هربًا من «داعش».. عائلات ليبية تلجأ إلى الطرق الصحراوية

الجيش يتجه لطرد التنظيم المتطرف من سرت.. وفتح الطريق الساحلي بين الغرب والشرق

أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)
TT

هربًا من «داعش».. عائلات ليبية تلجأ إلى الطرق الصحراوية

أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)

في وقت يستعد فيه الجيش الوطني الليبي، بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، لطرد تنظيم داعش من سرت وفتح الطريق الساحلي بين غرب البلاد وشرقها، لجأت عائلات ليبية للدروب الصحراوية للتواصل بين شطري الدولة هربًا من التنظيم الذي يسيطر، منذ صيف العام الماضي، على المدينة الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، بما فيها الطريق الرئيسي بين أكبر مدينتين وهما طرابلس العاصمة غربًا، وبنغازي في الشرق.
ومن بين مئات المآسي التي تتردد بين الليبيين الذين كانوا يسعون للانتقال بين غرب البلاد وشرقها، تبقى حكاية مهندس البترول في شركة النفط الليبية، عبد الله، واحدة من القصص التي تعبر عن الحظ العاثر لمن تقطعت بهم السُّبُل في دولة تنتشر فيها التنظيمات المتطرفة.
ويقول مبروك سلطان، الأستاذ الأكاديمي في جامعة بنغازي، لـ«الشرق الأوسط» إن العبور بين جانبي ليبيا عن طريق سرت «أصبح محفوفا بالمخاطر.. بعض الناس يضطرون لارتداء ملابس سوداء»، حتى لا يثيروا غضب «داعش»، مشيرا إلى أن «الطريق الساحلي المار من سرت لم يغلق، لكن كل من يدخل منه يتعرض للتفتيش من تنظيم داعش، وإذا كان من الشرطة أو الجيش فيتم حجزه واختطافه».
ويضيف أن «الطرق الالتفافية التي أصبح يلجأ إليها كثير من العابرين بين جانبي البلاد، تزيد عن الطريق العادي من سرت بنحو 600 كيلومتر. من يتكبد هذه المشقة يبحث عن سلامته».
ويقدر عدد النازحين الليبيين في داخل البلاد، واللاجئين خارجها، بنحو مليونين، في دولة نفطية شاسعة المساحة ولا يزيد عدد سكانها على نحو ستة ملايين نسمة. ومنذ خمس سنوات يعاني معظم الليبيين من غياب الأمن وتأخر الرواتب ومن شكوك في قدرة الفرقاء السياسيين على إنهاء الخلافات فيما بينهم، إلا أن السفر بين المدن بات من الكوابيس المزعجة.
أدت الفوضى إلى تفرق ألوف العائلات والأسر بعضها عن بعض، خصوصا تلك التي تعيش في مدن يسيطر عليها «داعش» أو يسيطر على الطرق الرئيسية في البلاد، بما فيها طريق سرت الواصل بين الشرق والغرب، وطريق سبها بين الجنوب والشمال. تمكن «داعش» من سرقة شاحنات طعام ومؤن كانت تمر عبر الطريق الساحلي الشمالي، وطريق سبها الجنوبي، وإعادة بيعها في السوق السوداء، إلى جانب الاستيلاء على منازل تخص مواطني سرت وتأجيرها لعناصر أجنبية تلتحق بالتنظيم. ويعتقد أن عدد العناصر الداعشية في سرت وصل إلى نحو ثلاثة آلاف.
ويسيطر التنظيم على الحدود الإدارية لسرت، وزحف بقواته إلى مناطق محاذية للهلال النفطي وطرد حراس المنشآت النفطية من عدة حقول للبترول، كما تمركز في مدينة هراوة التي تبعد نحو 90 كيلومترا شرق المدينة. ويقوم التنظيم بفرض ضرائب وإتاوات على المواطنين؛ سواء المقيمون أو العابرون، تحت مزاعم منها «جمع الزكاة» و«الجهاد بالمال».
وفرَّ عبد الله، بأسرته وسيارته من طرز «غراند شيروكي»، من تنظيم داعش في سرت، أواخر العام الماضي، بعد أن وضع التنظيم فوهة المسدس على رأس هذا المهندس البالغ من العمر 45 عاما، أمام زوجته وطفليه.
ثم هرب من الحرب التي بدأت تشتعل مجددا بين ميليشيات طرابلس، خصوصا عقب وصول المجلس الرئاسي للعاصمة، ليجد عبد الله نفسه وجها لوجه مع «داعش» من جديد على طريق «طرابلس - ودان». وطلب عبد الله عدم نشر صورته أو اسمه كاملا. ومع أن «الشرق الأوسط» تمكنت من تصوير واقعة المطاردة التي جرت قرب ودان، إلا أنه طلب أيضا عدم نشر الصور التي تظهر فيها أسرته وسياراته، خشية تعرضه للانتقام من «داعش».
