أيام في جيبوتي (2 - 3) : جيبوتي تسعى إلى دبي «اقتصاديًا» وشرم الشيخ «سياحيًا»

فتحت الباب لدخول استثمارات بمليارات الدولارات

ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)
ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)
TT

أيام في جيبوتي (2 - 3) : جيبوتي تسعى إلى دبي «اقتصاديًا» وشرم الشيخ «سياحيًا»

ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)
ميناء جيبوتي البحري يغص بمئات الآلاف من الحاويات التي تنتظر النقل إلى وسط أفريقيا («الشرق الأوسط»)

«ما نقوم به في جيبوتي، في الحقيقة، يهدف إلى تحويل بلدنا، خلال السنوات المقبلة، إلى شرم الشيخ سياحيا، ودبي اقتصاديا». هكذا يقول وزير السياحة المكلف أيضا بوزارة التجارة في جيبوتي، علي داود عبدو.
يطل مكتب عبدو على الشارع الرئيسي في قلب العاصمة، ومن هنا إلى مكتب وزير الإعلام والاتصالات، عبدي يوسف سجيه، عبر عدة شوارع، تبدو حركة السيارات والناس أكبر مما كانت عليه في الماضي؛ فقد فتحت عدة بنوك وشركات أجنبية أبوابها، ومن المتوقع أن تستقطب البلاد مزيدا من الاستثمارات. يقول الوزير سجيه، وهو يشير بيده إلى الجهة الأخرى: «سوف تبدأ شركة هندية في إقامة مركز ضخم للاتصالات والإنتاج الدرامي».
ولا يخلو بهو فندق من فنادق جيبوتي من جلسة لمجموعة من المستثمرين الطامحين سواء كانوا من أبناء جيبوتي أو من جنسيات أخرى جاءوا إلى هنا لاغتنام الفرص الجديدة.
رأسمال البلاد الكبير كما يقول المسؤولون، هو الأمن والهدوء وسط محيط تكثر فيه النزاعات. ويوضح أحمد محمد، السوداني الجنسية، الذي يدير شركة «شرق أفريقيا للمواشي والتجارة العامة»، انطلاقا من جيبوتي، أن «جيبوتي ستكون سنغافورة أفريقيا خلال المرحلة المقبلة. نعمل على هذا الأمل. والفرص كثيرة».
تنقسم جيبوتي إلى ثلاث شرائح رئيسية؛ الفقراء والطبقة الوسطى والأثرياء. وكل شريحة تضم وافدين من جنسيات مختلفة؛ من إثيوبيا، والصومال، واليمن، والسودان، وغيرها. خليط من اللغات والثقافات التي تمكنت من التعايش سويا طيلة عشرات السنين. في الأسواق الشعبية مثل سوق الدبداب، الذي يقع فيه مسجد الشيخ حمودي أقدم مساجد جيبوتي، تبث موجات الراديو الأخبار والأغاني باللغات الصومالية والعفرية والفرنسية والعربية. وكلٌ يضع مؤشر الراديو على لغته.
ووسط هذا اللغط ينادي الباعة على الملابس الجديدة القادمة من الخليج ومصر وعلى أنواع الهواتف المستوردة من الصين وعلى أجولة التوابل والقات الواردة من إثيوبيا. ومن بين هؤلاء الباعة الفقراء شبان، مثل خالد، ممن جرى تسجيل أسمائهم ضمن ألفي عامل سوف يتم ضمهم للعمل في ميناء دورالي البحري بعد الانتهاء من توسيعه. وخالد (27 عاما) تزوج مبكرا مثل غالبية الطبقة الفقيرة في جيبوتي ولديه ستة أطفال.
وفي الفنادق المتوسطة والكبيرة حيث يقيم الأجانب، تغص المقاهي والكافيتريات الملحقة بها، برجال الطبقة الوسطى من جيبوتي ومن البلاد المجاورة. هؤلاء يحاولون تطوير أعمالهم في الموانئ وفي الحظائر الجمركية لمواكبة النمو الاقتصادي، الذي وصل إلى 6 في المائة، مع العمل على فتح مسارات مع الدول الأخرى سواء في الداخل الأفريقي أو في منطقة الشرق الأوسط والخليج، مثل السوداني، مدير شركة «شرق أفريقيا للمواشي والتجارة العامة»، قائلا إنه يسعى لفتح أسواق جديدة لتصدير المواشي في المنطقة.
