ملتقى من أجل «النهوض باللغة العربية» في السفارة السعودية لدى لبنان

احتفاء بيومها العالمي وبالتعاون مع «اللجنة الوطنية لليونيسكو»

ملتقى من أجل «النهوض باللغة العربية» في السفارة السعودية لدى لبنان
TT

ملتقى من أجل «النهوض باللغة العربية» في السفارة السعودية لدى لبنان

ملتقى من أجل «النهوض باللغة العربية» في السفارة السعودية لدى لبنان

بمناسبة «اليوم العالمي للغة العربية» نظمت سفارة المملكة العربية السعودية و«اللجنة الوطنية لليونيسكو» ملتقى ثقافيا تحت عنوان: «النهوض باللغة العربية - دور البعثات الدبلوماسية».
وأقيم الاحتفال بمقر السفارة السعودية في الحمراء، بحضور وزير الثقافة روني عريجي، وسفيري السودان علي صادق علي والجزائر أحمد بوزيان، وممثلين عن سفارات الإمارات والكويت والمغرب.
قدم الحفل رئيسة جمعية «بالعربية» الدكتورة سارة ضاهر، وشددت على «دعم الأطفال والشباب العرب، من أجل الاختراع والابتكار في مجال اللغة العربية، ومن أجل أن ترتقي هذه اللغة لتنافس اللغات العالمية».
وألقى القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري كلمة السفارة، وأشار خلالها إلى أن «اللغة العربية لغة ضاربة الجذور في التاريخ، وتعد من أقدم اللغات الحية ذات الموروث الحضاري والثقافي والروحي، وقد أصبحت (العربية) اليوم واحدة من أكثر اللغات انتشارا في العالم؛ حيث جعلتها هيئة الأمم المتحدة واحدة من بين 6 لغات عالمية يتم التعامل بها رسميا في الهيئة والمنظمات التابعة لها». وأضاف: «تعد المملكة العربية السعودية من أنشط الدول وأبرزها اعتناء باللغة العربية والارتقاء بتعليمها كمًّا وكيفًا للناطقين بها وبغيرها».
ولفت إلى أن «المملكة وظفت جهودها لإدخال اللغة العربية ضمن لغات العمل الرسمية المعتمدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973، ومركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية من أبرز المراكز التي تمثل المملكة العربية السعودية خير تمثيل في الانتماء الديني واللغوي، وفي نشر اللغة العربية في أنحاء العالم، بل يحسن القول إن هذا المركز يعد تتويجا لجهود المملكة في الاهتمام باللغة العربية محليا وعربيا وعالميا».
وتابع بالقول: «الجانب الأهم هنا أن مسؤوليتنا لا تنتهي بمجرد الاحتفال والاحتفاء بهذه اللغة، لذلك يجب علينا جميعا أن نهب لحماية هذه اللغة والحفاظ عليها كما اهتم بها سلفنا الصالح وثابر عليها وأوصى بالالتزام بها»، داعيا إلى أن «يتحد الجميع يدا واحدة لنشر هذه اللغة من خلال التكاتف والتضامن وتحت شعار: (لغتنا تؤلف بيننا)».
ثم تحدث رئيس اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو الدكتور هنري العويط، فأعرب عن سعادته بالشراكة مع المملكة العربية السعودية لتنظيم هذا الملتقى، وقال: «إن دواعي اغتباطنا بهذه الشراكة كثيرة، وفي مقدمها العلاقات التاريخية الوثيقة والوطيدة التي تربط بين بلدينا وشعبينا، ومن أبرز تجلياتها الأخيرة على الصعيد الوطني، زيارة التهنئة بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، التي قام بها عشية عيد الاستقلال مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، والتي أكدت على عمق الأواصر الأخوية وائتلاف الرؤى والأهداف، ومن أبرز علاماتها على الصعيد الثقافي أولى حلقات (الملتقى الثقافي السعودي – اللبناني)، التي عقدتموها يا سعادة المستشار، بعنوان: (عروبة الريحاني)، ونوهتم خلالها في معرض تذكيركم بالعلاقة بين أديب الفريكة ومؤسس المملكة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، بالوشائج التي استمرت في نسج تواصلنا وتقاربنا بين أصالة بادية الجزيرة العربية وشموخ أرز جبال لبنان».
وأشار العويط إلى أن «اللجنة الوطنية اللبنانية أولت باستمرار هذا الملف ما يستحقه من عناية واهتمام، وخير دليل على ذلك المؤتمرات والندوات وورشات العمل التي نظمتها، والأبحاث والدراسات التي أصدرتها، وتناولت فيها مجموعة كبيرة من قضاياها وشؤونها وشجونها».
وتابع: «نحن نتابع عن كثب ما تبذله المملكة من جهود مكثفة و(دؤوبة) من خلال وزاراتها المعنية وجامعاتها وأنديتها، من أجل تعزيز اللغة العربية، وتطوير برامجها التعليمية، وتأهيل معلميها، وتحفيز التلامذة والطلاب على اكتساب مهاراتها، ومن منا لا يقدر ما يقوم به (مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية)، ودعوته الملحاح إلى تأطير تعليمها، وتوحيد الجهود البحثية والتعليمية الرامية إلى الارتقاء بها، واهتمامه البالغ بتعليمها لغير الناطقين بها، وسعيه إلى فتح آفاق جديدة ومبتكرة في نشرها وتفعيل حضورها العالمي؟».
وقال العويط: «عندما نستعرض ما تطلقه الملحقيات الثقافية الأجنبية في لبنان، وفي طليعتها المركز الثقافي الفرنسي، والمعهد الإسباني، والمعهد الألماني، والمركز الثقافي البريطاني، من برامج، وما تقوم به من أنشطة، من أجل تعزيز انتشار لغات بلدانها، نتطلع بالكثير من الأمل ومن الثقة إلى الدور الكبير الذي تستطيع البعثات الدبلوماسية العربية أن تقوم به في مجال المشاركة في مسيرة النهوض باللغة العربية. وغني عن البيان أن الدور المنوط بها يختلف عن دور البعثات الأجنبية، لأنها عربية وعاملة في بلد عربي، ولكنه لا يقل عن دور نظيراتها أهمية».
ودعا إلى إطلاق مبادرة تضامنية بين الدبلوماسية والفكر، كاشفا عن أن «اللجنة على استعداد للتعاون إلى أقصى حد من أجل النهوض باللغة العربية»، وأمل في «ألا يقتصر الاهتمام باللغة على يومها هذا، بل أن يكون منطلقا لعمل يومي متواصل ومتجدد ومستدام».
ثم قدم البخاري درعا تقديرية إلى عريجي لجهوده المتواصلة من موقعه للنهوض باللغة العربية وللحفاظ على التراث والثقافة. كما تم توزيع دروع تقديرية لطلاب تراوحت أعمارهم بين 14 و18 سنة لفوزهم عن الفئات التالية: فاطة حيدر (تأليف مقالة)، وهادي الضنظ (رسم حروفيات)، ومؤمن قبوط (إلقاء)، وإياد طوط (تأليف شعر)، وعدنان الوزة (مهارات اللغة العربية) وآية خياط (إلقاء).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».