لم يدرك الرجل، مثل كثير من الليبيين، أن الدولة تشهد حالة من السيولة وتغيير المواقع بين المجاميع التي تحمل الأسلحة، وأن قوات من «داعش» بدأت تتمدد إلى خارج سرت، وتستعد لمواجهة هجوم للجيش، رغم أن الجيش نفسه يواجه مشكلات في توفير الأسلحة وتعترضه خصومات مع عدة ميليشيات في غرب البلاد. ويقول الأكاديمي سلطان: «رغم المحنة التي تتعرض لها سرت، فإن العالم يبدو أنه لا يريد أن يسلط الضوء على المعاناة التي يتسبب فيها وجود (داعش) بالمدينة وسيطرته على الطريق الساحلي».
في الأسبوع الماضي بدأ كثير من الليبيين ممن أصبحوا يخشون وقوع اقتتال بين ميليشيات العاصمة، في التحرك من «طرابلس» إلى الشرق، لكن عبر الطريق المؤدي إلى بلدة «ودان» التي تبعد إلى الجنوب من العاصمة بنحو 600 كيلومتر. ويمر الطريق المرصوف بالقار وسط فيافي جرداء.
وكما هي الحال لقوافل الليبيين الصغيرة التائهة في الصحراء، كان عبد الله يريد أن يصل إلى «ودان» لعدة أسباب؛ منها الابتعاد عن مناطق نفوذ «داعش» في بلدته سرت، وأن يتزود بالمؤن والوقود، ثم يبدأ في رحلة الصعود إلى الشمال الشرقي لكي يصل إلى أقاربه في بنغازي الواقعة على بعد نحو 800 كيلومتر من «ودان».
غالبية الليبيين، وقبل أن يتحركوا بسياراتهم على الطرق السريعة التي تتماس مع أماكن وجود المتطرفين، يقومون بعملية معقدة من الاتصالات والتحري للتأكد من أن هذا الطريق آمن أم غير آمن. وكما يقول المثل: «الحاجة أم الاختراع»، فقد ظهرت بين أيدي الشباب خرائط مطبوعة من الإنترنت تخص دروبًا ترابية وطرقًا قديمة مرصوفة بالقطران، تمر من جنوب سرت بمئات الكيلومترات، وغالبيتها كان مهجورا منذ سنين، لكن آثارها ما زالت هناك بطريقة ما.
ويوضح الأكاديمي الجامعي في بنغازي، المبروك سلطان، مجددا أن مساحة ليبيا «تشبه مساحة القارة»، ولهذا وجد الليبيون دروبا وطرقا أخرى للتحرك بعيدا عن سيطرة «داعش» في سرت.. «هناك مناطق قبل سرت تحت سيطرة التنظيم أيضا، ولا توجد ضمانات لأي شخص يعبر من هذه المنطقة. لا وجود للدولة»، مشيرا إلى أن «أحد طرق الالتفاف من الجنوب يمر من منطقة هون، ومنها إلى بلدة زلة في الجنوب، وبعد ذلك إلى منطقة مرادة، ثم العقيلة.. كل هذه المشقة من أجل الابتعاد عن الطريق الساحلي من سرت».
بعض الطرق الأخرى تبدأ من حدود بنغازي الجنوبية.. ومنها ما يصل إلى إجدابيا، وطرق أخرى تهبط إلى الجنوب وتتفرع بين الاتجاه الشرقي حيث بلدة أوجلة ومدينة الكفرة، والاتجاه غربا حيث مدينة الجفرة وبني وليد وبلدة ودان. ومن هناك يمكن أن تعبر شمالا إلى طرابلس، أو العكس، إلى بنغازي.
حتى أسابيع قليلة مضت، لم يكن الطريق الالتفافي بين طرابلس وبنغازي، عبر ودان، يشكل أي خطر، لكن خروج مجاميع من الدواعش من سرت، تسبب في عدة حوادث بين العناصر الدموية وغالبيتها من الأجانب، ومن اصطدموا معهم على الطرق الجنوبية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. وكان آخر هذه المواجهات في منطقة السدادة في نطاق بلدة بني وليد.
بعد نحو 400 كيلومتر من طرابلس، فوجئ عبد الله بموكب لـ«داعش» يتكون من ثلاث سيارات.. يقول: «كانت زوجتي نائمة في مقعدها. وفي الكنبة الخلفية كان ابني محمود (10 سنوات) وابنتي غادة (13 سنة) نائمان أيضا. رأيت من بعيد السيارات وفوقها علم (داعش). كانوا متوقفين على جانب الطريق، ولم ينتبهوا إلا بعد أن اقتربت منهم، وعليه قررت أن انطلق بأقصى سرعة».
هل فتحوا النار.. هل حاولوا اللحاق به؟ يجيب قائلا: «لا أعرف.. لحظتها لم أكن أرى. المهم تخطت سرعة سيارتي 190 كيلومترا في الساعة، وبعد نحو خمسين كيلومترا، انفجر الإطار الخلفي، وانحرفت في الرمال، ثم انقلبت وتعطلت. والحمد لله كانت الإصابات بسيطة، لكن بقينا في رعب وحدنا في الصحراء، خوفا من أن يلحق بنا الدواعش، وذلك من العصر حتى العشاء. وأنقذنا شباب من بلدة ودان كانوا عائدين من طرابلس».
تزامنت تلك الحادثة مع هجوم نفذه «داعش» على مشارف بلدة ودان سقط فيه قتيل واحد من البلدة وعدد غير معروف من الدواعش. وحين جرى قطر سيارة عبد الله والدخول بها مع أسرته إلى ودان، ظن كثيرون أنه من ضحايا المعركة التي جرت قبل يومين على حدود المنطقة. وأصبحت القصة واحدة من بين كثير من القصص المأساوية التي انتشرت بخصوص محاولات المواطنين للانتقال بين جانبي البلاد عبر التجمعات الصحراوية الصغيرة البعيدة عن مدينة سرت من ناحية الجنوب الأوسط.
