«الشبكة السورية» تتحدث عن إعادة قسرية لـ 168 لاجئاً من لبنان

وزير الثقافة أكد أن علاج القضية لا يكون بالتصرفات الفردية والإجراءات المؤقتة

سوريون أثناء إعادتهم إلى بلدهم في حملات نظمها الأمن العام اللبناني سابقاً (الوكالة المركزية)
سوريون أثناء إعادتهم إلى بلدهم في حملات نظمها الأمن العام اللبناني سابقاً (الوكالة المركزية)
TT

«الشبكة السورية» تتحدث عن إعادة قسرية لـ 168 لاجئاً من لبنان

سوريون أثناء إعادتهم إلى بلدهم في حملات نظمها الأمن العام اللبناني سابقاً (الوكالة المركزية)
سوريون أثناء إعادتهم إلى بلدهم في حملات نظمها الأمن العام اللبناني سابقاً (الوكالة المركزية)

كشفت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» عن إعادة قسرية من لبنان لـ168 لاجئاً سورياً منذ بداية شهر أبريل (نيسان) (الحالي)، متحدثة عن ظروف إنسانية صعبة يتعرضون لها على الحدود؛ لرفض النظام السوري السماح لهم بالعبور إلى داخل البلاد، وتعرضهم لابتزاز من قبل قواته في المنطقة الفاصلة بين المعبرين الحدوديين بين البلدين.
ويأتي ذلك في وقت بدأ فيه لبنان إجراءات مشددة تجاه اللاجئين السوريين، مع المطالبات المتصاعدة لإعادتهم إلى بلادهم، بينما أكد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى (المحسوب على رئيس البرلمان نبيه بري) أن علاج هذه القضية لا يكون بالتصرفات الفردية والإجراءات الموقتة المحدودة الإطار.
وفيما أعلنت الحكومة اللبنانية أول من أمس (الأربعاء)، عن تدابير حاسمة لملاحقة المخالفين، كان قد سبقها معلومات مؤكدة من قبل مصادر عدّة عن ترحيل عشرات السوريين لدخلوهم لبنان بطريقة غير شرعية.
وفي بيان لها، قالت الشبكة إن الجيش اللبناني قام منذ 17 أبريل الحالي بحملات مداهمة للمناطق التي يوجد فيها اللاجئون السوريون بأعداد كبيرة، مثل برج حمود وبعض الأحياء في مدينة بيروت ومنطقة رشميا في قضاء عالية في جبل لبنان، ومنطقة حمانا وصوفر في جبل لبنان، أدت إلى عمليات احتجاز جماعية طالت العشرات، وما زالت مستمرةً. وذكر البيان أن حملات الاحتجاز استهدفت اللاجئين السوريين الذين لم يتمكنوا من الحصول على أوراق رسمية أو استخراجها لتبرير وجودهم القانوني في لبنان، وبشكل أساسي الذين دخلوا لبنان منذ عام 2019 عبر طرق غير نظامية، كما استهدفت المقيمين السوريين الذين لم يتمكنوا من تجديد إقامتهم. وجرى نقل جميع من تمَّ احتجازه من قبل الجيش اللبناني إلى فوج الحدود البرية الذي يقوم بدوره بنقلهم إلى خارج الحدود اللبنانية في منطقة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا.
وقالت الشبكة إنها وثقت «إعادة قسرية لما لا يقل عن 168 لاجئاً سورياً في لبنان، وذلك منذ مطلع أبريل الحالي حتى الآن، قرابة ثلثهم من الأطفال والنساء، تعرض الغالبية العظمى منهم للضرب المبرح والإهانة أثناء عملية مداهمة منازلهم وأماكن إقامتهم، ومنعهم من أخذ أغراضهم الشخصية معهم. كما تُركوا في العراء في المنطقة الفاصلة بين الحدود السورية واللبنانية من دون قيام الجهات الحكومية الرسمية اللبنانية بتسجيل أسمائهم، أو حتى تسجيل خروجهم من لبنان بشكل رسمي عبر المعابر الرسمية».
