وزير الدفاع اليمني يستبعد توقف الهجمات الحوثية حتى لو انتهت حرب غزة

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه متفائل رغم الصعوبات أمام اللجان العسكرية

TT

وزير الدفاع اليمني يستبعد توقف الهجمات الحوثية حتى لو انتهت حرب غزة

وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط)
وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط)

لا يعتقد وزير الدفاع اليمني، الفريق ركن محسن الداعري، أن العمليات الحوثية ضد سفن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي ستتوقف بمجرد توقف حرب غزة، كما يحذّر من خطورة الأوضاع في المنطقة واحتمال نشوب حرب إقليمية غير مسبوقة.

وتحدث الفريق الداعري، في حوار موسع مع «الشرق الأوسط»، عن تنسيق وصفه بأنه عالي المستوى بين القوات اليمنية وقيادة العمليات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن، مشيداً بالدور المحوري الذي تلعبه السعودية قائدة التحالف، وبيّن أنها لم تتوانَ يوماً عن تقديم أشكال الدعم كافة للجمهورية اليمنية على الصعد كافة.

وفي سياق حديثه عن جهود توحيد القوات العسكرية التابعة للشرعية، أشار وزير الدفاع اليمني، إلى أن اللجان التي شكَّلها مجلس القيادة الرئاسي حققت تقدماً ملموساً، حيث تم تشكيل هيئة للعمليات المشتركة، مبدياً تفاؤله رغم الصعوبات، بأن تستمر هذه الجهود لتوحيد القيادة العسكرية في مواجهة العدو المشترك، المتمثل في الميليشيات الحوثية.

الوزير اليمني شدد على أن استمرار الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، يشكل خطراً على اليمن والمنطقة، وأن الميليشيا استغلت ذلك هروباً من الوضع السيئ الذي كانت تواجهه في الداخل، وعليه حاولت أن تبتدع فكرة المشاركة في دعم غزة لاستغلال تعاطف اليمنيين مع فلسطين.

ولفت الفريق محسن الداعري إلى أن الميليشيات الحوثية لن تتوقف عن استهداف الملاحة الدولية حتى في حال توقف الحرب في غزة، مشيراً إلى أنها تبحث دوماً عن تحالفات جديدة مع جهات إرهابية، وتستغل الصراعات في المنطقة لإثبات وجودها.

وزير الدفاع اليمني الفريق ركن محسن الداعري (الشرق الأوسط)

واتهم وزير الدفاع اليمني إيران بلعب دور سلبي في اليمن عبر دعم الميليشيات الحوثية منذ سنوات طويلة، من خلال تهريب السلاح والخبراء، محاولة إشعال الفوضى دون النظر إلى المصالح المشتركة أو استقرار اليمن والمنطقة.

وفيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، أشار الفريق الداعري إلى أن العلاقات جيدة، إلا أن التعاون العسكري بين البلدين ما زال محدوداً، حيث توقفت المساعدات العسكرية الأميركية منذ عام 2014، ولم تعد إلى المستوى نفسه حتى الآن.

تنسيق وثيق

أكد الفريق ركن محسن الداعري، وزير الدفاع اليمني، أن زيارته للمملكة تأتي في إطار التنسيق والتشاور المستمرَين مع المسؤولين في قيادة العمليات المشتركة ووزارة الدفاع السعودية، وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين.

ولفت الفريق محسن إلى أنه التقى خلال زيارته التي وصفها بـ«المثمرة»، الكثير من القيادات في العمليات المشتركة وهنأ قائدها الجديد الفريق فهد السلمان، بالإضافة إلى لقائه مسؤولين في وزارة الدفاع السعودية، وقيادة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.

تعاون دفاعي

شدد الوزير على أن التعاون والتنسيق مع السعودية في أعلى المستويات، لا سيما خلال فترة الحرب التي عصفت باليمن خلال السنوات الماضية، وأضاف: «كل ذلك كان بمشاركة إخواننا في التحالف العربي في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والدول الأخرى التي شاركت في هذه العمليات، كانت درجات التنسيق عالية، وإضافة نوعية لجاهزية القوات في المنطقة بشكل عام».