وتحتضن بلدات «ودان» و«بني وليد» و«الجفرة» وغيرها، في الوقت الراهن، أسرًا ليبية بعد أن تقطعت بها السبل وبعد أن كانت تأمل في الانتقال من الشرق إلى الغرب أو العكس.. في الليل يتجمع الرجال في غرف الضيافة في «ودان» التي يكثر فيها النخيل، للاستماع إلى قصص غالبيتها يدور عن تنظيم داعش في سرت والفظائع التي ارتكبها بحق أشخاص معروفين من القبائل والجيش وحرس المنشآت النفطية.
سيطرة «داعش» على سرت منذ قرابة عشرة أشهر، أدت إلى استيلاء التنظيم المتطرف على الطريق الرئيسي الذي يصل بين شطري الدولة. وتعرض عشرات المواطنين الليبيين، ممن حاولوا العبور من خلال هذا الطريق، للقتل والتعذيب والسرقة على أيدي التنظيم، ولهذا بدأ كثير من الليبيين البحث عن دروب وطرق بديلة كانت أساسا تخص شركات التنقيب عن البترول، وجلب البلح من الواحات، وتخص أيضا تحركات الجيش في زمن القذافي.
وفي الأشهر القليلة الماضية جرى استخدام مثل هذه المسالك الالتفافية والصعبة، على نطاق لافت، بين العائلات الليبية التي ترغب في الانتقال بين طرابلس وبلدات الغرب وبنغازي وبلدات الشرق، بعيدا عن «داعش سرت». كانت هناك محاولات من جانب بعض المواطنين العالقين بين شطري البلاد لاستخدام البحر للانتقال عبر المراكب من شرق البلاد إلى غربها، مرورا بخليج سرت، لكن المشكلة أن «داعش» يراقب هذا الخليج عن طريق عناصر مدربة تتمركز في ميناء المدينة يطلق عليها التنظيم اسم «فيلق البحر».
أما الانتقال بالطائرات فما زال صعب المنال بعد أن تسببت حروب الميليشيات في تدمير مطار طرابلس الدولي وحرقه. ويوجد في العاصمة مطار آخر هو «امعيتيقة» لكن حركة الطيران الداخلي فيه محفوفة بالمخاطر بسبب خضوعه لسيطرة جماعات لا تتتبع السلطات الشرعية. أضف إلى ذلك تراجع عدد المطارات في المنطقة الشرقية بعد تخريب الحرب الأهلية مطار بنينة في بنغازي، وسيطرة «داعش» على مطار القرضابية في سرت نفسها.
ورغم استمرار الحظر الدولي على تسليحه، فإن الجيش تمكن من تحقيق انتصارات صعبة ولافتة على المجاميع الداعشية والمتطرفة في مدينتي درنة وبنغازي. العسكريون ومن معهم من متطوعين قادمين من الشرق، يرددون الأهازيج والأغاني الشعبية على هدير محركات آليات الجيش، وتمكنوا قبل يومين من اجتياز الطريق الطويل الواصل بين بنغازي وإجدابيا. ويقول الضابط حسن العبيدي، أحد القادة العسكريين في جيش حفتر: «يبدو أن المجتمع الدولي غير متحمس لمؤازرة حفتر، لكن نحن معه، ومن شأن التقدم على عدة جهات أن يغير المعادلة على الأرض. هذا ما قمنا به في بنغازي».
طريق «بنغازي - إجدابيا» يعد مدخلا رئيسيا في اتجاه الهلال النفطي الذي يحوي نحو 60 في المائة من مخزون البترول الليبي، وفي اتجاه مدينة سرت أيضا. هذا الطريق الذي يبدأ من منطقة «قار يونس»، كان قبل شهر من الآن، تحت سيطرة جماعات متطرفة تتعاون مع «داعش»، من بينهم مقاتلون من «جماعة الإخوان» ومن «أنصار الشريعة» ومن «الجماعة الليبية المقاتلة»، ولم يكن من المأمون السير فيه من جانب سائقي الشاحنات وسيارات المسافرين، أو حتى الجيش. ويضيف العبيدي قائلا: «نحن أصبحنا هنا.. الأمور تغيرت».
رحلة المهندس عبد الله بدأت منذ خروجه من مدينته سرت التي قُتل فيها معمر القذافي عام 2011، حتى وصوله إلى هنا في بلدة «ودان». وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015، ترك منزله الكائن خلف مسجد الصحابة بالمدينة، وحمل أسرته، وتوجه بسيارته إلى طرابلس، طلبا للأمان، بعد أن أصبحت سرت تحت سلطة التنظيم المتطرف منذ صيف العام الماضي.
توقف كثير من حقول النفط عن العمل، وتراجعت كمية التصدير من 1.6 مليون برميل يوميا في أيام القذافي، إلى أقل من 350 ألف برميل هذه الأيام، مما جعل المهندس عبد الله يقضي معظم أيام الأسبوع بعيدا عن مقر عمله في حقل الشركة جنوب المدينة، وغير قادر في الوقت نفسه على السفر إلى أقاربه في بنغازي التي كانت تخضع لسيطرة المتطرفين وتدور فيها حرب ضروس ولم يتمكن الجيش من حسم المعركة فيها إلا الشهر الماضي.
