هل ينجح التقارب العسكري في وقف «خطاب الكراهية» بين خصوم ليبيا؟

باتيلي يتوسط قيادات عسكرية وأمنية عقب اجتماعهم أخيراً في بنغازي (البعثة الأممية)
باتيلي يتوسط قيادات عسكرية وأمنية عقب اجتماعهم أخيراً في بنغازي (البعثة الأممية)
TT

هل ينجح التقارب العسكري في وقف «خطاب الكراهية» بين خصوم ليبيا؟

باتيلي يتوسط قيادات عسكرية وأمنية عقب اجتماعهم أخيراً في بنغازي (البعثة الأممية)
باتيلي يتوسط قيادات عسكرية وأمنية عقب اجتماعهم أخيراً في بنغازي (البعثة الأممية)

يجمع كثير من مراقبي الشأن الليبي على أن نجاح المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، في الجمع بين قيادات عسكرية وأمنية فاعلة في عموم البلاد، مثّل خطوة مهمة على طريق استئناف العملية الانتخابية بعد توقفها منذ 14 شهراً. إلا أن تساؤلات عديدة لا تزال تُطرح حول مدى فاعلية واستمرارية هذا التوافق بين القيادات العسكرية والأمنية، ومدى انعكاسه على أرض الواقع، وقدرته على تخفيض حدة «خطاب الكراهية» بين الخصوم في ليبيا.
بداية، رأت عضو «ملتقى الحوار السياسي» الليبي، الزهراء لنقي، أن الجهود الحالية التي يجريها باتيلي، والاجتماعات الأمنية التي تمت في ليبيا «تتطلب استمرارية البناء عليها بمزيد من التدابير الإيجابية لبناء الثقة بين الطرفين المتنازعين». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «يجب إطلاق سراح المحتجزين لدى الطرفين، وترجمة الاتفاق (على تشكيل قوة عسكرية مشتركة) إلى جدول زمني محدد لتحقيق النتائج المرجوة»، مضيفة أنه يتوجب أيضاً التركيز على «تفعيل المسار السياسي في أسرع وقت ممكن، وإطلاق اللجنة الرفيعة المستوى للانتخابات التي تحدّث عنها باتيلي، وتجنب إضاعة الوقت والفرص، التي تحتمل وقوع انتكاسة للعنف»، مشددة على ضرورة أن يقود المسار السياسي، المسارين العسكري والاقتصادي.
أما رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي» أسعد زهيو، فأكد من جانبه وجود «تراجع نسبي» في نوعية الخطابات المعادية للآخر، وإن «لم تختفِ بشكل كامل». وحدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عدداً من العوامل التي تحوْل دون انتهاء، أو على الأقل، تقويض الخطاب التمييزي أو المعادي للآخر، لافتاً إلى وجود أطراف لم تتضمنها الاجتماعات العسكرية والأمنية، التي عُقدت برعاية البعثة الأممية، «ولذا استمر الإعلاميون والمدونون والنشطاء المحسوبون على هذه الأطراف في مواصلة الهجوم، وانتقاد الطرف الآخر، والتشهير به على نحو مهين إلى آخر أشكال الفجور في الخصومة، وهذا مقابل التزام أغلب الإعلاميين والمدونين المحسوبين على القيادات، التي شاركت بهذه الاجتماعات بخطاب يميل إلى التهدئة». أما العامل الثاني، بحسب زهيو، فإنه «لا ينحصر فقط في أن مثل هذه الخطابات كانت الأكثر استخداماً طيلة سنوات العقد الماضي، بل أيضاً لاعتماد فرقاء الأزمة من البداية على قطاع غير هين من المؤيدين المغيبين». في حين يتجلى العامل الثالث في «استمرار بعض شيوخ الدين في استخدام خطاب تحريضي متشدد تجاه الطرف الآخر، المختلف معه سياسياً وفكرياً»، وقال بهذا الخصوص: «نحن نتكلم تحديداً عن دار الإفتاء بالعاصمة طرابلس، التي يقودها المفتي المعزول الصادق الغرياني، ومن يدور في فلكه، فهؤلاء لديهم قنوات فضائية مقربة منهم، وبالتالي يملكون تأثيراً في بعض المجموعات بالشارع، وليس أغلبيته».
وكان باتيلي قد شارك في اجتماع موسع بالعاصمة طرابلس، ضم أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5 زائد 5)، وبعض قادة الوحدات العسكرية والأمنية في عموم البلاد، وتركز النقاش على توفير بيئة مناسبة للدفع بالعملية السياسية، وإجراء انتخابات نزيهة هذا العام.
من جهته، أكد الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عبد المنعم الحر، أن هناك تراجعاً واضحاً في حدة الخطاب الإعلامي، وتحديداً بالقنوات الفضائية القريبة من القيادات العسكرية والأمنية التي شاركت في الاجتماعات، التي عُقدت أخيراً، مؤيداً الدعوة للمسارعة بإجراء الانتخابات، خصوصاً الرئاسية.
ورأى الحر أن «وجود رئيس دولة منتخب، ومتوافق عليه، سيؤدي لتسليط الأنظار على الخطوات التي من المفترض أن يقوم بها هذا الرئيس، وخطط إعادة إعمار، ومكافحة فساد». وقال: «إن عدداً كبيراً من المواقع والقنوات الفضائية تم استقطابها، وفقدت حيادها، وباتت تعد بشكل أو بآخر منابر دعائية للكتل والقوى السياسية والعسكرية المسيطرة على المشهد الليبي»، مضيفاً أن «السيناريو نفسه بات متكرراً بعدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحظى بنسب عالية من المتابعة، خصوصاً من قبل شريحة الشباب». واعتبر الحر أن انتخاب الرئيس «خطوة أولية يجب أن تتبع بخطوات أخرى لتحجيم خطاب الكراهية، مثل تعزيز مناهج التعليم بمبادئ حقوق الإنسان، وثقافة القبول بالآخر، وتفعيل برامج المصالحة، مثل تعويض الضحايا، وإعلاء سيادة القانون».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

