العاصمة المصرية تتلمس إحياء «هيبة الدولة» في شوارعها

تشمل إزالة مخالفات وضبط المرور بعد ثلاث سنوات من الفوضى

أعمال إزالة لمبان غير قانونية خلف مبنى المحكمة الدستورية في جنوب القاهرة («الشرق الأوسط»)
أعمال إزالة لمبان غير قانونية خلف مبنى المحكمة الدستورية في جنوب القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

العاصمة المصرية تتلمس إحياء «هيبة الدولة» في شوارعها

أعمال إزالة لمبان غير قانونية خلف مبنى المحكمة الدستورية في جنوب القاهرة («الشرق الأوسط»)
أعمال إزالة لمبان غير قانونية خلف مبنى المحكمة الدستورية في جنوب القاهرة («الشرق الأوسط»)

تسعى محافظة القاهرة التي يعيش فيها نحو 20 مليون نسمة، لاستعادة هيبتها في الشارع بعد ثلاث سنوات من الفوضى في أعقاب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. ومن الصدف العجيبة أن المحافظة بدأت بإزالة نحو 20 عمارة أقيمت على أراض زراعية مجاورة لمستشفى المعادي العسكري التي يقيم فيها مبارك، وخلف المحكمة الدستورية التي يتولى رئيسها المستشار عدلي منصور رئاسة الدولة بشكل مؤقت. وبالإضافة إلى إزالة العشرات من العمارات الأخرى المخالفة لشروط البناء، بدأ مسؤولو المحافظة في تنظيم دوريات لإعادة انضباط المرور في أكبر عواصم المنطقة.
ويأمل خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي لمحافظة القاهرة، وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط» من موقع إزالة نحو عشرين عمارة بضاحية المعادي، في استغلال مساحات الأراضي التي أقيمت عليها تلك العمارات بعيدا عن أعين الدولة، لإقامة حديقة عامة وتوسيع الشوارع القريبة، وخلق أماكن مفتوحة للتخفيف عن سكان العاصمة الذين يعانون من الزحام والتكدس.
وبداية من ميدان التحرير، الذي أصبح من الممكن أن تجد فيه اليوم الدوريات الشرطية والمرورية الراكبة، ووصولا إلى جنوب العاصمة المصرية، حيث كان كثير من أصحاب رؤوس الأموال يستغلون انشغال الأجهزة الأمنية بالاضطرابات السياسية، يتغير وجه العاصمة المصرية يوما بعد يوم إلى الأفضل، فقد جرى تنظيف كثير من الميادين من آثار التخريب والحرق، وفتح شارع القصر العيني الذي يطل على مقار الوزارات والبرلمان، ويطل كذلك على خمس سفارات غربية على الأقل، وغيرها من الإجراءات.
ومنذ توليه موقعه رئيسا للحكومة تعهد المهندس إبراهيم محلب بإعادة الانضباط للشارع المصري، وإزالة التعديات على أملاك الدولة، جنبا إلى جنب مع الحرب التي تقودها السلطات ضد العمليات «الإرهابية» التي تقوم بها بعض الجماعات المتشددة ضد رجال الجيش والشرطة. وشدد في اجتماع مع المحافظين الليلة قبل الماضية، على ضرورة تحقيق التواصل الدائم مع المواطنين وسرعة حل مشكلاتهم، ووجه بإنشاء غرفة إدارة أزمات على مستوى كل محافظة تعمل على مدار الساعة من أجل التعامل السريع مع ما قد يطرأ من أزمات عاجلة تتطلب التدخل السريع.
ومنذ سقوط نظام مبارك مطلع عام 2011، ضربت القاهرة، والكثير من المحافظات المصرية، موجة من الفوضى استغلها البعض في خرق القانون، ووضع اليد على أراض تابعة للدولة، وتجرأ البعض الآخر وقام ببناء أبراج سكنية كاملة، وعرضها للبيع، رغم أنه لا يملك الأرض التي أقيمت عليها، ولم يقم بأي رسوم هندسية للمبنى أو يستخرج التصاريح الرسمية المطلوبة. وفي هذا السياق تستعين محافظة القاهرة منذ نحو ثلاثة أيام بمعدات ضخمة ومتفجرات لإزالة أكثر مظاهر الفوضى وضوحا، والتي تتلخص في إقامة عشرين عمارة في منطقة حيوية تقع قرب كورنيش النيل في أقصى جنوب غرب العاصمة، أي خلف مبنى المحكمة الدستورية وفي مواجهة مبنى المستشفى العسكري بالمعادي، وهو من المستشفيات المزودة بمهبط للطائرات العمودية والذي اقترن اسمه بكبار الشخصيات المصرية. ويرقد مبارك في هذا المستشفى منذ عدة أشهر للعلاج، حيث يجري التحقيق معه في عدة قضايا، بينما حاول أطباء المستشفى نفسه إنقاذ الرئيس الأسبق أنور السادات من الموت عقب إطلاق الرصاص عليه عام 1981. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة وصل عدد التعديات على الأراضي الزراعية، وتحويلها إلى أراض للبناء بالمخالفة للقانون، إلى مئات الآلاف من الحالات، على مساحة تصل إلى نحو 30 ألف فدان، وفقا لتقديرات شبه رسمية.
ويقول محمود أبو زيد، وزير الموارد المائية والري الأسبق، لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن حالات التعدي على أراضي الدولة تكلفها الكثير»، مشيرا إلى وجود ثلاثة أنواع من هذا التعديات «أولها التعدي علي الأراضي الزراعية وثانيها الأراضي الصحراوية وآخرها التعدي علي الجسور ومنابع المياه». ويضيف أبو زيد أن إزالة العقارات المخالفة خطوة على الطريق الصحيح، وعودة دولة القانون، ولكن يجب أن يكون التدخل أسرع في المرات المقبلة حتى لا تتكلف الدولة ما لا طاقة لها به.
وتشارك قوات من الجيش والشرطة في إزالة العقارات المجاورة للمحكمة الدستورية والمستشفى العسكري وسط متابعة من سكان المنطقة الراقية الذين كانوا قد فوجئوا بزرع تلك العمارات بطريقة غير منظمة ولا مخططة. ويضيف خالد مصطفى، قائلا: «إن خطوة إزالة هذه العقارات المخالفة تأتي ضمن خطة من محافظة القاهرة لاسترداد الأراضي المنهوبة والمعتدي عليها من قبل خارجين عن القانون دون أخذ تراخيص أو إذن مسبق من المحافظة»، «ويتكون بعضها من ثلاثة طوابق وأخرى من أربعة طوابق، ولم يكن قد جرى تسكينها بعد». واستخدمت السلطات متفجرات في نسف عدد من تلك العمارات المخالفة. ويقول خالد مصطفى أيضا إنه «جرى تفجير بعضها بشكل كامل، لأن هذه الأرض ملك للدولة وسوف يجري استغلال الأرض بالشكل القانوني الأمثل، ويمكن أن تساهم في توسعة الشوارع أو إقامة حدائق عامة»، مشيرا إلى أن أعمال الإزالة يمكن أن تكون قد انتهت بشكل كامل خلال أسبوع من الآن، و«قوات الشرطة والجيش مستمرة لحين الانتهاء من إزالة تلك العقارات بشكل كامل، كما أن هذه الخطوة وهذا القرار هام جدا من أجل ردع المخالفين للقانون والقضاء على تلك الظاهرة بشكل كامل قبل استفحالها في المجتمع».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.