على الأسد

أطفال من قرية دوديان في ريف حلب الشمالي، أول من أمس، يجتازون ركام الأبنية التي دمرها القصف (رويترز)
أطفال من قرية دوديان في ريف حلب الشمالي، أول من أمس، يجتازون ركام الأبنية التي دمرها القصف (رويترز)

لم يؤد تجميد الفصائل السورية مشاركتها في أي محادثات حول مفاوضات السلام المرتقبة في العاصمة الكازاخية، إلى تجميد الاتصالات المتعلقة بالمؤتمر الذي لم يوجه الروس الدعوات إليه بعد، فيما تضاربت المعلومات حول الشكل الذي سيكون عليه المؤتمر وطبيعة المحادثات التي يفترض أن تجري وجها لوجه «ومن دون مشاركة خارجية». فيما قالت مصادر للمعارضة إن إعلان تجميد الاتصالات يندرج تحت إطار «الضغط على النظام».
وتابعت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أنه من غير المحتمل أن تبدي المعارضة موقفًا موحدًا حول المشاركة، رغم أن حكومة كازاخستان التي تستضيف المؤتمر، أو موسكو، لم يرسلا بعد أي دعوة للحضور، وسط توقعات بأن يتم إرسال الدعوات في حدود 10 يناير (كانون الثاني) الحالي.
ورأى عضو الائتلاف الوطني السوري، هشام مروة، أن تهديد الفصائل «هو ضغط على روسيا بهدف حماية وادي بردى»، مضيفًا لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من إجراء يقوده السياسيون وليس العسكر وحدهم، وهو إجراء يحرج روسيا ويرمي الكرة في ملعبها»، معربًا عن اعتقاده أن إيران «تريد عرقلة اتفاق أنقرة». وأضاف مروة: «إذا فشلت موسكو في إلزام النظام بتطبيق وقف إطلاق النار، فإنها تكون أمام معضلة حقيقية، لكونها لن تتمتع بمصداقية في قضية تقديم ضمانات لجهة رحيل الأسد». وأشار مروة إلى أن المعارضة «منحت روسيا فرصة حقيقية لأن تكون ضامنة لوقف إطلاق النار لإثبات حسن نياتها، بعدما كانت طرفًا في الحرب إلى جانب النظام، فإذا فشلت في المسعى الحالي المرتبط باتفاق وقف إطلاق النار، فإن ذلك سيكون إشارة إلى أنها غير مؤهلة لتقديم ضمانات مستقبلية مرتبطة بمصير الأسد».
وتضاربت المعلومات حول شكل المؤتمر، رغم الإجماع على أنه سيكون عبارة عن «مفاوضات مباشرة» في المرة الأولى، ففي حين تحدثت معلومات عن أن العسكريين الذين سيمثلون المعارضة سيتفاوضون مباشرة مع العسكريين الذين سيمثلون النظام، وكذلك السياسيين من الطرفين، تحدثت معلومات أخرى عن أن وفدًا واحدًا سيتفاوض مع وفد مقابل.
وقال مصدر سوري معارض مقرب من الائتلاف الوطني السوري لـ«الشرق الأوسط» إن المعلومات الأولية تتحدث عن «وفد تختاره الشخصيات العسكرية التي يفترض أن تكون مدعوة للمشاركة في المؤتمر، قد يكون أعضاء هذا الوفد من السياسيين أو العسكريين، للتفاوض المباشر مع النظام».
لكن المعارض السوري المقيم في روسيا قدري جميل، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن المؤتمر «سيكون عبارة عن تفاوض مباشر بين عسكريين يمثلون المعارضة، وشخصيات عسكرية تمثل النظام، كما سيكون هناك تفاوض مباشر بين السياسيين الذين يمثلون المعارضة، مقابل سياسيين يمثلون النظام»، مشددًا على أن التفاوض المباشر «سيكون سابقة في تاريخ المفاوضات السورية التي تجري وجهًا لوجه». وأكد جميل أن مؤتمر آستانة «لن يكون بديلاً عن مؤتمر جنيف، بل مكملا له، وسيسهل العودة إلى جنيف»، مشددًا على أن المؤتمر «سينتج عنه تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254»، لافتًا إلى أن «سقف توقعات نتائجه مرتفع، لكونه سيمثل دفعة لاستئناف مؤتمر جنيف».
وتتضارب المعلومات حول شكل الحل الذي تريد روسيا تطبيقه في سوريا، ففي وقت قالت مصادر معارضة إن «الحكومة العسكرية التي يتشارك فيها النظام والمعارضة قد تكون إحدى الخيارات الروسية»، نفى مدير مركز «جسور» للدراسات، محمد سرميني، تلك المعلومات، قائلا إن هذا الأمر «لم يُطرح من قبل الروس خلال المباحثات مع الجانب التركي»، مضيفًا: «لا شيء واضحا بعد، فالجميع ينتظر الإدارة الأميركية الجديدة، وكل ما أشيع عن حكومة عسكرية هو غير دقيق»، واصفا الدعوات التي تريد توجيهها موسكو إلى الفصائل العسكرية بأنها «تقنية بما تتخطى الجانب السياسي، لكون العسكر لهم الكلمة الفصل في تطبيق أي اتفاق، وبعض الملفات الداخلية الميدانية بيدهم».
ولا يبدو أن هناك استبعادًا للجسم السياسي الذي لا تقبل الفصائل العسكرية باستبعاده، بالنظر إلى أن اتخاذ أي قرار عسكري بمعزل عن السياسيين «من شأنه أن يشرع الانقسام بينهم»، علما بأن الفصائل «تستطيع أن تفرض شروطها»، على ضوء إعلانها تجميد المفاوضات على خلفية خرق النظام للهدنة، وهو ما من شأنه أن يهدد اتفاق وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه موسكو، حليفة دمشق، وأنقرة الداعمة للمعارضة.
وكانت أكثر من عشرة فصائل معارضة قالت في بيان مشترك ليل الاثنين - الثلاثاء، إنها «التزمت بوقف إطلاق النار في عموم الأراضي السورية باستثناء مناطق سيطرة تنظيم داعش لكن النظام وحلفاءه استمروا بإطلاق النار وقاموا بخروقات كثيرة وكبيرة خصوصا في منطقة وادي بردى والغوطة الشرقية». وأضافت: «نظرا لتفاقم الوضع واستمرار هذه الخروقات، فإن الفصائل (...) تعلن تجميد أي محادثات لها علاقة بمفاوضات آستانة أو أي مشاورات مترتبة على اتفاق وقف إطلاق النار حتى تنفيذه بالكامل».
وحذرت الفصائل، وأبرزها جيش الإسلام وفيلق الشام، وهما فصيلان نافذان في ريف دمشق، وفرقة السلطان مراد القريبة من تركيا، من أن الاتفاق يعتبر «في حكم المنتهي» ما لم تتم «إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي قبل توقيع الاتفاق فورًا».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.