الفريق فهد السلمان قائد القوات المشتركة خلال استقبال وزير الدفاع اليمني الفريق محسن الداعري في الرياض (وزارة الدفاع السعودية)

الداعري أكد أن «هذه العلاقات تزداد تطوراً كل يوم، ونحن على أعلى درجات التنسيق، ونعمل على قدم وساق لتنفيذ المهام وإنجازها بالشكل الذي يجب في المنطقة».

ووصف الوزير اليمني التعاون الدفاعي بين بلاده والسعودية بأنه في أعلى مستوياته، مبيناً أن السعودية بكونها قائدة التحالف تعلب دوراً كبيراً وتقدم الإمكانات كافة، وقال: «المملكة لم تبخل يوماً من الأيام عن تقديم الدعم سواء العسكري أو المادي أو المعنوي، ولأنها القوة الأقوى في المنطقة لم تبخل على أشقائها في الجمهورية اليمنية بتقديم كامل الدعم، ليس فقط النواحي المادية، بل قدموا الخبرات والتجارب الاستراتيجية وشاركوا على الأرض وقدموا دماءهم وأرواحهم في سبيل نصرة القضية التي نقاتل من أجلها في اليمن».

وأشار وزير الدفاع إلى أن الميليشيات الحوثية استغلت فترة الهدنة وما بعدها بعد المبادرة السعودية التي تحولت أممية، لتقوم بأعمال عدائية ومحاولة إثبات وجودها على الأرض في حين عملت على تكوين سجن كبير لملايين اليمنيين الذين لا يريدون البقاء في مناطقها، على حد تعبير الوزير.

»حرب غير مسبوقة»

وصف الفريق الداعري الوضع في المنطقة بالخطير، مشيراً إلى أن الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان تشير إلى تصاعد التوترات. وحذَّر من حرب إقليمية غير مسبوقة في ظل تصاعد العنف والصراعات.

الدخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت عقب غارة إسرائيلية في 8 أكتوبر 2024 (رويترز)

وقال: «ما يجري في المنطقة أصبح مقلقاً كثيراً، خصوصاً تسارع الأحداث في الفترة الأخيرة، بداية من ميليشيات إرهابية في اليمن، وحرب إبادة غير مقبولة في غزة منذ عام، وكذلك ما يجري الآن في جنوب لبنان، ما يجري في المنطقة ينذر بحرب غير عادية».

الحسم «سلماً أو حرباً»

تحدث الفريق الداعري عن جاهزية القوات اليمنية لجميع الخيارات، سواء الحرب أو السلام، مشيراً إلى أن هناك جهوداً كبيرة لتحقيق السلام، لكن لا يستبعد تجدد الحرب في أي لحظة. ولفت إلى استفزازات الميليشيات الحوثية المستمرة، والتي تسفر عن سقوط شهداء وجرحى.

وأضاف: «نحن جاهزون لكل الخيارات ولدينا خطط استراتيجية كاملة لاستخدام القوات بشكل عام، لكن السنتين الأخيرتين شهدتا الهدنة، وهنالك مساعٍ كبيرة من التحالف لتحقيق السلام أفضل من لغة الحرب، لكن لا يعني ذلك أن الحرب قد لا تتجدد، يمكن أن تتجدد في أي يوم من الأيام».

وتابع: «رغم هذه الهدنة وتواجد القوات ورغم توقف القوات الشرعية عن إطلاق النار، نجد الميليشيات تستفز كل يوم في اتجاه، ويسقط شهداء وجرحى ولكن الصبر ما زال شيمة السلطة الشرعية في اليمن بقيادة الدكتور رشاد العليمي القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانه أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وقيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، وهو صبر واستعداد وجاهزية إلى أن تحين ساعة الصفر، سواء للسلام أو للحرب نحن جاهزون».

