بن فليس لـ {الشرق الأوسط}: لا شيء يسرني أكثر من تسميتي {مرشح الشباب}

المرشح الرئاسي يقول إن احترام مؤسسات الدولة واجب على كل من يتحلى بروح المسؤولية

علي بن فليس
علي بن فليس
TT

بن فليس لـ {الشرق الأوسط}: لا شيء يسرني أكثر من تسميتي {مرشح الشباب}

علي بن فليس
علي بن فليس

ليست هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها علي بن فليس انتخابات الرئاسة الجزائرية في مواجهة الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، لكن الرجل المقبل من سلك القضاء والذي عمل وزيرا للعدل في عدة حكومات يراهن على أن هذه المرة مختلفة عن المرة السابقة في 2004.
وعمل بن فليس مع بوتفليقة رئيسا للحكومة حتى 2003، وتقلد مناصب رفيعة منها أمين عام حزب جبهة التحرير ومدير ديوان الرئاسة بما يعني أنه ليس بعيدا عن خبرات صناعة القرار وكواليس السلطة، ولكنه يقول في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، عبر أسئلة وردود مكتوبة، إنه لم يلتق بوتفليقة منذ عام 2003.
وهو يؤكد عشية ذهاب نحو 22 مليون ناخب داخل الجزائر اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس لولاية من خمس سنوات أنه سعيد بتسميته مرشح الشباب، وأنه - بصرف النظر عن الاتجاه الذي سيذهب إليه التصويت - فاعل سياسي وسيواصل النضال من أجل القيم التي يؤمن بها، وهو يقول إنه يخطط لجعل 17 أبريل (نيسان) أي اليوم، تاريخا للتغيير الرصين، أما بالنسبة إلى ما يجري في العالم العربي فهو في رأيه مسار يصعب وصفه بدقة لتعدد العوامل واختلاف المسببات والظروف، لذلك من الصعب النطق بحكم عام، لكن لا جدوى من الوقوف في وجه رغبة الشعوب في التغيير. وإلى نص الحوار.
* السيد علي بن فليس.. ما أشبه الليلة بالبارحة فقد كنت المنافس الرئيس لبوتفليقة في اقتراع 2004، ما الذي يجعل الأمر مختلفا الآن بالنسبة إلى حظوظك في صناديق الاقتراع؟
- إن الأمر مختلف تمام الاختلاف، فالمجتمع الجزائري تغير وأصبح أكثر وعيا بضرورة إرساء قواعد الديمقراطية وترسيخ الحريات وهذه المعاينة تنطبق على وجه الخصوص على فئة الشباب التي أصبحت فاعلة في شبكات التواصل الاجتماعي ومطلعة على ما يعرف العالم من تحولات باتجاه التعددية والحريات وكيفية ممارسة الديمقراطية. فلا يمكن للجزائر أن تكون على هامش هذا التوجه. وبمناسبة انتخابات 2014، جئت حاملا لمشروع يستجيب للتطلعات ويضع الجزائر على نحو يساير وجهة التاريخ.
* في تصريحاتك تعهدت بأن تعيد الجزائر إلى عمقها العربي والأفريقي في حال فوزك، ماذا تقصد بذلك؟ وهل الجزائر فقدت هذا العمق في السنوات الأخيرة؟ وهل يعني ذلك أنكم ترون غيابا للدبلوماسية الجزائرية عن امتدادها الأفريقي والعربي؟
- تعهدت بالفعل أن أعيد الجزائر إلى عمقها العربي والأفريقي لأنها فقدت خلال أكثر من عشرية المكانة التي كانت تحظى بها خاصة على المستويين السياسي والاستراتيجي في المديين العربي والأفريقي.
ألا ترون أنه من الغريب ألا تحدث خلال 15 سنة أي زيارة رسمية ثنائية على أعلى مستوى مع دول أفريقية! ألا ترون أن الجزائر مغيبة في الساحة العربية بعد أن كانت فاعلا يحسب لها ألف حساب! أنا أقدر أن هذا ليس ذنب الدبلوماسيين الجزائريين الذين لهم من الكفاءات والقدرات ما يسمح لهم بإعلاء صوت الجزائر وإسماع كلمتها في محفل الأمم.
فالداء يكمن في غياب استراتيجية واضحة المعالم وهذا الأمر ليس غريبا لأنه من المعروف أن السياسة الخارجية هي مرآة عاكسة للسياسة الداخلية.
في حالة انتخابي رئيسا للجمهورية، ستستعيد الجزائر دورها الفاعل في الفضاءين الأفريقي والعربي وستكون محاورا ذا مصداقية وستتحمل مسؤولياتها كاملة غير منقوصة في حل النزاعات وبعث التعاون على مختلف الأصعدة.
