مئات المقتنيات الخاصة تسرد السيرة الشخصية والرسمية للملك فهد

معرض «الفهد روح القيادة» في الظهران يختتم فعالياته اليوم ويسجل آلاف الزوار

صورة أرشيفية للمك فهد (تصوير: صادق الأحمد)
صورة أرشيفية للمك فهد (تصوير: صادق الأحمد)
TT

مئات المقتنيات الخاصة تسرد السيرة الشخصية والرسمية للملك فهد

صورة أرشيفية للمك فهد (تصوير: صادق الأحمد)
صورة أرشيفية للمك فهد (تصوير: صادق الأحمد)

يختتم اليوم في الظهران شرق السعودية، معرض «الفهد.. روح القيادة» الذي يُقام في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومثّل المعرض فرصة ثمينة لآلاف السعوديين الذين زاروا المعرض للتعرف على السمات القيادية في سيرة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز (رحمه الله).
شمل المعرض مئات المقتنيات الخاصة بالملك فهد، بينها صور شخصية تسرد جوانب من حياته الشخصية والإدارية، ومكتبه الخاص أثناء توليه وزارة المعارف، وعدد من المقتنيات الأخرى التي تعكس الطبيعة الإنسانية للملك فهد، وضم المعرض مجموعة كبيرة من مقتنيات الملك فهد الشخصية والأوسمة والأوشحة التي تقلدها ووثائق رسمية ومخطوطات عدة وأفلاما وثائقية، ونحو ألف صورة تعرض للمرة الأولى، حيث أقيم المعرض سابقا في العاصمة الرياض وفي عروس البحر الأحمر مدينة جدة.
من المقتنيات الشخصية للملك الراحل، ساعتا يد، إحداهما بسوار جلدي، وقلمان، وثوبان أحدهما شتوي، مع نظارتين طبيتين، و«بشتين» (عباءة رجالية) وغترة بيضاء وعقال، وضمن المقتنيات الخاصة، تأتي السيارات التراثية النادرة للملك فهد.
وكذلك حقيبة حمراء ذات تصميم كلاسيكي قديم بشكل طولي وضعت ضمن إطار زجاجي، وكُتب عليها: «صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز»، لكي يمكن تمييزها عن غيرها من حقائب المسافرين في المطارات في ذلك الوقت.
وإلى جانب ذلك اشتمل المعرض على عروض بصرية تحكي جوانب من سيرة الملك فهد ومواقفه، خاصة في القضايا التي مثّلت مفاصل في السياسة العالمية.
المعروف أن الملك فهد الذي تولى وزارة المعارف، تولى أيضًا مع أخويه الملك فيصل والملك خالد، وخلال ولايته للملك، أكبر عملية تحديث للدولة السعودية، كما شهد عهد الملك فهد أحداثًا جسامًا تجلت فيها روح القيادة الواعية، أبرزها احتلال الكويت، وقيادته الصلبة لعملية تحريرها.
ووثقت الصور شخصية الملك فهد الرسمية والقيادية، من خلال صور للقاءات والمناسبات الرسمية حيث أبرزت صورًا له في منصب وزير المعارف، وصورًا أخرى أثناء توليه وزارة الداخلية، بالإضافة إلى منصبه نائبا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء، وكذلك بعد أن أصبح وليًا للعهد في عهد الملك خالد، وصولا إلى تقلده الحكم في 21 شعبان 1402هـ.
وجسدت الكثير من الصور بساطة الملك الراحل في رحلاته البرية، وأخرى مع أبنائه وأحفاده في جلسات عائلية وعفوية واضحة دون أي رسميات. ويحضر في الكثير من الصور النادرة للملك فهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث يبرز دوره إلى جوار شقيقه الملك الراحل.
وتروي صور الملك فهد أثناء أزمة الخليج (احتلال الكويت)، وكذلك أقواله، جانبا من حزمه القيادي المعروف، فبعد غزو الكويت من قبل نظام صدام حسين، قال الملك فهد «يا نعيش سوا.. يا ننتهي سوا.. يا تبقى الكويت والسعودية.. يا تنتهيان مع بعضهما». وحينها تم تشكيل قوات التحالف التي أعادت الكويت لأهلها، وبالإضافة للصور عرض المعرض فيلما وثائقيًا عن أزمة الخليج.
تضمن المعرض ندوات أقيمت للزوار عن شخصية الملك فهد، كما جرى تنظيم عدد من البرامج التدريبية المتخصصة الموجهة للشباب عن سمات القيادة، وكذلك برامج تعليم القيادة بالترفيه الموجه للأطفال.
واستقطب المعرض عددًا كبيرًا من الزوار من داخل المملكة وخارجها وخاصة من دول الخليج المجاورة، وشهد المعرض توافد طلاب الجامعات والمدارس في المنطقة الشرقية، وكانت المقتنيات والأوسمة التي تعبر عن جولاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والإنسانية، محل الاهتمام الكبير من الزائرين الذين حرصوا من خلال زياراتهم على توثيق هذه المقتنيات والأوسمة لملك حقق منجزات تاريخية ونهضوية كبرى في المملكة في كافة المجالات.
وكان من أبرز الأجنحة للمعرض الجناح الخاص بالفترة التي تولى فيها الملك فهد وزارة المعارف، وضّم الجناح المكتب الخاص للملك فهد في قصر شبرا بالطائف عام 1373هــ.
وفي هذا الجناح تبرز كلمة للملك فهد موجهة للعاملين في قطاع التعليم، يقول فيها: «لست غريبًا على رجال العلم وطلبة العلم، فقد كانت أفضل أيامي التي أعتز بها، واعتززت بها في الماضي، وسوف أعتز بها في الحاضر وفي المستقبل، أن شرفني الله تعالى فقمت بأعمال وزارة المعارف في المملكة العربية السعودية، ومعها تقلدت مناصب أخرى، لكنني أجد في الواقع أن العلم ورجال العلم هم الذين أشعر بهم حولي، لإيماني الكامل بأن العلم هو الشيء الأساسي الذي تعتمد عليه الأمم، وفي مقدمة ذلك عقيدتنا الإسلامية السمحة التي هي في الواقع الأساس وهي مقاس لنا كأمة إسلامية».
وقدّم المعرض إضافة نوعية للأطفال عبر مختبر التنشئة القيادية للطفل الذي يسعى لتطوير الكفاءة الإدارية للأطفال، عبر ألعاب إلكترونية وبرامج تفاعلية. وأوضحت المشرفة على مختبر التنشئة القيادية للطفل شيخه المقبل، أن المختبر استطاع من خلال قسم الفنون تقديم نماذج لاستاد الملك فهد الدولي باستخدام المواد المعاد تدويرها، إلى جانب عرض فيلم تعريفي عن حياة الملك فهد وفتح باب النقاشات مع الأطفال بهدف صناعة شخصية القائد لديه.
كما أقيم على هامش المعرض برنامج الورش التدريبية المتخصصة في «السمات القيادية المستمدة من سيرة الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله». وأوضح رئيس فريق التنظيم وإدارة الفعاليات عبد العزيز العثمان، أن المعرض قدم عدة ورش تدريبية عن السمات القيادية موجهة للشباب والفتيات، إلى جانب ورش تدريبية عن التنشئة القيادية للأطفال، موجهة للأمهات والمربيات وكل من له علاقة بتربية الأطفال.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».