المشلح الحساوي يواجه خطر الانقراض

المستورد ينافس والعباءات التقليدية لا تزال تشق طريقها لكبار الشخصيات

صناعة المشالح في الأحساء تحاول الحفاظ على تقاليدها ومنافسة المستورد  -  سعودي يجرب المشلح في إحدى أسواق الدمام قبيل عيد الأضحى (تصوير: عيسى الدبيس)
صناعة المشالح في الأحساء تحاول الحفاظ على تقاليدها ومنافسة المستورد - سعودي يجرب المشلح في إحدى أسواق الدمام قبيل عيد الأضحى (تصوير: عيسى الدبيس)
TT

المشلح الحساوي يواجه خطر الانقراض

صناعة المشالح في الأحساء تحاول الحفاظ على تقاليدها ومنافسة المستورد  -  سعودي يجرب المشلح في إحدى أسواق الدمام قبيل عيد الأضحى (تصوير: عيسى الدبيس)
صناعة المشالح في الأحساء تحاول الحفاظ على تقاليدها ومنافسة المستورد - سعودي يجرب المشلح في إحدى أسواق الدمام قبيل عيد الأضحى (تصوير: عيسى الدبيس)

يتنفس عشرات المهنيين السعوديين الذين لازالوا يحترفون صناعة المشالح الفاخرة، الصعداء مع حلول مواسم الأعياد والربيع وازدهار موسم الأعراس، هذه المواسم تعيد الأمل للأيادي المحترفة التي تصنع المشالح وتتوارثها في الأحساء.
يقول أحد الحرفيين الذين توارثوا هذه المهنة عن الآباء: «المشالح المصنعة آلياً تغزو الأسواق، وتنافس منتجاتنا».. يضيف: "تتميز هذه المشالح برخص الأسعار، لكن شتان بين المشالح المصنوعة يدوياً وتلك الخامات المعمولة آلياً.. أهل الخبرة يعرفون الفرق».
ولازالت عائلات احسائية احترفت صناعة البشوت التقليدية الفاخرة واشتهرت بإنتاج أفضل أنواع البشوت وأكثرها جودة، في دول الخليج تمارس هذه الصناعة وتنتجها بطلبات لكبار الشخصيات من أمراء وشيوخ وتجار.
ومع اتجاه الشباب نحو الاقتصاد في مصروفاتهم اصبحت المشالح المصنوعة يدوياً وذات القيمة العالية بعيدة المنال عن متناولهم.
وبسبب المنافسة التي يواجهها المشلح الحساوي، انخفضت عائداته التي كانت تقدر بنحو 20 مليون ريال، وبسبب قلة عدد العاملين في صناعة المشالح اليدوية فقد انخفضت كمية الانتاج خلال السنوات الماضية.
ويطالب المهنيون بجهود محلية لحفظ صناعة المشالح من الاندثار، مع دعوات لحفظ التراث المحلي في ارتداء الملابس، حيث أصبح الزي المحلي بشكل عام يلاقي صدوداً من قبل الشباب.
ويقول الباحث في التراث أحمد البقشي لـ(الشرق الأوسط) «في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات الهجرية كان من المعيب جدا أن يخرج إلى الشارع ويتجول في الحارة أي شخص تجاوز عمره 10 سنوات دون أن يرتدي الثوب والشماغ والعقال بل وحتى المشلح».
وأضاف: «قد يحرص كل من تجاوز عمره 15 سنة على إرتداء المشلح ومن النادر جدا أن يتم الاكتفاء بلبس الثوب والشماغ فقط في هذا السن, لكن هناك قاعدة إجتماعية أو "واجب" أن يرتدي كل رجل بلغ سن الرشد المشلح خاصة في المناسبات العامة والخاصة».
ويطالب مهتمون بتطوير صناعة المشالح؛ العمل على إيجاد صناعة ذات علاقة بالمشالح كصناعة الأقمشة وتشجيع المنتجين للمشالح على إقامة معارض ترويجية للمشلح الحساوي ومحطات تسويق، ومنحها علامات تجارية.
ويعتبر سوق «القيصرية» التاريخي المشهور، أشهر مقرات صناعة المشالح في الأحساء، فقد حافظ هذا السوق على نمطه الاقتصادي والاجتماعي، حيث يمثل مكاناً للحرف التقليدية التي كانت على مدار الزمان تُعد رافداً اقتصادياً مهما، مثل: المنسوجات، وصناعة البشوت والمشالح، والسيوف والخناجر، والنحاسيات، والجلديات، وصياغة الذهب، وسبك المعادن، ومحلات العطارة، وصناعة العطور، والزل والفرش، وبالطبع تجارة التمور حيث تعد الأحساء أكبر واحة في العالم لزراعة النخيل.
وكان الباحث في التراث المحلي عبدالله الشايب قد ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن الأحساء هي مهد صناعة البشوت ومنها انتقلت عبر هجرات الأسر لدول الخليج والشام والعراق, لذلك لايزال البشت الحساوي الأجود والأكثر طلبًا في المناسبات الرسمية والإهداءات.
ويُعّد حمد الحمد أحد الذين لازالوا يصنعون المشالح بأيديهم في الاحساء وقال لـ«الشرق الأوسط»، «هناك تراجعاً واضحا في مبيعات البشوت الأصلية منذ 20 عام وهذا التراجع ناتج عن وجود صناعات تقليدية كثيرة بثمن أقل من الأصلية ولكن في المقابل هناك من لايزال مصرا على الحصول على الجودة من مصدرها الأصلي وهذا سر التمسك بالمهنة».
وأضاف: «لم يعد هناك من الصناع المهنيين من يبحث عن الربح أكثر من سعيه للحفاظ على هذه المهنة وحمايتها من الاندثار مع أن صعوبات المحافظة على هذه المهنة وحتى بيع اللبس التقليدي أو التراثي تبدو كبيرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».