* الشباب هم قوة التغيير في المجتمعات العربية حاليا، وكما يبدو هناك حالة إحباط بسبب قلة الفرص الوظيفية أساسا، وكذلك الرغبة في حريات أكبر مماثلة لما يشاهدونه من خلال وسائل التواصل والاجتماعي والإعلامي في العالم، ماذا تقول لهؤلاء الشباب وما وعودك لهم؟
- إن هذا التشخيص ينطبق تماما على الجزائر، فالشباب الجزائري يعاني من مشكلات البطالة ونقص الآفاق علاوة على الوصاية المفروضة عليه التي تشعره بالانتقاص من شأنه وبالتهميش والإقصاء.
لقد استمعت للشباب عبر مختلف ربوع الوطن وتوصلت إلى قناعة تقضي بضرورة إرساء مبدأ الانتقالية بين الأجيال حتى يتسنى للشباب تحمل المسؤوليات على كافة المستويات.
إن الشباب هو المحور الأساسي في برنامجي وفي ذات الوقت الرافعة الأساسية لوضعه حيز التنفيذ. لهذا فإني ألتزم بتسليم الشباب مقاليد إدارة شؤون البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحكامة الراشدة التي هي حجر أساس برنامج التجديد الوطني الذي أحمله ستضع مشكلات الشباب في خانة أولوياتها.
* أنت أول مرشح رئاسي يجري عملية الحوار مع الشباب بوسائل التواصل الاجتماعي، هل يمكنك إلقاء الضوء على ذلك، وكيفية تجاوب الشباب معك؟
- الكل يعترف أن حملتي الانتخابية نشطها بالأساس الشباب الذين شكلوا خلايا على شبكات التواصل الاجتماعي وتكفلوا بالعمل الجواري لإقناع الجزائريات والجزائريين بأحقية المشروع الذي نحمله سويا. وأدعوكم بالمناسبة إلى زيارة المواقع الاجتماعية وصفحات «فيسبوك» وسوف تقرون أنني استطعت على نحو مرضٍ جمع جيش عرمرم من شباب «فيسبوك» الذي التف حول الالتزامات المتضمنة في برنامجي. ومن دون شك، فلا شيء يسرني أكثر من تسميتي بمرشح الشباب من قبل معظمهم.
* هناك تعطش بين الشباب خاصة إلى أنماط أكثر تطورا من الديمقراطية في الحكم والتحديث، وهناك حقيقة تاريخية أن التطور الديمقراطي في الغرب حدث على قاعدة نمو اقتصادي أدت إلى تشكيل طبقة وسطى توسعت وتعلمت، ومن ثم بنت مؤسسات الديمقراطية والحكم الشفاف لحماية مصالحها، في رأيك ما الأسس التي ترون أن الجزائر تحتاجها لتعزيز مثل هذه المؤسسات وتطوير العملية الديمقراطية؟
- إن الجزائر تحتاج إلى تعميق ثقافة الدولة، هذه الثقافة التي تفرض احترام صلاحيات المؤسسات، وصيانة المال العام وتجعل من الدولة أداة لخدمة المواطنين. ومما لا شك فيه أن الجزائر بحاجة إلى تنويع اقتصادها حتى تقلص من تبعيتها للمحروقات، فالأمر هنا يمر حتما عبر تشجيع المبادرة حتى يصبح للجزائر نسيج من المؤسسات الاقتصادية الفعالة والناجعة.
إن تحقيق هذا المبتغى سيرفع من وتيرة النمو ويقلص من تبعية الاقتصاد الجزائري إلى الخارج ويرفع من المستوى المعيشي للساكنة كما يؤدي إلى بروز فئة وسطى تلعب دورا هاما في التحولات السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
سأتخذ القرارات اللازمة ليصبح مناخ الأعمال مناسبا ولأجعل من الجزائر بلدا يستقطب المستثمرين الوطنيين والأجانب.
* انطلاقا من السؤال السابق، هل ترى أن الجزائر أصبحت جاهزة لعملية تداول السلطة الآن؟
- إن الشعب جاهز وواعٍ بضرورة التداول على السلطة لأنه يعيش أوضاعا مزرية ولا يزال يعاني من أزمة متعددة الأبعاد وعميقة، فالشعب الجزائري يرى أن مشكلاته غير متكفل بها وأن الحلول المقترحة هي حلول ظرفية وفي غالب الأحيان غير ناجعة. من جهة أخرى، فإن ثقافة الجزائري ترفض السلطة الأبدية والتوريث.
