الأردن يمضي في البرنامج النووي السلمي.. رغم التحديات

البخيت: نعاني من نقص الكوادر في مرحلة حرجة

أحد مفاعلات شركة روس آتوم الروسية (رويترز)
أحد مفاعلات شركة روس آتوم الروسية (رويترز)
TT

الأردن يمضي في البرنامج النووي السلمي.. رغم التحديات

أحد مفاعلات شركة روس آتوم الروسية (رويترز)
أحد مفاعلات شركة روس آتوم الروسية (رويترز)

قال رئيس اللجنة الاستشارية الدولية للبرنامج النووي الأردني، رئيس الوزراء الأردني الأسبق معروف البخيت، إن بلاده ماضية ببرنامجها النووي وفق المعايير العالمية وبدرجة عالية من الشفافية وللاستخدامات السلمية فقط.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقد أمس، وعرض خلاله البخيت خلاصة التقرير الأول الذي أعدته اللجنة حول المراحل التي قطعها البرنامج النووي الأردني المرتقب عام 2024 لتوفير 2000 ميغاواط كهرباء، من خلال مفاعلين بقدرة 1000 ميغاواط لكل منهما.
وأكد البخيت حاجة البرنامج لمزيد من الوضوح حول «حصة الأردن من التمويل» وآلية استكمالها، وكذلك أهمية «استقلالية المنظم النووي»، موضحا أن اللجنة أكدت أن جميع عناصر البرنامج، من هيئة الطاقة الذرية والشركة الأردنية للطاقة النووية وهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، تعاني من نقص في الكوادر «وتحتاج إلى خبراء بمهارات مناسبة.. وقد لا يكون لدى الأردن حاليا ما يكفي من كبار الخبراء في هذه المراحل الأولية الحرجة من برنامج الطاقة النووية».
من جانبه، أكد رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية خالد طوقان، أن الأردن لن يذهب لتوقيع عقد مشروع المحطة النووية قبل توفير حصته من التمويل، وأن نحو 80 إلى 85 في المائة من هذه الحصة «قد تم تأمينها، وهناك بوادر إيجابية لتأمين تمويل باقي النسبة».
وشدد طوقان على ضرورة أن يبقى الأردن مالكا لجزء من المشروع «الذي قطع شوطا كبيرا» بامتلاكه بنية تحتية مهمة وأدوات رئيسية للنجاح، تشمل مفاعل البحث والتدريب في جامعة العلوم والتكنولوجيا ومختبر السنكرترون في علان في محافظة البلقاء.
وأكدت اللجنة في تقريرها أن التزام الأردن بأفضل المعايير في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يعد أساسا صلبا للبرنامج النووي، مؤكدة حاجة الأردن لمسار ثان يركز على مفاعلات الوحدات الصغيرة لضمان توافر الكهرباء.
وأضافت اللجنة أن جميع عناصر البرنامج النووي الأردني تعاني من نقص في كوادرها وتحتاج إلى خبراء بمهارات مناسبة، وأنه ينبغي على الأردن توظيف خبراء عالميين لإعداد خريجي جامعة العلوم والتكنولوجيا لمرحلة المفاعل.
وتضمن التقرير 12 فصلا غطت مشروعات وجوانب البرنامج، وتضمن كل منها نتائج وتوصيات للحكومة لأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات.
وأشار تقرير اللجنة إلى أن الأردن يتمتع برواسب وفيرة غير مستغلّة من اليورانيوم في مختلف المناطق يمكن الاستفادة منها كوقود نووي، وأن الأردن انخرط بشكل فاعل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص برنامجها النووي، وأن انفتاح الأردن يجب أن يعود عليه بالكفاءات التي تضمن حصوله على إطار تنظيمي فاعل.