توحيد القوات

أشار وزير الدفاع اليمني إلى أن لجان توحيد القوات العسكرية التي شكلها مجلس القيادة الرئاسي حققت تقدماً ملحوظاً، حيث تم تشكيل هيئة العمليات المشتركة. مبدياً تفاؤله رغم الصعوبات، بأن تستمر هذه الجهود لتحقيق توحيد القيادة العسكرية في مواجهة العدو المشترك، المتمثل في الميليشيات الحوثية.

وقال: «هذه اللجان بدأت أعمالها وقطعت شوطاً كبيراً، صحيح أنها لم تصل للمستوى المطلوب خلال فترة وجيزة، لكن رافقتها الكثير من الصعوبات واستطاعت أن تنجز الكثير ومن ضمنها تشكيل هيئة العمليات المشتركة التي تحوي كل المكونات، وهي ناجحة جداَ وفيها ضباط من أكفأ القيادات الموجودة في كل المكونات العسكرية».

وأضاف الداعري بقوله: «نحن في قيادة وزارة الدفاع نسعى إلى أن تكون هذه المكونات العسكرية كلها تحت قيادة واحدة بحيث تستطيع أن توحد قرارها، لا يوجد لدينا في المرحلة الحالية غير عدو واحد وهو الميليشيات الحوثية (...)، اللجنة أنجزت ما يصل إلى 70 في المائة ويبقى التنفيذ».

تهديدات الحوثيين للبحر الأحمر

وفي ملف البحر الأحمر، أوضح الفريق محسن الداعري أن استمرار الميليشيات الحوثية استهدافها الملاحة الدولية في البحر الأحمر، يشكل خطراً على اليمن والمنطقة.

وعدّ الداعري الهجمات الحوثية على الملاحة هروباً من الوضع السيئ الذي كانت تواجهه الميليشيا في الداخل، وقال: «جاءت أحداث 7 أكتوبر بغزة في وقت كان الحوثي يعيش رمق المواجهة الأخير في أكثر من منطقة، سواء في ذمار وصنعاء وعمران وغيرها من المناطق، وعليه حاولت الجماعة أن تبتدع فكرة المشاركة في دعم غزة لاستغلال تعاطف اليمنيين مع فلسطين، لكنها كانت تضر الشعب اليمني ودول المنطقة وحتى الفلسطينيين أنفسهم».

الحرائق مستمرة على سطح ناقلة النفط اليونانية «سونيون» بسبب هجمات الحوثيين (المهمة الأوروبية أسبيدس)

وألمح وزير الدفاع اليمني إلى وجود أطراف «تريد تصوير الميليشيات الحوثية على أنها أصبحت قوة إقليمية في المنطقة، لكنها في الحقيقة لا تساوي شيئاً، نحن نعرفهم على الأرض لم يستطيعوا أن يتقدموا على الإطلاق، وهم يحاولون انتهاج سياسة الابتزاز للدول التي تمر في البحر الأحمر».

وأوضح الفريق الداعري أن الميليشيات الحوثية لن تتوقف عن استهداف الملاحة الدولية حتى في حال توقف الحرب في غزة، كما تصور هي للعالم، مشيراً إلى أنها تبحث دوماً عن تحالفات جديدة مع جهات إرهابية، وتستغل الصراعات في المنطقة لتحاول إثبات وجودها، لكنها في النهاية ستزول، بحسب وصفه.

وأضاف: «الميليشيا الإرهابية ليس لها حدود ولا أمان في توقفها يوماً من الأيام؛ فهي تبحث كل يوم عن التحالف مع أي جهات إرهابية أخرى، كانت تدعي أنها تحارب (داعش) و(القاعدة) وهما تنظيمان إرهابيان، لكننا وجدناها في الفترة الأخيرة هي من تتخادم معهما وتقدم لهما الدعم والتدريب والتجهيز، كما أن لهم علاقات بالتنظيمات الإرهابية في الطرف الآخر من البحر الأحمر، وأماكن أخرى».