* أنت رجل قانون، ما خططك أو أفكارك في مجال ترسيخ سيادة القانون في الدولة الجزائرية في حالة فوزك بالرئاسة؟
- سأمنح العدالة استقلالية تامة وأجعل القاضي لا يخضع إلا لضميره. كنت وزيرا للعدل في ثلاث حكومات متتالية وشرعت في تطبيق مبدأ استقلالية العدالة وسُميت هذه المرحلة بالعصر الذهبي للعدالة الجزائرية.
سأجعل، بإذن الله، من الجزائر بلدا يعلو فيه القانون ولا يعلى عليه، بلد يتمتع فيه الشعب بحماية القانون ضد كل التجاوزات وسأجعل من المجلس الأعلى للقضاء الهيئة التي تسهر على المسار المهني للقضاة دون أي تدخل يذكر للجهاز التنفيذي كما سأعمل على إصلاح الترسانة القانونية بما يستجيب لتطلعات الجزائريين.
* علاقتك ببوتفليقة وبدوائر الحكم في الجزائر، هل هناك تواصل، أو مضايقات في حملتك الانتخابية؟ وكيف ترى شفافية وحيادية أجهزة السلطة في التعامل مع حملات المرشحين مقارنة بحملة الرئيس المرشح بوتفليقة؟ وما رأيك فيما يثار من انتقادات حول إدارة حملته عن طريق وكلاء؟
- بالنسبة لعلاقتي مع الرئيس بوتفليقة، فقد بدأت سنة 1999 لما طلب مني إدارة حملته الانتخابية وكنت شريكا في المشروع الذي اقترحه على الجزائريين والذي كان يتمحور حول مجموعة من القيم أؤمن بها وأعتنقها.
فالخلاف قد بدأ لما حدث انحراف عن هذه القيم لا سيما عندما أراد الرئيس اعتماد قانون جديد للمحروقات يُملك الشركات الأجنبية باطن أرض الجزائر، الأمر الذي رفضته رفضا قاطعا لأن ثروات الجزائر ملك للشعب الجزائري ولا يحق لأي أحد مهما كان موقعه التصرف فيها.
أما السبب الثاني، فإنه يخص القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء حيث حررت نصا يعترف للقضاة باستقلالية تامة الأمر الذي لم يستسغه الرئيس الذي تحذوه قناعة بضرورة إخضاع القاضي لنفوذ السلطة التنفيذية.
منذ سنة 2003 لم ألتق الرئيس، أما بالنسبة لعلاقتي مع مؤسسات الجمهورية، فإني أحترم المهام التي تضطلع بها لأنني متشبع بثقافة الدولة وبتقدير مؤسساتها من برلمان وغيره، فاحترامها واجب على كل من يتحلى بروح المسؤولية لأن في ذلك احتراما للدولة الجزائرية.
* الجزائر في وضع اقتصادي جيد بسبب ارتفاع أسعار النفط التي أدت إلى احتياطيات أجنبية تتجاوز 200 مليار دولار، ومع ذلك هناك نسب بطالة، في تقديرك ما أسباب ذلك؟ وهل نمط التنمية المعتمد على الدولة في إدارة الاقتصاد هو المسؤول عن ذلك؟ وهل لديك اطمئنان بأن وضع الاقتصاد لا يحمل مخاطر مخفية؟
- اسمحوا لي أن أصوب كلامكم، فالجزائر تعرف وضعا ماليا مريحا لكنها تعاني من وضعية اقتصادية مقلقة. وسبق لي أن ذكرت التبعية المفرطة للمحروقات التي تمثل أزيد من 97 في المائة من صادرات الجزائر في الوقت الذي تشكل فيه الجباية البترولية 75 في المائة من مداخيل الدولة.
إن القطاع الصناعي متدهور والقطاع الزراعي لم يرق إلى درجة الأموال التي صرفتها الدولة، أما القطاع الخدماتي فلا يزال بدائيا. لكل هذه الأسباب لم ترق الجزائر إلى مستوى التقدم والنمو الذي تسمح به الإمكانات المادية والبشرية التي تزخر بها.
وضعت المؤسسة الاقتصادية في صلب برنامجي وأعددت خطة لتحقيق وثبة إنتاجية حقيقية في الجزائر. كما أنني أدعو المتعاملين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب إلى وضع ثقتهم في بلد سيطلّق عصر البيروقراطية ويدخل عهد النجاعة والفعالية الاقتصادية.
* تشكيل حكومة وحدة وطنية والعمل من أجل دستور توافقي بين أهم بنود وعودك الانتخابية لماذا ترى أن الجزائر في حاجة لذلك؟
- تعيش الجزائر أزمة منذ أكثر من عقدين من الزمن والحلول التي اقترحت لم تف بالحاجة ولم تكن شاملة.
