«كورال الفيحاء» نال «جائزة مهرجان الشرق الأوسط» في دبي.. وسكت

بعد شح التمويل وتراكم الديون.. المايسترو ينتظر بصيص أمل من وزارة الثقافة

كورال الفيحاء بعد فوزه بجائزة مهرجان الشرق الأوسط في دبي
كورال الفيحاء بعد فوزه بجائزة مهرجان الشرق الأوسط في دبي
TT

«كورال الفيحاء» نال «جائزة مهرجان الشرق الأوسط» في دبي.. وسكت

كورال الفيحاء بعد فوزه بجائزة مهرجان الشرق الأوسط في دبي
كورال الفيحاء بعد فوزه بجائزة مهرجان الشرق الأوسط في دبي

ما كاد «كورال الفيحاء» الذي صار فخر طرابلس ولبنان كله، يعود من دبي، حاملاً جائزة «مهرجان الكورال في الشرق الأوسط» حتى بدأت أخبار توقفه تسري بصوت خفيض. ومنذ أيام، صدر بيان رسمي يؤكد الخبر ويشرح بأن «عدم استقرار الدعم المادّي للفريق يمنعه من التقدّم أو حتى الحفاظ على المستوى الذي وصل إليه، فالمسؤوليّة أصبحت أكبر بكثير، والمشروع الذي بدأ مع مجموعة هواة صغيرة أصبح الآن عالميًّا منافسًا، لا بل متفوّقًا على غيره، ومتطلّباته أكبر بكثير من قدرتنا».
وجاء في البيان: «إننا نشكر جميع من ساندنا ووقف إلى جانبنا منذ بداية مسيرتنا وخاصّة مركز العزم الثّقافي - بيت الفن، مؤسّسة الصفدي، بلديّة طرابلس وكل من دعمنا منذ تأسيس الكورال عام 2003».
بدا الخبر صادمًا، لأهالي مدينة طرابلس بشكل عام، التي خرجت منها هذه الفرقة المتميزة، وتشكلت من بين أبنائها، وبقيت تنمو خلال الحرب الضروس بن جبل محسن وباب التبانة، ومن دون توقف، واجتازت المحن المتلاحقة بشجاعة وإصرار.
من لحظة الإعلان عن توقف الكورال، أطلقت حملة تحت عنوان «دعمًا لكورال الفيحاء» ليس في طرابلس وحدها بل في كل لبنان، ضمت عددًا من الفنانين، وصلت أصداؤها إلى وزارة الثقافة.
أول من أمس، كان مايسترو الفرقة الشهير باركيف تاسلاكيان، يتحدث عن نفحة أمل، بعد اتصال من وزير الثقافة روني عريجي، مستفسرًا عن سبب هذا الإعلان الحزين، طالبًا رسالة توضيحية ليرى ما بمقدور الوزارة أن تفعل.
«تسلم الكورال جائزته في دبي، وفريقه يعلم أنه يغني للمرة الأخيرة، لكن أحدًا لم يرد أن يعلن ذلك»، تقول مديرة الفرقة والمغنية الرئيسية فيها صاحبة الصوت العذب رولا أبو بكر. «كانت فرق كثيرة حاضرة من الأردن وفلسطين وإنجلترا وأميركا وكوريا وإيران، وكذلك دبي، وفزنا متقدمين على كل هذه الفرق ولم نرد أن نعكر صفو المناسبة، وأن نعلن توقفنا. تفادينا الضجيج لكن الخبر تسرب».
بكثير من الامتنان، لكل الذين دعموا الكورال طوال 12 عامًا يتحدث المايسترو باركيف تسلكيان، يقول بأن الذين دعمونا لغاية الآن، من بلدية طرابلس إلى محمد الصفدي ونجيب ميقاتي وحتى سعد الحريري، فعلوا ذلك محبة. لا بد أن أذكر أنه في السنوات الأخيرة كان يدعمنا الرئيس نجيب ميقاتي بعشرة آلاف دولار شهريًا. كل هؤلاء لم يكونوا ملزمين، بما قدموا، إنما فعلوا ذلك طوعًا، ونحن ممتنون لهم، ولولاهم لما وصلنا إلى ما نحن عليه. ويضيف تسلكيان: «مشكلتنا أن الدعم المادي الذي يصلنا، ليس له صفة الثبات، مما أوقعنا بديون في الفترة الأخيرة وصلت إلى 35 ألف دولار، وهو مبلغ لا نستطيع سداده. نحن لا نريد أن نتوقف، لكننا أيضا لم يعد بمقدورنا أن نستمر».
أعضاء الكورال، لمن يعرفهم يتنفسون هذا الفن الذي يعطونه جل وقتهم، وهم في غالبيتهم من المتطوعين. لكن الفرقة تحولت إلى مؤسسة، بعد أن نمت واشتهرت وصار لها موظفون يحتاجون إلى رواتب، حتى لو كان عددهم قليلاً.
هذا الكورال الذي يغني بحناجر أعضائه المدربة الطرب العربي، من دون مصاحبة موسيقية على طريقة «الأكابيلا» استطاع أن يحصد في السنوات الأخيرة جوائز عالمية، وغنى في كبريات المدن وفي مناسبات دولية. فقد حصل على «جائزة وارسو» لأفضل كورال، في تحد كان الأكبر والأول له، وكرت السبحة، إذا نال بعدها: «جائزة الحقوق الموسيقية» التي يقدمها المجلس الدولي للموسيقى ومن ثم جائزة جديدة، في دبي، منذ أيام. وتمكن الفريق المكون من لبنانيين من مناطق شمالية مختلفة، وطوائف متعددة، من أن يغني صوتًا واحدًا متعدد الطبقات، وصار نموذجًا لذاك المشروع الذي ينمو بالمثابرة، في أحضان بلدية المدينة التي رعته، حيث أقام وتدرب أعضاؤه في مبناها. وعام 2010 مع وصول نادر الغزال رئيسًا للبلدية، طرد الكورال من المبنى وقطعت البلدية الدعم عنه بالكامل، ليتلقفه سياسيون من المدينة، لم يرُق لهم ما اقترفته البلدية بحق هؤلاء الفنانين الذين بدأ نجمهم لمع وشهرتهم تتوسع. من حينها كبر الكورال وبات الأشهر في لبنان الذي يؤدي هذا النوع الغنائي. لكن ها هو مفصل صعب آخر يضع هذا الفريق المكون من أربعين شخصًا على المحك، ويدخلهم نفق اليأس. فهل يعقل أن يصمت الكورال الذي غنى «القدس» بطريقة لم يسبقه إليها أحد، وسيد درويش، وارث زكي ناصيف، والرحابنة، كما أدى بالفرنسية والإنجليزية والأرمنية.
كورال الفيحاء يتوقف، لكن عشاقه يطالبون بعودته في أسرع وقت، والرجعة لا تزال ممكنة بقليل من التمويل، قبل أن يتفرق شمل فنانيه، وتتشتت الجهود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».