صنعاء هي الهدف

أكد وزير الدفاع اليمني أن الجيش اليمني جاهز للتحرك باتجاه صنعاء في أي لحظة، مشيراً إلى أن الميليشيات الحوثية تضعف يوماً بعد آخر. وتابع: «نحن في الجيش والقوات المسلحة اليمنية ووزارة الدفاع وكل المكونات اليمنية والمقاومة هدفنا الأساسي هو صنعاء، هذه الميليشيات مشروع غير مستمر ووقتي يمكن أن ينتهي في أي لحظة، وبالتالي نحن جاهزون بأن نكون في تلك الأماكن اليوم أوغداً أو بعد غدٍ، هذه الميليشيات لا تلتزم بالعهود والاتفاقيات، وعندما تضعف تستخدم أساليب عدة للحصول على تعاطف الآخرين».

إيران وتصدير الموت

يرى الوزير الداعري أن إيران تلعب دوراً سلبياً في دعم الميليشيات الحوثية منذ سنوات طويلة، من خلال تهريب السلاح والخبراء، محاولة إشعال الفوضى دون النظر إلى المصالح المشتركة أو استقرار اليمن والمنطقة.

شحنة أسلحة صادرتها القيادة المركزية الأميركية في بحر العرب يعتقد أنها قادمة من إيران باتجاه الحوثيين في اليمن (القيادة المركزية الأميركية)

وقال: «إيران منذ القيادات السابقة في اليمن تقدم الدعم وتسلط الميليشيات لتنفيذ عمليات عدائية في المنطقة، ما هو مشروعهم وماذا يريدون لا نعلم، لم يأتوا إلينا يوماً من الأيام ويقولوا لدينا مصالح مشتركة، هم فقط يصدرون الموت لليمن وللمنطقة ويعتقدون أنهم بهذا المشروع سيسيطرون على كل شيء، لكن بالعكس، لا يمكن لشعوب المنطقة أن تستسلم».

توقف المساعدات العسكرية الأميركية

تحدث الوزير عن علاقات طيبة للحكومة اليمنية مع الدول الصديقة، مشدداً على أن السعودية والإمارات كانتا الداعمين الأساسيين لليمن في الحرب الأخيرة. في حين أشار إلى أن المساعدات العسكرية الأميركية توقفت منذ عام 2014، ولم تُستأنف بالوتيرة نفسها حتى الآن.

وأضاف: «دائماً نقول من يقف إلى جانبنا في قضية مثل هذه فهو صديقنا، ومن يتركنا نواجه مصيرنا بأنفسنا فليس صديقنا، وحقيقةً لم نجد من وقف معنا بصدق وقدَّم أرواحاً ودماءً وسلاحاً وكل أوجه الدعم كما كان أشقاؤنا في المملكة العربية السعودية والإمارات ودول الخليج ودول العربية مثل مصر والسودان وغيرهم».


مقالات ذات صلة

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

العالم العربي معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد لمصلحة مشروعها.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تُقوّض وحدة القرار السيادي، وتخدم مشروع إيران.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية اليوم الجمعة أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

بدأ الحوثيون في الأيام الأخيرة الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتهم المقبلة في وقت أبدت فيه قيادة الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الجماعة

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي وزير الخارجية اليمني مجتمعاً في عدن مع مسؤول أممي (إعلام حكومي)

اليمن يعزز التنسيق مع المنظمات الدولية ويحذر من تجاوز أنظمة الاستيراد

اليمن يعزز تنسيقه مع المنظمات الأممية في مجالات الإغاثة والزراعة والحكومة تحذر من التفاف بعض التجار على أنظمة الاستيراد وتشدد على الالتزام بالآليات

«الشرق الأوسط» (عدن)

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.


مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

رفض ممثلو وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا توم برّاك، الجمعة، التعليق على ما تردد من أنباء حول غارة شنتها قوات أميركية وجماعة سورية محلية، بهدف القبض على مسؤول في تنظيم «داعش»، وأسفرت عن مقتل خالد المسعود الذي كان يعمل في جمع معلومات استخباراتية بشكل سري عن المتطرفين، طبقاً لما قاله أفراد أسرته ومسؤولون سوريون لوكالة «أسوشيتد برس».

ووقَّعت الغارة في مدينة الضمير ، التي تقع شرق دمشق، في نحو الساعة الثالثة صباح يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين استيقظ السكان على صوت آليات ثقيلة وطائرات.

وقال السكان إن القوات الأميركية نفذت الغارة بالتعاون مع «الجيش السوري الحر»، وهو فصيل معارض دربته الولايات المتحدة وكان قد حارب ضد الرئيس المخلوع بشار الأسد، ويتبع رسمياً الآن لوزارة الدفاع السورية.

وكان المسعود يتجسس على «داعش» منذ سنوات، بالنيابة عن فصائل مسلحة بقيادة الشرع ثم لصالح الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد سقوط الأسد قبل عام.

ولم يعلق أي من المسؤولين الحكوميين الأميركيين والسوريين على مقتل المسعود؛ ما يشير إلى عدم رغبة أي من الطرفين في أن يعرقل الحادث تحسين العلاقات بين الجانبين.


الرئيس اللبناني: مصممون على تنفيذ حصرية السلاح

رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)
رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)
TT

الرئيس اللبناني: مصممون على تنفيذ حصرية السلاح

رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)
رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)

بدأ وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي زيارة إلى بيروت، حيث التقى المسؤولين، في توقيت بالغ الأهمية، وسط مساعٍ لإعادة تثبيت الاستقرار ومنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، فيما يسعى المجتمع الدولي إلى تقييم التقدم المحقق لجهة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي هذا الإطار، شدّد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن «مسألة حصر السلاح تشكّل هدفاً، ونحن مصممون على تنفيذه ولا رجوع عنه»، فيما جدّد رئيس البرلمان نبيه بري رفضه «التفاوض تحت النار»، ودعا رئيس الحكومة نواف سلام المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وإلزامها تنفيذ القرار 1701 كاملاً.

عون: الحروب لا تؤدي لنتائج إيجابية

وخلال لقائه الوفد، الذي يزور يوم السبت جنوب لبنان، لمعاينة التقدم في تطبيق وقف إطلاق النار، أوضح عون أن «لبنان اختار التفاوض مع إسرائيل لتجنيب البلاد جولة جديدة من العنف». وأشار إلى أن تعيين كرم على رأس الوفد اللبناني يهدف إلى تفعيل هذا المسار، مؤكداً أن التقدم في المفاوضات مرتبط مباشرة بجدية الموقف الإسرائيلي.

وشرح أن «الهدف من المفاوضات هو وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، واستعادة الأسرى، ووضع جدول زمني للانسحاب من المناطق المحتلة، وتصحيح المختلف عليه على الخط الأزرق».

وكان عون قد أبلغ مجلس الوزراء أن اللجنة المكلفة متابعة وقف إطلاق النار ستعاود اجتماعاتها بحضور المندوبَين المدنيَّين اللبناني والإسرائيلي، ابتداء من 19 الشهر الحالي، مشدداً على أن الهدف الأساسي لهذه الاجتماعات هو «حماية لبنان وتثبيت الهدوء».

لدعم الجيش اللبناني

وأكد عون «أن الجيش اللبناني ينتشر جنوب الليطاني منذ إعلان وقف الأعمال العدائية، وينفذ كامل مهامه رغم الصعوبات واستمرار الاحتلال الإسرائيلي».

وشدّد على «أن مهمات الجيش لا تقتصر على جنوب الليطاني فقط، بل تشمل حفظ الأمن على كل الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يوجب تقديم الدعم للجيش ليتمكن من الاستمرار في مهماته»، محذراً من أن غياب هذا الدعم قد يفتح الباب أمام الفوضى.

