تكريم إلياس الرحباني صاحب الـ1300 أغنية من «مركز الصفدي الثقافي»

حامل رسالة جمالية وإنسانية.. وكتب الموسيقى التصويرية لـ25 فيلمًا

صورة جامعة للمشاركين في الحفل مع الصفدي والرحباني
صورة جامعة للمشاركين في الحفل مع الصفدي والرحباني
TT

تكريم إلياس الرحباني صاحب الـ1300 أغنية من «مركز الصفدي الثقافي»

صورة جامعة للمشاركين في الحفل مع الصفدي والرحباني
صورة جامعة للمشاركين في الحفل مع الصفدي والرحباني

حشد كبير التأم نهاية الأسبوع الماضي، لتكريم الموسيقار الفنان إلياس الرحباني، في «مركز الصفدي الثقافي». كان لا بد من الاستعانة بكراسي إضافية، أن يبقى الناس وقوفًا، أن تغص القاعة، كي يتسنى لكل محبي الرجل أن يستمتعوا بتلك المناسبة. فألحان إلياس الرحباني، وكلمات أغنياته، جزء من ضمير هؤلاء المجتمعين، وطفولتهم وقصص حبهم، ولحظات تساليهم. إلياس الرحباني صاحب ما يزيد على 1300 عمل فني، هو شاعر وملحن ومؤلف وموزع موسيقي وناقد، وصاحب رسالة جمالية وإنسانية، كتب الموسيقى التصويرية لـ25 فيلما من بينها فيلم «دمي ودموعي وابتسامتي» الذي بقيت ألحانه ترن في الآذان إلى اليوم. كتب لفيروز وصباح وفيلمون وهبي، وماجدة الرومي، وجيلبير جلخ، ومشاهير كثر. من لا يعرف أغنيته «حنا السكران»، التي افتتح بها «كورال الفيحاء حفل التكريم»، و«قومي نترقص يا صبيه» التي غناها سامي كلارك تحية لأستاذه الذي صنع بداياته وجاب معه مسارح العالم، وصاحبه نحو ثلاثين سنة وكتب له ما يقارب 70 أغنية بالعربية والأجنبية، لعل أشهرها «موري موري» التي حازت جوائز عدة.
فنانون واكبهم إلياس الرحباني، وصنع جزءًا من مسيرتهم كانوا حوله، في تلك الأمسية، من بينهم جيلبير جلخ، الذي غنى له «يا مارق عالطواحين والمي مقطوعة» وغسان سالم، الذي سجل مؤخرًا، ألبومه الجديد، ووقعه في الحفل، وهو عبارة عن استعادة لأغنيات بعض الأفلام والمسلسلات التي لحنها إلياس الرحباني، وبقيت حية إلى اليوم. هذه الفكرة في تحديث الأغنيات، وإنقاذها من طوايا الأشرطة المسجلة، تعيد لإلياس الرحباني شيئا من حقه المهدور.
هذا الحق الذي ذكّر به في كلمته ابنه الفنان المعروف غسان الرحباني حين وقف على المسرح مشاركًا في تكريم والده قائلاً له بلهجة مؤثرة: «أعاهدك يا إلياس، بأننا سنبقى حراس مسيرتك، حراس خلود فكرك، ابتداء مني، مرورًا بأخي، وصولاً إلى أحفادك وأحفادنا. نعدك يا كبيرنا أننا باقون هنا، ننشر أريج فكرك، وصفاء تعاليمك. نحن الذين بدأنا وسنبقى حاملين لواءك عاليًا ليعرف كل من فاته لقاءك، من هو إلياس الرحباني، ولن نكلّ يومًا في إبراز حقيقة تكاد تضيع في زحمة مساعدتك للآخرين». وأضاف غسان وهو ينظر إلى والده الجالس إلى جانب والدته نينا في الصف الأمامي: «نكاد نستشف من هذا الرأس، نورًا لطريقنا. أنت الثائر بهدوئك، الهائج بطيبتك. أفهمك في خيباتك وقرفك، أفهمك في حزنك، أفهمك في كل شيء. أفهمك يا إلياس الرحباني، وأطلب منك أن تبقى كما أنت، لأنك تثبت مرة أخرى، أن مملكتك ليست من هذا العالم». ومما قاله غسان لأبيه: «العالم ينحدر وأنت تعلو، وكلما ازداد المجتمع انحدارا علوت أنت إلى أمكنة أشبه بالرؤى، نحن لا نفهمها، نحن لا نفهمك، وحده الخالق يعرفك. أرى في عينيك الشوق إلى الخلاص، أرى تحت جفونك أسئلة لم ولن تلقى لها جوابًا».
