«الشرق الأوسط» في سوق السلاح ببغداد: مسدسات ورشاشات وقاذفات.. والكلاشنيكوف الأكثر رواجًا

الجيش وميليشيات الحشد الشعبي مصدره الرئيسي.. والتجارة تتم بعلم أجهزة الأمن

ظاهرة حمل السلاح في العراق اتسعت مع تدهور الأمن مما ساهم في انتعاش تجارته (رويترز)
ظاهرة حمل السلاح في العراق اتسعت مع تدهور الأمن مما ساهم في انتعاش تجارته (رويترز)
TT

«الشرق الأوسط» في سوق السلاح ببغداد: مسدسات ورشاشات وقاذفات.. والكلاشنيكوف الأكثر رواجًا

ظاهرة حمل السلاح في العراق اتسعت مع تدهور الأمن مما ساهم في انتعاش تجارته (رويترز)
ظاهرة حمل السلاح في العراق اتسعت مع تدهور الأمن مما ساهم في انتعاش تجارته (رويترز)

القصة تشبه إلى حد كبير سيناريو فيلم سينمائي.. والرحلة إلى سوق، أو أسواق، السلاح في بغداد محفوفة بكثير من المخاطر، وكان يجب التحضير لها جيدا قبل الخوض في غمارها، لأن الأخطاء هنا مكلفة ونتائجها وخيمة بالفعل.
ففي بغداد يوجد أكثر من مكان أو سوق لبيع الأسلحة.. مختلف الأسلحة، تبدأ بالمسدسات الصغيرة وتنتهي برشاشات «بي كي سي» وقاذفات «آر بي جي»، لكن الأكثر رواجا هي رشاشات الكلاشنيكوف «التي تشهد طلبا متزايدا»، حسبما يوضح صاحب أحد متاجر بيع الأسلحة طلب الإشارة إليه بـ«أبو حسن».
زبون معروف لدى تجار السلاح وموثوق من قبلهم كان دليل «الشرق الأوسط» في جولتها بسوق السلاح، فالرحلة إلى مثل هذه الأمكنة دون دليل يتمتع بثقة التجار تكون بالتأكيد محفوفة بالمخاطر الحقيقية، وفي رحلة مثل هذه يحرم فيها تداول الأسماء الصريحة، حيث يكتفون باستخدام الألقاب أو الكنية (أبو فلان)، وثمة مصطلحات وأرقام يتم تداولها لمعرفة قطعة السلاح المطلوبة، والأسعار بالأوراق (الورقة حسب التداول العراقي تعني مائة دولار أميركي) و«الدفتر» يعني عشرة آلاف دولار أميركي، وهناك ملاحظة مهمة هي أن سوق السلاح والمتاجرة به لا تعرف أي تقسيم طائفي أو مذهبي؛ إذ يشترك بهذه التجارة الشيعة والسنة والأكراد.. «يعني هذه التجارة تمثل المصالحة الوطنية وضد المحاصصة الطائفية والقومية»، حسب ما يوضح الدليل ساخرا من الأوضاع السائدة.
رأس خيط القصة بدأ عندما أبلغ عريف في الجيش العراقي «الشرق الأوسط» بمعاناته بعد أن سرق أحدهم مسدسه العسكري.. «فهذا المسدس ذمة، وكنت سأحال إلى التحقيق بسبب فقداني له لولا أن أحدهم أخبرني بإمكانية العثور عليه في سوق مريدي بمدينة الصدر (الثورة سابقا وتقع شرق بغداد)، وبالفعل بعد عدة زيارات مع هذا الشخص الموثوق من قبلهم عثرت على المسدس واشتريته بـ12 ورقة (1200 دولار أميركي)»، مشيرا إلى أن «أي سلاح يفقد ستجده إما في سوق مريدي أو في منطقة الباب الشرجي (ساحة التحرير وسط بغداد بجانب الرصافة) وهذه هي المراكز الرئيسية للتجارة بالسلاح».
