الكوميديا العراقية تودع أيقونتها أمل طه بعد صراع مع المرض

فنانون: رحيلها خسارة كبيرة لا تعوض للفن العراقي

الكوميديا العراقية تودع أيقونتها أمل طه بعد صراع مع المرض
TT

الكوميديا العراقية تودع أيقونتها أمل طه بعد صراع مع المرض

الكوميديا العراقية تودع أيقونتها أمل طه بعد صراع مع المرض

شاع الحزن في الشارع العراقي لخبر رحيل أيقونة الكوميديا العراقية الفنانة أمل طه بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز الستين عامًا، تلك الفنانة التي أسعدت الجمهور بأعمال فنية لا تزال خالدة في الذاكرة العراقية، وقد أسست في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم مع زملائها محطات مميزة لفن الكوميديا الهادف، ولا تزال أدوارها في المسرحية الكوميدية «الخيط والعصفور» عبر شخصية جرادة ومسلسل «أيام الإجازة» وبرنامج «استراحة الظهيرة» و«نص ستاو» تسعد جمهورها لما تمتلكه من حضور وروح نكتة عالية، وتركت برحيلها إرثًا فنيًا كبيرًا.
توفيت الفنانة أمل طه مواليد 1956 عن عمر يناهز الستين عامًا وكانت قد تعرضت إلى جلطة دماغية منذ عام 2009 أصيبت على أثرها بالشلل النصفي في الجهة اليسرى من جسدها تسببت في انقطاعها عن التمثيل، وأطلقت على أثرها الكثير من المبادرات عبر مواقع إلكترونية لدعمها وتلقيها العلاج خارج العراق، لكن ذلك لم يحصل فكان أن استقر بها الحال في إحدى دور المسنين في العاصمة بغداد.
ووجه رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم مساء الجمعة الماضي برقية تعزية إلى عائلة الفقيدة الفنانة أمل طه قال فيها إن «الفنانة الراحلة أمل طه كرست حياتها لخدمة الفن، وتطوير المسرح والسينما»، وأضاف: «تلقينا بحزن عميق نبأ رحيل الفنانة أمل طه التي كانت مسيرتها الفنية زاخرة بالعطاء، والإبداع، وبأعمال مسرحية، وسينمائية، وتلفازية كثيرة دخلت من خلالها قلوب العراقيين، واكتسبت محبتهم». وأضافت البرقية: «فيما نعزي عائلة الفقيدة، والفنانين العراقيين عامة بهذه الخسارة الأليمة، نعرب عن الاعتزاز بالدور الرائع الذي لعبته هذه الفنانة، وتجلى جانب منه في تكريس حياتها لخدمة الفن، والشعب، وتطوير المسرح والسينما في بلادنا، والمنطقة، ورحيلها يمثل خسارة كبيرة للفن العراقي».
ولدت أمل طه في محافظة ذي قار، التحقت بكلية الفنون الجميلة، قسم الفنون المسرحية، عام 1974، وتخرجت فيها سنة 1978.
واكتشفها المخرج فلاح زكي عام 1977 في سهرة تلفزيونية ووقفت أمام كاميرات التلفزيون أول مرة مع الراحل الفنان محمد القيسي، ومنذ ذلك العمل ذاع صيتها وأصبحت نجمة الشارع العراقي.
وفي رصيد الفنانة الراحلة كثير من الأفلام والمسلسلات، كما شاركت في كثير من المسرحيات بأدوار كوميدية، فضلا عن تقديمها لكثير من البرامج التلفزيونية. لم تتزوج أمل طه وهي تردد دائما أنها تزوجت الفن، كما أن نشأتها في بيئة محافظة وارتباطها بأعمال فنية حرمها من الزواج وإنجاب الأولاد، الذي تفقده لكنها تقول إن حب الجمهور عوضها عن كل شي.
وعد فنانون عراقيون وفاتها خسارة كبيرة للفن العراقي، ووصفوها بـ«فاكهة الكوميديا» واتهموا الجهات الحكومية المعنية بالتقصير وعدم الاهتمام بالمبدعين.
وعبر نقيب الفنانين العراقيين صباح المندلاوي عن أسفه لرحيلها، مشيرًا إلى الظروف الصحية والمعيشية الصعبة التي عانت منها الفنانة في ظل غياب الدعم الحكومي لها.
وقال فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة العراقية إن أمل طه فنانة الشعب، لا يمكن نسيان أعمالها وأدوارها الخالدة في أذهان الناس وقد سعينا لأجل مساعدتها مرات عدة خلال فترة مرضها، وكانت لنا مناقشات ومناشدات لأجل مساعدتها مع الأطباء المشرفين عليها وقمنا بتقديم بعض الدعم لها لكنها تستحق المزيد».
فيما قال الفنان أكرم رشيد: «رحيل الفنانة العراقية الكبيرة أمل طه يعد خسارة كبيرة للفن العراقي لما تميزت به من عطاء وإبداع قدمته خلال مسيرة حياتها الفنية الطويلة». وأضاف رشيد أن «أمل طه عانت طويلاً من المرض وكانت طريحة الفراش لعدة سنوات في ظل صمت مطبق من المعنيين من أصحاب الشأن في الحكومة التي كانت منشغلة بالمغانم والمكاسب والحفاظ على سطوة الكرسي، متناسية المبدعين والمثقفين». من جانبه، قال المؤلف والمخرج المسرحي، جلال الشاطي: «إن ما قدمته أمل طه طوال مسيرتها الفنية يعد دليلاً كافيًا على أنها فاكهة الكوميديا العراقية، إذ استطاعت أمل أن تزرع البسمة في نفوس العراقيين جميعًا من خلال أعمالها الكوميدية الناجحة». بدوره قال الأديب والكاتب المسرحي، سلام رشيد العنزي، إن «قافلة رحيل المبدعين في كل مجالات الثقافة والأدب ماضية ولن تتوقف طالما أنهم يعانون الإهمال من قبل الحكومة التي باتت عاجزة عن أن تمد يد العون لهم»، لافتًا إلى أن «أمل طه، هي ليست الأولى التي رحلت تاركة خلفها إرثًا رائعًا ومنجزًا إبداعيًا ثريًا، فقبلها رحل كثير وبعدها سيرحل كثير أيضًا طالما أن الحكومة تغض الطرف عن هذه النخب ولم تقدم لها ما تستحق من رعاية واهتمام». وتابع العنزي، أن «الحكومة هي من تتحمل مسؤولية موت المثقفين والمبدعين التي أهملتهم كثيرًا حتى أن بعضهم مات في الغربة ودفن هناك وهذا ما يؤسف له كثيرًا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».