آثار «كارثية» لحقت بالصحافة في اليمن خلال سنوات الانقلاب

دراسة رصد إغلاق عشرات الوسائل... والميليشيات احتكرت الإعلام للتعبئة

صحافي يمني في صنعاء يحمل كاميرا بعد مروره عبر ماسح أمني (إ.ب.أ)
صحافي يمني في صنعاء يحمل كاميرا بعد مروره عبر ماسح أمني (إ.ب.أ)
TT

آثار «كارثية» لحقت بالصحافة في اليمن خلال سنوات الانقلاب

صحافي يمني في صنعاء يحمل كاميرا بعد مروره عبر ماسح أمني (إ.ب.أ)
صحافي يمني في صنعاء يحمل كاميرا بعد مروره عبر ماسح أمني (إ.ب.أ)

كشفت دراسة مسحية جديدة أُعلن عنها بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة» عن آثار كارثية للانقلاب الحوثي والحرب على حرية الصحافة ووسائل الإعلام باليمن في جوانب كثيرة أبرزها الاستقلالية والتمويل وحقوق الصحافيين.
واستهدفت الدراسة؛ التي نفذتها نقابة الصحافيين اليمنيين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين، 365 وسيلة إعلام متنوعة بين القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، حيث كشفت الدراسة عن توقف 165 وسيلة إعلامية عن العمل بسبب الحرب وتأثيراتها، في مقابل إنشاء 137 وسيلة إعلامية خلال الحرب.
ومن بين 26 قناة فضائية توقفت 4 قنوات، في حين ما زالت 22 قناة تواصل العمل، بينما تستمر 54 إذاعة محلية في تقديم خدماتها، مع توقف 6 إذاعات من أصل 60 إذاعة، إلا إن الأثر الكارثي ظهر على الصحافة الورقية التي توقفت منها 119 صحيفة، مقابل استمرار 13 صحيفة من أصل 132 كانت تعمل قبل الانقلاب.
وتتوزع الصحف التي لا تزال تواصل الصدور على العاصمة صنعاء التي تصدر فيها 5 صحف، و6 في عدن، وصحيفتان في تعز، ومن بين هذه الصحف 10 نشأت وصدرت خلال فترة الحرب؛ منها 5 في عدن، و4 في صنعاء، وواحدة في تعز.
وتوقف 33 موقعاً إلكترونياً إخبارياً من بين 147، فيما تعرضت غالبيتها للحجب عن متابعيها داخل اليمن من قبل الميليشيات الحوثية التي تسيطر على شبكات الاتصالات.
وكشفت الدراسة عن تأسيس 12 قناة فضائية جديدة تتبع أطراف الصراع خلال فترة الحرب، ومن بين 26 قناة حالياً؛ فإن نصفها تبث من خارج البلاد، وفي موازاة ذلك توجد 42 إذاعة تتبع أطراف الصراع، و18 إذاعة مستقلة منها 7 إذاعات مختصة، مع وجود إذاعتين تتلقيان تمويلاً من منظمات دولية مختصة في دعم الإعلام.
وتأسست خلال فترة الحرب 36 إذاعة محلية؛ منها 19 إذاعة في صنعاء، و5 إذاعات في حضرموت، و4 إذاعات في عدن، و3 في مأرب، و3 في تعز، وإذاعة واحدة في صعدة، وإذاعة واحدة في إب؛ وفقاً للدراسة.
كما كشفت الدراسة عن أنه من بين 365 وسيلة إعلام؛ لا توجد وسيلة واحدة تكشف عن مصادر تمويلها وبياناتها المالية، وأن 111 من هذه الوسائل ربحية، بينما 254 وسيلة غير ربحية، ولا توجد سوى 40 وسيلة إعلام تبرم عقوداً مع الصحافيين، ورغم ذلك؛ فإن العقود لا تضمن كل الحقوق الاقتصادية والمالية والتأمينية، ولا تتناسب مع طبيعة العمل الصحافي ومخاطره خلال الحرب.
- هيمنة وإجبار
يؤكد شريف، وهو اسم مستعار لصحافي يمني، أنه اضطر إلى مداهنة الحوثيين بعد أن فقد كثير من الصحافيين العاملين في المؤسسات العامة وظائفهم، حيث رفضوا العمل ضمن الأجندة التي فرضها الانقلابيون الحوثيون على سياسة هذه المؤسسات، الذين أجبروا كل من يعمل فيها على إثبات ولائه أو الطرد من العمل؛ إن لم يصل الأمر إلى اختطافه واتهامه بالتخابر.
يتابع الصحافي؛ الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على نشر بياناته: «بعد انقطاع رواتبنا في سبتمبر (أيلول) 2016؛ توقفت عند الكتابة؛ لكني لم أنقطع عن الدوام على أمل عودة الرواتب، إلا إن طول أمد انقطاعها أجبرني على الاستجابة لطلبات القادة الحوثيين المسيطرين على المؤسسة والكتابة مقابل حافز مقابل كل مادة على حدة».
ويشير إلى أن كثيراً من زملائه فضلوا التوقف عن الحضور والدوام في المؤسسة التي يعمل فيها أو في المؤسسات الأخرى، فيما وجد بعضهم أعمالاً ومصادر دخل أخرى، أغلبها ليس في العمل الصحافي، في حين ارتهن غالبيتهم للبطالة، أو اعتمدوا على المساعدات الإغاثية التي تقدمها جهات دولية، أو مساعدة وسائل إعلام خارجية سراً.
يذكر صحافي آخر أنه وغالبية الصحافيين الذين لا يزالون يقيمون في العاصمة صنعاء توجهوا إلى العمل في مهن أخرى، وأن منهم من احترف البيع والشراء؛ سواء لدى محال تجارية، والعمل باعة جوالين، ومنهم من تمكن من فتح مشروعه الخاص، ومن تبقى منهم يعملون في حذر بالغ وسرية مطلقة مراسلين لوسائل إعلام خارج مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية.
وطبقاً لرواية الصحافي الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته؛ فإن الميليشيات وصل بها التضييق على الحريات إلى منع جميع الموظفين والعاملين في المؤسسات الرسمية التي تسيطر عليها من الإدلاء بأي تصريحات أو معلومات لأي وسيلة إعلامية، بما في ذلك وسائل الإعلام الرسمية والحوثية، كما منعت التصوير في الأماكن العامة، خصوصاً تصوير المباني الحكومية.
ويروي حادثة وقعت له عندما كان يصور مؤسسة حكومية من أجل مادة صحافية يعدّها لإحدى وسائل الإعلام الخارجية، ليجري إيقافه وتفتيشه من قبل أفراد الميليشيات الذين يحرسون المبنى، وإجباره على حذف الصور، وكتابة تعهد بعدم تكرار ما قام به.
ويضيف: «من حسن حظي أني لم أكن أحمل أي أوراق أو وثائق تشير إلى مهنتي بصفتي صحافياً، وإلا فإنه كان سيجري احتجازي واقتيادي إلى أحد السجون وتوجيه تهمة خطيرة لي، كما يحدث مع كثير من الزملاء».
وسبق لنقابة الصحافيين اليمنيين أن كشفت عن مقتل 49 صحافياً خلال فترة الانقلاب والحرب، إضافة إلى اختطاف وتعذيب وإخفاء آخرين. وفي منتصف أبريل (نيسان) الماضي أطلقت الميليشيات الحوثية 4 صحافيين ضمن صفقة تبادل الأسرى مع الحكومة اليمنية، بعد 8 أعوام من الاختطاف ومواجهة أحكام بالإعدام صدرت بحقهم من محكمة تديرها الميليشيات.
كما سبق أن وضعت منظمة «مراسلون بلا حدود» اليمن في المرتبة الـ169 على «مؤشر حرية الصحافة» العالمي، نظراً إلى الانتهاكات والأوضاع المأساوية والخطرة على حرية الصحافة وحياة الصحافيين.