أما الطبقة الثرية التي تسهم بشكل كبير في ضخ العملات الأجنبية في البلاد، فتتكون من مستثمرين كبار يعكفون على بناء مراكز تجارية وترفيهية مجمعة، ويطمحون في اقتناص فرص جديدة في الموانئ التي يجري بناؤها على سواحل جيبوتي وفي اثنين من المطارات الدولية الجاري تأسيسها. من بين هؤلاء صينيون وهنود وأوروبيون.
ويقيم معظمهم في فنادق الخمس نجوم باهظة التكلفة مقارنة بنظيراتها في دول أخرى؛ إذ يبلغ سعر الغرفة في مثل هذه الفنادق نحو 220 دولارا لليلة. ويقول علي أحمد تبيع، مدير ورئيس شركة «لافياثان»، ومقرها المنطقة الحرة: «نعمل على تقديم الخدمات للشركات الأخرى التي تسعى لفتح مشروعات في إثيوبيا ودول قريبة انطلاقا من جيبوتي».
لك الخيار في شرب فنجان قهوة في المقاهي التي يديرها وافدون سنغاليون وإثيوبيون ويمنيون، والمبنية بالبوص والقماش على الشاطئ بسعر لا يزيد على خمسين فرنكا، أي نحو ربع دولار، أو الانتقال إلى الشارع الآخر، مثل شارع بلاتوه دي سربون، حيث يبلغ سعر فنجان القهوة خمسة آلاف فرنك. ويؤدي هذا الشارع إلى منطقة السفارات الغربية ومقار المنظمات الدولية والفنادق الفخمة المطلة على الضفة المقابلة من البحر، التي يقيم فيها رجال الأعمال الكبار.
ويقول الوزير علي داود عبدو: «توجد مشروعات كثيرة تريد الدولة أن تستثمر فيها ضمن رؤية جيبوتي لعام 2035، ومنها ما يرتكز على قطاع السياحة بشكل أساسي، وبخاصة أن السياحة شهدت نموا متزايدا بداية من عام 2000؛ حيث بلغ عدد السياح 72385 سائحا في السنة، مشيرا إلى أن هناك مشروعات سياحية كثيرة في الطريق، في منطقة بحيرة لاك عسل، وقابة بيه، وفوريدي بيه، وغيرها من المناطق الواعدة».
ويضيف قائلا: «كما تعرفون جيبوتي تقع في منطقة استراتيجية... ومقارنة ببعض دول الإقليم المضطربة فإن رأسمال جيبوتي هو الأمن والاستقرار، والحكومة لديها مشروع لاستثمار هذا الأمن لجذب الاستثمارات سواء كانت غربية أو خليجية أو من أي دولة عربية أخرى».
وينتظر أن تشهد محافظة «أُبخ» مشروعات ضخمة، وبخاصة في مجال السياحة وإصلاح السفن، مع إقامة مطار لنقل السياح ورجال الأعمال مباشرة إلى المحافظة دون الحاجة للمرور بالعاصمة. وتقع «أبخ» على البحر في مواجهة باب المندب، وتوجد بالقرب منها سبع جزر تصلح للغوص.
ويؤكد الوزير أن رؤية بلاده أن تتحول إلى «دبي صغيرة في مجال الاستثمارات» و«شرم الشيخ أو إندونيسيا في مجال السياحة»، مشيرا إلى أن جيبوتي تقع على ثاني أهم طرق التجارة العالمية، والحكومة أدركت هذه النقطة، ولهذا سوف تفتتح قريبا كثيرا من الموانئ البحرية مثل ميناء تاجورة وميناء عسل. و«هناك أكثر من سبعة موانئ بالإضافة إلى ميناء جيبوتي، وكل هذه الموانئ سوف تخدم مجموعة دول الإيغاد والكوميسا، إضافة إلى التجارة الدولية».
ولم يعد المطار الحالي قادرا على استيعاب التطورات الاقتصادية والتنموية في البلاد. وسيؤدي افتتاح مطارين جديدين إلى نقلة مختلفة في مسار التطور في جيبوتي، كما يؤكد المسؤولون هنا.