الدليل يدعى «أبو حمد»، وهو في منتصف الخمسينات من عمره، من سكنة حي الأعظمية شمال بغداد، وينحدر أصلا من مدينة سامراء التابعة لمحافظة صلاح الدين. المسبحة لا تفارق يده ويتحدث بهدوء ووقار والابتسامة لا تفارق وجهه، وكل هذه العلامات تمنح المتعامل معه الشعور بالثقة والاطمئنان. اشترط «أبو أحمد» عدم ذكر أي أسماء وعدم طرح أي أسئلة تقود إلى الشك وإغلاق الهاتف الجوال، واعتبر «استخدام الكاميرا أو كاميرا الجوال محرما للغاية».
تعود علاقة «أبو أحمد» مع تجار السلاح في بغداد وفي محافظات أخرى، حسبما يوضح، «إلى سنوات طويلة، بالضبط بعد احتلال القوات الأميركية العراق عام 2003، فوقتذاك أنا توسطت ببيع أسلحة مسروقة من معسكرات الجيش العراقي لبعض تجار الأسلحة في مدينة الصدر وحي الشعلة (في جانب الكرخ)، خاصة رشاشات الكلاشنيكوف و(بي كي سي) والدوشكات المضادة للطائرات والقنابل اليدوية (الرمانات)، وقد جنينا أرباحا ممتازة، وأغلب من اشترى السلاح هم جيش المهدي، كونهم كانوا يتصدون للقوات الأميركية ويقاومون وجودهم. وبالنسبة لي اعتبرت مهمتي تنطوي على جانب وطني». وأضاف: «في عهد حكومة إياد علاوي تم سحب السلاح من الناس، خصوصا في مدينة الصدر، وذلك عن طريق شرائها منهم، وقد دفعت الحكومة مبالغ كبيرة، وكانت هناك عملية فساد معروفة، فمن تصدى لهذه المهمة كانوا يضعون في جيوبهم ضعف المبالغ المدفوعة، وأعتقد هذا تم دون علم الحكومة»، لكن ما حدث هو أن «هذه الأسلحة عاد معظمها إلى تجار الأسلحة من باب آخر».
ويضيف «أبو أحمد» قائلا: «لكن العملية بعد ذلك تمت بصورة عكسية، فعندما نشطت المقاومة السنية ضد القوات الأميركية، خصوصا في المحافظات الغربية، توسطت لشراء رشاشات الكلاشنيكوف من تجار السلاح في مدينة الصدر للمقاومين في الأنبار، خصوصا في مدينة الفلوجة، واستمر التعامل مع هؤلاء التجار»، مشيرا إلى أن «تجارة السلاح تجاوزت الحدود العراقية؛ إذ أوصلنا شحنات من رشاشات الكلاشنيكوف إلى المعارضة السورية عن طريق مدينة كبيسة المحاددة للأراضي السورية وعن طريق بادية الجزيرة في الموصل»، مشيرا إلى أن «مصادر وصول السلاح إلى هؤلاء التجار متعددة وأهمها الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي وبعض شيوخ العشائر، وما زالت هناك أسلحة سرقت من معسكرات الجيش العراقي السابق ومقرات حزب البعث المنحل مخفية عند بعض الأشخاص والجماعات ويبيعونها بين فترة وأخرى، والمعروف أن رشاشات الكلاشنيكوف القديمة التي كان يستخدمها الجيش العراقي السابق مفضلة على بقية الأسلحة لدقتها في التصويب وقوة تحملها للظروف الجوية مثل ارتفاع درجات الحرارة والغبار».