مقالات ذات صلة

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

خاص مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي منذ عقد من الزمن تواجه اليمنيات ظروفاً معيشية معقدة وانتهاكات خطرة تمس بحياتهن وكرامتهن (أ.ف.ب)

10 آلاف انتهاك حوثي ضد اليمنيات منذ الانقلاب

اتهمت منظمة محلية الحوثيين بآلاف الانتهاكات ضد اليمنيات، بالتزامن مع احتجاجات شعبية بسبب اغتصاب طفلة في صنعاء، ووفاة خبير تربوي داخل سجن مخابرات الجماعة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي جزء من قطع غيار الأسلحة التي ضبطتها أجهزة الأمن اليمنية بمنفذ شحن شرق البلاد (سبأ)

اليمن يعلن إحباط تهريب أكثر من 3 آلاف قطعة غيار أسلحة بمنفذ «شحن» الحدودي

أعلنت السلطات اليمنية إحباط تهريب أكثر من 3 آلاف قطعة غيار سلاح، كانت مخبأة ضمن شحنة تجارية قادمة للبلاد، عبر منفذ «شحن» الحدودي مع سلطنة عمان.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي الجماعة الحوثية استحدثت مراكز تحصيل جمركية على عدد من الطرقات داخل البلاد (إعلام حوثي)

جبايات حوثية على أمتعة المسافرين وفي صدارتها الأدوية

يشكو المسافرون بين المحافظات بمناطق سيطرة الجماعة الحوثية من مصادرة أمتعتهم وأدويتهم، وفرض جبايات عليها، في ظل نقص شديد في الأدوية وغلائها.

وضاح الجليل (عدن)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)
TT

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

حذّر الجيش اليمني من التحشيد الحوثي المستمر، واستعداد الجماعة للعودة إلى الحرب، والدفع بها إلى خطوط التماس.

وقال العميد عبده مجلي، المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الحوثيين يطلقون قذائف المدفعية ويطلقون مسيرات على مناطق مأهولة بالسكان وعلى مواقع الجيش (اليمني) في مختلف الجبهات القتالية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

ويقرأ مجلي التحركات الحوثية بأنها «استعداد للمعركة والعودة إلى الحرب» ويتهم الجماعة بالعمل على «إجهاض كل الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب في اليمن وتحقيق السلام».

