باريس تحتفل بمهرجان «فن الطعام» على الطريقة الكانتونية

عشاء يستحق عناء السفر

الشيف سامويل لي - من الأطباق المخصصة للائحة طعام المهرجان - محار مقلي - أرجل الضفادع المبتكرة
الشيف سامويل لي - من الأطباق المخصصة للائحة طعام المهرجان - محار مقلي - أرجل الضفادع المبتكرة
TT

باريس تحتفل بمهرجان «فن الطعام» على الطريقة الكانتونية

الشيف سامويل لي - من الأطباق المخصصة للائحة طعام المهرجان - محار مقلي - أرجل الضفادع المبتكرة
الشيف سامويل لي - من الأطباق المخصصة للائحة طعام المهرجان - محار مقلي - أرجل الضفادع المبتكرة

البعض يأكل فقط لكي يشعر بالشبع، والبعض الآخر من الناس يسمون بالذواقة والسبب وراء ذلك أنهم يتمتعون بالأكل الذي يعتبر بالنسبة إليهم طريقة عيش وثقافة وبذلك يكون الهدف من الأكل ليس فقط ملء المعدة إنما منح العين حقها من المتعة، والذائقة أيضا لها حصتها من التمتع وبالتالي تكون المعدة بألف خير.
وعندما نتكلم عن الأكل تخطر باريس على بالنا تلقائيا، لأنها عاصمة الطعام والتفنن به من دون منازع ولو أن طوكيو أصبحت تنافسها من حيث عدد تملك نجوم ميشلان للتميز، ولكن يبقى لباريس رونقها عندما يأتي الأمر على الطعام وفنه وطريقة تقديمه في قالب أشبه بلوحة فنية ترضي جميع الحواس.
وإذا كنت من بين هؤلاء الذواقة الذين يسافرون ويقطعون أميالا لتذوق طبق أو زيارة مطعم ما، فلديك موعد مع مهرجان «فن الطعام» Festival Of Gastronomy العالمي الذي تستضيفه باريس ما بين 27 و31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في فندق شانغريلا باريس الذي يقوم باستضافة المهرجان العالمي في مطعمه الصيني الكانتوني «شانغ بالاس» المطعم الآسيوي الوحيد الحاصل على نجمة ميشلان في العاصمة الفرنسية بالإضافة إلى جائزة «غو ميو»، وفي تلك الفترة يحتفل المطعم بالمهرجان على طريقته الخاصة من خلال لائحة طعام رائعة صمم أطباقها الشيف الرئيسي في «شانغ بالاس» الشيف الشاب سامويل لي إبن الـ33 عاما وحائز عدة جوائز لتميزه في تقديم الأطباق الصينية والكانتونية، الشيف لي من أصول صينية وهو بالأصل من هونغ كونغ وانضم إلى فندق شانغريلا في وينزهو في مقاطعة زيغيانغ الصينية في مايو (أيار) 2013 وبعد افتتاح المطعم في الفندق الباريسي في عام 2011 انتقل للعيش في باريس وتولى مطبخ المطعم الجديد الذي كان بمثابة منافسة حقيقية مع المطبخ الفرنسي في عقر داره ليصبح اليوم وبفضل الشيف لي واحدا من أرفع عناوين الأكل في باريس ومقصد الذواقة.
كان لـ«الشرق الأوسط» فرصة تذوق لائحة الطعام التي صممت لتقدم طيلة فترة المهرجان قبل موعد الانطلاق في السابع والعشرين من هذا الشهر، وبدأ العشاء بتشكيلة من الديم سام الصينية، مع نفحة كانتونية واضحة من ناحية استخدام مكونات لا تستخدم عادة في المطبخ الصيني، وبعدها يأتي المحار المقلي، وتشكيلة من اللحم المقدد بصلصة مبتكرة وطبق النودلز الكانتوني مع الخضار وطبق النودلز المقرمش مع البيض والسلطعون المقلي ومن الأطباق اللافتة ابتكار قطعة من لحم البقر مستأصلة من منطقة الخد مع الكستناء وصلصة الصويا وطبق مؤلف من أرجل الضفادع المقلية التي يشبه مذاقها إلى حد بعيد مذاق لحم الدجاج، ولأصحاب القلوب الضعيفة بالنسبة لتجربة المأكولات الغريبة، أنصحهم بهذا الطبق لأن الخلطة المرافقة له وطريقة التقديم تنسيك أن اللحم يأتي من الضفدع وليس من الدجاج.
وهذا المهرجان هو في دورته الثانية، حيث أطلق العام الماضي ولاقى استحسانا كبيرا من قبل الذواقة، وتحتفل به فروع فنادق شانغريلا في كل من باريس ولندن وشنغهاي واليابان وهونغ كونغ ومانيلا وتايبي وسنغافورة وجاكارتا وبيكين.
ولائحة الطعام يبتكرها الطاهي الرئيسي في كل فرع من الفروع التي ذكرناها، وفي «شانغ بالاس» صمم الشيف لي اللائحة التي تطلب كما هي، وهي مخصصة للمهرجان وليس من الممكن تذوق هذه الأطباق في أيام السنة العادية ولهذا السبب يعتبر المهرجان فرصة للذواقة للاحتفال بالطعام بطريقة مميزة ليست متوفرة في جميع الأوقات.
ولا يمكن أن تنتهي من تذوق لائحة الطعام الطويلة، وهنا أشدد على ضرورة التوجه إلى المطعم مع التشديد على أن تكون معدتك خاوية لأن الطعام لذيذ ويقدم بكمية وافرة وختامه أرز مع الخضار وطبق من الحلوى والفواكه الآسيوية.
من الممكن الحجز المسبق للمشاركة بمهرجان فن الطعام في باريس من خلال: shangrilalovesfood.com وهذا الموقع مخصص للمهرجان وأطباقه وتوفر الحجوزات.
وفي لقاء مع الشيف سامويل لي بعد تذوق لائحته الرائعة، ابتسم الشيف قائلا: «أنا سعيد برؤية الأطباق فارغة» مع ابتسامة عريضة من طاه شاب يعشق الطهي والابتكار رغم سنه الصغيرة في عالم الطهي الذي عشقه بسبب والدته وباقي أفراد عائلته من جهتها.
إذا أردت زيارة «شانغ بالاس» Shang Palace في الأيام العادية فلائحته شبه ثابتة تتغير بحسب المواسم ولكن تبقى هناك بعض الأطباق التي تحمل توقيع المطعم والطاهي مثل «الديم سام» وطبق «لو هي» Salmon Lo Hei وBeggar’s Chicken من دون أن ننسى طبق الصين الأول Peking Duck المقرمش من الخارج والذي تذوب لحمته في الفم من الداخل.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.