تنسيق بين الجيش و«اليونيفيل»

كما لفت إلى التنسيق «المثالي» بين الجيش و«اليونيفيل» في تطبيق القرار 1701، معرباً عن رغبة لبنان في استمرار وجود قوات دولية مساعدة بعد الانسحاب المقرر لليونيفيل في نهاية 2027، وموضحاً أن دولاً عدة أبدت استعدادها للإبقاء على جزء من قواتها في الجنوب.

الرئيس جوزيف عون مجتمعاً مع أعضاء وفد مجلس الأمن (رئاسة الجمهورية)

وأكّد عون أن عودة الأهالي إلى بلداتهم وإعادة بناء ما دمرته العمليات العسكرية تشكلان أولوية قصوى، داعياً المجتمع الدولي للمساهمة في هذه الجهود. وجدّد تشديده على أن حصر السلاح هدف وطني لا تراجع عنه، وأن لبنان لا يريد الحرب...

لمراقبة تنفيذ القرار 1701

وكان مندوب سلوفينيا السفير صامويل زبوغار تحدث في مستهل اللقاء، مؤكداً التزام المجلس بالاستقرار في لبنان والمنطقة، ودعم سيادة واستقلال لبنان السياسي. وقال: «إن المجلس ينظم المداولات حول الوضع في لبنان وعلى طول الخط الأزرق»، مضيفاً: «نأتي إلى بيروت في وقت محوري، من أجل تنفيذ القرار 1701، وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية».

وفد أعضاء مجلس الأمن خلال اللقاء مع رئيس البرلمان نبيه بري (رئاسة البرلمان)

بري: لا يجوز التفاوض تحت النار

من جهته، أكّد رئيس البرلمان نبيه بري أنه «لا يجوز ومن غير المقبول التفاوض تحت النار»، محذراً من «أن استمرار إسرائيل بالحرب والعدوان يجدد هذه الحرب».

واستمع بري إلى مواقف ممثلي الدول في مجلس الأمن خلال اللقاء بهم، وأجاب بإسهاب عن مراحل القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار وظروفه وموجبات تطبيقه ودور قوة الطوارئ الدولية.

وأكد «أن الاستقرار في الجنوب يستلزم التزام إسرائيل بالقرار 1701 وباتفاق وقف إطلاق النار وحربها الأحادية على لبنان».

الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس وأعضاء وفد مجلس الأمن قبيل لقائهم رئيس البرلمان نبيه بري (إ.ب.أ)

وفي تصريح مقتضب إثر اللقاء مع بري، قالت أورتاغوس إن «شخصيّة السفير ​سيمون كرم​ تعطي انطباعاً جيداً»، واصفة اجتماعات الميكانيزم بأنها «أفضل لأنها ضمّت مدنيين».

سلام: لقوة أممية في لبنان بعد انتهاء مهمة «اليونيفيل»

وخلال لقائه الوفد، شدّد رئيس الحكومة نواف سلام على «حاجة لبنان إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية اليونيفيل، ما يساهم في تعزيز الاستقرار في الجنوب».

وطرح إمكان «أن تعمل هذه القوة تحت إطار هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة مشابه لقوة (إندوف) العاملة في الجولان».

وشدّد سلام على «ضرورة الضغط على إسرائيل للإيفاء بالتزاماتها بوقف الأعمال العدائية».

وعرض أمام الوفد مقاربة الحكومة القائمة على الإصلاح والسيادة، مؤكداً التزامها بالمضي قدماً في تنفيذ الخطط الإصلاحية وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية.

كما أكد أعضاء الوفد حرص دولهم على دعم الاستقرار في لبنان عبر التطبيق الكامل للقرارات الدولية، مشيدين بعمل الحكومة، ولا سيما ما يتعلّق بحصر السلاح بيدها.