وأكدت اللجنة الاستشارية أن الأردن أسس قاعدة صلبة بنيت على وجهة نظر واضحة لتطوير الموارد البشرية والعلمية اللازمة لإنجاح المشروع، موضحة أن الأردن يتبنى خريطة طريق واضحة لبرنامجه النووي، تبدأ من مفاعل البحوث والتدريب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الذي يسعى إلى إتاحة المجال لاستقطاب وتدريب وتعليم المختصين؛ وبالتالي تهيئة البنية التحتية لإنجاح البرنامج النووي، وأن المفاعل البحثي أريد له أن يكون أنموذجا لبرامج تطوير البرامج النووية العالمية.
وأشارت اللجنة إلى آليات تعزز الاستفادة من مصادر اليورانيوم واحتياطيات اليورانيوم من الفوسفات والتوصل إلى مستويات من تخصيب اليورانيوم ضمن معاهدة منع الانتشار النووي، مؤكدة أن الأردن اتبع بحرص نهج الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتطوير القاعدة القانونية والتنظيمية والبشرية لإنجاح مشروع محطة الكهرباء النووية الأردنية.
وفي باب التوعية وإشراك الأطراف ذات العلاقة، بينت اللجنة أنه ووفقا للمعايير الإقليمية فإن الأردن نجح في تطوير مجتمع علم وطب نووي، مشيرة إلى أن مواصلة عقد نشاطات تدريبية وأكاديمية ستسمح بإشراك المجتمع المحلي في الأنشطة النووية.
وكانت الحكومة الأردنية وافقت العام الماضي على تشكيل اللجنة الاستشارية العليا للبرنامج النووي والتي تضم أعضاء ذوي مكانة علمية دولية في مجال الطاقة النووية والرقابة والترخيص والأمن والأمان النوويين والتشريعات النووية.
ويعول القائمون على البرنامج النووي الأردني الاستفادة من التكنولوجيا النووية في مجال الطب من خلال طرق جديدة لتشخيص وعلاج الأمراض المختلفة بواسطة النظائر المشعة التي تستخدم في علاج المرضى الذين يعانون من الأورام الخبيثة، وأمراض الدم والقلب. ويؤكدون أهمية التكنولوجيا النووية بزيادة إنتاج المواد الغذائية وتحسين الصفات المنتجة والتي تؤدي إلى توسيع سلة الصادرات الغذائية للبلدان التي تطبق البرامج السلمية للطاقة النووية، إضافة إلى استخدام التكنولوجيا النووية بتحلية مياه الشرب لمواجهة تحدي الاستهلاك العالي للطاقة المستخدمة في التحلية.
وكان الأردن قد وقع مع شركة «روس آتوم» الروسية للطاقة في شهر مارس (آذار) عام 2015 اتفاقا لإنشاء أول محطة نووية في الأردن لتوليد نحو 2000 ميغاواط، من خلال مفاعلين نوويين بكلفة تقديرية تبلغ نحو 10 مليارات دولار، باستطاعة 1000 ميغاواط، لكل منهما، واختار منطقة قصر عمرة مكانا لأول محطة نووية.
وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي، وقعت هيئة الطاقة الذرية الأردنية مع الخدمات الطبية الملكية الأردنية مذكرة تفاهم تزود الهيئة بموجبها الخدمات الطبية الملكية بالنظائر المشعة المنتجة من المفاعل الأردني للبحوث والتدريب المقام في جامعة العلوم والتكنولوجيا بإطار البرنامج النووي الأردني.



«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

وضعت الاضطرابات الكبيرة في سوق السندات «الاحتياطي الفيدرالي» في موقف بالغ الصعوبة، حيث يواجه خيارين حاسمين: إما أن يسعى لتهدئة المخاوف المتعلقة بالتضخم على المدى الطويل، أو أن يستجيب لشكاوى الرئيس المنتخب دونالد ترمب بشأن «ارتفاع معدلات الفائدة بشكل مفرط». وبينما لا يمكنه تحقيق كلا الهدفين في الوقت نفسه، من المرجح أن يختار معالجة الأول، مما يفتح المجال لصراع لفظي مستمر مع البيت الأبيض على مدار العام المقبل.