أصبح عبد الله يصلي الأوقات الخمسة في المسجد المجاور لبيته «انتظارا للفرج»، وأملا في نزول راتبه في مصرف المدينة، حيث كان يتابع عبر التلفزيون محاولات الأمم المتحدة تقريب وجهات النظر بين عدد من الأطراف الليبية، في الحوار الذي عرف باسم «حوار الصخيرات»، لكن الدواعش سيطروا سريعا على المسجد، وعلى الإذاعة المحلية للمدينة، ونفذوا حملة لإزالة الأطباق اللاقطة للمحطات التلفزيونية من فوق أسطح البيوت.
يقول إنه بدأ يشعر بالخطر. كانت أعداد الدواعش تزداد في سرت من جنسيات مختلفة يأتون عبر البر وعبر البحر ويأكلون كل شيء في المدينة مثل الجراد.. «سيطروا أيضا على مقار الحكومة، وعلى قاعة المؤتمرات الدولية المعروفة باسم (واغادوغو)، التي كانت تستقبل في عهد القذافي زعماء من الدول العربية والأفريقية».
ومع ذلك، لم يتخذ المهندس عبد الله وعدد من جيرانه قرار الفرار من المدينة إلا بعد حملة القتل التي نفذها «داعش» ضد ضباط متقاعدين ومسؤولين محليين ورجال دين معتدلين. ويضيف: «في ذلك اليوم أطلقوا النار على جاري وعلقوه على الصاري لأنه كان في يوم من الأيام القديمة ضابطا في الدولة».
أثناء خروجه من سرت، أوقفته دورية داعشية تتكون من 7 عناصر أفريقية، على الطريق الغربي الفرعي المؤدي إلى الطريق الساحلي الرئيسي المتجه إلى طرابلس، خارج المدينة. يقول: «أولا سألوني من أين أنت؟ ولأنني أعرف الإجابة التي يريدونها فقلت لهم: من (الدولة الإسلامية) في سرت. لو كنت قلت لهم إنني من سرت فقط، لضربوني أو قتلوني. إجابتي سهّلت الأمور. فحصوا بطاقة الهوية وراجعوا بياناتها على حاسب إلى جوال.. ثم طرحوا أسئلة أخرى عن الشهادة التي يقولها المسلم كدليل على الإيمان بالله ورسوله. أجبت، لكنهم قرروا أن أخضع لـ(الاستتابة)».
ويضيف عبد الله: «صوَّب أحدهم مسدسه إلى رأسي وأمرني أن أجثو على ركبتي. بدأ رجل آخر، أعتقد من لكنته أنه سوداني الجنسية، يلقنني قول الشهادة بطريقته، والتي لم تكن في الحقيقة تختلف كثيرا عما ذكرته لهم في البداية.. مجرد إعادة صياغة. المهم نفذت ما أرادوه بحذافيره، بينما كان أطفالي وزوجتي يشاهدون ما يجري من خلف زجاج السيارة. كنت أخشى أن يفجروا رأسي أمامهم».
كانت هذه أول مرة يتعامل فيها عبد الله، وجها لوجه، مع عناصر من تنظيم داعش في سرت. وبينما كانت وجهته الفرار إلى العاصمة، كانت مئات العائلات الأخرى تهرب إلى مدن ليبية لا يوجد خطر على الطرق المؤدية إليها، بينما لجأ بعض العائلات للإقامة في تونس أو مصر، انتظارا لما ستسفر عنه الأحداث.
الأمور لم تجر كما كان يأمل.. يوضح عبد الله أن العاصمة، في الأسابيع الماضية، تتحول في الليل إلى مدينة حرب. قذائف مدفعية وقذائف صاروخية، وطائرات تحوم في الظلام، وطلقات للمضادات الأرضية، بينما كانت أسر كثيرة تبحث عن مكان آخر للجوء إليه سواء في الشرق، أي في مدن البيضاء وطبرق وغيرهما، أو حتى خارج البلاد.. «وبعد أن علمت بأن الجيش دخل إلى بنغازي ونظفها من المتطرفين، قررت أن أترك العاصمة وأن أتوجه إلى أقاربي في بنغازي، عبر طريق طرابلس ودان».
من جانبهم، يتطلع أبناء سرت ممن لجأوا لمدن وبلدان أخرى، لحسم الجيش للعملية سريعا، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم والاطمئنان على ذويهم. وتوجد مخاوف من أن يستخدم تنظيم داعش الأهالي المحاصرين في سرت دروعا بشرية في حال تعرضه للهجوم. ويقول المبروك سلطان: «يوجد تحشيد من الجيش، ويبدو أن هناك تصميما على دخوله إلى سرت، لكن الموعد غير معروف. القوات انتقلت إلى مناطق قريبة. وتدريجيا نتوقع أنه ستوضع نقاط تفتيش وسيتقدمون حين تصدر الأوامر العسكرية».
ومنذ الأسبوع الماضي بدأت أرتال من آليات الجيش الوطني بقيادة حفتر، في التحرك من مواقعها في شرق البلاد، في اتجاه سرت، لتحريرها من التنظيم الدموي، حيث يمكن بعدها، كما يأمل كثير من الناس هنا، إعادة فتح الطريق الساحلي، وتأمين عبور المواطنين بين جانبي الدولة.



إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
TT

إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)
امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)

عاشت إيران على مدى 25 عاماً صراعاً داخلياً مريراً بين البعد الآيديولوجي «الثوري» والنظرة الاستراتيجية الساعية لحماية الدولة ومصالحها في عالم متغير.

ورغم الآمال بتحولات جذرية، اصطدمت محاولات الإصلاح بمقاومة مراكز القوى التقليدية، مما حال دون حسم التناقض بين مبادئ «الثورة» ومتطلبات المصالح القومية بشكل جذري، أو تحقيق توافق مستدام بين هذين النهجين المتعارضين.

منذ عام 2000، شهدت إيران تداول السلطة بين خمسة رؤساء للجمهورية بصلاحيات محدودة، وتعاقب خمسة برلمانات تأثرت بالتيارين الرئيسيين «الإصلاحي» و«المحافظ»، في ظل جدل مستمر حول طبيعة الحكم، اتجاهاته، وأولوياته.

ومع دخول إيران منتصف العقد الرابع من عمر ثورة 1979، لا تزال صلاحيات الجهازين المنتخبين، التشريعي (البرلمان) والتنفيذي (الحكومة)، خاضعة بالكامل لهيمنة مراكز صنع القرار، على رأسها مؤسسة المرشد علي خامنئي الذي يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة تجعله فوق جميع مؤسسات الدولة.

في المقابل، توسع دور المؤسسات العسكرية والسياسية مثل «الحرس الثوري» و«مجلس صيانة الدستور» اللذين يحملان على عاتقهما حماية المبادئ الآيديولوجية لنظام الحكم، المستند إلى دستور يقوم على مبدأ «ولاية الفقيه» الركيزة الثابتة في موازين القوى الداخلية. هذه المؤسسات تشكل أدوات أساسية في الحفاظ على هوية «الجمهورية الإسلامية» وتعزيز نهجها المعادي للغرب.