وأضاف البيان أن النظام السوري رفض السماح لمجموعة من اللاجئين المعادين قسرياً من العبور نحو سوريا بذريعة عدم قيام الجيش اللبناني أو جهاز الأمن العام بالتنسيق معه قبيل ترحيلهم، مشيراً إلى «أنَّ معظم المعادين قسرياً تعرضوا إلى عمليات نهب وابتزاز من قبل قوات النظام السوري في المنطقة الفاصلة بين المعبرين الحدوديين بين سوريا ولبنان، وفرضت عليهم مبالغ مالية تتراوح وسطياً بمبلغ لا يقل عن 100 دولار للفرد مقابل تسهيل عودتهم باتجاه الأراضي اللبنانية عبر طرق التهريب التي يشرف على معظمها عناصر وضباط من الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري».
من جهة أخرى، لفت البيان إلى انتهاكات يتعرض لها اللاجئون الذين عادوا إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري منذ عام 2014؛ منها اعتقال أكثر من 2500 شخص بينهم نساء وأطفال، متحدثاً عن أكثر من 700 حالة اختفاء قسري، إضافةً إلى عمليات التجنيد الإجباري في صفوف قوات النظام السوري، وكذلك فرض العديد من قوانين تعسفية تهدف إلى السيطرة على ممتلكات النازحين واللاجئين.
في موازاة ذلك، تستمر المواقف المطالبة بإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، في حين أكد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد المرتضى أن علاج هذه القضية لا يكون بالخطابات والشعارات التي تحمل ما تحمل، ولا بالتصرفات الفردية والإجراءات الموقتة المحدودة الإطار.
وقال مرتضى لـ«الوكالة الوطنية للإعلام» رداً على سؤال عن موقفه من الأزمة الراهنة المتعلقة بالنازحين السوريين في لبنان، «لا ينبغي للنزوح السوري إلى لبنان أن يبقى مادة تجاذبٍ بين الوضع الإنساني والاستثمار السياسي وردود الفعل الشعبية».
وأضاف: «صحيح أن كثيراً من الأسباب التي أدت إليه زالت بعد استتباب الأحوال الأمنية في معظم الأراضي السورية، وصحيح أيضاً أنه بات مرهقاً جداً ومكلفاً للبنان على جميع الصعد، لكن العلاج لا يكون بالخطابات والشعارات التي تحمل ما تحمل، ولا بالتصرفات الفردية والإجراءات الموقتة المحدودة الإطار.
من هنا، شدد على «أن حل هذا الملف يكون من خلال اتفاق رسمي ثنائي بين السلطات المختصة في الدولتين الشقيقتين ينظم العودة الآمنة الكريمة لجميع النازحين، وفيما خلا ذلك سيبقى النزوح جرحاً للشعبين والدولتين».
وقال: «معلوماتنا الدقيقة تشير إلى أن الجانب الرسمي السوري على أتم الاستعداد للتعاون مع نظيره اللبناني لإيجاد آلية تكفل الحل الجذري لهذا الملف، ما يفرض على الحكومة اللبنانية أن تعمد إلى المبادرة وإجراء التواصل اللازم مع السلطات السورية، توصلاً لوضع هذه الآلية».
ومع استناد المطالبين بترحيل السوريين إلى الخسائر المادية الناتجة عن أزمة النزوح، كشف يوم أمس، رئيس لجنة الأشغال والنقل النائب سجيع عطية، أن مخيمات السوريين تستهلك كهرباء سنوياً بقيمة 400 مليون دولار، وهي تكلفة يتحملها اللبنانيون، وفق تأكيده.
وقال عطية بعد جلسة للجنة أمس: «لدينا هاجس التحصيل من المخيمات الفلسطينية ومن مخيمات السوريين، حيث إنه بلغنا أن مخيمات السوريين تستهلك كهرباء سنوياً بقيمة 400 مليون دولار، يعني في السنوات العشر الماضية لدينا 4 مليارات دولار خسارة في الكهرباء يتحملها اللبناني الذي يدفع الفاتورة عن أخيه السوري. وبمبلغ الأربعة مليارات دولار في سنوات العشر التي مرت لا نستطيع أن نتحمل، إضافة إلى المياه، لدينا مائة مليون دولار في السنة، ناهيك عن الصرف الصحي والتلوث وما شابه».