واصل الجيش السوداني، الخميس، تقدمه في المعارك الدائرة في ولاية الجزيرة وسط السودان، وسيطر على بلدة «الشبارقة»، بعد انسحاب «قوات الدعم السريع»، وفق مصادر محلية.

وكانت البلدة أحد أبرز أهداف الجيش في هذه الجبهة، لأنها تمكنه من الناحية العسكرية من التقدم نحو عاصمة الولاية، مدينة ود مدني.

وحقق الجيش السوداني تقدماً كبيراً في جنوب الجزيرة، يوم الأربعاء، حيث سيطر بالكامل على مدينة «الحاج عبد الله»، وعدد من القرى المجاورة لها، فيما تحدث شهود عيان عن توغله في أكثر من قرية قريبة من ود مدني باتجاه الجنوب.

عناصر من «الدعم السريع» في منطقة قريبة من الخرطوم (رويترز)

وقالت «لجان المقاومة الشبارقة»، وهي تنظيم شعبي محلي، «إن القوات المسلحة بسطت سيطرتها الكاملة على البلدة بعد معارك طاحنة».

وأفادت في بيان على موقع «فيسبوك»، بأن الطيران الحربي التابع للجيش «لعب دوراً كبيراً في إسناد الهجوم البري، بتنفيذ ضربات جوية على مواقع قوات الدعم السريع لمنعها من التقدم».

ووفقاً للجان، فقد «استولت القوات المسلحة على كميات من الأسلحة والذخائر كانت مخبأة داخل المنازل في البلدة».

وأظهر مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر من قوات الجيش أمام لافتة على مدخل الشبارقة، فيما قالت مصادر أخرى، إن اشتباكات عنيفة سجلت بين قوات مشتركة من الميليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع» في الأجزاء الشرقية من بلدة «أم القرى» شرق الجزيرة، على بعد نحو 30 كيلومتراً من ود مدني.

وحسب المصادر، فإن القوات المهاجمة، تتقدمها ميليشيا «درع السودان» التي يقودها القائد المنشق عن «الدعم السريع» أبو عاقلة كيكل، فشلت في استعادة البلدة خلال المعارك الشرسة التي دارت الأربعاء.

وقال شهود عيان لــ«الشرق الأوسط»، إن المضادات الأرضية لقوات «الدعم السريع» تصدت لغارات جوية شنها الطيران الحربي للجيش على ارتكازاتها الرئيسية في وسط البلدة.

وتوجد قوات الجيش والفصائل التي تقاتل في صفوفه، على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة ود مدني، لكن قوات «الدعم» لا تزال تنتشر بكثافة في كل المحاور المؤدية إلى عاصمة الولاية.

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

ولم يصدر أي تصريح رسمي من «الدعم السريع»، التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي» بخصوص المعارك في ولاية الجزيرة التي جاءت بعد أشهر من التخطيط من قبل الجيش الذي شنّ هجوماً برياً يعد الأوسع والأعنف، وتمكن للمرة الأولى، من التوغل بعمق والسيطرة على عدد من المواقع التي كانت بقبضة «الدعم السريع».

ومنذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، سيطرت قوات «الدعم» على 6 محليات في ولاية الجزيرة، ولم يتبق للجيش سوى محلية المناقل التي ما زالت تحت سيطرته، ويسعى عبر محورها لاستعادة الولاية كاملة.

ولكن رغم تقدم الجيش عسكرياً خلال الأشهر الماضية في وسط البلاد والخرطوم، لا تزال «الدعم السريع» تسيطر على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد ومناطق شاسعة في إقليم دارفور، إضافة إلى جزء كبير من كردفان في الجنوب... وفي حال فرض الجيش سيطرته الكاملة على ولاية الجزيرة، فإنه بذلك سيحاصر «الدعم» في العاصمة الخرطوم من الناحية الجنوبية.

واندلعت الحرب منذ أكثر من 21 شهراً، وأدت إلى مقتل أكثر من 188 ألف شخص، وفرار أكثر من 10 ملايين من منازلهم.