سكان الرمادي لـ {الشرق الأوسط}: الدواعش حاولوا تغيير عاداتنا بالقوة ويعدمون كل من يدخن

القوات العراقية تمكنت من إنقاذ أكثر من 650 عائلة محاصرة في المدينة

سكان الرمادي لـ {الشرق الأوسط}: الدواعش حاولوا تغيير عاداتنا بالقوة ويعدمون كل من يدخن
TT

سكان الرمادي لـ {الشرق الأوسط}: الدواعش حاولوا تغيير عاداتنا بالقوة ويعدمون كل من يدخن

سكان الرمادي لـ {الشرق الأوسط}: الدواعش حاولوا تغيير عاداتنا بالقوة ويعدمون كل من يدخن

«أيام عصيبة عشتها مع الدواعش ولأجل زقارة (لفافة تبغ) كادوا يصدرون حكمًا بالإعدام علي، لولا ضعفي وكبر سني، حسبي الله عليهم، بهذه الكلمات يسرد «أبو ماجد» الرجل العراقي الطاعن في السن متجاوزا 70 خريفًا من مدينة الرمادي كيف كان يعيش في رعب خلال سيطرة «داعش» على المدينة.
أبو ماجد بدأ يسرد قصته لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لقد قام تنظيم داعش، بتغيير كل عادات وتقاليد أهالي الرمادي بدءًا من الملبس، وانتهاء بالطباع والتصرفات، وفرض على الجميع تقاليده وأحكامه، حيث منع التدخين بشكل تام ويعاقب بالموت كل من تاجر أو قام بالتدخين أمامهم، ونحن تعودنا على التدخين منذ كنا صغارًا»، مضيفًا: «في يوم من الأيام استوقفني أحدهم وأنا أدخن واصطحبني إلى أميره، بغية فرض العقوبة علي، ولكن تركني بعد أن رأى كبر سني، وقال: سنسامحك هذه المرة ولكن إن كررتها فستنال العقاب، الكل كان يدرك خطر هؤلاء الأشرار، ولكن لا توجد قوة تقف إزاء ما يفعلونه بالناس».
أبو ماجد ما زال يتذكر أصوات الاستغاثة من النساء وهن يبكين أولادهن وهم مقيدون وتصدر بحقهم عقوبات بالإعدام: «لقد أعدموا أمامنا الكثير من شباب المدينة بحجة انتمائهم سابقًا إلى قوات الجيش والشرطة العراقية، رغم أن التنظيم كان قد أصدر عفوًا عمن وصفهم بـ(المرتدين)، في أول دخولهم المدينة، شرط (التوبة)، ولكن تبين فيما بعد أن الغاية من العفو لكشف المنتسبين من أهالي المدينة، ثم قاموا بحملة إعدامات شملت أكثر من 250 شابًا من أهالي الرمادي أمام أنظار الناس، هذا المشهد أرعب الكثير من المدنيين وقرر البعض المجازفة والهرب من قبضة المسلحين، فتمكن من تمكن، فيما لقي البعض الموت رميًا بالرصاص جراء محاولات الهرب من قبضة (داعش)».
وفي إحدى زوايا شارع في المدينة كانت أم عبد الله (48 عامًا) تزغرد فرحا بخروج الدواعش من المدينة قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «لم يكن بوسعنا الخروج من بيتنا في منطقة الجمعية وسط الرمادي حيث فر معظم الأهالي من المنطقة باتجاه شرق المدينة والوصول إلى الخالدية، حيث غادر الجميع إلى هناك بمجرد سماع الأخبار بأن مسلحي (داعش) دخلوا إلى مدينة الرمادي في الماضي»، وأضافت: «إذ إنني أرعى أمي العاجزة والمشلولة عن الحركة تمامًا، ولم يكن بمقدوري أن أتركها وأهرب، لذا قررت البقاء ومواجهة المصير، وطلبت من ولدي عبد الله وأخيه أحمد أن يغادروا مع الناس خوفًا عليهم من بطش التنظيم الإرهابي».