الفريق محسن الداعري، وزير الدفاع اليمني، لم يستبعد خلال حوار مع «الشرق الأوسط» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تجدد الحرب في أي لحظة، متحدثاً عن «جاهزية القوات اليمنية لجميع الخيارات، سواء الحرب أو السلام».

ويقرأ مراقبون تحركات الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة، إضافة إلى تصريحات كبار قادتها، بأنه هناك توجس من إطلاق الجيش اليمني عملية عسكرية لتحرير الحديدة وموانئها بدعم دولي. تلك القراءة يؤيدها نقل الجماعة تعزيزات إلى مناطق تسيطر عليها في الحديدة، باستثناء مديريتي الخوخة والتحيتا، الخاضعتين للحكومة اليمنية.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

وعلّق العميد مجلي على التحركات الحوثية الأخيرة، بالقول إن القوات المسلحة اليمنية «في أعلى درجات الجاهزية القتالية والروح المعنوية العالية، ولديها الخطط الاستراتيجية الشاملة المعدة لتحرير الوطن، من جرائم وانتهاكات الميليشيات الحوثية الإرهابية المستمرة، ضد أبناء شعبنا اليمني».

وكانت الحكومة اليمنية كررت نداءاتها للمجتمع الدولي على مدار الأشهر الماضية منذ بدء التهديد الحوثي للملاحة البحرية، مؤكدة أن الحل الأنجع لوقف هجمات الجماعة ضد السفن هو دعم القوات الحكومية، وليس الضربات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، فإن جماعة الحوثي «تواصل اعتداءاتها على الشعب وقواته المسلحة في مختلف الجبهات والمواقع، وتحديداً جبهات تعز والضالع ومأرب، ما أسفر عن سقوط كثير من الشهداء والجرحى».

وتابع: «القوات المسلحة في كل المناطق العسكرية هدفها الأعلى هو تحرير الوطن، وفي المقدمة صنعاء والحديدة وحجة، والميليشيات الحوثية إلى زوال عما قريب».

مسلحون حوثيون في صنعاء يرددون «الصرخة الخمينية» (أ.ف.ب)

وكانت مصادر مطلعة قد كشفت لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام عن نقل الجماعة المدعومة من إيران تعزيزات كبيرة من محافظات الجوف وذمار وصنعاء وإب باتجاه محافظة الحديدة في الأسابيع الماضية، كما قامت بتقوية تحصيناتها على خطوط التماس، وقامت بحفر مزيد من الخنادق وزرع مزيد من حقول الألغام؛ تحسباً لأي معركة مفاجئة يمكن أن تقوم بها القوات الحكومية بإسناد دولي.

من ناحيته، أكد العميد وضاح الدبيش، المتحدث باسم القوات المشتركة في الساحل الغربي، استعداد القوات لخوض معركة فاصلة ضد ميليشيا الحوثي، مبيناً أن التعزيزات الحوثية مستمرة في الوصول إلى محافظة الحديدة، وذلك من خلال نصب المدافع، وبناء المنصات العسكرية، وحفر الأنفاق والخنادق المعقدة.

وشدّد الدبيش، في تصريحات صحافية، على جاهزية القوات المشتركة لاستئناف المعارك في أي وقت وأي مكان لضمان استعادة الحديدة واستقرار المنطقة. وفي الوقت نفسه، أوضح أن المزاعم الحوثية حول هجوم وشيك من القوات المشتركة لا أساس لها من الصحة، وأن الهدف الأساسي للقوات هو تحرير اليمن من الميليشيا التي تخدم أجندة إيران، وتهدد استقرار المنطقة بأسرها.

مقاتلة «إف 18» تنطلق من حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

يعود مجلي للتذكير أنه رغم الهدنة غير المعلنة «والتزام قواتنا المسلحة بوقف إطلاق النار، نجد الميليشيات تواصل أعمالها الاستفزازية في مختلف الجبهات والقيام بالاعتداءات ومحاولة التسللات، ولكن للصبر حدود، وعما قريب ستأتي ساعة الصفر، للحسم العسكري واستعادة الدولة».

ولفت العميد مجلي إلى استمرار هجمات جماعة الحوثي الإرهابية على السفن التجارية في البحر الأحمر، وأن ذلك أدى إلى تعريض الأمن والسلم الإقليمي والدولي للمخاطر، وضاعف من معاناة شعبنا اليمني الاقتصادية.

القوات اليمنية المشتركة، ممثلة في ألوية المقاومة الوطنية وألوية العمالقة والألوية التهامية، استطاعت في عام 2018 أن تحاصر الجماعة الحوثية في مدينة الحديدة، وأن تصل إلى نحو 3 كيلومترات من الميناء الرئيسي.

غير أن الضغوط الدولية والأممية حالت دون إتمام المهمة تحت ذرائع إنسانية، وصولاً إلى إبرام «اتفاق استوكهولم» بشأن الحديدة، وانسحاب القوات المشتركة من طرف واحد إلى أماكن تموضعها الحالية في الجنوب، على بُعد نحو 125 كيلومتراً من مدينة الحديدة.