بعد نحو 45 عاماً من «الثورة الإسلامية» في إيران لم يحسم التناقض بين مبادئها والمصالح القومية (غيتي)

خاتمي وتحول الصراع

تزامنت بداية الألفية الجديدة في إيران مع مرحلة حاسمة من عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، تحديداً الفترة الأخيرة من رئاسته (1997 - 2005). اتسمت هذه المرحلة بتصاعد المواجهة بين الإصلاحيين والمحافظين، إذ عمل التيار المحافظ على عرقلة الشعارات الإصلاحية التي رفعها خاتمي، خصوصاً في مجالي الحريات المدنية وحرية التعبير.

ولعبت المؤسسات غير المنتخبة التي تخضع لإشراف مباشر من المرشد علي خامنئي، مثل «مجلس صيانة الدستور» والقضاء، دوراً حاسماً في تعطيل الإجراءات الإصلاحية، مما جعل الإصلاحيين يواجهون تحديات متزايدة في تحقيق أجندتهم السياسية والاجتماعية.

شهدت فترة خاتمي تحولاً بارزاً في الصراع بين أنصار الآيديولوجية الثورية ودعاة المصالح الاستراتيجية. عدَّ خاتمي أن الإصلاحات ضرورة استراتيجية لضمان استمرارية نظام الحكم وتكيّفه مع المتغيرات الداخلية والخارجية، بينما رأى منتقدوه في طروحاته تدخلاً خطيراً يهدد أسس نظام «ولاية الفقيه».

عملت طهران على تحسين علاقاتها مع الغرب وتعزيز الهوية الوطنية من خلال مبادرات مثل «حوار الحضارات»، إلا أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والغزو الأميركي للعراق عام 2003 شكّلا ضربة لهذا التوجه. ومع سقوط نظام صدام حسين، وجدت إيران فرصة لتوسيع نفوذها الآيديولوجي في العراق عبر دعم جماعات مرتبطة بها كانت قد نشأت وتشكّلت داخل أراضيها.

ساهم الملف النووي في تقويض مبادرة «حوار الحضارات» لخاتمي، وزيّف محاولات بناء الثقة مع الغرب، مما زاد من عزلة إيران والتوترات الإقليمية والدولية.

لعب «الحرس الثوري» دوراً أساسياً في البرنامج النووي وحروب المنطقة (موقع خامنئي)

«الحرس» والدور الإقليمي

كما لعب «الحرس الثوري» دوراً أساسياً في قضايا البرنامج النووي، والتطورات الداخلية، وحروب أفغانستان والعراق في نهاية عهد خاتمي.

في أفغانستان، دعم «الحرس الثوري»، الولايات المتحدة، في إطاحة حركة «طالبان». أما في العراق، فقد قاد «فيلق القدس» جماعات عراقية مسلحة لتعزيز النفوذ الإيراني الذي استمر لسنوات. كما توسعت أنشطة الفيلق بقيادة الجنرال قاسم سليماني في لبنان، مما أسهم في إنشاء شبكة عمل موازية للدبلوماسية الإيرانية في السياسة الإقليمية.

تعزيز الحضور العسكري الأميركي في المنطقة دفع إيران إلى الشعور بالتهديد، مما أدى إلى توسيع برامجها الأمنية والاستراتيجية، على رأسها البرنامج النووي وتطوير الصواريخ الباليستية.

وفي عام 2002، أثار اكتشاف منشآت نووية سرية شكوك المجتمع الدولي حول نيّات البرنامج الإيراني، بما في ذلك احتمال إنتاج أسلحة نووية. ومع تصاعد التوترات، تحولت أولويات الغرب مع طهران إلى لجم أنشطتها النووية.

كما هدد المسؤولون الأميركيون، خصوصاً خلال فترة حكم جورج بوش، مراراً باستخدام الخيار العسكري إذا استمرت إيران في أنشطتها النووية.

شهدت فترة خاتمي تحولاً بارزاً في الصراع بين أنصار الآيديولوجية الثورية ودعاة المصالح الاستراتيجية

«النووي» ملفاً للجدل الداخلي

مُذّاك، أثار الملف النووي جدلاً داخلياً في إيران حول الأولويات الوطنية، إذ سعى الإصلاحيون للحفاظ على العلاقات الدولية وتقليل التوتر، بينما دفع المحافظون نحو التشبث بالمبادئ الآيديولوجية.

في 2003، أعلنت طهران وقف تخصيب اليورانيوم «طواعية» كجزء من اتفاق «سعد آباد» مع الترويكا الأوروبية، مع تعهد بعدم إحالة الملف إلى مجلس الأمن، وإقامة علاقات اقتصادية مع أوروبا. في العام نفسه، بدأت إيران الترويج لفتوى المرشد علي خامنئي التي تحرم إنتاج السلاح النووي أو تخزينه أو استخدامه، مما أصبح أساس الموقف الإيراني الدولي حول البرنامج النووي.

