الطائف موعودة بحزمة مشاريع لتحويلها إلى وجهة سياحية ثقافية

72 ألف زائر لسوق عكاظ خلال يومين

يأتي «عكاظ المستقبل» ضمن استراتيجية مركز الملك سلمان للشباب ({الشرق الأوسط})
يأتي «عكاظ المستقبل» ضمن استراتيجية مركز الملك سلمان للشباب ({الشرق الأوسط})
TT

الطائف موعودة بحزمة مشاريع لتحويلها إلى وجهة سياحية ثقافية

يأتي «عكاظ المستقبل» ضمن استراتيجية مركز الملك سلمان للشباب ({الشرق الأوسط})
يأتي «عكاظ المستقبل» ضمن استراتيجية مركز الملك سلمان للشباب ({الشرق الأوسط})

يدشن مركز الملك سلمان للشباب خلال فعاليات سوق عكاظ مشروعه الجديد «عكاظ المستقبل» الذي يتطلع للمساهمة في بناء مستقبل الشباب الريادي، وذلك من خلال تأسيس مفهوم صناعة ريادة الأعمال المعرفية.
في حين تعكف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بالعمل على مشروع تطوير مدينة عكاظ بالطائف، الذي يندرج ضمن مبادرات الهيئة في برنامج التحول الوطني الذي أقره مجلس الوزراء لتطوير عدد من الوجهات السياحية، حيث خُصص ميزانية للمشروع بلغت 775 مليون ريال لتطوير المرحلة الأولى، منها 220 مليون ريال لإنشاء مشروعات الهيئة، و555 مليون ريال قدرت لإنشاء البنية الأساسية داخل وخارج الموقع، وبمشاركة من القطاع الخاص في التطوير بما يقارب 1291 مليون ريال، وبذلك يصل حجم الاستثمار المتوقع في المرحلة الأولى إلى قرابة ملياري ريال.
إلى ذلك بلغ عدد زوار سوق عكاظ في اليوم الأول لافتتاحه أمام الزوار الذي صادق يوم أول من أمس 39 ألفًا و201 زائر، مسجلاً رقمًا قياسيا جديدًا. ووفقًا لبيانات مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) فإن عدد زوار السوق خلال يومي الثلاثاء الذي شهد حفل الافتتاح ويوم الأربعاء بلغ 72 ألفًا و201 زائر وسط توقعات بأن تشهد الدورة العاشرة حضورًا كبيرًا يتخطى حاجز 300 ألف زائر لأول مرة منذ إحيائه قبل عشر سنوات.
وبالعودة لمشروع عكاظ المستقبل الذي دشنه مركز الملك سلمان فإنه يركز على 3 محاور، الأول ملتقى الريادة المعرفية، الذي يجتمع فيه صنّاع القرار والشباب للبحث في واقع صناعة ريادة الأعمال المعرفية، فيما يتضمن المحور الثاني الاحتفال برواد الأعمال والمبتكرين عبر جوائز عكاظ المعرفية. أما المحور الثالث فيشمل معرض «عكاظ المستقبل.. منصة الحاضر ونافذة المستقبل».
ويتضمن «عكاظ المستقبل» خمس منصات تفاعلية، الأولى مخصصة للاستقبال والمناقشات، والثانية منصة الحاضر، لعرض ابتكارات ومنتجات رواد الأعمال والمبتكرين، أما منصة المستقبل فتعرض أحدث وسائل التكنولوجيا وتصورًا لكيفية حياتنا مستقبلاً، وتشمل منصة بناء الإنسان ورش عمل تفاعلية بتقنيات حديثة تمكّن المشارك من تصنيع منتج، أما منصة الانطلاق فتتسع لخمسين شخصا.
ويأتي «عكاظ المستقبل» ضمن استراتيجية مركز الملك سلمان للشباب التي تركز على تأسيس وتجذير ثقافة التميز وترسيخ روح المبادرة لدى الشباب بما يواكب رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
أما مشروع تطوير مدينة الطائف الذي تعكف عليه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني فيندرج ضمن مبادرات الهيئة في برنامج التحول الوطني الذي أقره مجلس الوزراء لتطوير عدد من الوجهات السياحية، حيث خُصص ميزانية للمشروع بلغت 775 مليون ريال لتطوير المرحلة الأولى، منها 220 مليون ريال لإنشاء مشروعات الهيئة، و555 مليون ريال قدرت لإنشاء البنية الأساسية داخل وخارج الموقع، وبمشاركة من القطاع الخاص في التطوير بما يقارب 1291 مليون ريال، وبذلك يصل حجم الاستثمار المتوقع في المرحلة الأولى إلى قرابة ملياري ريال.
وسيجذب مشروع تطوير مدينة عكاظ أكثر من 260 ألف سائح سنويًا، مع أثر على الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 294 مليون ريال، وتوفير أكثر من 4400 وظيفة إضافية مستحدثة، وبناء نحو 1250 غرفة فندقية و130 وحدة سكنية.
وتهدف الهيئة إلى تحويل مدينة عكاظ إلى مركز للأعمال في مدينة الطائف الجديدة والعمل على تيسير الوصول إلى المنطقة من خلال مطار الطائف الجديد كبوابة ثانية لمكة المكرمة. وسيتم خلال المرحلة الأولى تمركزًا للأعمال تنظم فيه فعالياتها ومؤتمراتها ومرافق عالية الجودة تشمل فنادق وأندية ترفيهية وللفعاليات وبناء المتحف التفاعلي والمعارض الفنية والحديقة النباتية ومركز الحرف اليدوية ومساحات مكتبية وواحة ثقافية وتراثية وأندية الفروسية.
وأكد الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، في تصريح صحافي عقب اختتام حفل افتتاح سوق عكاظ، أن اعتماد برنامج التحول الوطني لمشروع مدينة عكاظ يأتي امتدادا لما قامت به الهيئة من جهود في تأهيل وتطوير هذا الموقع،كونه أهم أسواق العرب القديمة، وارتبط اسمه بالنشاط الثقافي والاقتصادي، وهو السوق الذي زاره النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قبل البعثة.
وأوضح الأمير سلطان أن المشروعات التي تضمنتها مبادرة تطوير مدينة عكاظ تنوعت ما بين إنشاء أكاديمية الشعر العربي، ومتحف تفاعلي، وتطوير جادة عكاظ التراثية، واستحداث جادة المستقبل تكمل الأبعاد التي كانت تمثلها السوق قديما بوصفها مكانًا لتقديم الجديد من الأفكار والمنتجات، وإنشاء مخيم بيئي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)