نساء في الجنادرية بين «غزل الصوف» وصناعة «السدو»

المهرجانات التراثية تعيد ذكرياتهن القديمة داخل قرية صغيرة

الغزلنة تصنع من خيوط الصوف كرات مختلفة الألوان - تعتمد صناعة الغزل على مادة الصوف المتوافرة في القرى والأرياف (تصوير: خالد الخميس)
الغزلنة تصنع من خيوط الصوف كرات مختلفة الألوان - تعتمد صناعة الغزل على مادة الصوف المتوافرة في القرى والأرياف (تصوير: خالد الخميس)
TT

نساء في الجنادرية بين «غزل الصوف» وصناعة «السدو»

الغزلنة تصنع من خيوط الصوف كرات مختلفة الألوان - تعتمد صناعة الغزل على مادة الصوف المتوافرة في القرى والأرياف (تصوير: خالد الخميس)
الغزلنة تصنع من خيوط الصوف كرات مختلفة الألوان - تعتمد صناعة الغزل على مادة الصوف المتوافرة في القرى والأرياف (تصوير: خالد الخميس)

مهن النساء المجهدة والصعبة والمربحة سابقا، أصبحت الآن شبه مندثرة، مثل مهنتي «غزل الصوف» وصناعة «السدو»، وغيرها من الحرف اليدوية التي ما زال كبار السن يحتفظون بطريقة صنعها، ويجري إحياؤها مع كل انطلاقة لأي مناسبات تراثية، وتاريخية تنطلق في السعودية، لإعادة تعريف الماضي القديم، إلا أن من يُجدن تلك الحرف اليدوية، بدأت أعدادهن تتناقص، ففي مهرجان «الجنادرية 30»، يشاهد الزوار أن عدد النساء صاحبات الحرف التقليدية، قليل جدًا مقارنة بأصحاب الحرف اليدوية التي يعمل عليها الرجال.
السيدة عذا مخلد، إحدى السيدات اللاتي امتهنّ مهنة «غزل الصوف»، تلك الحرفة التي اكتسبتها من والدتها وجدتها، وهي تعمل الآن على تعليم بناتها تلك الحرفة اليدوية، حيث تفخر السيدة عذا عند سؤال الجمهور عن حرفتها، وكيف تجيد صناعتها بسرعة، ودقة عالية، لا سيما وهي تعمل على «غزل الصوف»، تعرض منتجاتها من خلفها، ذات الألوان المختلفة، والتصاميم اللافتة.
وقالت السيدة عذا مخلد: «إن المهرجانات التراثية، خصوصا مهرجان الجنادرية، تعيد ذكرياتها القديمة، حينما كانت في الماضي تعمل على غزل الصوف، من أجل استخدامها كأمتعة لهم، بينما اليوم تعمل على عرضها بعد ظهور التقنيات الحديثة، حيث إن جلوسها مع نساء في عمرها، من مختلف مناطق السعودية، داخل قرية تراثية، خلال فترة زمنية محدود، تعيد لها الماضي القديم».
وتعتمد صناعة «غزل الصوف»، على مادة الصوف المتوافرة في القـرى والأرياف، وتقوم مراحلها بتحضير الصوف، ويغزل بواسطة المغزل اليدوي، بعد نفش الصوف وتهيئته، ثم تقوم الغازلة بطريق سحب الصـوف بشكل خيوط لتصنع منه كرات لولبية الشـكل ومختلفة الألوان.
وفي زاوية مختلفة داخل القرية التراثية في الجنادرية، تعمل أم عبد الله، على صناعة حرفة «السدو»، وهي عملية قد تبدو صعبة وشاقة، وتحتاج منها بضعة أسابيع، لما فيها من التعب والجهد الكثير لمن أتقن هذه الحرفة، حتى تنتج قطعة واحدة فقط، حيث لم يكن هناك إقبال خلال الفترة الحالية على تلك الصناعة، الأمر الذي أدى بأم عبد الله إلى محاولة إيجاد حرفة يدوية أخرى، لنقل التراث القديم إلى الحاضر، حتى تبحث عن سعادة الجمهور الزائر، من أجل الإشادة بحرفتها.
ويعد السَدو نوعًا من البُسُط أو السَجاد من أثاث المنزل، يوضع في غرف الاستقبال، أو الضيافة، أو لتزيين غرف النوم، وهو يصنَع من خيوط الصوف أو القطن، ويتميز بأشكال هندسية وزخارف جمالية، تُنفّذ يدويًّا باستخدام آلة النَوْل، حيث تُركَب الخيوط عليها وتُنسج بها، لنحصل في النهاية على الشكل والزخارف المطلوبة.
وتعتمد صناعة «السدو»، على جهد المرأة في المقام الأول، وتعبر من خلالها عن تقاليد فنية عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، حيث تتفنن المرأة البدوية في زخرفة ونقش «السدو» بنقوش كثيفة، هي عبارة عن رموز ومعان مختلفة يدركها أهل البدو ويعرفون ما تحمله من قيم، ويتميز «السدو» بألوانه الزاهية المتنوعة وزخارفه الجميلة التي تحمل دلالات اجتماعية مختلفة مستوحاة من طبيعة أبناء البادية، ولم تندثر هذه الحرفة في دول الخليج، خلافًا لحرف أخرى كثيرة لم تعد موجودة بفعل تبدل احتياجات الناس في حقبة ما بعد النفط.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».