لكن الولايات المتحدة المتشككة في نيّات طهران، عدّت الاتفاق غير كافٍ، واتهمت إيران بتوسيع برنامجها النووي، ما دفعها لفرض عقوبات اقتصادية على البنوك الإيرانية وقطاع الطاقة.

ولاحقاً أحالت ملف إيران إلى مجلس الأمن في خطوة لاقت مساندة دولية. حدث ذلك في بداية عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، مما دفع إيران لتبني سياسة هجومية تجاه القوى الغربية.

لم تعلن إيران رسمياً امتلاكها برنامجاً لتطوير السلاح النووي. ونشرت الاستخبارات الأميركية في 2007 تقريراً يفيد بأن إيران أوقفت برنامجاً لتطوير السلاح النووي في 2003، وساهم التقرير في تعديل الموقف الأميركي.

خلال ثماني سنوات من رئاسة محمود أحمدي نجاد، تصاعد التوتر مع الغرب بسبب البرنامج النووي الإيراني الذي ارتفع تخصيب اليورانيوم فيه إلى 20 في المائة. وأصر أحمدي نجاد على حق إيران في استخدام التكنولوجيا النووية سلمياً. رداً على ذلك، فرضت عقوبات مشددة على إيران استهدفت برنامجها النووي، ومبيعات النفط، والاقتصاد، ووُضعت تحت الفصل السابع.

عززت إيران نفوذها في الشرق الأوسط فازداد التوتر مع قوى إقليمية (أ.ب)

إيران وفرصة «الربيع»

على صعيد العلاقات الخارجية، سعت إيران لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية والأفريقية وأميركا اللاتينية، ودعمت جماعات مسلحة مثل «حزب الله» و«حماس».

مع اندلاع ثورات «الربيع العربي»، سعت إيران لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما زاد التوترات مع القوى الإقليمية والدول العربية. وكان دعم نظام بشار الأسد في سوريا من أولويات حكومة أحمدي نجاد، قبل تسليم السلطة لحسن روحاني.

داخلياً، شهدت إيران أزمة كبيرة بعد فوز أحمدي نجاد في انتخابات 2009، ما أدى إلى احتجاجات «الحركة الخضراء» إثر رفض نتائج الانتخابات التي جرت بين أحمدي نجاد والمرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي.

بعد انتهاء فترة رئاسة أحمدي نجاد، سعت إيران إلى تهدئة التوترات مع الغرب، ودخلت في مفاوضات نووية بهدف إدارة هذه التوترات مع القوى الكبرى. استمرت المفاوضات لعامين، وأسفرت عن اتفاق نووي في 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) الذي أدى إلى تجميد العقوبات الأممية المفروضة على إيران وفرض قيود على برنامجها النووي.

لعب المرشد الإيراني دوراً محورياً في المفاوضات، إذ مهّد لذلك بمفاوضات سرية خرجت للعلن بإعلان «المرونة البطولية». ووضع خامنئي خطوطاً حمراء تتضمن الحفاظ على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، ورفع العقوبات الاقتصادية، ورفض دخول المفتشين الدوليين إلى المنشآت العسكرية.

دعم خامنئي بحذر فريق الرئيس حسن روحاني في المفاوضات النووية، رغم الضغوط من التيارات المحافظة، من دون أن يتحمل المسؤولية المباشرة عن النتائج. كانت المفاوضات توازناً بين الآيديولوجيا والمصالح الاستراتيجية، إذ سعت إيران للحفاظ على شعاراتها «الثورية»، وفي الوقت نفسه التعامل مع المتغيرات الدولية، ومواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، وتمويل أنشطتها الإقليمية، وضمان استمرارها لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط.

استمر «الحرس الثوري» الإيراني في تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، وتوسعت أنشطته في دعم الجماعات التي تدعمها إيران وتعزيز وجودها العسكري هناك. كما وسّع أنشطته الصاروخية. وفي الوقت نفسه، هدد المرشد الإيراني بطرد القوات الأميركية من المنطقة. هذه الأنشطة أثارت قلق الإدارة الأميركية، ما دفع الرئيس دونالد ترمب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي.

خامنئي خلال لقائه قدامى المحاربين في أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (إ.ب.أ)

«الصبر» لمواجهة «الضغوط»

وفي مواجهة «الضغوط القصوى» التي مارستها إدارة ترمب، بما في ذلك منع إيران من مبيعات النفط، تمسكت طهران أكثر بسياسات «السير على حافة الهاوية» و«الصبر الاستراتيجي». كما شهدت المياه الإقليمية توترات بسبب احتجاز ناقلات نفط من قبل «الحرس الثوري» بعدما هددت طهران بعرقلة خطوط النفط. وقرر ترمب تصنيف «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب.

