تونس تعيش مهرجان «موسيقى الوجد»

فرق العيساوية والعامرية والمدنية تقدم عروضًا موسيقية وورشات إنشاد ديني لمدة خمسة أيام

مشهد من عرض مجموعة تسابيح في الافتتاح
مشهد من عرض مجموعة تسابيح في الافتتاح
TT

تونس تعيش مهرجان «موسيقى الوجد»

مشهد من عرض مجموعة تسابيح في الافتتاح
مشهد من عرض مجموعة تسابيح في الافتتاح

تعيش مدينة المنستير التونسية على وقع مهرجان «موسيقى الوجد» في دورته الثالثة، ويحمل المهرجان اسم «عمارة بشير» وهو أحد أساطين الموسيقى الصوفية والروحية في تونس. ويتواصل المهرجان على مدى خمسة أيام حتى 6 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وذلك بالمركب الثقافي بالمنستير. وفي برنامج المهرجان عروض موسيقيّة ذات مشارب فنّية متنوّعة إضافة إلى المعارض والورشات المختلفة.
وبدأ الافتتاح، مساء أول من أمس (الأربعاء)، بعرض يحمل عنوان «تعطيرات وإيقاعات» في ذكرى وفاة عمارة بشير، وقدمته مجموعة تسابيح لجمعية فرقة الرباط للموسيقى بقيادة الموسيقي مجدي الأنصاري.
بينما سيكون الاختتام يوم الأحد المقبل بعرض «تهليلة»، وهو من إنتاج منذر بن عمار وإدارة حاتم الفرشيشي، علما بأن عرضي مجموعة تسابيح وعرض «تهليلة» جديدان، وسيعرضان لأول مرة خلال هذه الدورة.
جاءت فكرة تنظيم هذا المهرجان في السنة الماضية استجابة لطلبات الجمهور واستجابة لخصوصيات ولاية - محافظة - المنستير في مجال التراث الصوفي وموسيقى الروح؛ حيث تتعدد أشكال الموسيقى الطرقية في المنطقة بدءا من فرقة العوامرية إلى العيساوية إلى فرقة المدنية. وهذا الثراء حفّز المندوبية الجهوية للثقافة على مزيد من الاهتمام بهذه الأنماط الموسيقية، فجاء مهرجان «موسيقى الوجد» تظاهرة سنوية للتعريف بهذا المخزون ولفتح نافذة على محيط دول المغرب العربي لتشابه هذه الأنماط في هذه البلدان.
وفي هذا السياق، أوضحت هالة بن سعد، المندوبة الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بالمنستير، في تصريح إذاعي، أن إطلاق اسم عمارة بشير على مهرجان الوجد يرجع إلى أن الرجل علامة في مجال الإنشاد الديني، وهو الذي كون أجيالا في هذا المجال الروحي.
وأضافت أن هذه الدورة ستشهد تنظيم معرض بعنوان «مسيرة وصور» حول عمارة بشير، وسيشمل هذا المعرض، الذي يقام بالتنسيق مع عائلته، صورا تؤرخ لمسيرة هذا الفنان، كما يعرض البعض آلاته الموسيقية وملابسه وكتابات بخط يده.
وأكدت أن هيئة تنظيم المهرجان تهدف بالأساس إلى المحافظة على التراث الموسيقي المحلي وإحيائه وإثرائه بالعمل، وتنتظر أن تساهم هذه التظاهرة في تقديم الإضافة في هذا المجال.
وشهد المركب الثقافي بمدينة المنستير خلال اليوم الافتتاحي، تقديم شهادات حية حول مسيرة الشيخ عمارة بشير في بحور الإنشاد الديني وعروض تنشيطية مع فرقة كمال المساكني للفنون الشعبية بمدينة لمطة وعيساوية بشير البريقي بمدينة زرمدين.
وسيكون رواد هذه التظاهرة الموسيقية المميزة على موعد، غدا (السبت)، مع لقاء ثقافي بعنوان «الفن الصوتي إنشادا وإيقاعا» يقدمه التونسي محمد نوفل العوافي، وهو أستاذ بالمعهد العالي للموسيقي بتونس، ويجمع هذا اللقاء بين الجانب النظري والجانب التطبيقي.
وسعيا لمزيد دعم الطاقات الشابة وتأطيرها في المجال الموسيقي، برمجت هيئة التنظيم، يوم الأحد المقبل، ورشة للإنشاد الديني مع الفنان حاتم الفرشيشي، وورشة للآلات الإيقاعية مع الفنان حمادي جلاد.
وتعرف تونس عودة الموسيقى الروحية والصوفية وتنظم في العاصمة التونسية دورة سنوية مهرجان الموسيقى الصوفية، كما تعرف عدة مدن تونسية مهرجانات مماثلة على مدينة القيروان التي تحتضن سنويا فعاليات مهرجان الموسيقى الروحية والصوفية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».