هندية ترعى 70 فتاة تخلى عنهن ذووهن

صندوق صغير خارج المنزل لوضع الإناث غير المرغوب فيهن

عدد من الفتيات اللائي تخلى عنهن ذووهم وبراكاش وإحدى الفتيات
عدد من الفتيات اللائي تخلى عنهن ذووهم وبراكاش وإحدى الفتيات
TT

هندية ترعى 70 فتاة تخلى عنهن ذووهن

عدد من الفتيات اللائي تخلى عنهن ذووهم وبراكاش وإحدى الفتيات
عدد من الفتيات اللائي تخلى عنهن ذووهم وبراكاش وإحدى الفتيات

عند مدخل هذا المنزل الفريد من نوعه، يلاحظ المرء صندوقا صغيرا به رف لدى وضع طفل رضيع به، تنطلق صافرة إنذار داخل المنزل بحيث يدرك من بالداخل أن عضوًا جديدًا انضم للأسرة.
أما سيدة المنزل فهي براكاش كاور، 65 عامًا، وهي أم لـ70 فتاة تخلى عنهم آباؤهم وأمهاتهم لمجرد أنهن ولدن إناثًا.
منذ أكثر من 60 عامًا ماضية، عثر على براكاش ذاتها في أحد الشوارع المهجورة، وكان من المحتمل للغاية أن تدهسها إحدى السيارات - إلا أن القدر كان له قول آخر، حيث نمت أصوات بكائها وصرخاتها إلى مسامع أذان حنونة. وعليه، نجت براكاش من محنتها المبكرة لتوهب حياتها لاحقًا إلى حلمها في إحداث تحول بحياة الفتيات حديثي المولد غير المرغوب فيهن اللائي ألقي بهن إلى عرض الطريق، وتوفير مسكن لهن ومستقبل أمامهن.
منذ عام 1993، تتولى براكاش رعاية الفتيات اللائي لم يتمتعن قط بدفء الأسرة. وعن هؤلاء، قالت براكاش: «إنهن أطفالي، وحرصت دائما على ألا يشعرن أبدًا أنهن مشردات».
ومع تجولنا عبر أرجاء المنزل، يتضح بالفعل صدق قولها، فمع كل إشراق شمس تسارع براكاش إلى الاعتناء بأمر زجاجات الرضاعة والحفاضات ومصل التطعيم والطعام، وقبل كل شيء الرعاية المثالية. لذلك، تتمنى براكاش بداخلها لو كانت عدد ساعات اليوم أكثر! هذا المكان ليس مجرد ملجأ للأيتام، وإنما هو تجسيد لاسمه «المنزل الفريد». وتقدم الفتيات الأكبر سنًا يد العون لشقيقاتهن الأصغر في الاستعداد للذهاب للمدرسة. وخلال اليوم، تنشغل براكاش في إعداد الطعام وإدارة شؤون المنزل. والملاحظ أن معظم نزيلات المنزل تم العثور عليهن في الشوارع أو تركن ليلاً في الصندوق المخصص للأطفال الرضع على أعتاب المنزل.
من بين أفراد الأسرة، سيا وريفا اللتان لم يكن عمرهما تجاوز بضعة ساعات عندما عثر على إحداهما في مصرف ملفوفة بكيس أسود، بينما كانت الأخرى على طريق سريع. أما راضية ورابيا فكان عمرهما بضعة أيام عندما عثر عليهما في الحقول.
وتتراوح أعمار الفتيات اللائي يعشن هنا ما بين أربعة أيام و19 عامًا.
ونظرًا لأنها كانت طفلة تخلى والداها عنها، تعي براكاش تمامًا الألم الذي يعصف بالطفل الذي يمر بمثل هذا الموقف، وتصف ما تقوم به بأنه «مشيئة الله». وقالت مشيرة إلى طردها عام 1991 من ملاذ للنساء صباح أحد أيام الشتاء القارص «كان الجو ممطرًا عندما ألقي بي إلى الشارع لإعلاني رفضي لبعض الممارسات الخاطئة. لن أسمح قط بعمل بناتي خادمات في أي مكان».
وأضافت أن هؤلاء الفتيات وجدن الأمن والحب اللذين حرموا منهما على أيدي ذويهم. وقالت: «أملي الوحيد أن أجعل هؤلاء الفتيات مؤهلات جيدًا بحيث يتمكن من الوقوف على أقدامهن والعيش داخل المجتمع بينما يشعرن بالاعتداد بأنفسهن. وأريد أن أسأل الأمهات اللائي تخلين عنهن: من أعطاكن هذا الحق؟! إنه عار وإثم اجتماعي».