مقالات ذات صلة

لبنان يستأنف تسجيل السوريين الراغبين بالعودة الطوعية

المشرق العربي لبنان يستأنف تسجيل السوريين الراغبين بالعودة الطوعية

لبنان يستأنف تسجيل السوريين الراغبين بالعودة الطوعية

قالت مصادر أمنية في منطقة البقاع اللبناني، أمس لـ«الشرق الأوسط»، إن مكاتب الأمن العام استعادت نشاطها لتسجيل أسماء الراغبين بالعودة، بناء على توجيهات مدير عام الأمن العام بالإنابة العميد إلياس البيسري.

المشرق العربي لبنان يطلق حملة «مسح وطنية» لتعداد النازحين السوريين

لبنان يطلق حملة «مسح وطنية» لتعداد النازحين السوريين

أطلقت وزارة الداخلية اللبنانية حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين وتسجيلهم، ضمن إجراءات جديدة لضبط عملهم وتحديد من يوجد في لبنان بصورة قانونية، وذلك في ظل نقاشات سياسية، وضغط أحزاب لبنانية لإعادة النازحين إلى بلادهم. ووجّه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، كتاباً إلى المحافظين ومن خلالهم إلى القائمقامين والبلديات والمخاتير في القرى التي لا توجد فيها بلديات ويوجد فيها نازحون سوريون، لإطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل النازحين السوريين، والقيام بتسجيل كل المقيمين، والطلب إلى المخاتير عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة لأي نازح سوري قبل ضم ما يُثبت تسجيله، والتشدد في عدم تأجير أي عقار لأ

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بيروت: لا تسرع في ترحيل السجناء السوريين

بيروت: لا تسرع في ترحيل السجناء السوريين

قال وزير العدل اللبناني هنري الخوري لـ«الشرق الأوسط» إن إعادة السجناء السوريين في لبنان إلى بلدهم «قضية حساسة ولا تعالج بقرار متسرع». ويمكث في السجون اللبنانية 1800 سوري ممن ارتكبوا جرائم جنائية، 82 في المائة منهم لم تستكمل محاكماتهم، فيما وضعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي خطّة لترحيلهم وكلف الخوري البحث في «إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السورية بشكل فوري، مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلة، والتنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السورية». وأكد الخوري أن «كل ملف من ملفات السجناء السوريين يحتاج إلى دراسة قانونية دقيقة (...) إذا ثبت أن ثمة سجناء لديهم ملفات قضائية في سوريا فقد تكون الإجراء

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي «اجتماع عمّان» يبحث عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار

«اجتماع عمّان» يبحث عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار

بحث اجتماع تشاوري جديد حول سوريا عقد الاثنين في عمّان، بمشاركة وزراء الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والعراقي فـؤاد محمد حسين والمصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي والسوري فيصل المقداد، سُبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وبسط الدولة السورية سيطرتها على أراضيها. وأكد نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، أن الاجتماع هو بداية للقاءات ستتابع إجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل الأزمة السورية ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية. وشدد الوزير الأردني، على أن أولوية إنهاء الأزمة لا تكون إلا عبر حل سياسي يحفظ وحدة سو

المشرق العربي «اجتماع عمّان» التشاوري: العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى

«اجتماع عمّان» التشاوري: العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى

بحث اجتماع تشاوري جديد حول سوريا عقد اليوم (الاثنين)، في عمّان، بمشاركة وزراء خارجية كلّ من السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا، في سُبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، وبسط الدولة السورية سيطرتها على أراضيها. ووفقاً لبيان ختامي وزع عقب الاجتماع ونقلته وكالة الصحافة الفرنسية، اتفق المجتمعون على أن «العودة الطوعية والآمنة للاجئين (السوريين) إلى بلدهم أولوية قصوى، ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً». وحضّوا على تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة لـ«تنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح»

«الشرق الأوسط» (عمّان)

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم المختفين بعد مداهمات إسرائيلية في غزة

صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
TT

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم المختفين بعد مداهمات إسرائيلية في غزة

صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)

تقول ريم عجور إنها رأت زوجها، وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات، آخِر مرة في مارس (آذار) الماضي، عندما داهم جنود إسرائيليون منزلاً عائلياً في شمال غزة. وتُطاردها تلك اللحظات الفوضوية الأخيرة، عندما أمرها الجنود بالرحيل، لتترك وراءها زوجها «طلال» وابنتها ماسة، وكلاهما مصابان.

