قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية، التي انطلقت أشغالها أمس في الرباط، إن هذه الهيئات مدعوة لتوطيد أوجه التكامل والاندماج التنموي فيما بينها، وذلك في سياق مواكبتها للجهود التنموية لبلدانها الأعضاء.
وأضاف الملك محمد السادس في هذه الرسالة، التي تلاها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أنه يتعين أيضاً على هذه الهيئات المالية العربية الحرص على دعم بروز سلاسل قيمة جهوية حقيقية في المنطقة العربية، تأخذ بعين الاعتبار الميزات التنافسية، والمؤهلات الطبيعية والبشرية المهمة التي تزخر بها الدول العربية، مذكراً بالتعبئة الكبيرة التي أظهرتها الهيئات المالية العربية لمساعدة الدول الأعضاء المتضررة من تداعيات جائحة «كوفيد - 19»، وبعدها الأزمة الأوكرانية، من خلال برامج ومبادرات لدعم الانتعاش الاقتصـادي، ومواصلة الإصلاحات الهيكلية، والمحافظة على التوازنات الاقتصادية، لكنه أوضح أن «هذه المجهودات، الجديرة بالتقدير والتنويه، لم تكن لتغطي كل الاحتياجات التمويلية، بالنظر لحجم التحديات الجسيمة التي تواجهها بلداننا العربية في سعيها لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة، في خضم تواتر الأزمات العالمية».
وبخصوص التقلبات المناخية التي بات يعرفها العالم، شدد العاهل المغربي على أن المواكبة الاستباقية للتحولات المناخية، التي تشهدها المنطقة العربية «تظل من بين أهم الأولويات التي ينبغي أن تؤطر الجهود الإنمائية للهيئات المالية العربية في السنوات المقبلة، وذلك عبر تقديم تمويلات تفضيلية للمشاريع، الرامية لتعزيز الانتقال إلى اقتصاد أخضر ومستدام، وكذا دعم البحث وتقاسم الخبرات، وحشد القدرات في هذا المجال»، مبرزاً أن مواكبة الهيئات المالية العربية لجهود البلدان الأعضاء في الحفاظ على الأمن المناخي، وبناء اقتصاد أخضر، «تمر أيضاً عبر دعم الدول العربية في المحافل الإنمائية الدولية، ليتسنى تحقيق توازن بين قدراتها التمويلية، وحدود مساهمتها في انبعاثات الغازات المسببة للتغيير المناخي، مع السعي للعب دور الوساطة في تنزيل الوعود التمويلية، التي يقدمها المجتمع الدولي في إطار اتفاقية باريس حول المناخ».
وفي هذا السياق، أشار الملك محمد السادس إلى التقاطع الملموس بين الأمن المناخي والأمن الغذائي، لا سيما على مستوى دعم جهود الأمن المائي بالدول العربية، وتبني خريطة طريق للتكامل الزراعي العربي، بشكل يوفق بين الإكراهات الآنية وتطلعات الاكتفاء الغذائي الذاتي للوطن العربي.
وفي سياق حديثه عن جهود التنمية وتحقيقها، أعرب ملك المغرب عن يقينه بأن التمويلات الميسرة تعد من الدعائم الأساسية لعجلة النمو، مؤكداً أن تنويع وتقوية تدفق تلك التمويلات في ربوع الوطن العربي، «يعدان من الشروط الأساسية والملحة لكسب معركة التنمية المستدامة في البلدان العربية»، وأن الدور المنوط بالهيئات المالية العربية في هذا المجال، «يكتسي أهمية خاصة، سواء من حيث دعم وجلب التمويلات الميسرة، أو تفعيل آليات دعم المشاريع الاستراتيجية، أو دعم المقاولات العربية، خصوصاً تلك التي تسعى لتطوير قدراتها على المستويين الإقليمي والدولي، وكذا دعم تكامل سلاسل الإنتاج العربية، وتلك الموجهة لتعميم الحماية الاجتماعية، والارتقاء بالتعليم والتكوين المهني، لما لهما من آثار مباشرة على الحفاظ وتطوير الرأسمال البشري، وكذا مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية». وقال الملك محمد السادس: «إننا نتطلع لمزيد من جهود هيئاتنا المالية العربية لمواكبة الاستراتيجيات المنصبة على التحول الرقمي»، باعتباره أحد المجالات الواعدة لتقليص الفوارق المجالية، وتعزيز الإدماج السوسيو - اقتصادي للشباب، خصوصاً في العالم القروي، مذكراً بالدور المهم ومتعدد الأبعاد الذي يضطلع به القطاع الخاص في العملية التنموية، مما يستدعي «تحفيز الانخراط الفاعل والمسؤول لهذا القطاع، باعتباره الشريك المعول عليه في توطيد النماذج التنموية للبلدان العربية، لما يوفره من خبرات وفرص للشغل، ولدوره الأساسي في التصدي للتحديات التنموية للمنطقة العربية، بمجالات الأمن الغذائي والتعليم والصحة».
من جهة أخرى، أشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب «حريص على مواصلة وضع كفاءاته البشرية، وتبادل الخبرات التي راكمها في مختلف المجالات، رهن إشارة البلدان الشقيقة والصديقة لتعزيز قدراتنا التنموية، إيماناً منا بأن تقدمنا ونماءنا لا يمكن تصوره بمعزل عن أشقائنا العرب والأفارقة». وأوضح أن المملكة المغربية انخرطت في عدة مشاريع مشتركة، تروم تقوية التكامل الاقتصادي العربي والأفريقي، مشيراً على سبيل المثال إلى مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، الذي يعد مشروعاً استراتيجياً من أجل السلام والتنمية المشتركة، وتعزيز الأمن الطاقي على المستويين القاري والدولي. كما أعرب عن جزيل شكره للهيئات المالية العربية على دعمها مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، من خلال المساهمة المتواصلة في تمويل مشاريعها الإنمائية والاستثمارية، وتقديم الدعمين الفني والتقني في مختلف المجالات. كما ثمن الجهود، التي تقوم بها هذه الهيئات في سبيل توفير الدعم المالي للأشقاء الفلسطينيين، داعياً لمتابعة مواكبة كل المشاريع التي تدعم مسيرة التنمية والصمود بفلسطين.
في سياق ذلك، أشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب يؤكد الاهتمام الكبير الذي يوليه للعمل العربي المشترك، مبرزاً أن الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية لعام 2023، تنعقد في ظل مناخ الضبابية وعدم اليقين، الذي يطبع أداء الاقتصاد العالمي، لا سيما مع استمرار تداعيات الأزمة الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية الدولية، وهو ما يسهم في تفاقم الضغوط التضخمية المتزايدة، وتشديد الشروط الائتمانية، وكذا التحولات المناخية المقلقة والمتسارعة، التي تلقي بآثارها على آفاق النمو الاقتصادي، واستقرار الأسواق عبر العالم. وأخذاً بعين الاعتبار لما تشكله هذه التطورات المتسارعة من مخاطر على الأمن الطاقي والغذائي، على المديين المتوسط والبعيد، دعا الملك محمد السادس إلى العمل على مواصلة توحيد الجهود الإنمائية العربية المشتركة، وتحيين الاستراتيجيات والبرامج التنموية، والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات وحاجيات المواطن العربي، خصوصاً الشباب.
محمد السادس يدعو الهيئات المالية العربية إلى «توطيد الاندماج التنموي»
قال إن المغرب انخرط في مشاريع عدة لتقوية التكامل العربي والأفريقي
محمد السادس يدعو الهيئات المالية العربية إلى «توطيد الاندماج التنموي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة