ميليشيا تحبط عملية إرهابية وشيكة بصواريخ على العاصمة العراقية

انتقادات برلمانية لتراخي الأمن الرسمي

ميليشيا تحبط عملية إرهابية وشيكة بصواريخ على العاصمة العراقية
TT

ميليشيا تحبط عملية إرهابية وشيكة بصواريخ على العاصمة العراقية

ميليشيا تحبط عملية إرهابية وشيكة بصواريخ على العاصمة العراقية

شهدت بغداد، أمس، مشهدا غريبا، إذ سبقت معلومات استخباراتية، حصل عليها تنظيم مسلح، الأمن الرسمي في اكتشاف تجهيز لعملية تخريب جديدة في العاصمة العراقية، بعشرات الصواريخ، وهو ما ينبئ بعملية إرهابية كبيرة.
ولم تستيقظ بغداد بعد من صدمتها حيال مجزرة الكرادة التي راح ضحيتها المئات، أوائل يوليو (تموز) الحالي. وفي ظل هذا الذهول، أعلنت ميليشيات سرايا السلام عن إحباطها العملية التي قال عنها صفاء التميمي، وهو قيادي في الميليشيات التي تتبع التيار الصدري، استهدفت مناطق في بغداد، بأربعة عشر صاروخا من نوع «107»، و8 صواريخ أخرى من نوع «كراد».
وقال التميمي لـ«الشرق الأوسط» إن الصواريخ كانت معدة للإطلاق مع التسليح الكامل في إحدى قرى جنوب بغداد، مشيرا إلى أن «هذه العملية تمت من خلال معلومات استخبارية».
وأضاف أن «هذه العملية تمت في وقت لا يوجد فيه عمل عسكري لسرايا السلام في بغداد وضواحيها»، لكنه قال إن «ما حصلنا عليه هي معلومات استخبارية جعلتنا نتدخل، ونحبط العملية قبل تنفيذها».
من جهتها، انتقدت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي قيادة عمليات بغداد، وهي المسؤولة بشكل مباشر عن أمن العاصمة، لا سيما أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أصدر أوامره بتغيير قائد العمليات الفريق الركن عبد الأمير الشمري وعدد من كبار مسؤولي الأمن والاستخبارات فيها بعد يوم من إعلان وزير الداخلية محمد الغبان استقالته على خلفية ما حصل بالكرادة وتعيين قائد جديد للعمليات، وهو اللواء الركن جبار جليل.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان محمد الكربولي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «من الأمور الغريبة حقا ألا يكون لعمليات بغداد دور في الكشف عن هذه العملية التي تمكنت سرايا السلام من اكتشافها وإحباطها نتيجة لمعلومات استخبارية».
وأضاف الكربولي أن «الصواريخ التي تم اكتشافها كانت موجهة لأطراف بغداد الشمالية بناء على تلك المعلومات وهو ما يعني إراقة مزيد من الدماء في صفوف الأبرياء». وأوضح الكربولي أن «الكشف عن هذه العملية من قبل جهة أخرى وهي سرايا السلام التي ظهر امتلاكها معلومات استخبارية لقاطع عمليات يقع في صلب عمليات بغداد وهو ما يعني أنها لا تملك المعلومات الاستخبارية التي من شأنها، لو تم تفعيلها بشكل صحيح، إحباط كل العمليات التي تستهدف الأبرياء في بغداد سواء بالأحزمة الناسفة أو العبوات اللاصقة أو السيارات المفخخة أو الصواريخ التي بدأت تتكرر في بغداد، لا سيما بعد الصواريخ التي أصابت قبل نحو أسبوعين مناطق مختلفة غرب بغداد بالإضافة إلى المعسكر العائد لمجاهدين خلق».
وأشار الكربولي إلى أن «كل هذا يؤشر إلى وجود ضعف حقيقي لدى قيادة عمليات بغداد على الرغم من تغيير قيادتها، وبالتالي فإننا في الوقت الذي نحذر فيه من التراخي فإننا ندعو إلى اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر والانتباه لتفويت الفرصة على الإرهاب لاستهداف المدنيين الآمنين في العاصمة بغداد». وحذرت الكربولي قيادة عمليات بغداد وقائدها الجديد «من مغبة التراخي والتهاون في التعامل مع المعلومات الاستخبارية أو تكرار الخطط الأمنية نفسها وتعريض حياة المواطنين للخطر كما حصل في فاجعة الكرادة». إلى ذلك، أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي ضرورة تفعيل الجهد الاستخباري واللجان التطوعية لحماية مناطق العاصمة بغداد تحت إشراف السلطات الأمنية وتشديد إجراءات الدفاع المدني في المباني.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.