وبعد ثمانية أشهر، لا تزال الأم، البالغة من العمر 23 عاماً، لا تملك إجابات حول مصيرهما. ويقول الجيش إنه لا يملك إجابات. وقد قامت القوات بتسوية المنزل الذي كانوا يقيمون فيه، بالأرض، بعد وقت قصير من الغارة.

وقالت ريم وهي تبكي، لوكالة «أسوشييتد برس»: «أنا حية وميتة في الوقت نفسه».

وتُعد ريم عجور واحدة من عشرات الفلسطينيين الذين تساعدهم منظمة إسرائيلية تُدعى «هموكيد»، وغرضها «مساعدة الفلسطينيين الذين يتعرضون إلى الاحتلال الإسرائيلي، والذي يسبب انتهاكاً صارخاً مستمراً لحقوقهم»، في البحث عن أفراد الأسرة الذين اختفوا، بعد أن فرَّقهم جنود إسرائيليون أثناء المداهمات والاعتقالات في قطاع غزة.

ريم عجور تجلس بجانب ابنها وائل وتمسك هاتفاً عليه صورة ابنتها ماسة وزوجها طلال المختفيين (أ.ب)

وتقول منظمة «هموكيد» إن حالة عجور، التي لا تشكل سوى جزء ضئيل من الآلاف الذين فُقدوا خلال الحرب التي استمرت 14 شهراً، تسلط الضوء على الافتقار إلى المساءلة في كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع الفلسطينيين أثناء «العمليات البرية» في غزة.

مداهمة منازل وملاجئ

وطوال الحرب، أجرت القوات العسكرية ما يعادل عملية فحص جماعي للسكان الفلسطينيين من خلال مداهمة المنازل والملاجئ، وإرسال الناس عبر نقاط التفتيش. كما تقوم القوات باعتقال واحتجاز الرجال، من العشرات إلى عدة مئات في المرة الواحدة، بحثاً عن أي شخص يُشتبه في ارتباطه بحركة «حماس»، في حين تُجبر عائلاتهم على الرحيل نحو أجزاء أخرى من غزة. والنتيجة هي تفكك الأُسر، وسط فوضى الحرب.

لكن الجيش لم يوضح كيف يتتبع كل من يفصله عن أسرته أو يعتقله أو يحتجزه. وحتى إذا نقلت القوات الفلسطينيين إلى الاحتجاز العسكري داخل إسرائيل، فيمكنها احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لأكثر من شهرين، ولا يَعرف مكان وجودهم عائلاتهم أو محاموهم، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان.

وتقول منظمة «هموكيد» إنه عندما يختفي الناس، يكاد يكون من المستحيل معرفة ما حدث. وتقول جيسيكا مونتيل، مديرة منظمة «هموكيد»: «لم نواجه قط حالة اختفاء قسري جماعي من غزة، دون تقديم أي معلومات لأسابيع وأسابيع للعائلات».

وأضافت مونتيل أن محكمة العدل العليا في إسرائيل رفضت التدخل للحصول على إجابات، على الرغم من التماسات منظمة «هموكيد».

ولم يردَّ الجيش الإسرائيلي عن حالات عجور وعائلتين أخريين اختفت، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

الأم وطفلتها تنزفان

أصيبت الطفلة ماسة عجور، البالغة من العمر 4 سنوات، برصاصة، ثم انفصلت عن والدتها، وكانت عائلة عجور تحتمي في منزل بمدينة غزة يعود لعائلة طلال، بعد نزوحها من منزلها في وقت سابق من الحرب. وقالت ريم إن القوات الإسرائيلية داهمت المنزل في 24 مارس (آذار)، وفتحت النار عندما اقتحمته.

أصيبت ريم، التي كانت حاملاً في شهرها الثالث، برصاصة في بطنها. وأصيب طلال بجرح في ساقه، وكان ينزف بغزارة. كانت ماسة راقدة مُغمى عليها، مصابة برصاصة في كتفها، على الرغم من أن ريم قالت إنها رأتها لا تزال تتنفس.

وبينما كان أحد الجنود يضمد جرح الطفلة الصغيرة، وجَّه جندي آخر مسدسه إلى وجه ماسة، وأمرها بالخروج من المنزل. وقالت الأم إنها توسلت إليه أنها لا تستطيع ترك ماسة وطلال، لكن الجندي صاح: «اذهبي جنوباً».