وإلياس الرحباني الأخ الأصغر للأخوين رحباني، يعبر باستمرار عن تذمره، لأنه كرم خارج لبنان، حتى أنه منح وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة فارس، وأطلق ولازم عددًا كبيرًا من الفنانين، إلا أنه يرى أن الفنان في لبنان عمومًا، وهو خصوصًا لم ينل ما يستحقه.
ومن لطائف الحفل، أن إلياس الرحباني بصوته المسجل كان يقدم الذين يأتون إلى المسرح لتحيته كلامًا أو بالأغنيات، معلقًا بصوته على علاقته بكل منهم. كما عرض شريط مصور عن حياته علق عليه وكأنه يروي صفحات من سيرته، لنشاهد صورته صغيرًا في الثالثة من عمره،، ثم صورة له وهو الرابعة عشرة يعزف على البيانو، وفي العشرين يتعاقد مع إذاعة الـ«بي بي سي»، وعندما أصبح في جيبه 500 ليرة لبنانية تزوج من حبيبته نينا، وظن نفسه –على ما يقول - لوسامته مارلين براندو. روح السخرية والطرافة لا تفارق إلياس الرحباني، الذي كان شريكًا مع أخويه إلياس وعاصي، في مسرحيتهما «المحطة» وهو يقود الأوركسترا، ومسرحيات غنائية أخرى. ثم يظهر الراحل منصور الرحباني في الشريط، ليقول شهادته في أخيه الصغير وهو يخاطبه: «أربعون سنة وأنت تتجوهر منتزعًا الجوائز. اسمح لي أن أتناسى أخوتي وأحييك على امتداد الصوت والتاريخ».
شارك في تكريم إلياس الرحباني كل من الإعلامية ريما نجم والطفل سافيو هيكل بأغنية أخرى للرحباني هي «عم احلمك يا حلم يا لبنان» التي ذاعت بحنجرة ماجدة الرومي، وكذلك تلامذة مدرسة البنات الوطنية للروم الأرثوذكس، بأغنية شهيرة أخرى للمكرم هي «طلع الواوي، عالواوي طلع الضو» و«كلن عندن سيارات وجدي عندو حمار»، أغنيات تعكس طرافة إلياس الرحباني وروحه الفكهة في أغنياته.
وقالت مديرة المركز نادين العلي عمران بكلمتها: «ليس قليلاً أن يحتفي لبنان بإلياس الرحباني من العاصمة الثانية طرابلس، ولها كلّ الفخر والاعتزاز، لأنها ستقول يومًا، وبالفم الملآن، من هنا مرّ إلياس الرّحباني». ولفتت نائبة رئيس «مؤسسة الصفدي الثقافية» فيولات الصفدي «أخذنا على عاتقنا أن نكرم فنانينا وهم على قيد الحياة» معلنة أن «تكريم الفنانين لن يقتصر على احتفال بل سيكون من خلال خطوات عدة أبرزها، تنظيم ورش عمل للشباب اللبناني انطلاقا من طرابلس تساعد في الحفاظ على الإرث الفني والمساهمة في نقله إلى الأجيال».
وفي الختام، رأى إلياس الرحباني أنه «عندما يلتقي محبو الفنون تكون المحبة، ويعتري اللحظة فرح كبير»، مشيرًا إلى أنه «لو كانت الموسيقى لغة الشعوب لكان السلام يعمّ الأرض»، شاكرًا المنظمين والأصدقاء والحاضرين على مشاركتهم في حفل التكريم.
وقدم للفنان إلياس الرحباني درع تكريمي، قبل أن يشكر بدوره الحاضرين بعزف مقطوعة موسيقية، وينتقل بعدها الجميع إلى «قاعة الشمال» حيث وقّع غسان سالم ألبومه الجديد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».