رئيس الوزراء العراقي يختبر القوى السياسية بعزمه على تعديل حكومته

أكد أنه لن يجامل أي زعيم أو حزب

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى افتتاحه مشروعاً في كربلاء مؤخراً (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى افتتاحه مشروعاً في كربلاء مؤخراً (أ.ف.ب)
TT

رئيس الوزراء العراقي يختبر القوى السياسية بعزمه على تعديل حكومته

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى افتتاحه مشروعاً في كربلاء مؤخراً (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لدى افتتاحه مشروعاً في كربلاء مؤخراً (أ.ف.ب)

برز تصريحان اليوم الثلاثاء في العاصمة العراقية بغداد: الأول لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والآخر لوزير خارجيته فؤاد حسين. السوداني في حوار متلفز لقناة «الأولى» الفضائية، وردّاً على سؤال حول التعديل الوزاري الذي ينوي إجراءه بعد نهاية فترة الستة شهور المحددة لتقييم الوزراء والمحافظين، قال: «لن أجامل أي زعيم أو حزب بالتعديل الوزاري، ومن يريد أن يرفض فليرفض».
أما تصريح وزير الخارجية فؤاد حسين الذي يخص السوداني أيضاً، فقوله: «إن رئيس الوزراء ليس مهتماً بقضية السفر إلى واشنطن خلال المرحلة المقبلة، لانشغاله في قضايا داخلية»، مضيفاً أن «السوداني متفرغ للداخل العراقي»، و«ليس شرطاً أن يزور واشنطن، ولا توجد أي أجندات لزيارة قريبة لواشنطن، على الرغم من نجاح العراق في تطوير العلاقات مع جميع دول الجوار». وأكد أن «استقلالية القرار العراقي تزداد في كل مرحلة، وتشكيل الحكومة الحالية كان نتيجة لاستقلاليته».
حسين، رداً على انتقادات كان وجهها زعيم «دولة القانون» ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بشأن تحركات السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي، التي تبدو الأكثر نشاطاً وحيوية بالقياس إلى كل من سبقها من سفراء أميركا لدى العراق، والتي عدها المالكي متجاوزة للحدود، قال إنه «أخطر السفيرة بمضمون ما قاله المالكي عنها».
العاصمة العراقية بغداد التي تعيش حالة من الهدوء هي الأطول من نوعها، لا أحد يعرف حتى الآن على وجه التحديد إن كان هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة أم يمثل حالة استقرار سوف تُكتب لها الديمومة في ظل الخطوات الميدانية ذات الطابع الإصلاحي التي يقوم بها السوداني.
وعلى الرغم من أن السوداني قام فور توليه منصبه بعدة زيارات لدول عربية وإقليمية وعواصم أوروبية، فإنه على عكس معظم أسلافه -إن لم يكن كلهم- لم يشد الرحال إلى واشنطن. مع ذلك تبدو العلاقات طبيعية؛ بل تشهد مديات تطور لافتة؛ خصوصاً من خلال تعديل وضع الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي؛ وذلك بعد الوفد الذي أرسله السوداني إلى واشنطن؛ حيث بدأ الدينار العراقي يتعافى أمام الدولار الذي بات يسجل انخفاضاً ملحوظاً. وبينما لعب على الوتر العاطفي لقضية الدولار كثير من القوى السياسية ورجال الأعمال أمام الجمهور، وأريد