وتقوم بتشييد المطارين شركة صينية. ويقع المطار الأول، واسمه مطار «حسن غوليد»، وهو اسم أول رئيس لجيبوتي، على بعد نحو 25 كيلومترا جنوب غربي العاصمة، وسيتم افتتاحه خلال عام 2018 وتبلغ مساحته نحو 50 كيلومترا مربعا، وسيكون في إمكانه استيعاب نحو 1.5 مليون مسافر سنويا، وسيستقبل الطائرات الكبيرة من نوع إيه 380.
بينما يجري بناء المطار الثاني في محافظة «أُبخ» (شمال العاصمة بنحو 300 كيلومتر)، تحت اسم مطار «أحمد ديني أحمد»، وهو رئيس سابق لكل من الجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الوزراء، بطاقة استيعابية لنحو 350 ألف مسافر سنويا، على أن يتضاعف العدد بحلول عام 2021 إلى أكثر من 700 ألف مسافر.
قبل نحو سبع سنوات كان يوجد في جيبوتي بنكان فقط، أما اليوم فأصبح فيها ما لا يقل عن 12 بنكا ما بين محلي وأفريقي ودولي، من بينها بنوك صينية وماليزية ويمنية. ويوضح الوزير، علي داود عبدو، أن «العملة الجيبوتية (الفرنك) مستقرة أمام الدولار ولم تتغير قيمتها منذ عام 1977؛ ولهذا يوجد جذب للاستثمارات الأجنبية والعربية، واستقرار العملة المحلية يشجع المستثمر ويعطيه أمل، بينما تعويم العملة يمكن أن يخيف المستثمر أو يجعله مترددا».
ويقول الوزير: «بشكل عام يعد مناخ الاستثمار في جيبوتي جيدا، وقوانين الاستثمار مشجعة وهناك إعفاءات ضريبية تعطى للمستثمر العربي دون غيره؛ ولهذا نريد أن نجذب المستثمرين العرب الذين يريدون الاستثمار في بلد عربي وبخاصة من الخليج».
ومن بين المشروعات التي يجري العمل عليها في الوقت الراهن، قطاع السكك الحديدية والاتصالات والنقل الجوي؛ حيث تعتزم البلاد بناء مطار دولي جديد بسعة أكبر من المطار الحالي، وكذلك إقامة مطار دولي آخر في محافظة أبخ شمالا.
من جانبه، يقول وزير الإعلام والاتصالات إن بلاده تسعى منذ عدة سنوات لجعل الإعلام والاتصالات تواكب التطور الجاري في جيبوتي، مشيرا إلى وجود مساع من أجل فتح المجال لتأسيس صحف محلية، خصوصا بالأقاليم، مع تطوير الإعلام المرئي والمسموع أيضا.
ويكشف الوزير النقاب عن أنه جرى مؤخرا فتح المجال لعدة شركات محلية ودولية لهذا الغرض. ويقول: «ستقوم شركة هندية بإقامة مركز عبارة عن (مبنى ذكي كبير) لإنتاج الأفلام والأعمال الدرامية إضافة لخدمات الاتصالات المتطورة».
وأصبحت تمر من جيبوتي ثمانية كوابل بحرية عالمية، وتتجه إلى العمق الأفريقي ثم إلى أوروبا عبر مصر والأردن والشرق الأوسط والمحيط الهندي وصولا إلى آسيا أيضا. ويضيف الوزير عبدي يوسف سجيه: «آخر كابل ألياف ضوئية حديث سيمر من جيبوتي وتم إطلاقه مؤخرا ويصل إلى كينيا وتنزانيا والصومال وغيرها في أفريقيا وهذا يخدم الاتصالات والإنترنت... نحن بمثابة الحلقة لأفريقيا والمنطقة».
وتحاول الدولة أن تزيد من مساحة اللغة العربية في وسائل الإعلام، ويتحدث جانب كبير من الطبقة العليا في البلاد بالفرنسية لأسباب تتعلق بالتعليم في حقبة الاحتلال الفرنسي للبلاد، بينما تنتشر على المستوى الشعبي وعلى نطاق واسع اللغات المحلية، الصومالية والعفرية، إلى جانب اللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من 30 في المائة من عدد السكان، الذي يقل قليلا عن مليون نسمة.
