«مهرجانات بيبلوس الدولية» تفتتح باستعراض كبير لكارول سماحة

«عاصمة السياحة العربية» تستقبل نجمة البوب العالمية «سيا» وتوسع لها مدرجاتها

جانب من الحضور والمتحدثين.. وفي الإطار كارول سماحة ({الشرق الأوسط})
جانب من الحضور والمتحدثين.. وفي الإطار كارول سماحة ({الشرق الأوسط})
TT

«مهرجانات بيبلوس الدولية» تفتتح باستعراض كبير لكارول سماحة

جانب من الحضور والمتحدثين.. وفي الإطار كارول سماحة ({الشرق الأوسط})
جانب من الحضور والمتحدثين.. وفي الإطار كارول سماحة ({الشرق الأوسط})

استعراض كبير لكارول سماحة يفتتح «مهرجانات بيبلوس الدولية» هذا الصيف، من إخراج جيرار أقيديسيان، وكوريغرافيا سامي خوري برفقة 40 موسيقيًا وراقصًا وراقصة ومغني كورس. وحضرت النجمة التي تعيش حاليًا في مصر، المؤتمر الصحافي الذي عقد في جبيل، ظهر أمس، للإعلان عن برنامج المهرجانات، وعبرت عن سعادتها لوقوفها للمرة الثانية على مسرح مهرجانات «بيبلوس» بعد أن شاركت عام 2007 في مسرحية «زنوبيا». وتقدم سماحة خلال هذا الحفل، مجموعة من أغنياتها بدءًا من ألبومها الأول «حلم» وانتهاء بـ«ذكرياتي» الذي صدر مؤخرًا ولاقى صدى طيبًا.
وشارك في المؤتمر الصحافي، الذي عقد في فندق «بيبلوس سور مير»، كل من وزير الثقافة روني عريجي، ووزير السياحة ميشال فرعون، ورئيسة لجنة مهرجانات جبيل لطيفة اللقيس، ورئيس بلدية جبيل الذي انتخب لفترة ست سنوات إضافية منذ عدة أيام، وذكر أن جبيل هذه السنة هي عاصمة السياحة العربية، وأن الصيف سيكون عامرًا بالنشاطات، التي ستستمر حتى نهاية العام، وستجذب اللبنانيين والعرب للمشاركة والاستمتاع. كما تحدّث وزير الثقافة عريجي عن متحف قلعة جبيل الأثرية، الذي أعيد تأهيله وتزويده بمعدات حديثة، بعد أن تمت سرقته منذ ثلاث سنوات، ليكون جاهزًا لاستقبال زوار المهرجان بعد الحفلات. أما وزير السياحة ميشال فرعون في كلمته، فقد أشار إلى الدور الاقتصادي والسياحي للمهرجانات، شارحًا أن عددها في لبنان سيصل إلى المائة خلال الصيف.
وشرح المنتج الفني للمهرجان، ناجي باز، أن البرنامج هذه السنة يتضمن ثماني حفلات، تبدأ مع كارول سماحة يوم الجمعة 15 يوليو (تموز) وتنتهي مع واحدة من أهم حفلات الصيف في لبنان، إن لم تكن الأهم على الإطلاق، وتحييها يوم الثلاثاء 9 أغسطس (آب) النجمة الأسترالية (سيا) التي تتربع اليوم على عرش موسيقى البوب في العالم، وحصدت على «يوتيوب» مليارًا و300 مليون مشاهدة. وهو رقم نادر، لم يفز به إلا قلة قليلة من الفنانين. وتعمل لجنة المهرجانات على توسيع المدرج ليستقبل ثمانية آلاف شخص، كي يتمكن من استيعاب الطلب الذي ستجده سيا، بين عشاقها في لبنان والمنطقة. وقال المنتج الفني ناجي باز: «كنا نتمنى لو بمقدورنا تكبير المدرجات لتتسع لـ16 ألف شخص لأننا نعرف من الآن حجم الطلب، وأن زوارا عربا قد يأتون من أجل المناسبة، لأنها حفلتها الأولى في العالم العربي، لكن المساحة لا تسمح بذلك».
الحفلة الثانية في برنامج «مهرجانات جبيل» ستكون السبت 16 يوليو مع الثنائي توكينيو وماريا كروزا، الأسطورتين الحيتين في الموسيقى البرازيلية «بوسا نوفا»، التي ترافقت في ستينات القرن الماضي مع حركة تجديدية اجتماعية وثقافية في البرازيل.
ويوم 21 يوليو حفل لعازف السكسوفون كيني دجي، الذي حقق أعلى نسبة مبيعات في التاريخ، التي تخطت 75 مليون أسطوانة. يليه في 24 يوليو حفل لأيقونة البوب، المغنية والممثلة وعارضة الأزياء الجاميكية غرايس جونز، التي تسلقت سلم الشهرة في الثمانينات من القرن الماضي، وعرفت بعروضها الساحرة والمبدعة، وبشخصيتها المميزة، وابتكاراتها التي سبقت الليدي غاغا بعقود.
لمحبي الأغنيات الفرنسية الرومانسية والشاعرية حفل لا يفوت للفنان ماكسيم لو فورستيه، الذي سيغني بشكل حصري من ريبرتوار الراحل الشهير جورج براسنس. وكان فورستيه قد سجل عام 2005 كل أغنيات براسنس التي بلغت 171 أغنية.
عرض «هشيك بشيك» الذي بقي في «مترو المدينة» في بيروت لمدة ثلاثة أعوام بنجاح كبير، سيقدم هذه المرة بحلة جديدة، ذات نفح أوبرالي. وهو عرض يعتمد على موسيقى الكاباريهات والمسارح في مصر في عشرينات القرن الماضي. والجديد أن اللقاء بين مجموعة العمل المسرحي مع الأوركسترا، سيخلق أجواء مختلفة تخلط بين الأوبرا والغناء الشعبي المصري.
أكثر من 50 عازفًا وممثلا ومغنيًا سيسافرون بنا، خلال تلك الليلة الصيفية، على شاطئ بيبلوس طوال مائة سنة من الأنغام التي أطربت وأرقصت وأمتعت مثل «يا خارجة من باب الحمام»، أو «العتبة جزاز». وعرض مسرحي غنائي أوركسترالي شعبي بنكهة سيد درويش، مطور الموسيقى العربية. «مشروع ليلى» الفرقة اللبنانية التي ألغي حفلها مؤخرًا في الأردن، بسبب جرأة الكلمات التي ربما لا تحتملها بعض المجتمعات العربية، ستحيي حفلاً للمرة الثانية في مهرجانات جبيل، بعد مشاركتها الأولى التي كانت قبل ست سنوات، حين كان المشوار في أوله. اليوم أصبحت الفرقة شهيرة، وتبيع في أي حفل تقيمه خارج لبنان ما لا يقل عن 3 آلاف بطاقة، ولها في لبنان جمهور كبير من الشباب.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)