ولم يكن أمام الأم ريم خيار آخر، فحملت ابنها الأصغر ونزلت إلى الشارع، وقالت: «لقد حدث كل شيء في غمضة عين. لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة». وكانت لا تزال تنزف، وسارت لمدة ساعتين ونصف الساعة وهي ممسكة ابنها.

وعندما وصلوا إلى مستشفى في وسط غزة، عالج الأطباء جرح بطنها، ووجدوا نبض الجنين. وبعد أسابيع، وجد الأطباء أن النبض توقف. وأجهضت.

شائعة تحيي الأمل

وقالت ريم، لوكالة «أسوشييتد برس»، إنه بعد عدة أسابيع، أخبر فلسطيني أُفرج عنه من سجن في جنوب إسرائيل، أسرتها أنه سمع اسم زوجها يُنادى به عبر مكبر صوت ضمن قائمة من المعتقلين، وقد أبقت الشائعة أمل ريم حياً، لكن الجيش أخبر منظمة «هموكيد» أنه ليس لديه سِجل باعتقال ماسة أو طلال.

وهناك احتمال آخر؛ وهو أنهما لقيا حتفهما في مكان الحادث، لكن لم يتمكن أحد من البحث بين أنقاض مبنى الأسرة؛ لتحديد ما إذا كان هناك أي جثث.

ريم عجور مع ابنها وائل خارج مخيم الزوايدة في غزة (أ.ب)

وجاء اقتحام المبنى في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية تُقاتل أفراداً من «حماس» في الشوارع المحيطة، أثناء مداهمة مستشفى الشفاء القريب. وأخرجت القوات الإسرائيلية الأُسر من المنازل القريبة، وكثيراً ما دمرت المباني أو أشعلت فيها النيران، وفقاً لشهود عيان في ذلك الوقت.

وقد لا يعرف الجيش نفسه ما حدث للزوج طلال وابنته، كما قالت مونتيل من منظمة «هموكيد». وقالت: «هذا يوضح مشكلة أوسع نطاقاً».

وتُقيم ريم وابنها الآن في مخيم خيام خارج مدينة الزويدة بوسط غزة، وقالت إن ماسة «كانت مصدر سعادتي الأول»، بشعرها الأشقر وعينيها الزيتونيتين ووجهها «الأبيض مثل القمر». وقالت وهي تبكي إن عيد ميلاد ماسة الخامس كان في يوليو (تموز) الماضي. «لقد بلغت الخامسة وهي ليست معي».

هل يوثّق الجيش ما تفعله القوات في غزة؟

وبموجب مراجعة للقانون الإسرائيلي في زمن الحرب، يمكن احتجاز الفلسطينيين من غزة الذين يجري نقلهم إلى الاحتجاز العسكري في إسرائيل لأكثر من شهرين، دون الوصول إلى العالم الخارجي.

وتزعم إسرائيل أن القانون ضروري للتعامل مع العدد غير المسبوق من المعتقلين، في سعيها لتدمير حركة «حماس»، بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ونقل الجيش نحو 1770 من معتقلي غزة إلى سجون مدنية، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان، لكنه لم يكشف عن العدد الذي لا يزال قيد الاحتجاز.

في هذا الصدد، تقول ميلينا أنصاري، الباحثة في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن إسرائيل ملزَمة، بموجب القانون الدولي، بتوثيق ما يحدث أثناء كل مداهمة لمنزل واعتقال. لكن الجيش ليس شفافاً بشأن المعلومات التي يجمعها عن المعتقلين أو عدد المعتقلين.

وقد طلبت منظمة «هموكيد» من الجيش معرفة مكان وجود 900 فلسطيني مفقود. وأكد الجيش أن نحو 500 منهم محتجزون في إسرائيل. وقال إنه ليس لديه سِجل باحتجاز الأربعمائة الآخرين.

طلبات للجيش والقضاء الإسرائيلي

وقد تقدمت المجموعة القانونية بطلب إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للحصول على إجابات في 52 حالة من الفلسطينيين المختفين، بما في ذلك حالة ماسة وطفلين آخرين، حيث شهد شهود بأن القوات تعاملت مع المفقودين قبل اختفائهم.