ولم يعد بالإمكان تجاهل الزيادة الملحوظة في معدلات الاقتراض من سندات الخزانة الأميركية في الأسابيع الأولى من عام 2025، حيث تشير السوق إلى الدخول في مرحلة جديدة ومقلقة تتطلب قدراً كبيراً من الحذر من البنك المركزي والحكومة على حد سواء، وفق «رويترز».

ومن أبرز هذه الإشارات الحمراء هو ظهور زيادة ملحوظة في علاوة المخاطر التي يطالب بها المستثمرون لحيازة السندات الحكومية الأميركية طويلة الأجل. ويتم قياس هذه الفجوة عادة كتعويض إضافي يُطلب عند الالتزام بسندات طويلة الأجل حتى تاريخ الاستحقاق، بدلاً من شراء سندات قصيرة الأجل وإعادة تدويرها مع مرور الوقت.

وقد كانت العلاوة الزمنية غائبة إلى حد كبير عن السوق لأكثر من عقد من الزمن، ولكن تقديرات «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك تشير إلى أن العلاوة الزمنية لمدة 10 سنوات قد ارتفعت بشكل حاد هذا العام، لتتجاوز نصف النقطة المئوية لأول مرة منذ عام 2014.

وقد لا تكون علاوة المخاطر بنسبة 50 نقطة أساس مفرطة وفقاً للمعايير التاريخية، لكنها تفوق متوسط العشر سنوات الماضية بمقدار 50 نقطة أساس.

وتشير اتجاهات العلاوة الزمنية إلى مستوى من عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن التضخم على المدى الطويل، وتراكم الديون، والسياسات المالية، وهي حالة لم تشهدها السوق منذ سنوات عديدة. ويرجع هذا بلا شك إلى مزيج من العجز الكبير في الموازنة والاقتصاد القوي، إلى جانب تعهدات الرئيس القادم بشأن خفض الضرائب، وفرض قيود على الهجرة، وزيادة التعريفات الجمركية.

وتظهر هذه المخاوف أيضاً في مؤشرات الديون الأخرى التي بدأت تتحرك بشكل مستقل عن توجيه سياسة «الاحتياطي الفيدرالي». فقد قام «الفيدرالي» بخفض سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة منذ سبتمبر (أيلول)، ومع ذلك ارتفع عائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات بمقدار 100 نقطة أساس منذ ذلك الحين. وزادت عوائد سندات الخزانة لمدة 30 عاماً بشكل أسرع، مهددة بالوصول إلى 5 في المائة لأول مرة منذ أكثر من عام، وهو مستوى قريب جداً من المعدلات التي سادت قبل أزمة البنوك في 2008.

وبينما لم تتحرك عوائد السندات لمدة عامين، التي تعكس سياسة «الفيدرالي» من كثب، بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، فقد اتسع الفارق بين العوائد على السندات لمدة سنتين و30 عاماً ليصل إلى أوسع مستوى له منذ أن بدأ «الفيدرالي» في تشديد السياسة قبل ثلاث سنوات تقريباً.

وكان من المتوقع أن تتوقف توقعات التضخم طويلة الأجل، التي تراقبها سوق السندات المحمية من التضخم والمقايضات، عن الانخفاض في سبتمبر وأن ترتفع مرة أخرى نحو 2.5 في المائة، متجاوزة هدف «الفيدرالي» بنصف نقطة مئوية.

هل يتجه «الفيدرالي» نحو سياسة أكثر تشدداً؟

إذا بدأ «الفيدرالي» يفقد السيطرة على الجزء الطويل من سوق السندات، فقد يُضطر إلى اتخاذ منحى أكثر تشدداً لاستعادة التزامه بتحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة على المدى المستدام.

