انطلاق المؤتمر الثالث للحدّ من مخاطر تعاطي المخدرات في بيروت

افتتحته الفنانة يسرا بوصفها سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة

الفنانة يسرا
الفنانة يسرا
TT

انطلاق المؤتمر الثالث للحدّ من مخاطر تعاطي المخدرات في بيروت

الفنانة يسرا
الفنانة يسرا

افتتحت الفنانة يسرا «المؤتمر الثالث للحدّ من مخاطر تعاطي المخدرات» الذي تنظّمه شبكة مينارة في بيروت تحت عنوان «تخفيض المخاطر لتأمين الحقوق». وجاءت هذه المشاركة للممثلة المصرية انطلاقًا من موقعها كسفيرة للنوايا الحسنة لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز. وكان المؤتمر الذي يستمر ليومين قد أطلق برنامجه الرسمي بعد ظهر الأربعاء من فندق «لانكاستر بلازا» في منطقة الروشة، بحضور حشد إعلامي وممثلين عن المجتمع المدني وبرامج الأمم المتحدة في مختلف دول العالم. وشارك فيه دكتورة يمينة شقار المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بمرض الايدز، وإيلي الأعرج المدير التنفيذي لـ«مينارة» (شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحدّ من مخاطر تعاطي المخدرات) المنظّمة للمؤتمر.
«أنا أحترمكم وأحبّكم جدّا وأقول لكل متعايش أو خائف من إصابته، إن رسالتي تقضي بأن أقف إلى جانبكم وأن أوصل صوتكم، فيداي ممدودتان لكم وكونوا متأكدين أن همّي هو همّكم». بهذه الكلمات المؤثّرة خاطبت يسرا مرضى الإيدز موجهة نداء إلى المجتمعات المدنية والدول والحكومات، بضرورة التكاتف للوصول إلى حلول تقضي على هذا المرض وتحدّ من الإصابة به التي ترتبط ارتباطا مباشرا بإدمان تعاطي المخدرات. وأضافت: «الإيدز والمخدرات لا يشكلان قضية صحيّة فقط، بل قضية مجتمع بأكمله يحتاج إلى وعي وثقافة وتعاليم تفهمه كيفية الوقاية منهما والتي هي بمثابة العلاج. صحيح أن عدد الإصابات بمرض الإيدز ليس كبيرا في منطقتنا، إلا أننا ولو بقينا صامتين تجاهه كمن يخبئ رأسه كالنعامة، فإننا لن نستطيع أن نسيطر عليه». وروت يسرا التي شدّت الحضور بصوتها الهادئ ومشاعر الإنسانية وإحساسها المرهف تجاه الذين يعانون من هاتين الآفتين (الإدمان على المخدرات والإصابة بمرض الإيدز)، قصص عايشتها عن قرب من خلال أسفارها إلى الخارج وروت كيف يخصص ملك المغرب مثلا، يومًا تلفزيونيًا كاملاً لتوعية مواطنيه وحثّهم على التبرّع من أجل مساندة المصابين بمرض الإيدز من خلال استضافة نماذج حيّة بينهم. ودعت المجتمعات للقيام بفحوصات دم دورية من باب الوقاية، معترفة بأنها شخصيًا تقوم بذلك سنويًا، متسائلة: «وكيف بالأحرى الشباب الذين يشكّلون مستقبل وطننا العربي؟» وتوجّهت إلى أهل الإعلام، مشيرة إلى أهمية الدور الحيوي الذي يلعبونه من خلال إيصال الرسالة الصحيحة في كافة وسائل الإعلام. وختمت: «علينا أن نخففّ عن المصابين بالمرض وأن نساعد المدمنين على المخدرات لا أن نعاقبهم، فالمرض قاس على أي فرد لكن الأقسى منه هو حكم المجتمع على أصحابه».
ورأى إيلي الأعرج (المدير التنفيذي لشبكة منيارة) أنه لم يعد مسموحا بعد اليوم أن يعامل مستخدمو المخدرات على أنهم مرتكبو جرائم. فالقوانين في دول المنطقة باتت تعترف بأنهم مرضى، مشيرًا في الكلمة التي ألقاها في المناسبة إلى أن هؤلاء الأشخاص لهم الحق في التمتع بالخدمات الصحيّة وأن القانون يسمح لهم بذلك.
من جهتها، قد أكدت دكتورة يمينة شقّار (المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالايدز) أن فيروس نقص المناعة البشري في المنطقة، أصاب بشكل كبير الفئات السكانية الرئيسية وفي الأخص الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات بالحقن.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن هناك ما يقارب 35 مليون شخص متعايش مع فيروس نقص المناعة حول العالم بينهم 2.1 مليون شخص أصيبوا بالفيروس حديثًا. وحسب إحصاءات (شبكة مينارة) فإن هناك ما يزيد عن 570 ألف شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يستخدمون المخدرات بالحقن، وأن تشارك الحقن بين مستخدمي المخدرات يعد من أكثر وسائل انتقال فيروس نقص المناعة. وتعدّ «مينارة» الشبكة الأولى للحدّ من مخاطر استخدام المخدرات بواسطة الحقن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويغطّي عملها عشرون دولة بينها أفغانستان وقطر وفلسطين والمملكة العربية السعودية وسوريا والكويت ولبنان والأردن وغيرها.
ويتخلل برنامج المؤتمر جلسات عامة وأخرى رئيسية يتم خلالها إنجاز الإعلان السياسي لعام 2016 المعنى في إنهاء الإيدز في عام 2030، إضافة إلى مواضيع أخرى تعنون تلك الجلسات وبينها «حقوق الإنسان والمخدرات» و«تعزيز قدرات الجهات الفاعلة للحدّ من المخاطر»، كما ستقام ندوات حول التواصل من أجل التعبير الاجتماعي وتطوير استراتيجية الحدّ من المخاطر، وتعرض مقتطفات من حملة «ندعم ولا نعاقب». وشاركت الممثلة يسرا في هذا البرنامج بمداخلة حول حقوق الإنسان والمخدرات، كما أمضت يومًا كاملا مع مدمنين للمخدرات في أحد مراكز المعالجة الواقعة في منطقة سن الفيل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».