ويضيف الدليل: «هناك أساليب كثيرة لتسرب الأسلحة من مخازن ووحدات الجيش العراقي، خصوصا في الوحدات التي تقاتل ضد تنظيم (داعش)؛ إذ تسجل غالبية الأسلحة بأنها ضاعت أو تركت في ساحة المعركة، أما إذا قتل أي جندي أو ضابط فيتم تسجيل أنواع من الأسلحة باسمه مثل رشاش وقنابل يدوية والعتاد، والقتيل بالتأكيد لا يحاسب ولا يحقق في سيرته، فيتم سحب هذه الأسلحة من المخازن وتسريبها إلى تجار السلاح، وهناك شحنة أسلحة كانت في طريقها من المخازن في النجف إلى وحدات عسكرية في الأنبار وبالتحديد في الرمادي، وقد اختفت الشاحنة، والشحنة سجلت باعتبارها خطفت بالقوة من قبل مقاتلي تنظيم داعش، وحسب إفادات شهود دون أن يتم التحقيق في كيفية خطف الشحنة والشاحنة من دون قتل الجنود المسؤولين عن نقل الأسلحة. وعادة يتم إغلاق مثل هذه اللجان، لأنه حتى الضباط المحققون هم مشاركون في الصفقة».
في سوق مريدي بمدينة الصدر، هناك بيوت ومخازن وورشات حدادة معروفة بأنها مراكز بيع الأسلحة، وفي إحدى الورشات كانت تتم عملية تحوير المسدسات الصوتية إلى مسدسات حقيقية، وفي هذه الورشة، حسبما أوضح الدليل، يتم تصنيع المسدسات الكاتمة للصوت وإصلاح البنادق الرشاشة بكل أنواعها أو تحويرها لتعود صالحة للاستخدام. وغالبية العمال في هذه الورشات هم ممن كانوا يعملون في مصانع التصنيع العسكري أو في ورشات الجيش العراقي السابق، حيث تدلل أعمارهم على ذلك، وهؤلاء دربوا بدورهم عمالا جددا.
ويوضح «أبو أحمد» أن الورشات «معروفة لدى الأجهزة الأمنية وواضحة، ولا أحد يتعرض لأصحابها، كونهم يدفعون إتاوات ومبالغ للمسؤولين الأمنيين المحليين». اللافت أن نقطة تفتيش أمنية تقع على مقربة من الورشة التي دخلتها «الشرق الأوسط».
وكانت هناك بعض البنادق القديمة معلقة على جدران مكتب صاحب الورشة، بينها بنادق تعود للجيش العثماني وأخرى للجيش البريطاني إبان احتلاله بغداد عام 1919 ورشاشات (بور سعيد) المصرية، وأكد صاحب الورشة أن «كل ما هو معروض هنا للبيع.. ولكل قطعة ثمنها حسب تاريخ صناعتها»، مشيرا إلى أن «هناك بعض العراقيين من هواة أو تجار الأنتيكات يبحثون عن هذه البنادق، ونحن نعرف كيف نوفرها لهم».
كان هناك رشاش كلاشنيكوف مذهب أو مصنوع من الذهب الخالص، وحسب إيضاح صاحب الورشة، فإنه «سرق من متحف هدايا صدام حسين الذي هو الآن ضمن حدود المنطقة الخضراء، حيث هجم عليه الناس وسرقوا كل ما فيه، وقد اشتريت هذا الكلاشنيكوف، وهو الوحيد الذي ليس للبيع»، مضيفا: «كنت أتمنى أن أحصل على بندقية صدام حسين التي كان يظهر في التلفزيون وهو يرمي بها بيد واحدة، ومسدسه الشخصي الذي قدم للأسف للرئيس الأميركي السابق جورج بوش».
تحدث «أبو أحمد» بلغة الشفرة والأرقام المتداولة بينهما، فتم عرض 3 مسدسات شخصية؛ بينها مسدس «طارق» الذي كان صدام حسين وعدنان خير الله وزير الدفاع الأسبق يقدمانه هدايا تكريمية، ومسدس آخر كانت تستخدمه القوات الأميركية، وآخر إيراني الصنع، مع ملاحظة من صاحب الورشة بأن «المسدس الإيراني أسوأ الصناعات».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.