فريق «ليزين لرقص الباليه» يتحدى التقاليد بفن لغة الجسد

المدربة الكردية روبار أحمد تستكمل دورات الرقص في السليمانية رغم إغلاق المدرسة

الباليه يحتاج إلى تدريب متواصل لمدة 12 عاما لإتقانه («الشرق الأوسط») -  جانب من تدريبات دورة الرقص الحديث («الشرق الأوسط»)
الباليه يحتاج إلى تدريب متواصل لمدة 12 عاما لإتقانه («الشرق الأوسط») - جانب من تدريبات دورة الرقص الحديث («الشرق الأوسط»)
TT

فريق «ليزين لرقص الباليه» يتحدى التقاليد بفن لغة الجسد

الباليه يحتاج إلى تدريب متواصل لمدة 12 عاما لإتقانه («الشرق الأوسط») -  جانب من تدريبات دورة الرقص الحديث («الشرق الأوسط»)
الباليه يحتاج إلى تدريب متواصل لمدة 12 عاما لإتقانه («الشرق الأوسط») - جانب من تدريبات دورة الرقص الحديث («الشرق الأوسط»)

رغم ما تواجهه من تهديدات وعوائق مجتمعية، فإن مدربة الباليه والفنانة الكردية روبار أحمد تواصل مع كادر فريقها المختص برقصة الباليه نشاطاتها في تعليم هواة هذه الرقصة، وإنشاء جيل من راقصي الباليه في إقليم كردستان العراق ليشاركوا مستقبلاً في المهرجانات الدولية والمحلية.
فبعد تخرجها في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1992، قسم المسرح، عادت روبار أحمد إلى مسقط رأسها مدينة السليمانية. وأسست روبار فريق «ليزين لرقص الباليه» لتعلم أبناء مسقط رأسها ما تعلمته خلال سنوات الدراسة التي درست خلالها إلى جانب اختصاصها الأكاديمي في المسرح اختصاص آخر وهو الباليه في مدرسة الموسيقى والبالية في بغداد.
ولم تكن تتوقع أن تُجابَه بمجموعة من العوائق المجتمعية التي تعتبر كأي نوع آخر من الرقص والموسيقى أمرًا غير مقبول. ورغم ذلك واصلت جهودها وتمكنت من الحصول على موافقة حكومة الإقليم في تأسيس مدرسة للموسيقى والباليه. لكن وبعد 6 سنوات أغلقت الحكومة المدرسة.
وعن ذلك تقول روبار لـ«الشرق الأوسط»: «أسست مدرسة الموسيقى والباليه عام 2008 في مدينة السليمانية في إقليم كردستان، واستمرت نحو ست سنوات، وبعدها قررت وزارة التربية في الإقليم عام 2014 إلغاءها، وأبلغوني أن سكان مدينة السليمانية يقولون إن وجود هذه المدرسة يُعتبر حرامًا ولا يقبلون بها».
إغلاق المدرسة لم يؤثر على نشاطات روبار أحمد، حيث واصلت عملها من خلال فريقها ليزين، الذي يحتضن حاليًا نحو 80 متدربًا تتراوح أعمارهم مابين الأربعة و22 عامًا، لكن غالبية المشتركين في دورات الفريق هم الفتيات صغار السن. وتردف روبار بالقول: «ندرس نوعين من الباليه، هما الباليه الكلاسيكي وهو في الغالب ملائم للأطفال، أما النوع الثاني فهو الرقص الحديث، يتألف المشاركون فيه من عشر فتيات تتراوح أعمارهن مابين 15 و22 عاما».
لا يمر يوم وإلا تتعرض فيه المدربة روبار أحمد وكادرها التدريبي في الفريق إلى التهديدات من قبل المتطرفين ومن بعض الأشخاص في المجتمع، لكن روبار ترد على هذه التهديدات بالقول: «أنا فنانة وأصنع فنا جميلا، أستخدم فيه لغة الجسد، أقدم لغة على سطح الأرض، ولستُ ضد العادات والتقاليد، لذا لا أهتم لتلك التهديدات».
تبلغ تكلفة تسجيل الدورة لكل مشارك 60 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 50 دولارًا أميركيًا شهريا. وتؤكد روبار أحمد: «إن الأموال المستحصلة من المشاركين، تُصرف على توفير الخدمات الرئيسية لهم من ماء وكهرباء وخدمات البلدية وتوفير مياه الشرب وإيجار المبنى وتوفير احتياجات الطلبة من ملابس وأحذية خاصة بالبالية التي تُستورد من الخارج وكذلك أجور النقل وتوفير المستلزمات الأخرى»، معبرة عن تمنياتها بتأسيس معهد للموسيقى والباليه في إقليم كردستان.
لافين سوران، فتاة تبلغ من العمر 11 عاما، تقضي ساعتين يوميًا في المبنى المخصص لفريق ليزين في مدينة السليمانية لتلقي التدريبات الخاصة بالباليه، تقول لافين: «منذ أكثر من شهرين وأنا أواصل التدريب على تعلم رقصة الباليه مع فريق ليزين، تعلمت الكثير عن هذه الرقصة خلال هذه المدة، أنا أقضي أوقاتًا ممتعة هنا وأتمنى أن أكون مدربة باليه مستقبلا».
لارا كاروان، فتاة أخرى تبلغ من العمر 10 سنوات، تواصل التدريب مع فريق ليزين لرقصة الباليه منذ تسع أشهر، تحدث لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمت خلال التدريب المتواصل مع الفريق غالبية حركات الباليه، أنا ضمن فريق الباليه الكلاسيكي المتقدم، أنا أحب الباليه، وأريد أن أصبح راقصة باليه دولية في المستقبل».
روبار ليست الوحيدة في هذه الفريق، فرغم دورها الرئيسي في إنشائه وإدارته، فإنها تدرب المشاركين إلى جانب مدربين آخرين هما كل من مدرب الرقص الحديث كوران سركلويي والمدربة مينا نياز.
ويقول مدرب الرقص الحديث، كوران سركلويي لـ«الشرق الأوسط»: «انضممت لهذا الفريق عام 2008، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن مستمر معه، ندرب المشاركين في دوراتنا رقصة الباليه والرقص الحديث، أهم العوائق التي تواجهنا حاليًا هي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يشهدها الإقليم، على الرغم من أننا لم ندعها تؤثر على دوراتنا، إضافة إلى قلة عدد الذكور المشاركين في دوراتنا، لأن غالبة الأهالي لا يقبلون بأن يمارس أبناؤهم الرقص».
وبين سركلويي أنواع التمارين والدروس التي يتلقاها المشاركون في الدورات: «تماريننا هي في الغالب لبناء العضلات، بالإضافة إلى تمارين أخرى خاصة بالباليه الحديث».
أما المدربة مينا نياز، المختصة بالباليه الكلاسيكي، فأوضحت لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا ثلاث فرق باليه كلاسيكي، اثنتان منها لديهما المستوى نفسه، أما الفريق الثالث فمستواه متقدم لأنهم يواصلون التدريب على أيدينا منذ سنوات، وشاركوا في عدة مهرجانات، لذا تدريباتهم مختلفة عن الفريقين الآخرين»، مضيفة: «الطفل الذي يدخل دورة الباليه، يحتاج إلى تدريب متواصل لمدة 12 عاما كي ينمي قدراته ويتوفق في أداء هذه الرقصة ويصبح راقص باليه متمكنًا، نحن هنا ندربهم ونجتاز معهم كل المستويات».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».