من خلالها نصب فخ للسوداني في أول أيام تسلّمه منصبه، تمكن رئيس الوزراء من اجتياز تحدي الدولار لينتقل إلى تحدي شركائه وحلفائه بقصة التعديل الوزاري. ففيما أعلن السوداني أنه قرر منح الكوادر الوسطى والعليا في حكومته (مدراء عامون ومحافظون ووزراء) مدداً للتقييم، سعت الكتل السياسية إلى تجاهل ذلك، على الرغم من أن السوداني اضطر إلى تكراره أكثر من مرة معتمداً في التقييم على طبيعة الأداء وقدرة كل المسؤولين -لا سيما الوزراء والمحافظون- على أداء مهماتهم على أحسن وجه، ومحاربة الفساد في وزاراتهم ومحافظاتهم وتنفيذ البرنامج الحكومي. وبعد أن بدا أن السوداني مُصر على تنفيذ ما وعد به بعد مضي فترة الستة شهور التي أوشكت على الانتهاء، والتي يراها السوداني كافية لتقييم الأداء، بدأت بعض القوى السياسية تبحث عن قضايا جانبية، مثل القول إنه لا يوجد خلاف بينها وبين السوداني، على الرغم من أن أياً من تلك القوى، وفي المقدمة منها ائتلاف «إدارة الدولة» الذي يقف خلف تشكيل هذه الحكومة، لم تعلن تأييدها لعزم السوداني إجراء مثل هذا التعديل.
الأخبار المتواترة تتحدث عن إمكان تغيير 5 وزراء و4 محافظين على الأقل خلال الأيام المقبلة. وما دامت القوى السياسية لم «تشم» رائحة المشمولين من المطبخ السري لرئيس الوزراء الذي يتولى عملية التقييم، فإن أياً منها لا تريد رفع وتيرة التحدي أو الاعتراض؛ حيث إن القرار النهائي هو بيد البرلمان الذي يتعين عليه التصويت على أي وزير أو محافظ يطلب رئيس الوزراء تغييره. لكن رئيس الوزراء هو الذي بدا أنه رفع وتيرة التحدي، عبر إعلانه أن لن يجامل أي زعيم أو حزب. ليس هذا فقط، فإن قوله: «إن من يريد أن يرفض فليرفض» يعني أن الرجل مستعد للمضي إلى نهاية الشوط، وهو ما قد يجعل القوى السياسية، من وجهة نظر المراقبين والمتابعين، ترضخ لما يريده السوداني، من منطلق أن التضحية بوزير أفضل من مواجهة غير محسوبة العواقب.
السوداني الذي اتخذ قرار إجراء تعديل وزاري في حكومته بعد 6 شهور على تشكيلها، كسر قاعدة كانت ذهبية سارت عليها كل الحكومات التي سبقته، وهي عدم «تحرش» رئيس الوزراء بأي وزير، ما دام الوزير مرشحاً من كتلة يرى أنها في النهاية أكبر من رئيس الوزراء. وليس سراً أن بعض الوزراء في معظم الحكومات السابقة كانوا يعتبرون أنفسهم أكبر من رئيس الوزراء. هذه القاعدة التي كسرها السوداني تمثل أول تحدٍّ من نوع جديد بين رئيس الوزراء والقوى السياسية التي لا تريد في النهاية أي رئيس حكومة «يتمرد» عليها. لكن ما يريد السوداني القيام به هو تعديل مسار الدولة نحو الإصلاح وتنفيذ المشروعات، وهو يتطلب وزراء قادرين على الأداء، وبالتالي فإنه في الوقت الذي يملك فيه حجة كبيرة في تبرير التعديل الوزاري، فإن القوى السياسية هي في موقف ليس قوياً، ما دام رئيس الوزراء يقوم بواجبه طبقاً للبرنامج الذي صوتت عليه القوى السياسية ذاتها في البرلمان.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم المختفين بعد مداهمات إسرائيلية في غزة

صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
TT

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم المختفين بعد مداهمات إسرائيلية في غزة

صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)
صباح الغرابلي تعرض سلسلة مفاتيح عليها صورة زوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)

تقول ريم عجور إنها رأت زوجها، وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات، آخِر مرة في مارس (آذار) الماضي، عندما داهم جنود إسرائيليون منزلاً عائلياً في شمال غزة. وتُطاردها تلك اللحظات الفوضوية الأخيرة، عندما أمرها الجنود بالرحيل، لتترك وراءها زوجها «طلال» وابنتها ماسة، وكلاهما مصابان.

وبعد ثمانية أشهر، لا تزال الأم، البالغة من العمر 23 عاماً، لا تملك إجابات حول مصيرهما. ويقول الجيش إنه لا يملك إجابات. وقد قامت القوات بتسوية المنزل الذي كانوا يقيمون فيه، بالأرض، بعد وقت قصير من الغارة.

وقالت ريم وهي تبكي، لوكالة «أسوشييتد برس»: «أنا حية وميتة في الوقت نفسه».

وتُعد ريم عجور واحدة من عشرات الفلسطينيين الذين تساعدهم منظمة إسرائيلية تُدعى «هموكيد»، وغرضها «مساعدة الفلسطينيين الذين يتعرضون إلى الاحتلال الإسرائيلي، والذي يسبب انتهاكاً صارخاً مستمراً لحقوقهم»، في البحث عن أفراد الأسرة الذين اختفوا، بعد أن فرَّقهم جنود إسرائيليون أثناء المداهمات والاعتقالات في قطاع غزة.

ريم عجور تجلس بجانب ابنها وائل وتمسك هاتفاً عليه صورة ابنتها ماسة وزوجها طلال المختفيين (أ.ب)

وتقول منظمة «هموكيد» إن حالة عجور، التي لا تشكل سوى جزء ضئيل من الآلاف الذين فُقدوا خلال الحرب التي استمرت 14 شهراً، تسلط الضوء على الافتقار إلى المساءلة في كيفية تعامل الجيش الإسرائيلي مع الفلسطينيين أثناء «العمليات البرية» في غزة.

مداهمة منازل وملاجئ

وطوال الحرب، أجرت القوات العسكرية ما يعادل عملية فحص جماعي للسكان الفلسطينيين من خلال مداهمة المنازل والملاجئ، وإرسال الناس عبر نقاط التفتيش. كما تقوم القوات باعتقال واحتجاز الرجال، من العشرات إلى عدة مئات في المرة الواحدة، بحثاً عن أي شخص يُشتبه في ارتباطه بحركة «حماس»، في حين تُجبر عائلاتهم على الرحيل نحو أجزاء أخرى من غزة. والنتيجة هي تفكك الأُسر، وسط فوضى الحرب.

لكن الجيش لم يوضح كيف يتتبع كل من يفصله عن أسرته أو يعتقله أو يحتجزه. وحتى إذا نقلت القوات الفلسطينيين إلى الاحتجاز العسكري داخل إسرائيل، فيمكنها احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لأكثر من شهرين، ولا يَعرف مكان وجودهم عائلاتهم أو محاموهم، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان.

وتقول منظمة «هموكيد» إنه عندما يختفي الناس، يكاد يكون من المستحيل معرفة ما حدث. وتقول جيسيكا مونتيل، مديرة منظمة «هموكيد»: «لم نواجه قط حالة اختفاء قسري جماعي من غزة، دون تقديم أي معلومات لأسابيع وأسابيع للعائلات».

وأضافت مونتيل أن محكمة العدل العليا في إسرائيل رفضت التدخل للحصول على إجابات، على الرغم من التماسات منظمة «هموكيد».

ولم يردَّ الجيش الإسرائيلي عن حالات عجور وعائلتين أخريين اختفت، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

الأم وطفلتها تنزفان

أصيبت الطفلة ماسة عجور، البالغة من العمر 4 سنوات، برصاصة، ثم انفصلت عن والدتها، وكانت عائلة عجور تحتمي في منزل بمدينة غزة يعود لعائلة طلال، بعد نزوحها من منزلها في وقت سابق من الحرب. وقالت ريم إن القوات الإسرائيلية داهمت المنزل في 24 مارس (آذار)، وفتحت النار عندما اقتحمته.

أصيبت ريم، التي كانت حاملاً في شهرها الثالث، برصاصة في بطنها. وأصيب طلال بجرح في ساقه، وكان ينزف بغزارة. كانت ماسة راقدة مُغمى عليها، مصابة برصاصة في كتفها، على الرغم من أن ريم قالت إنها رأتها لا تزال تتنفس.

وبينما كان أحد الجنود يضمد جرح الطفلة الصغيرة، وجَّه جندي آخر مسدسه إلى وجه ماسة، وأمرها بالخروج من المنزل. وقالت الأم إنها توسلت إليه أنها لا تستطيع ترك ماسة وطلال، لكن الجندي صاح: «اذهبي جنوباً».

ولم يكن أمام الأم ريم خيار آخر، فحملت ابنها الأصغر ونزلت إلى الشارع، وقالت: «لقد حدث كل شيء في غمضة عين. لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة». وكانت لا تزال تنزف، وسارت لمدة ساعتين ونصف الساعة وهي ممسكة ابنها.