وتعود أصول الوزير الجيبوتي، سجيه، إلى القبيلة الصومالية، وكان جده شاعرا مشهورا في جيبوتي. وبالإضافة إلى اللغة الصومالية، يتحدث الوزير الفرنسية والإنجليزية، وتعلم اللغة العربية على فترات قصيرة، ويضيف قائلا إن «كل الناس في جيبوتي يفهمون اللغة العربية، لكنهم نادرا ما يتكلمون بها».
وتمتلك جيبوتي حدودا قارية وبحرية، وتبلغ حدودها الشمالية مع إريتريا نحو 520 كيلومترا، وتحدها من الغرب والجنوب إثيوبيا، ومن الجنوب أيضا الصومال، وتمتد شواطئها إلى نحو 370 كيلومترا، من رأس دويرة شمالا، إلى قرية لوعدا جنوبا، وتقدر مساحتها بـ23 ألف كيلومتر مربع، وفي الجنوب الشرقي تقع محافظة «علي - صبيح»، وفي الوسط محافظة «عرتا»، وفي الجنوب الغربي محافظتا «دخل» و«تاجورة»، بينما تقع محافظة أبخ في الشمال الغربي؛ وكل محافظة يقطنها من 30 ألفا إلى 40 ألف نسمة، أما باقي السكان فهم من البدو الرحل الذين يسكنون البوادي، ويرتكز باقي السكان، أي نحو 400 ألف نسمة، في العاصمة.
وبالتزامن مع برامج للرعاية الاجتماعية موجهة إلى الطبقات الدنيا أطلقتها الحكومة تحت رعاية رئيس الدولة إسماعيل عمر غيلة، يولي الرئيس غيلة أيضا اهتماما ملحوظا بالفاعلين في القطاع الخاص الجيبوتي، سواء كانوا من القطاع المحلي أو الأجنبي، بهدف الاستفادة من التعاون بين الجانبين في تطوير مجال التجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والحرف اليدوية والسياحة، بما يعود بالنفع على القطاع المحلي الجيبوتي.
وفي هذا الصدد، جرى كذلك إطلاق آلية مؤسسية مختصة بالتشاور بين القطاع العام والخاص، وتحظى باهتمام أعضاء من الحكومة والبرلمان وممثلين من المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية، وذلك من أجل البحث عن حلول للعقبات التي تعرقل النمو في البلاد، والعمل على تسهيل تنفيذ المقترحات المبتكرة لصالح الشركات المحلية. وفي المقهى الملحق بفندق مينليك، وهو اسم يعود لملك أفريقي قوي من الزمن الماضي، بدأ عدد من رجال الأعمال المحليين والأجانب يتوافد لشرب قهوة الصباح وبحث المشروعات الجديدة. ويقول عيسى موسى وهو رجل أعمال جيبوتي، استحوذ على جانب من المشروعات الجديدة لتطوير المساكن الشعبية في العاصمة، وفقا للخطة التي وضعها رئيس الدولة، إن الاستثمار في بناء المساكن وتطوير البنية التحتية أصبح مثيرا لشهية كثير من المستثمرين العرب. ومن جانبه يضيف تبيع، مدير ورئيس شركة لافياثان، مستبشرا: «حصلنا مؤخرا على عقود بتسلم مئات الحاويات في الميناء لنقلها إلى إثيوبيا».
ويشترك مع مدير شركة «شرق أفريقيا للمواشي والتجارة العامة»، السوداني الجنسية، رجال أعمال مصريون ويمنيون وسودانيون. وتبدو الحركة الدائبة في جيبوتي أكبر من إمكانات الموانئ البحرية والمطارات؛ ولهذا ترحب الدولة ورجال الأعمال بكل من يأتي للعمل هنا، ومن أبرز هؤلاء الصينيون الذين يقومون بتوسيع عدد من الموانئ وشق الطرق وخطوط السكك الحديدية.
وارتفعت كمية الواردات التي تصل إلى ميناء جيبوتي بنسبة تصل إلى 300 في المائة خلال السنوات العشر الأخيرة. ويصل إلى جيبوتي سنويا نحو 3 ملايين حاوية، معظمها خاص بدول تقع في وسط أفريقيا.
ويقول أحد رجال الأعمال: «أحيانا تنتظر السفينة لمدة عشرين يوما من أجل دخول الميناء لتفريغ شحنتها... ولهذا دخل الصينيون لبناء موانئ جديدة لاستيعاب احتياجات 300 مليون نسمة في المنطقة».



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.