وتابعت أم عبد الله: «لقد عشت مع بناتي وأمي العاجزة وأولادي التوأم عمر وخالد 10 سنوات فترات عصيبة في حكم تنظيم داعش، وشاهدنا منهم تصرفات غاية في الجنون؛ فبين الحين والآخر يداهمون البيوت من أجل البحث عن رجال يقولون إنهم مطلوبون للدولة، مع معرفتهم المسبقة أن البيت لا يوجد فيه أي رجل، ولكن كانوا يستغلون ضعف الناس من خلال تلك المداهمات»، وكشفت أن «يأتي مع المسلحين عناصر من جنسيات أجنبية يفتشون البيوت بحثًا عن أموال وأشياء أخرى، ويدعون بأنهم لديهم معلومات تفيد بوجود رجال، هذه المشاهد وغيرها كنت أعيشها وأنا أرتعد من الخوف على بناتي وأولادي الصغار. وكنت أتمنى أن يبقوا صغارًا ولا يكبروا خشية أخذهم من قبل المسلحين».
وتمضي أم عبد الله بالقول: «في بداية دخول المسلحين كانت الأوضاع أحسن بكثير مما آلت إليه في الأيام الأخيرة قبل التحرير، حيث كانت الأسواق مكتظة بالبضائع التي خلفها التجار في محلاتهم وهربوا من الرمادي، حيث استولى مسلحو (داعش) على تلك المخزونات وقاموا بتوزيعها على الأهالي، بغية كسب تعاطف الناس معهم، ولكن وبعد أن فرضت القوات الأمنية الحصار على المسلحين داخل المدينة، بدأنا نعاني من شحة المواد الغذائية والطبية وارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى عشرة أضعاف المبلغ».
وأشارت إلى أن «بدء التفكير بالهرب من قبضة المسلحين لمعظم الأهالي في المدينة، وفي يوم من الأيام، جاءت إلى إحدى جاراتي، وقالت إن هناك أحد المسلحين فاوضها على مبلغ ألفي دولار من أجل السماح لهم بالهروب من المدينة، وفعلاً تمكنوا من الهرب بحجة إجراء عملية جراحية لربة الأسرة في شمال العراق».
وقالت أم عبد الله: «حينئذ أدركنا أن تنظيم داعش بدأ بجمع الأموال من المواطنين تمهيدًا للهروب من المدينة. ولكن الكارثة الكبرى عشناها خلال الأسابيع الماضية، فحين بدأ القصف الجوي لطائرات التحالف بدكّ أهداف وسط المدينة لم يذُق أولادي طعم النوم، وهم يعيشون في رعب وتتعالى صرخاتهم مع كل ضربة، وازداد الأمر سوءًا مع بدء العمليات العسكرية، ولكن رعاية الله كانت واسعة عندما وصلت إلينا القوات الأمنية وقامت بإنقاذنا جميعًا».
لتشارك أحد نساء الحي وهي أم فاطمة (39 عامًا) الحديث لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «كنت أعيش مع أسرتي المكونة من خمسة أفراد في منطقة حي التاميم، وعند دخول القوات العراقية لتحرير الحي قام مسلحو تنظيم داعش بإحضار سيارات كبيرة وأجبروا المدنيين على الانتقال إلى مناطق آمنة وسط الرمادي. وأجبرونا على ترك كل شيء في البيوت من أجل نقل أكبر عدد ممكن من المدنيين في السيارات التي أحضرها (داعش)»، وتابعت: «وكانوا ينتقلون بنا في كل فترة بين منطقة وأخرى وكأننا دروع بشرية لهم، وبينما قررت إحدى العائلات البقاء في الحي تم قتل الأب بحجة عدم إطاعة الأوامر، وأصيب أحد أبناء تلك العائلة برصاصة من قبل أحد المسلحين قبل خروجنا بشكل نهائي من حي التأميم».
من جهتها، تمكنت القوات الأمنية العراقية من إنقاذ أكثر من 650 عائلة من تلك العائلات المحاصرة وسط المدينة، فيما يتواصل البحث عن المتبقين في أحياء المدينة، ولا يزال هناك من بين المدنيين من أهالي الرمادي من لا يزال تحت قبضة وسيطرة المسلحين.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.