تدهور جديد لليرة السورية وعجز حكومي عن الحل

خبراء توقعوا وصولها إلى 10 آلاف مقابل الدولار خلال أشهر

عملات سورية ورقية (أ.ف.ب)
عملات سورية ورقية (أ.ف.ب)
TT

تدهور جديد لليرة السورية وعجز حكومي عن الحل

عملات سورية ورقية (أ.ف.ب)
عملات سورية ورقية (أ.ف.ب)

سجلت الليرة السورية، الخميس، تدهوراً جديداً في السوق السوداء بمناطق سيطرة النظام، لتتجاوز 8 آلاف مقابل الدولار الأميركي، وذلك رغم ازدياد نسبة الحوالات الخارجية الواردة خلال موسمي شهر رمضان وعيد الفطر.
وأرجع خبراء اقتصاديون ذلك إلى استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية وعجز النظام عن السيطرة على سوق الصرف رغم كل الإجراءات التي يتخذها، وتوقعوا أن يتدهور السعر خلال أشهر قليلة إلى 10 آلاف في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
وبلغ سعر صرف الليرة في دمشق مقابل الدولار صباح أمس، وفق تطبيقات إلكترونية غير رسمية تراقب السوق السوداء ويتابعها سوريون، 7900 للشراء، و8000 للمبيع، بعدما شهد استقراراً نسبياً طيلة فترتي شهر رمضان وعيد الفطر الذي انتهى الاثنين الماضي؛ إذ حافظ على معدل يتراوح بين 7400 و7600 ليرة للدولار الواحد.
وقال متعاملون في السوق السوداء لـ«الشرق الأوسط»: «هناك طلب كبير على الدولار وبكميات كبيرة. السعر الذي تظهره شاشات التطبيقات الإلكترونية غير حقيقي؛ إذ لا أحد يبيع بأقل من 8300 بسبب توقعات كبار العاملين في السوق بأن تشهد السوق مزيداً من الطلب».
ويصدر «مصرف سوريا المركزي» الحكومي يومياً نشرتي أسعار مختلفتين؛ الأولى هي «نشرة الحوالات والصرافة» ورفع سعر صرف الدولار فيها أمس إلى 7500 ليرة، والثانية تسمى «نشرة المصارف» حيث ظل السعر فيها على حاله وهو 6532 ليرة، علماً بأن سعر صرف الليرة أمام الدولار قبل الحرب التي دخلت منتصف مارس (آذار) الماضي عامها الثالث عشر، كان بين 45 و50 ليرة.
وتحدثت «الشرق الأوسط» مع أكثر من خبير اقتصادي، لفت بعضهم إلى أنه، وبخلاف مواسم رمضان والأعياد السابقة، حيث كان سعر صرف الليرة يتحسن بسبب ازدياد الحوالات من اللاجئين والمغتربين، فإن هذا الموسم تدهور.
أحد الخبراء، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه بسبب الأوضاع السائدة في مناطق سيطرة النظام، أرجع التدهور الجديد إلى «عدم توافر الدولار لدى الحكومة وعجزها عن السيطرة على سوق الصرف، رغم كل إجراءاتها وحاجتها الماسة للعملة الصعبة من أجل تمويل مستورداتها، وذلك بعد تراجع احتياطي (المركزي) من العملات الأجنبية من نحو 20 مليار دولار إلى الصفر خلال سنوات الحرب».
وقال: «الحصول على الدولار يحتاج إلى إنتاج (صناعات، ومحاصيل زراعية... وغيرهما...) لتصديره، والإنتاج في مناطق النظام متوقف بشكل شبه كامل بسبب دمار أغلبية المنشآت الصناعية والمعامل والورشات وتراجع الزراعة بشكل كبير. وعدم وجود إنتاج يعني عدم وجود دولار لدى النظام».
وأضاف: «النظام بات يستورد كل شيء (محروقات، وقمح، ومواد غذائية أساسية، ومواد صناعية... وغيرها) وهو بحاجة ماسة إلى الدولار، والمصدر شبه الوحيد المعلن للدولار الذي يدخل إلى مناطقه هو حوالات اللاجئين والمغتربين، ومن أجل السيطرة على سوق الصرف والاستحواذ على معظم الحوالات رفع (المركزي) منذ أشهر أسعار الصرف في نشرتي الحوالات والصرافة والمصارف لتقترب من سعر السوق السوداء».