ويكمن الجزء الأهم داخل هذا المنزل في إدراك الأطفال لحقيقة أن آباءهم وأمهاتهم الفعليين تخلوا عنهم لأنهن إناث. ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة المؤلمة لم تزدهن سوى إصرار على النجاح وإثبات قدراتهن. وتساعد هذه المؤسسة الفتيات على أن يصبحن مواطنات أصحاء ومتعلمات وناجحات. ومن خلال هذا «المنزل الفريد»، تتمكن الفتيات من الالتحاق ببعض أفضل المدارس الإنجليزية بالمنطقة، بل إن بعض الفتيات الأكثر تفوقا يلتحقن بمدارس داخلية عريقة. ويتاح أمام الفتيات إمكانية التنزه بمراكز التسوق وشراء ما يحلو لهن من مالهن الخاص الذي يحصلون عليه كمصروف من براكاش، بجانب زيارة دور السينما. ولا تتوافر لدى كثير من الفتيات أي مؤشرات تكشف ولو معلومات عامة عن هوية أسرهن، من حيث مكان السكن أو حتى الهوية الدينية. وما ذلك، يتمتعن بالعيش معًا، ذلك أن الدين الوحيد الذي يلتزمن به جميعًا هو الإنسانية.
كما تشعر براكاش التي أصبحت جدة بعد زواج بعض بناتها وإنجابهن بالفخر حيال أحفادها، وترى أن الأمهات فقط هن القادرات على إنقاذ المجتمع من خلال تنشئة أطفالهن على «حب الإنسانية».
اللافت أن 24 أبريل (نيسان) من الأيام المميزة للغاية داخل «المنزل الفريد»، ذلك أن معظم الفتيات يجهلن تاريخ ميلادهن، وبالتالي تقرر اتخاذ هذا اليوم عيدًا لميلادهن جميعًا، حيث يجري الاحتفال من خلال إعداد كعكة ضخمة تبلغ زنتها مائة كيلوغرام. بجانب ذلك، فإنه خلال العطلة المدرسية، تسافر الفتيات مرة بالعام إلى دارجيلينغ. فيما يخص اختيار أسماء الأطفال الجدد، يجري اختيار الأسماء من ديانات مختلفة - حيث تحمل الفتيات أسماء هندوسية ومسلمة ومسيحية وسيخية.
من ناحية أخرى، قالت براكاش: «لا نرغب في عرض بناتنا للتبني. ويأتي إلينا البعض بالفعل راغبين في التبني، لكننا نرفض». وبررت براكاش ذلك بمعرفتها بكثير من الحالات تعرضت خلالها الفتيات المتبنيات لسوء المعاملة.
جدير بالذكر أن البنجاب يتسم بواحد من أكثر النسب تفاوتًا بين النوعين من حيث العدد، ويشهد عدد الإناث تراجعًا مستمرًا عامًا بعد آخر، خصوصا في أوساط الطبقات المتعلمة والشريحة الأعلى من المجتمع.
وفي مدينة أمريتسار التاريخية المجاورة، الواقعة أيضًا بإقليم البنجاب، أعلنت بيبي سانديب كاور على العالم أنه: «إذا رزقك الله بنعمة طفلة أنثى، لكنك رأيت فيها نقمة، مرر هذه النعمة إلي، وأنا سأرعاها وأتبناها».
واليوم، تتولى بالفعل رعاية كثير من الفتيات اليتيمات أو اللائي تختل عنهن أسرهن. وتبلغ بيبي من العمر 45 عامًا، وتعتبر نفسها شخصية مقاتلة بطبيعتها وجدت لنفسها هدفًا جديدًا بالحياة بعد قضائها عقوبة السجن لأربع سنوات ونصف.
وبالفعل، عايشت بيبي أطفالها وهن يكبرن ويصبحن على شابات متعلمات وعلى ثقة كبيرة بالنفس، ويعملن محاميات ومهندسات وطبيبات، بل وداخل الجيش أيضًا.
وقالت: «رغبت في أن تشعر كل فتاة بأنها مميزة، لهذا أفتح أبوابي لجميع الفتيات». وتشير بيبي إلى الفتيات خلال حديثها بكلمة «بناتي» بنبرة تحمل كثير من الفخر، مشيرة إلى أن كثيرات منهن يتبرعن بسخاء إلى الدار بمجرد التحاقهن بعمل وشروعهن في بناء حياتهن المهنية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».