وعندما وصلوا إلى مستشفى في وسط غزة، عالج الأطباء جرح بطنها، ووجدوا نبض الجنين. وبعد أسابيع، وجد الأطباء أن النبض توقف. وأجهضت.

شائعة تحيي الأمل

وقالت ريم، لوكالة «أسوشييتد برس»، إنه بعد عدة أسابيع، أخبر فلسطيني أُفرج عنه من سجن في جنوب إسرائيل، أسرتها أنه سمع اسم زوجها يُنادى به عبر مكبر صوت ضمن قائمة من المعتقلين، وقد أبقت الشائعة أمل ريم حياً، لكن الجيش أخبر منظمة «هموكيد» أنه ليس لديه سِجل باعتقال ماسة أو طلال.

وهناك احتمال آخر؛ وهو أنهما لقيا حتفهما في مكان الحادث، لكن لم يتمكن أحد من البحث بين أنقاض مبنى الأسرة؛ لتحديد ما إذا كان هناك أي جثث.

ريم عجور مع ابنها وائل خارج مخيم الزوايدة في غزة (أ.ب)

وجاء اقتحام المبنى في الوقت الذي كانت فيه القوات الإسرائيلية تُقاتل أفراداً من «حماس» في الشوارع المحيطة، أثناء مداهمة مستشفى الشفاء القريب. وأخرجت القوات الإسرائيلية الأُسر من المنازل القريبة، وكثيراً ما دمرت المباني أو أشعلت فيها النيران، وفقاً لشهود عيان في ذلك الوقت.

وقد لا يعرف الجيش نفسه ما حدث للزوج طلال وابنته، كما قالت مونتيل من منظمة «هموكيد». وقالت: «هذا يوضح مشكلة أوسع نطاقاً».

وتُقيم ريم وابنها الآن في مخيم خيام خارج مدينة الزويدة بوسط غزة، وقالت إن ماسة «كانت مصدر سعادتي الأول»، بشعرها الأشقر وعينيها الزيتونيتين ووجهها «الأبيض مثل القمر». وقالت وهي تبكي إن عيد ميلاد ماسة الخامس كان في يوليو (تموز) الماضي. «لقد بلغت الخامسة وهي ليست معي».

هل يوثّق الجيش ما تفعله القوات في غزة؟

وبموجب مراجعة للقانون الإسرائيلي في زمن الحرب، يمكن احتجاز الفلسطينيين من غزة الذين يجري نقلهم إلى الاحتجاز العسكري في إسرائيل لأكثر من شهرين، دون الوصول إلى العالم الخارجي.

وتزعم إسرائيل أن القانون ضروري للتعامل مع العدد غير المسبوق من المعتقلين، في سعيها لتدمير حركة «حماس»، بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ونقل الجيش نحو 1770 من معتقلي غزة إلى سجون مدنية، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان، لكنه لم يكشف عن العدد الذي لا يزال قيد الاحتجاز.

في هذا الصدد، تقول ميلينا أنصاري، الباحثة في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن إسرائيل ملزَمة، بموجب القانون الدولي، بتوثيق ما يحدث أثناء كل مداهمة لمنزل واعتقال. لكن الجيش ليس شفافاً بشأن المعلومات التي يجمعها عن المعتقلين أو عدد المعتقلين.

وقد طلبت منظمة «هموكيد» من الجيش معرفة مكان وجود 900 فلسطيني مفقود. وأكد الجيش أن نحو 500 منهم محتجزون في إسرائيل. وقال إنه ليس لديه سِجل باحتجاز الأربعمائة الآخرين.

طلبات للجيش والقضاء الإسرائيلي

وقد تقدمت المجموعة القانونية بطلب إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للحصول على إجابات في 52 حالة من الفلسطينيين المختفين، بما في ذلك حالة ماسة وطفلين آخرين، حيث شهد شهود بأن القوات تعاملت مع المفقودين قبل اختفائهم.

وقالت مونتيل: «إن القضاة يرفضون القضايا ببساطة، دون حتى الاستفسار عن التدابير التي قد تكون ضرورية لمنع مثل هذه الحالات في المستقبل».

