لغة العيون.. تبدأ من الرموش

موضة من القرن الثامن عشر تطورت وأصبحت اليوم تستخدم الحرير والفرو

عملية تركيب الرموش تستغرق حوالي الساعة
عملية تركيب الرموش تستغرق حوالي الساعة
TT

لغة العيون.. تبدأ من الرموش

عملية تركيب الرموش تستغرق حوالي الساعة
عملية تركيب الرموش تستغرق حوالي الساعة

لغة العيون لغة عالمية، ليست بحاجة إلى كلمات، بل تفهم من الإشارة، ومن رمشها ندخل إلى عالمها وجمالها وما تخفيه في باطنها.
فإذا كانت العين أول ما ننظر إليه في الوجه، وأكثر ما يترك أثرًا في الآخرين فالرموش التي تحرسها هي الأداة الحادة التي تقطع فيها العين المسافات في لحظات لتصل إلى قلب الآخرين.
فلا نبالغ إذا قلنا إن الرموش هي التي تساهم في إضفاء العين سحرها، وفي حال لم تكن المرأة من المحظوظات اللاتي يتمتعن برموش حقيقية ترمي بسهامها الطير في السماء، فالحل موجود، لأن الرموش الاصطناعية في أيامنا هذه أصبحت تضاهي الرموش الحقيقية ليصعب في بعض الأحيان التمييز ما بين الطبيعي والاصطناعي، وهذا الأمر يعود إلى النوعية، والخيار الصحيح ومهارة الأخصائية في تركيب الرموش الاصطناعية بكل أشكالها وأنواعها.
واللافت هو أننا إذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء لوجدنا أن المرأة لطالما كانت تسعى للحصول على رموش طويلة، وهذا الاهتمام بدأ في القرن الثامن عشر، حيث كانت الطبقة النبيلة في ذلك القرن تتبادل النصائح فيما بينها للحصول على رموش طويلة وصحية من خلال غسلها يوميا بالماء الممزوج بورق شجر الجوز أو قص أطراف الرموش لتقويتها والكثير الكثير من النصائح الأخرى، وفي عام 1899 نشرت صحيفة «داندي كوريير» تقريرا يشرح أغرب طريقة للحصول على رموش طويلة من خلال خياطة شعيرات صغيرة من شعر الرأس على الجفون، وقد تبدو هذه الطريقة مؤلمة، ولا بد أنها كانت كذلك، إلا أن المرأة في الماضي والحاضر قد تلجأ إلى أي شيء يساهم في تجميلها وتحسين مظهرها الخارجي.
في الآونة الأخيرة راج استخدام الرموش الاصطناعية بشكل لافت، وساهم في ذلك ظهور المشاهير بها، ومن أشهرهن السيدة الأولى ميشيل أوباما التي تراها لا تفارق رموشها الاصطناعية، ونجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان والمغنية البريطانية شيريل فرنانديس فيرسيني (كول سابقا) التي تملك تصميما خاصا بها للرموش الاصطناعية متوفرا في الأسواق.
واليوم لا حاجة إلى خياطة الشعر على الجفن، لأن الحل سهل جدا، يكفي بأن تختاري الأخصائية الجيدة والشكل الذي يتناسب مع شكل عينك والنوعية لتكون النتيجة أكثر من رائعة وتدوم لأسابيع.
وتشير الأخصائية جانيت المتخصصة في تركيب الرموش الاصطناعية، أنه قبل البدء بتركيب الرموش وبعد ملء استمارة خاصة بالمعلومات الشخصية تطرح بعض الأسئلة مثل: طبيعة عملك؟ فهذا السؤال مهم جدا، لأنه يجب الأخذ بالحسبان طبيعة العمل لأنه لا يعقل أن تكون الرموش طويلة أكثر من اللزوم وكثيفة جدا إذا كانت السيدة موظفة في مكتب أو أما غير عاملة، وبعد ذلك تطرح الأخصائية سؤالا آخر عما إذا كنت تودين الحصول على مظهر طبيعي أم اصطناعي مبالغ به؟ وبعدها تعرض عليك جميع النوعيات المتوفرة للرموش، وتبدأ بالاصطناعي Synthetic ويليه الفرو Mink والحرير Silk ويتربع الروسي Russian على رأس هرم أنواع الرموش.
وتشرح جانيت الفرق ما بين تلك الأنواع بالقول: «الاصطناعي هو الأرخص ثمنا، تركيب الرموش يستغرق نحو الساعة وكلفته 100 جنيه إسترليني (نحو 150 دولارا أميركيا)، أما الفرو فنوعيته أفضل وأنعم وتكلفته نحو 130 جنيها إسترلينيا (نحو 170 دولارا) وفي نفس المرتبة يأتي نوع الحرير وهو يشبه إلى حد كبير الفرو وبنفس السعر، ولكن النوع الأفضل والأغلى ثمنا (160 جنيها إسترلينيا) هو الروسي Russian فملمس الرموش ناعم جدا ولا يمكن تمييزه عن الرموش الحقيقية، كما يتم وضع ثلاث شعيرات على كل رمش من رموشك الطبيعية لإضفاء تأثير ثلاثي أو سداسي الأبعاد، وتكون النتيجة جميلة جدا ومريحة جدا لأن الرموش خفيفة جدا ولا يمكن أن تشعر بها السيدة على الإطلاق.
وتحتاج السيدة إلى ملء الفراغات بعد تساقط الرموش الاصطناعية التي يمكن أن تبقى ثابتة من خلال لاصق مقاوم للماء لمدة تصل إلى ثمانية أسابيع وتبلغ كلفة ملء الفراغات ما بين 50 و70 جنيها إسترلينيا.
وتقول جانيت إن المرأة العربية تتمتع برموش طبيعية طويلة وجميلة ولكنها غالبا ما تكون متجهة إلى أسفل وتفتقد العقصة في المنطقة عند طرف العين من الخارج وهذه المشكلة يمكن تحسينها من خلال نظام يطلق عليه «إل في إل» أو «لاش ليفت» Lash Lift وهذه الطريقة تتطلب نحو الساعة من الزمن، وتوضع مادة كيميائية غير مضرة بالرموش الطبيعية وتقوم الأخصائية بتمريرها على الرموش، وتكون النتيجة رموش معقوصة، يكفي بوضع طبقة خفيفة من الماسكارا للحصول على رموش جذابة تبدو أكثر كثافة وطولا.
وعن العناية بالرموش الاصطناعية، تقول جانيت إن الرموش تبقى بشكل جيد لوقت طويل في حال قامت السيدة بالعناية بها، ففي الأربع وعشرين ساعة بعد تركيب الرموش يجب عدم ترطيبها أو وضع ماء عليها وبعد انقضاء هذه الفترة، لا يتعين على السيدة بأن تقوم بأي جهد يذكر سوى الانتباه لعدم فرك العينين أو إزالة الماكياج عند منطقة العين بقوة.
وعن الفرق ما بين الرموش الاصطناعية المنفصلة والقطعة الواحدة، تقول جانيت إن الرموش الناعمة المنفصلة أفضل من حيث النوعية كما أن نتيجتها تبدو أكثر طبيعية، ولا تضر بالرموش الحقيقية لأن اللاصق جيد النوعية ولا يؤذي العين والرموش ولا يؤدي إلى أي نوع من الالتهابات.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)