وهذا يعني أنه، في حال لم يحدث تباطؤ حاد في الاقتصاد أو تغيير كبير في سياسات ترمب المعلنة، فمن الممكن تماماً ألا يقوم «الفيدرالي» بأي تخفيض آخر في هذه الدورة. وهو أمر قد لا يرضي الرئيس الجديد الذي أبدى بالفعل معارضته للفيدرالي وتساؤلاته حول ضرورة استقلاله.

ليس لدي فكرة

حاول محافظ «الفيدرالي» كريستوفر والر أن يتوسط في تصريح له يوم الأربعاء قائلاً إن السياسة ما زالت مشددة تاريخياً، على الرغم من أنها ليست كافية لفرض ركود، وأضاف أن الزيادات في الأسعار الناجمة عن تعريفات ترمب لا تغير من وجهة نظر «الفيدرالي».

لكنه أيضاً أشار إلى أن «الفيدرالي» - مثل معظم مستثمري السندات - أصبح في لعبة تخمين. بينما قال والر إنه يشك في أن يتم تنفيذ السياسات الأكثر قسوة من قبل إدارة ترمب، أضاف أن التوصل إلى توقع بشأن التوقعات الاقتصادية للفيدرالي في ديسمبر كان «مشكلة صعبة».

«ليس لدي فكرة عما سيحدث»، اختتم قوله.

من الواضح أنه ليس وحده في ذلك. إذا كان كبار مسؤولي «الفيدرالي» لا يعرفون ماذا يتوقعون من ترمب، فإن مستثمري السندات العاديين لا يعرفون أيضاً.

ويبدو أن هناك سيناريوهين محتملين: إذا قرر «الفيدرالي» تسريع خفض الفائدة بما يتماشى مع ما يبدو أن ترمب يريده، دون حدوث تحول كبير في الأسس الاقتصادية لتبرير هذه الخطوة، فإن مستثمري السندات سيفترضون أن البنك المركزي ليس مهتماً بشكل كبير بتحقيق هدفه البالغ 2 في المائة.

وسيواصل مستثمرو السندات على الأرجح تسعير هذا الخطر، مما يؤدي إلى «إلغاء» توقعات التضخم، كما يقول المتخصصون في السياسات.

لكن «الفيدرالي» قد صرح بشكل متكرر بأن احتواء توقعات التضخم هو أحد أدواره الرئيسية، لذلك من الصعب تصوره يتجاهل هذه التطورات.

وحتى إذا لم تغير التعريفات الجمركية التي هدد بها ترمب حسابات التضخم بشكل أساسي، فإن خطة ترمب لتمويل التخفيضات الضريبية وتشديد أسواق العمل من خلال تشديد سياسات الهجرة والطرد، من المؤكد أنها ستزيد من المخاطر التضخمية التي تفاقمت بالفعل.

وإذا تمكن ترمب من تقليص الإنفاق الحكومي وتقليص الوظائف الفيدرالية، فقد يحقق بعض التقدم في معالجة هذه الأزمة. لكن القليل يتوقع أن يكون هذا أمراً سريعاً أو سهلاً، خاصة أنه قد لا يملك الأصوات في الكونغرس لتمرير العديد من أجزاء أجندته.

ولعل الرئيس المقبل يستطيع مساعدة بنك الاحتياطي الفيدرالي - ونفسه - من خلال توضيح أن أسعار الفائدة التي يعتبرها «مرتفعة للغاية» تمثل عائدات السندات الطويلة الأجل. بهذه الطريقة، سيكون بوسعه أن يترك بنك الاحتياطي الفيدرالي يقوم بوظيفته ويمنح نفسه مساحة أكبر للمناورة.

لكن مع تبقي أقل من أسبوعين على التنصيب، فإن التكهنات حول ما قد يحدث أو لا يحدث يمكن أن تتسبب في اضطراب كبير في الأسواق.