إن الخيار الذي اعتمدته في برنامجي هو مسعى توافقي يجمع كل الفاعلين من دون استثناء أو إقصاء ولا تهميش ما عدا أولئك الذين يخرجون عن دائرة العمل السياسي باللجوء إلى العنف.
فور انتخابي، سأدير هذا الحوار الوطني الذي سينبثق عنه دستور توافقي وتؤسس من خلاله حكومة وحدة وطنية مبنية على أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية توحد الرؤى حول المشكلات والحلول.
لست بالرجل الذي يؤمن بالحلول السحرية أو بالرئيس المعجزة، أنا رجل حكامة وحوار وليس رجل الانفراد بالسلطة.
سأقترح على كل القوى الفاعلة سياسيا شراكة سياسية حقيقية تجعل حتى من المعارضة جزءا من السلطة وهذا من خلال الاعتراف لها بالحق الكامل في النقد والاقتراح.
* ما تعليقك على المخاوف التي تثار خلال الحملات من أن فتح الباب للتغيير الآن في الجزائر قد يفتح هو الآخر الباب لعودة تيارات من الإسلام السياسي قد تعيد العنف مجددا وتخل بالاستقرار كما حدث في بلدان عربية أخرى ما زالت تصارع من أجل إعادة الاستقرار وحماية دولها من الانهيار؟
- إن الدول والمجتمعات لا تبنى على التهميش والإقصاء والتيار الإسلامي حقيقة في الجزائر لا يمكن أن ينكرها أحد إلى جانب وجود تيارات أخرى قوية كالتيار الديمقراطي والوطني وغيرها.
إن كل من ينصهر ضمن قوانين الجمهورية ويدرج عمله السياسي في هذا الإطار له الحق في التعبير عن رأيه وتوجهه ويبقى اللجوء إلى العنف هو الخط الأحمر الوحيد.
كما أنه لا تخوف عندما تتمتع مؤسسات الدولة بالشرعية والمصداقية، مبدآن يمنحان المؤسسات القوة لتطبيق قوانين الجمهورية بصرامة ومن دون تمييز.
* هناك قضية تشغل الجزائريين في الداخل والخارج هي ظاهرة هجرة العقول والكفاءات خلال العقدين الأخيرين لأسباب مختلفة، ما خططك للاستفادة من هذه العقول والكفاءات، وجذبها للداخل، أو على الأقل ربطها بوطنها لصالح خطط التنمية؟
- إن الأدمغة الجزائرية قد هاجرت إلى الخارج لأنها لم تجد في وطنها الظروف المواتية لتحقيق ذاتها. في برنامجي قررت إنشاء هيئة تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية تعهد إليها مهمة إيجاد الصيغ والأنماط الكفيلة بإسهام هذه الفئة في خطط التنمية الوطنية، وهذه الهيئة ستصغي لهذه الكفاءات وتحدد بمشاركتهم الإجراءات التي تكفل تحقيق مناخ لضمان إسهامهم في الجهد الوطني الرامي إلى جعل الجزائر دولة تلتحق بركب الدول الناشئة.
* ما رأيك فيما أطلق عليه الربيع العربي وتداعياته الحالية التي أصبحت في رأي كثيرين سلبية ويخشى منها على كيانات ودول عربية، وما رؤيتك لكيفية الخروج مما يبدو كمطب تاريخي دخلنا فيه، ولا نعرف كيفية الخروج منه؟ وهل تخشى من دخول الجزائر هذا المطب؟
- إن ما يجري في العالم العربي مسار يصعب وصفه بدقة لتعدد العوامل واختلاف المسببات والظروف، لذلك من الصعب النطق بحكم عام.
لكن يمكن لي القول إنه لا جدوى من الوقوف في وجه رغبة الشعوب في التغيير وإرساء الحريات والديمقراطية. أما بالنسبة للجزائر، فإني أسعى وأعمل على أن أجعل من تاريخ 17 أبريل محطة للتغيير الرصين شريطة ألا يسطو التزوير على الإرادة الشعبية.
* في حالة عدم الفوز بالانتخابات الرئاسية ما مشاريعك السياسية بعدها، وهل ستظل في دائرة العمل العام السياسي أو الحزبي؟
- أنا فاعل سياسي وسأواصل النضال من أجل القيم التي أؤمن بها مستلهما قوتي وثباتي من الدعم الواسع الذي أحظى به من قبل الفئات العريضة من الشعب الجزائري. فبالنسبة لي، إن النضال من أجل المعتقدات والقيم هو أمر ثابت سواء كان المرء في السلطة أو خارجها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.