وأكد كثير من العاملين في شركات الصرافة والتحويلات المالية العاملة في مناطق النظام، أن معدل الحوالات اليومية من الخارج ارتفع بنسبة 30 في المائة خلال شهر رمضان وعيد الفطر.
وتعدّ الحوالات الخارجية رافداً لخزينة النظام؛ لأنه يجري تسليمها بالليرة السورية وفق سعر الصرف الرسمي بفارق عن السوق السوداء يتراوح بين 200 و300 ليرة لكل دولار.
ووفق تصريحات تداولها أخيراً الإعلام المحلي لمدير «المصرف العقاري» الحكومي، علي كنعان، فإن سبب ارتفاع نسبة الحوالات هو تعديل «المركزي» سعر صرف الحوالات ورفعه ليقارب سعر السوق السوداء، بعد أن كان الفارق بينهما نحو 50 في المائة. وأوضح كنعان أن «الحوالات الخارجية مورد للقطع الأجنبي في الاقتصاد الداخلي»، لا سيما أن «الاقتصاد السوري يعاني من تجفيف منابع السيولة من القطع الأجنبي نتيجة الحصار و(قانون قيصر)، والعقوبات الاقتصادية»، مشيراً إلى أن مبالغ الحوالات تصل إلى 10 ملايين دولار يومياً، و«هذا الرقم سيؤمن للاقتصاد الوطني إمكانية تمويل المستوردات الأساسية».
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه، ومنذ رفع «المركزي» أسعار الصرف في نشرتيه، تحصل بشكل يومي عملية مضاربة قوية على سعره من قبل السوق السوداء. وأضاف: «كلما رفع هو سعر الصرف؛ يرتفع أكثر في السوق السوداء». ورأى أن هذا الأمر يؤكد أن «النظام، رغم كل إجراءاته، فشل في السيطرة على سوق الصرف والاستحواذ على أغلبية الحوالات الواردة إلى مناطقه».
خبير آخر أشار إلى أنه، وفي ظل الفرق بين أسعار الصرف بين «المركزي» والسوق السوداء، فإن من تأتيهم حوالات من الخارج يفضلون صرفها في السوق السوداء نظراً للظروف المعيشية الصعبة جداً وحاجة العائلة لأي مبلغ مهما كان صغيراً؛ إذ إن مرتب الموظف الشهري لا يتجاوز 150 ألف ليرة بينما تحتاج العائلة المؤلفة من 5 أشخاص إلى 3 ملايين لتعيش على الكفاف.
وأوضح أن التجار، وفي ظل ندرة تمويل مستورداتهم من قبل «المركزي»، يتوجهون إلى السوق السوداء، مما يزيد الطلب على الدولار، وهذا من بين أسباب التدهور المستمر في سعر الصرف. وقال: «الصيف قادم وما تبقى من ورشات صناعة الألبسة الجاهزة يحتاج إلى استيراد أقشمة، وكذلك ورشات صناعة الأحذية، وكلهم يتوجهون إلى السوق السوداء وكذلك التجار».
وبعدما وصف الباحث الوضع بـ«الصعب جداً»، توقع أن «يتدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار خلال أشهر قليلة إلى 10 آلاف إذا استمر الوضع على ما هو عليه».
وبينما لاحظت «الشرق الأوسط» تحوط أصحاب السوبر ماركات منذ صباح أمس من التدهور الجديد في سعر الصرف عبر رفعهم عموم الأسعار، وبعضهم بشكل جنوني يقارب سعر صرف 10 آلاف، بدا الوجوم واضحاً على وجوه المواطنين الذين يعيش أكثر من 90 في المائة منهم تحت خط الفقر جراء موجة الغلاء الجديدة التي تتكرر كلما تدهور سعر الصرف، وتتسبب في مزيد من تدهور حالتهم المعيشية.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.