وقالت مونتيل: «إن القضاة يرفضون القضايا ببساطة، دون حتى الاستفسار عن التدابير التي قد تكون ضرورية لمنع مثل هذه الحالات في المستقبل».

وقال متحدث باسم المحكمة إنها كثيراً ما تطلب من الجيش تقديم معلومات إضافية، لكنها غير مخوَّلة بالتحقيق إذا قال الجيش إنه لا يحتجزهم.

وفي حالات ثلاثة فلسطينيين بالغين مفقودين قدّمتها منظمة «هموكيد»، زعم الجيش أولاً أنه لا يحتجزهم، ثم عثر على سجلات تفيد باحتجازهم، بعد أن ضغطت عليها منظمة «هموكيد»، للتحقق من ذلك.

وفي حالة أخرى، اكتشفت الشرطة العسكرية أن فلسطينيين اثنين كانت قد أنكرت في البداية احتجازهما - أب وابنه البالغ - تُوفيا في الحجز الإسرائيلي. ويقول مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 53 فلسطينياً معروفين لقوا حتفهم في الاحتجاز الإسرائيلي أثناء الحرب.

سبعيني مريض بالسرطان مختفٍ

كانت آخِر مرة رأت فيها عائلة الغرابلي، الشيخ البالغ من العمر 76 عاماً، محمود الغرابلي، عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية منطقتهم في خان يونس، في 4 فبراير (شباط) الماضي. وأمر الجنود السكان بمغادرة المنطقة. وقال نجله أحمد الغرابلي، لوكالة «أسوشييتد برس»، إن عائلة الغرابلي اضطرت إلى حمل محمود، الذي يعاني السرطان، خارج المبنى على كرسي.

وبعد احتجاز بعض الرجال، أمر الجنود الباقين بالمغادرة. وصل محمود الغرابلي إلى تلة رملية بالقرب من المنزل. وقال أحمد الغرابلي إن شقيقه ذهب لمساعدة الأب، لكن الجنود صرخوا عليه ليغادر. وقال: «لقد تركنا والدنا بالقوة، وإلا لكان قد جرى إطلاق النار علينا».

أحمد الغرابلي يُظهر المنطقة التي رأى فيها والده محمود الغرابلي آخر مرة في خان يونس بقطاع غزة (أ.ب)

عادت العائلة بعد شهر، ولم تجد أي أثر لمحمود. قال أحمد الغربلي إنه «سار متراً تلو الآخر»؛ بحثاً عن آثار، فوجد عظاماً، لكنه لم يعرف لمن هي. وهو يحتفظ بها ملفوفة بقطعة قماش في المنزل.

وأبلغ الجيش منظمة «هموكيد» بأنه لا يوجد ما يشير إلى وجوده في الاعتقال الإسرائيلي.

صباح الغرابلي تُظهر بعض الوثائق الخاصة بزوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)

وقالت زوجة محمود، صباح عبد السلام: «والله لا أنام في الليل». وأضافت: «سواء أكان قد اعتُقل أم قُتل، أخبرونا وسنرتاح».

اختفى أثناء البحث عن عائلته

الآثار الوحيدة المتبقية لرجل مفقود آخر؛ وهو محمود المقيد، البالغ من العمر 77 عاماً، هي قميصه وسراويله الممزقة وبطاقة هويته في الجيب. وقد عُثر عليهما في التراب بالقرب من المدرسة التي كان يحتمي بها هو وعائلته، عندما داهمتها القوات الإسرائيلية في 23 مايو (أيار) الماضي، في بلدة بيت لاهيا الشمالية.

وقال ابنه الطبيب راني المقيد، والذي جمع الرواية من شهود عيان وأفراد من الأسرة، إن الجنود أطلقوا سراح المقيد، وأرسلوه مع رجال آخرين إلى ملجأ آخر.

وبمجرد وصوله إلى الملجأ الثاني، عاد المقيد المُسن على الفور، مصمماً على العثور على زوجته وأحفاده الذين تركهم في المدرسة، كما أخبر شهود عيان ابنه. وكان الظلام قد حلَّ، بعد الواحدة صباحاً، وكانت القوات منتشرة في كل مكان بالمنطقة. ولم يرَ المقيد أسرته مرة أخرى.