معرض للزهور في أربيل ضمن فعاليات عاصمة السياحة

60 شركة عربية وأوروبية تشارك في الدورة الثانية للمعرض

المعرض هدفه العمل على الحفاظ على البيئة
المعرض هدفه العمل على الحفاظ على البيئة
TT

معرض للزهور في أربيل ضمن فعاليات عاصمة السياحة

المعرض هدفه العمل على الحفاظ على البيئة
المعرض هدفه العمل على الحفاظ على البيئة

في معرض هو الثاني من نوعه وفي دورته الثانية، افتتح في أربيل «المعرض الثاني للزهور ونباتات الزينة والمسطحات المائية كجزء من الأنشطة والفعاليات التي تحتفل بنيل أربيل لقب عاصمة السياحة العربية».
وقد افتتح هذا المعرض في السادس والعشرين من فبراير (شباط) الماضي «بمشاركة نحو 60 شركة من دول عربية وأوروبية، بالإضافة إلى الكثير من المؤسسات الحكومية في أربيل وأهمها المؤسسات التابعة لوزارة البلديات والسياحة في الإقليم والمتعلقة بهندسة وتزيين المتنزهات والحدائق في أربيل».
وقد حضر مراسم افتتاح المعرض المقام على أرض معرض أربيل الدولي «وزير البلديات والسياحة دلشاد شهاب ووزير الكهرباء أبو بكر ماوتي ونائب محافظ أربيل طاهر عبد الله بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الحكوميين والإداريين في وزارات حكومة الإقليم، وعدد كبير من رجال الأعمال وأصحاب شركات القطاع الخاص في أربيل».
منظم المعرض إحسان توتونجي أوضح في تصريحات صحافية في يوم الافتتاح «أن نحو 60 شركة أوروبية وعربية تشارك في هذا المعرض الذي يقام في هذه المدينة للعام الثاني على التوالي وأصبح هذا العام جزءا من فعاليات عاصمة السياحة العربية التي تحتفي به أربيل طيلة العام بعد نيلها للقب قبل ما يقارب السنتين».
وبين توتونجي أن هذا المعرض «يتمتع بأهمية كبيرة واهتمام أوسع من بقية المعارض كونه يتعلق بالحفاظ على البيئة من خلال زيادة المساحات الخضراء بتشجير المدن وبالأخص بعد التضخم في الكثافة والزيادة السكانية التي شهدها العراق عامة وإقليم كردستان بشكل خاص وتحديدا مع وجود تحديات كثيرة أمام البيئة والتهديدات التي تواجه نظافة الهواء والجو العام على مستوى العالم ككل».
وأكد توتونجي «أن الهدف الرئيسي من إقامة هذا المعرض هو العمل على الحفاظ على البيئة وإطلاع المواطنين وأصحاب الشركات في الإقليم على منتجات الشركات العالمية في مجال الحدائق والمتنزهات، بالإضافة إلى كونها فرصة للشركات من أجل الترويج لمنتجاتها في الإقليم بالاعتماد على الوضع الأمني المستقر والفرص الكبيرة للاستثمارات فيها».
وبيَّن المدير الإعلامي لمحافظة أربيل حمزة حامد في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن إقامة هذا المعرض للعام الثاني على التوالي «تؤكد على أن حكومة إقليم كردستان العراق تولي اهتماما كبيرا بقطاع البيئة الذي أكد عليه البرنامج الحكومي للتشكيلة الحكومية التي يترأسها نيجيرفان بارزاني، مبينا أن هذه المسألة لن تكون من الأمور الثانوية كونها متعلقة بحياة المواطنين وتوفير الجو الملائم البعيد عن الأمراض البيئية الخطيرة».
وأوضح حامد أن محافظة أربيل أخذت على عاتقها «الاهتمام بهذا القطاع من خلال المشاريع الكثيرة للتشجير وبناء الحدائق العامة والمتنزهات الكبيرة في داخل أربيل وخارجها، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع صديقة للبيئة ونشر الكثير من التعليمات للمواطنين لأخذ الحيطة والحذر من أي تلوث بيئي».
وأكد حامد أن المواطن الكردي بطبيعته «هو محب للبيئة ويعشق الزهور، وأن الاهتمام بالنباتات جزء من تاريخ وواقع هذا الشعب».
وقد لاقى المعرض حضورا جيدا من قبل المواطنين خلال الأيام الأربعة التي فتح فيها المعرض أبوابه لهم، حيث أكدت نورا (28 سنة) لـ«الشرق الأوسط» أن هذا المعرض سيفيدها كثيرا للتعرف على آخر الإبداعات والتطورات المصاحبة لهندسة ترتيب الحدائق وتزيينها وأنها حضرت أيضا المعرض الذي أقيم في العام الماضي حيث بينت أنها تشجع على الإكثار من هذه المعارض».
وأكد كارزان (20 سنة) وهو طالب في كلية الزراعة - جامعة صلاح الدين لـ«الشرق الأوسط» أن افتتاح هذا النوع من المعارض يجب أن لا يكون مرتبطا بموسم معين أو احتفالية أو مناسبة معينة لأن البيئة يجب أن يجري الاهتمام بها طيلة فصول السنة، مقترحا «على الحكومة أن تقوم بافتتاح هذه المعارض بشكل متكرر».
وقد ضم المعرض الذي استمر حتى الأول من مارس (آذار) «الكثير من الأجنحة المختلفة ومن أهمها أجنحة لنباتات الزينة الداخلية والخارجية ونباتات للزينة الموسمية بالإضافة إلى أزهار مقطوفة ونباتات مائية كما ضم أيضا الكثير من الأشجار الغريبة والمصغرة والنباتات الخضراء ونماذج من المروج، والأرضيات المزينة للحدائق وأنواع نادرة من البصيلات والشتلات والبذور وأنواع من التربة والأسمدة والأدوية والمواد الكيماوية الواقية التي تحافظ على التربة».
كما كان ملاحظا أن المعرض ضم أيضا نماذج من ملاعب للأطفال والكثير من التصاميم المتعلقة بزينة الحدائق وتصميم المتنزهات والحدائق العامة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)