وقال متحدث باسم المحكمة إنها كثيراً ما تطلب من الجيش تقديم معلومات إضافية، لكنها غير مخوَّلة بالتحقيق إذا قال الجيش إنه لا يحتجزهم.

وفي حالات ثلاثة فلسطينيين بالغين مفقودين قدّمتها منظمة «هموكيد»، زعم الجيش أولاً أنه لا يحتجزهم، ثم عثر على سجلات تفيد باحتجازهم، بعد أن ضغطت عليها منظمة «هموكيد»، للتحقق من ذلك.

وفي حالة أخرى، اكتشفت الشرطة العسكرية أن فلسطينيين اثنين كانت قد أنكرت في البداية احتجازهما - أب وابنه البالغ - تُوفيا في الحجز الإسرائيلي. ويقول مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 53 فلسطينياً معروفين لقوا حتفهم في الاحتجاز الإسرائيلي أثناء الحرب.

سبعيني مريض بالسرطان مختفٍ

كانت آخِر مرة رأت فيها عائلة الغرابلي، الشيخ البالغ من العمر 76 عاماً، محمود الغرابلي، عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية منطقتهم في خان يونس، في 4 فبراير (شباط) الماضي. وأمر الجنود السكان بمغادرة المنطقة. وقال نجله أحمد الغرابلي، لوكالة «أسوشييتد برس»، إن عائلة الغرابلي اضطرت إلى حمل محمود، الذي يعاني السرطان، خارج المبنى على كرسي.

وبعد احتجاز بعض الرجال، أمر الجنود الباقين بالمغادرة. وصل محمود الغرابلي إلى تلة رملية بالقرب من المنزل. وقال أحمد الغرابلي إن شقيقه ذهب لمساعدة الأب، لكن الجنود صرخوا عليه ليغادر. وقال: «لقد تركنا والدنا بالقوة، وإلا لكان قد جرى إطلاق النار علينا».

أحمد الغرابلي يُظهر المنطقة التي رأى فيها والده محمود الغرابلي آخر مرة في خان يونس بقطاع غزة (أ.ب)

عادت العائلة بعد شهر، ولم تجد أي أثر لمحمود. قال أحمد الغربلي إنه «سار متراً تلو الآخر»؛ بحثاً عن آثار، فوجد عظاماً، لكنه لم يعرف لمن هي. وهو يحتفظ بها ملفوفة بقطعة قماش في المنزل.

وأبلغ الجيش منظمة «هموكيد» بأنه لا يوجد ما يشير إلى وجوده في الاعتقال الإسرائيلي.

صباح الغرابلي تُظهر بعض الوثائق الخاصة بزوجها محمود الغرابلي في منزلها بخان يونس (أ.ب)

وقالت زوجة محمود، صباح عبد السلام: «والله لا أنام في الليل». وأضافت: «سواء أكان قد اعتُقل أم قُتل، أخبرونا وسنرتاح».

اختفى أثناء البحث عن عائلته

الآثار الوحيدة المتبقية لرجل مفقود آخر؛ وهو محمود المقيد، البالغ من العمر 77 عاماً، هي قميصه وسراويله الممزقة وبطاقة هويته في الجيب. وقد عُثر عليهما في التراب بالقرب من المدرسة التي كان يحتمي بها هو وعائلته، عندما داهمتها القوات الإسرائيلية في 23 مايو (أيار) الماضي، في بلدة بيت لاهيا الشمالية.

وقال ابنه الطبيب راني المقيد، والذي جمع الرواية من شهود عيان وأفراد من الأسرة، إن الجنود أطلقوا سراح المقيد، وأرسلوه مع رجال آخرين إلى ملجأ آخر.

وبمجرد وصوله إلى الملجأ الثاني، عاد المقيد المُسن على الفور، مصمماً على العثور على زوجته وأحفاده الذين تركهم في المدرسة، كما أخبر شهود عيان ابنه. وكان الظلام قد حلَّ، بعد الواحدة صباحاً، وكانت القوات منتشرة في كل مكان بالمنطقة. ولم يرَ المقيد أسرته مرة أخرى.