الفنانة كريستين صالح جميل لـ «الشرق الأوسط»: داخل كل منا فنان

في لقاء خاص خلال معرض «نيو أرتيست فير» في لندن

الفنانة كريستين صالح جميل - لوحات تعبر عن مشاعر الفنانة  .. ومجموعة من لوحاتها
الفنانة كريستين صالح جميل - لوحات تعبر عن مشاعر الفنانة .. ومجموعة من لوحاتها
TT

الفنانة كريستين صالح جميل لـ «الشرق الأوسط»: داخل كل منا فنان

الفنانة كريستين صالح جميل - لوحات تعبر عن مشاعر الفنانة  .. ومجموعة من لوحاتها
الفنانة كريستين صالح جميل - لوحات تعبر عن مشاعر الفنانة .. ومجموعة من لوحاتها

ملامحها غربية ولكن دمها عربي ولم يتغير على الرغم من نشأتها مع عائلتها في لندن بعدما تركت بيروت في سن صغيرة جدا للإقامة الدائمة في العاصمة البريطانية.
لا تأخذ موهبتها على محمل الجد لأنها تعتبر عملها هواية، كما أنها تعتبر بأن داخل كل منا هناك فنان وإبداع مخفي، ما إن نتعرف إليه حتى ينمو ويتطور ويتحول من هواية إلى مهنة.
في معرض «نيو أرتست فير» المقام حاليا في صالة عرض «ذا أولد ترومن بروري» في منطقة «شورديتش» في لندن التقت «الشرق الأوسط» الفنانة اللبنانية البريطانية كريستين صالح جميل التي روت لنا تجربتها وشرحت عن لوحاتها التي تعرضها في هذا المعرض الذي يعتبر واحدا من أهم معارض الرسم التي تقام حاليا في لندن ويشجع الفنانين الصاعدين والجدد.
ولفتنا في لوحات جميل نعومتها وارتباطها بالطبيعة وفسرت ذلك بالقول: «أنا أتأثر بما يدور من حولي، أعشق الطبيعة وأجعلها تتحكم بمشاعري وإحساسي التي أعجز في كثير من الأحيان عن التعبير عنها من خلال الكلمات فيكون الرسم هو الترجمة الحقيقية لما يدور في خلدي وتكون النتيجة لوحة بالألوان التي تعبر عن حالتي النفسية في الوقت الذي قمت به برسمها».
يشارك في المعرض أكثر من مائة فنان جدد وتتراوح أعمالهم ما بين «البورتريه» و«اللوحات التجريدية» و«الفن الفوتوغرافي» و«اللوحات الطبيعية».
إلا أن لوحات كريستين الفنانة العربية الوحيدة المشاركة في المعرض تلفت النظر وتشد العين، بألوانها وخفتها، خاصة وأنها تشدد على رسم الخيول العربية وخيول أخرى من صنع الخيال، وتشير جميل إلى لوحة رسمتها أخيرا لفرس أبيض اللون وتقول: «أعشق هذه اللوحة لأنها تعبر عن جمال الخيل العربي ولكنها بنفس الوقت خيالية بعض الشيء لأنه في الواقع لا يوجد خيل مشابه»، وشددت على حبها للخيل لأنها تعشقه وتمتطيه من وقت إلى آخر.
ومن الرسومات اللافتة الأخرى، لوحة أطلقت عليها اسم «القبلة المجمدة»، وهي امتداد للوحتين آخريين كل منها تحمل اسما مختلفا، وقالت جميل: «هناك إقبال من الرسامين الموجودين هنا في المعرض على لوحة (القبلة المجمدة) لأنهم وجدوا فيها الرومانسية العاصفة والألوان الهادئة مع استخدام اللون الأحمر القوي في المظلة فقط ليمد اللوحة بالقوة لإيصال الرسالة المرجوة».
كريستين صالح جميل بدأت الرسم عندما كانت في التاسعة من عمرها، ونمت موهبتها من خلال دراسة الفن والرسم في لندن وهي حائزة على شهادة في تصميم الديكور الداخلي ولكنها حولت مسيرتها المهنية إلى الرسم الذي وجدت نفسها فيه.
لم تكن غايتها المادة، لأنها تعتقد بأن الرسام يجب أن يكون حرا طليقا ولا يجب أن يكون مقيدا بطلب الزبون، فلم تسع في الأول إلى بيع لوحاتها ولكن اليوم وبعدما زاد الطلب عليها، أصبحت تبيع اللوحات لا سيما بعدما تم عرضها في معرض أبوظبي للفنون أخيرا، وستعرض لوحة مميزة قريبا في أبوظبي أيضا وتحديدا في معرض أبوظبي الثالث عشر للفروسية والصيد الذي يمتد من التاسع ولغاية الثاني عشر من الشهر الحالي، وتقول جميل إنها تتعامل في هذا المعرض مع الخطاط اللبناني المعروف مراد بطرس الذي اختار لوحتها لخيل عربي أصيل وزينها بالخط العربي الرائع. وبرأي كريستين فإن هذه اللوحة هي من أجمل لوحاتها لأنها رسمتها تحت إشراف بطرس الذي يهتم بالتفاصيل بشكل لافت.
وعن سؤالها عما إذا كانت تفضل بأن ترسم ما يحلو لها أو أن ترسم ما يطلب منها، قالت جميل: «من الأفضل دائما بأن أرسم ما يروق لي، فأنا أختار ما يدور من حولي وأضيف لمسة خيالية، تماما مثلما فعلت مع صورتي الشخصية عندما رسمت نصف وجهي واخترت بأن يكون النصف الآخر نمر، وأضفت نوعا من اللمسة الخيالية على تفاصيل وجهي أيضا، فأعتقد بأن هذا ما يميز أعمالي عن غيري».
وشرحت أيضا بأن رسم البورتريه هو من أصعب أنواع الرسم ولكنه يأتي مع الخبرة ولكنها تفضل دائما رسم الحيوانات والمناظر الطبيعية التي تراها في الحقيقة وتحولها إلى لوحات تشبه عالمها الخاص.
وعن مشاريعها المستقبلية فهي تسعى إلى عرض أعمالها في بيروت بالمشاركة مع فنانين لبنانيين آخرين، كما ستتعاون على رسم لوحة مهمة مع رسام لبناني ستعلن عن هذه الخطوة عندما يكون المشروع جاهزا.
للمزيد من المعلومات حول المعرض: www.newartistfair.com وwww.christineartwork.com



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».