الثلوج تكسو جبال اللوز السعودية

قرية علقان تتحول إلى تجمع ضخم من هواة التنزه

الدفاع المدني في السعودية أكمل استعداده لمواجهة موجة البرد مع توقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستنحدر إلى نحو 5 تحت الصفر
الدفاع المدني في السعودية أكمل استعداده لمواجهة موجة البرد مع توقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستنحدر إلى نحو 5 تحت الصفر
TT

الثلوج تكسو جبال اللوز السعودية

الدفاع المدني في السعودية أكمل استعداده لمواجهة موجة البرد مع توقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستنحدر إلى نحو 5 تحت الصفر
الدفاع المدني في السعودية أكمل استعداده لمواجهة موجة البرد مع توقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستنحدر إلى نحو 5 تحت الصفر

يستثير منظر الثلوج وهي تغطي مساحات شاسعة في المناطق البرية شمال غربي منطقة تبوك، حماس السعوديين لتجربة العيش في مناطق ثلجية؛ إذ يتوافد السعوديون إلى المنطقة بشكل كثيف في فصل الشتاء ومع اقتراب هبوب العواصف الباردة للاستمتاع بتساقط ندف الثلج وتمدد اللون الأبيض حتى الأفق.
المنطقة التي تشهد كثافة عالية من السياح خلال أيام تقع على بعد 60 كيلومترًا من مدينة حقل التابعة لمنطقة تبوك، حيث يتحضر الزوار من شباب وعائلات لتجربة الحياة في مناطق الثلج، فالتوقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستنحدر إلى نحو 5 تحت الصفر.
وتتحول قرية علقان التي تشهد تساقط الثلوج من قرية صغيرة من عدة منازل إلى تجمع ضخم يضم سياحا من داخل السعودية وخارجها، للاستمتاع بالأجواء الاستثنائية التي تعيشها المنطقة لعدة أيام في ضيافة «الزائر الأبيض» كما يطلق عليه هناك.
وخلال الساعات المقبلة ستشهد أجزاء من مدينة تبوك، شمال غربي السعودية، والمناطق الشمالية من البلاد، تساقط ثلوج، خاصة على المناطق المرتفعة في منطقة تبوك (قرية علقان، وجبل اللوز، والزيتة، والظهر»، وعلى مدينتي طريف والقريات، وستصل درجات الحرارة في المرتفعات التي يقصدها السياح لمستويات متدنية تصل إلى خمس درجات تحت الصفر.
يذكر أن الزوار لا يلتزمون بالعطلات الأسبوعية للزيارة، حيث يتحكم تساقط الثلوج بالبدء في الرحلات الخلوية تحت جناح الزائر الأبيض.
من جانبه، قال حسين القحطاني، المتحدث باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة إن «المنطقة ستتأثر بالموجة الباردة التي تشهدها - حاليًا - منطقة شرق المتوسط». وأضاف: «من المتوقع أن تشهد المرتفعات في منطقة تبوك تساقط ثلوج بشكل كبير».
وأشار إلى أن حجم المناطق التي تشهد تساقطًا للثلوج، يعتمد على قوة موجة البرد التي ستشهدها المنطقة، مؤكدًا أن الرئاسة تتوقع تساقطًا للثلوج في المرتفعات في شمال غربي البلاد بشكل كبير.
وبحسب الموقع الرسمي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، فإن هناك فرصة لتساقط الثلوج خلال الليل وصباح الغد على مرتفعات منطقة تبوك والأطراف السعودية الشمالية (طريف والقريات)، فيما يتكون الضباب على شمال السعودية والمرتفعات الجنوبية الغربية، كما تشهد السعودية خلال الفترة الحالية طقسًا باردًا يميل إلى «شديد البرودة» على وسط وشمال البلاد، ورياحًا نشطة مثيرة للأتربة والغبار على المنطقة الشرقية ومنطقة الرياض والقصيم.
وستشهد المناطق الشمالية والشمالية الغربية موجات برد تتراجع فيها درجات الحرارة في الليل وفترات الصباح الباكر إلى ما دون الصفر المئوي لعدة أيام، فيما تبدأ درجات الحرارة في التحسن التدريجي يوم الأحد المقبل.
وقال تركي أحمد، وهو أحد سكان مدينة تبوك، إن «الرحلات البرية تزداد خلال الشتاء، خصوصًا مع هبوب العواصف التي تجلب الزائر الأبيض، كما يحب أن يسميه أهل المنطقة»، مضيفًا: «عشت هذه التجربة أكثر من مرة. إنه شعور رائع أن تذهب في رحلة برية تحت تساقط ندف الثلج».
وأشار إلى أن المكان يتحول إلى كرنفال حقيقي، «حيث يتسابق الزوار في الاستمتاع بالثلج، فيما تحصل بعض المواقف العرضية كتعطل سيارات البعض، ويتفرغ كثيرون لمساعدتهم، وكأن الجميع في حفلة مرح».
ووفق تأكيدات وائل الخالد، وهو مصور وإعلامي من أبناء مدينة تبوك، «تشهد المنطقة إقبالا كثيفًا من المواطنين، سواء من منطقة تبوك أو من المناطق الأخرى، ويصل عدد الزوار إلى عدة آلاف، وذلك للاستمتاع بالأجواء الثلجية». وأضاف: «تشهد المنطقة زوارًا من دول الخليج العربي، مثل الكويت وقطر والإمارات، كما تشهد المنطقة زيارات لمحترفي التصوير، لتسجيل اللحظات تحت تساقط الثلوج».
وتمتد المنطقة التي تشهد تساقط الثلوج، على مساحة شاسعة تضم الزيتة وجبل اللوز والظهر وقرية علقان، حيث تتحول القرية الصغيرة إلى تجمع ضخم ومقصد للزوار للتبضع للرحلات الخلوية في المناطق المثلجة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)