جاء مقتل قاسم سليماني بأمر من ترمب في لحظة مفصلية من تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، مما قرب البلدين من حافة الانزلاق إلى حرب مباشرة.

في تسجيل مسرب عام 2021، دعا وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، إلى تحقيق توازن بين السياسة الخارجية و«الميدان»، مشيراً إلى تأثير «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري». وكشف عن انقسام داخلي بين التيار الآيديولوجي والبراغماتي، إذ سعى الأخير لتحقيق مصالح مثل رفع العقوبات. دافع ظريف عن قناعته بأن العمل الدبلوماسي يعتمد على الواقع الميداني، والعكس صحيح، إذ يمكن للدبلوماسية أن تمنح «شرعية دولية» للإنجازات الميدانية.

مع مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن، استخدم المرشد الإيراني نفوذه لدعم «الحرس الثوري»، وأبدى مرونة محدودة لإدارة التوترات عبر المفاوضات النووية. حاول بايدن العودة للاتفاق النووي مع طهران، لكن الإجراءات النووية غير المسبوقة التي اتخذها الجانب الإيراني وتولي حكومة محافظة بقيادة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ودخول روسيا في حرب مع أوكرانيا، عرقلت المسار الدبلوماسي إلى حد كبير.

قاسم سليماني (تسنيم)

رئيسي و«الحكومة الثورية»

مع تولي رئيسي، تمسكت طهران بالإبقاء على المسار الدبلوماسي لطاولة المفاوضات مع الغرب، من دون أن تعبر المفاوضات خط النهاية.

فسرت مرحلة رئيسي في البداية بأنها امتثال لمقاربة طرحها المرشد الإيراني بشأن تولي «حكومة ثورية» في بداية العقد الرابع من نظام الحكم، وتوحيد توجهات أركان الدولة، وحصرها بيد المحافظين، بعدما واصل هيمنته على البرلمان.

حملت حكومة إبراهيم رئيسي نقاط تشابه كبيرة مع حكومة محمود أحمدي نجاد؛ فمن جهة عادت طهران لمساعي التقارب مع القوى الإقليمية، ومن جهة أخرى راهنت على الالتفاف على العقوبات وإبطال مفعولها. وسرعت خطواتها النووية، اعتماداً على قانون أقره البرلمان في نهاية 2020، بدعم كبير من المرشد.

شهد عام 2024 تطورات غير متوقعة في إيران، إذ أدى تحطم مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي إلى انتخابات رئاسية مبكرة فاز فيها النائب مسعود بزشيكان. تعهد الرئيس المدعوم من الإصلاحيين بمواصلة سياسة «التوجه نحو الشرق» وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، إضافة إلى السعي لرفع العقوبات عبر العودة للمفاوضات النووية.

إقليمياً، تحولت طهران من «حرب الظل» مع إسرائيل إلى ضربات مباشرة، بينما تعرضت لانتكاسات استراتيجية مهمة، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد وتراجع دور «حزب الله» و«حماس». ومن شأن هذه التطورات أن تضعف دور «الحرس الثوري» الإقليمي، لكنها قد تنذر بانتقاله لمحاولة تعويض ذلك في مناطق أخرى، بما في ذلك الداخل الإيراني.

بزشكيان ومصالحة داخلية

تأتي رئاسة بزشكيان التي ينظر إليها على أنها محاولة للمصالحة الداخلية في إيران، في فترة حساسة مع ترقب الإيرانيين لملف خلافة المرشد. من غير المتوقع أن تحدث تغييرات جذرية في العلاقات مع الغرب، ويُحتمل أن يحصل بزشكيان على صلاحيات محدودة في المفاوضات النووية.

شدد بزشكيان بعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية على ضرورة إدارة العلاقة والمواجهة مع الولايات المتحدة من قبل الإيرانيين أنفسهم. قال بزشكيان إن نهج حكومته سيكون في إطار استراتيجية نظام الحكم وتوجهاته الشاملة.

من المرجح أن يحصل بزشكيان على دعم خامنئي والتيار «الثوري» للتوصل إلى تسوية تهدف إلى تخفيف الضغوط على إيران. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو لا يعني بالضرورة الابتعاد عن حافة الهاوية، بل يعكس توجهاً لتوسيع هامش المناورة في مواجهة التوترات مع الغرب. ومن المتوقع أن تستمر إيران في هذا النهج على المدى القريب، على الأقل حتى تتضح ملامح هوية المرشد الإيراني الثالث.