مريم عبد الوهاب تنسج الأساطير الأنثوية بالميثولوجيا الفرعونية

في معرض للفنانة المصرية بغاليري «الباب» بدار الأوبرا المصرية

مجموعة من أعمال مريم عبد الوهاب
مجموعة من أعمال مريم عبد الوهاب
TT

مريم عبد الوهاب تنسج الأساطير الأنثوية بالميثولوجيا الفرعونية

مجموعة من أعمال مريم عبد الوهاب
مجموعة من أعمال مريم عبد الوهاب

نادرا ما نجد الآن في معارض الفن التشكيلي تجارب إبداعية متميزة وخارجة عن المألوف، هذا المعرض الذي يحتضنه غاليري «الباب» بدار الأوبرا المصرية للفنانة السكندرية الشابة مريم عبد الوهاب يؤكد أن الفن التشكيلي لم يتوقف عن الرواد وكبار الفنانين المعاصرين، وأن السيريالية المصرية لم تنته عند «جماعة الفن المعاصر» أو «جماعة الفن والحرية» أو من تأثر بهم من فنانين في نهايات القرن الماضي؛ بل إن هناك طاقات إبداعية متفجرة تستحق دعم النقاد والتفاف المتلقين.
الفنانة مريم عبد الوهاب هي كريمة الفنان الكبير مصطفى عبد الوهاب صاحب التجربة الفنية المميزة الذي ينزع إلى التجريدية بلمسات صوفية فلسفية في لوحاته، لكنها استطاعت أن تشق طريقها الفني ببصيرة ومخيلة مصقولة ظهرت في معرضها الحالي.
لوحات مريم مليئة بالتفاصيل والزخارف والمعاني والرموز والدلالات، فهي تأخذ المتلقي لعالمها الخاص تتبادل معه الهواجس وشطحات الخيال الملونة. ففي إحدى لوحاتها تستعين الفنانة برمز «عين حورس» الشهيرة التي نقشت على المعابد الفرعونية منذ آلاف السنين والمعروفة في الفن الفرعوني بخصائصها التميمية، فهي ترمز لـ«حورس» التي ترمز للشفاء والنور والروح الطيبة، ودرء الأرواح الشريرة، فضلاً عن الشفاء. استعانت بها الفنانة لتحل محل العين في لوحة لها جمعت فيها ما بين شطحات السيريالية وشاعرية وتلقائية التشخيص بألوان مفعمة بالحيوية والطاقة التي تنتقل على الفور إلى المتلقي.
تتميز الفنانة بالجرأة في تشخصيها للمرأة فهي تمزج التشخيص بالسيريالية حيث تجسد في بعض لوحاتها ملامحها الشخصية في إطار سيريالي خيالي. يقول عنها النقد الفني المخضرم محمد كمال، في ندوة ألقاها عن المعرض بعنوان «نقوش على جدار النفس»: «في هذا المعرض نحن بصدد تجربتين تصويريتين متتابعتين، أولاهما أطلقت عليها (الخروج من البئر) المنجزة عام 2015 بأقلام الفحم الممتزج بالألوان الأكريليكية المخففة بالماء على أسطح من القماش، وفيها ترتكن الفنانة إبداعيًا إلى ما يسمى بـ(قاعدة الاستدعاء الطليق) التي أسس لها سيغموند فرويد، وتستخدمها مريم في استحضار الومضة النفسية الحاضرة مباشرة دون تلكؤ، قبل أن تدخل بها مباشرة إلى حيز التنفيذ التقني.. وفي هذه التجربة تحديدًا كانت مريم عبد الوهاب مصابة بالاكتئاب الشديد كما تقر هي؛ فخرجت تصاويرها نتاجًا لهذه الأزمة التي استثمرتها جيدًا ونفذت أعمالها من خلالها بحرفية دون انتباه إلى أنها اتبعت المنهج «الكلينيكي» المعنى بالمباشرة الطبية في الفراش، وذلك في علاج نفسها بنفسها عبر انخراطها المستمر في الأداء التصويري من أجل خفض مستوى التوتر المحيط بها عبر تحالف الأنا مع الأنا العليا لديها، بعيدًا عن الوجه الصدامي الآخر الذي ينجم عن التناحر بين الاثنتين.. لهذا لو دققنا في أعمال هذه التجربة سنجد مريم تميل فيها إلى حالة من التقمص، بداية من الاقتراب حثيثًا للعنصر، مرورًا بالتوحد معه، ونهاية بانصهار نفسها مع ذاتها لتصل إلى أقصى درجات الدمج بين اللذة والألم، أي أنها تجسد حالتها اللحظية المأزومة داخل المساحة الواقعة بين زنزانة الوجع وبراح الخلاص وكأنها تحاول دومًا الخروج من البئر النفسي المظلم إلى نور الحرية بعد فك الأغلال، مع التمسك برصيدها التراثي بصريًا وروحيًا وذاتيًا على المستويين الفردي والجمعي، لذا سنجد وجه وجسد الفنانة محوريًا في كل أعمال التجربة تقريبًا».
ويحلل كمال إحدى لوحات مريم التي يقول عنها: «تظهر نفسها من الخلف دون رداء إلا من جناحين التصقا بصفحة الظهر من أعلى، بينما طار شعرها في الهواء وهي تنظر إلى بومة رابضة على أحد الأغصان بنظرة مليئة بالتربص.. وقد ساد خلفية العمل جو وردى محمّر مختلط باللون الترابي الباهت.. وبين البومة ومريم امتدت زهرة اللوتس المصرية كرمز حضاري تلوذ به الفنانة من التيه النفسي.. وربما كانت المسافة الواقعة بين الاثنتين تشبه التردد البندولى بين فعلى المقاربة والشروع قبل ارتداء شخصية ألبومة كرمز شائع للشؤم والنحس في التراث الشعبي المصري والعربي». ويشير والدها الفنان مصطفى عبد الوهاب: «مريم نشأت وسط مجموعة من عمالقة الفن التشكيلي كان لهم عظيم الأثر في تكوين الرؤية الذاتية لها ومنهم: رباب النمر وفاروق وهبة وأحمد فؤاد سليم، وأحمد نوار، ومحسن شعلان، وحامد عويس وزينب السجين، فضلا عن فنانين لهم باع في مجال التمثيل ومنهم: فاروق الفيشاوي وشوقي شامخ والمخرج أحمد كمال مرسي. كما أن وجودها لمدة خمس سنوات في كلية الفنون بالأقصر شكل وجدانها».
ويقول خالد سرور عن المعرض في كلمته عنه: «إن هذا المعرض محطة مهمة في مشوار الفنانة مريم عبد الوهاب ويمكن للمتلقي من خلاله التعرف على ملامح تجربتها الفنية وما تتسم به روحها من شاعرية وخيال وتلقائية، مندفعة بجرأة وراء الإلهام والعاطفة، متحررة من المنطق والقواعد البصرية التقليدية إلى فضاءات الخيال والأساطير، حيث استطاعت بوعي الهروب من رقابة العقل إلى عوالم الأحلام بتشويقها وثرائها البصري عبر تكوينات فنية ذات دلالات ومعان تجسد رؤيتها وتوجهاتها الفكرية بشكل أكثر انفتاحا على الواقع وقضاياه».
مريم عبد الوهاب من مواليد الإسكندرية 14 فبراير (شباط) عام 1980، درست التصوير في كلية الفنون الجميلة بالأقصر، وشاركت في الكثير من المعارض حول العالم، ولها مقتنيات في متحف كازويا للفن المعاصر بنابولي والكثير من المتاحف حول العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».