باحثة: العثمانيون والبريطانيون كانوا وراء المذبحة الأرمنية

صورة أرشيفية للنزوح الأرمني الكبير عام 1915
صورة أرشيفية للنزوح الأرمني الكبير عام 1915
TT

باحثة: العثمانيون والبريطانيون كانوا وراء المذبحة الأرمنية

صورة أرشيفية للنزوح الأرمني الكبير عام 1915
صورة أرشيفية للنزوح الأرمني الكبير عام 1915

صادف أمس، 24 أبريل (نيسان)، ذكرى المذبحة الأرمنية التي ارتُكبت في 1915، وبهذه المناسبة أنجزت باحثة سعودية دراسة عن هذه المذبحة التي ذهب ضحيتها الملايين. الباحثة هي تواصيف بنت حميد بن مقبل العنزي، وعنوان دراستها «سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمنية عام 1915»، التي ترصد فيها حيثيات هذه المذبحة التي تعد من المذابح الأشهر في التاريخ المعاصر، ونتيجتها الكارثية، والدوافع التي دعتها إلى اختيار هذا الموضوع الذي يعد من الموضوعات الحساسة للغاية، والذي حاز اهتماماً دولياً، واحتل منابر المؤتمرات والاتفاقيات الدولية، لا سيما في بريطانيا، خصوصاً فور انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918؛ إذ كان لبريطانيا موقف معارض منذ بروز المسألة الأرمنية في المجتمع الدولي عام 1877م، بصفتها إحدى الدول العُظمى المهتمة بأحوال المنطقة. ونتيجة لهذه الأهمية كان لبريطانيا موقف سياسي وعسكري ارتبط به الكثير من الأحداث والنتائج التي تتبعتها الباحثة السعودية في دراستها.
منذ بداية الكتاب، سعت المؤلفة تواصيف بنت حميد بن مقبل العنزي، إلى الإجابة عن التساؤلات حول مَن يتحمل مسؤولية المذبحة، هل الدولة العثمانية أم حزب «جمعية الاتحاد والترقي»؟ وما السياسة التي اتبعتها الدولة العثمانية تجاه الأجناس غير «التركية» وبخاصة تجاه الأرمن؟ وما موقف الدول الأوروبية منها؟ وما دوافع السياسة البريطانية؟ وما الموقف البريطاني «السياسي والعسكري» تجاهها؟ وتساؤل آخر يتعلق بالنتائج المترتبة، سواء على بريطانيا نفسها، أو الأرمن، أو الدولة العثمانية.
وحصرت الباحثة أهم نتائج هذه الدراسة في صعوبة نسب المذبحة الأرمنية إلى الإمبراطورية العثمانية وحدها أو لرجال «جمعية الاتحاد والترقي» وحدهم، وذلك لسببين جوهريين؛ هما: وجود سلسلة من المذابح العثمانية على يد بعض سلاطين الإمبراطورية العثمانية قبيل حدوث المذبحة الكُبرى في الحرب العالمية الأولى، ووجود نزعة قومية تركية تجاه الأجناس غير التركية منذ أيام الإمبراطورية العثمانية حتى وصول رجال «جمعية الاتحاد والترقي» إلى سدة الحكم. وقد تميّزت هذه النزعة بالفوقية تجاه الأجناس الأخرى، وهذا يقودنا إلى نتيجة واضحة؛ أن العَداء بين الأتراك والأرمن كان عميقاً، وإنْ تغيّرت مسميات الدولة التركية. ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة وضوح استراتيجية بريطانيا العميقة تجاه العثمانيين كأن تجعلهم يقترفون أكبر عدد من الجرائم، ومن ثَم تستخدمها فيما بعد للابتزاز السياسي وغيره.
وهكذا ترى الدراسة أن من نتائج سياسة بريطانيا تجاه القضية الأرمنية حدوث المذبحة الأرمنية الكُبرى إبان الحرب العالمية الأولى، وهي تتحمل مسؤولية ما ترتب على هذه المذبحة من شتات أرميني حول العالم، كما أن الدور المهم وبالغ الأثر للسفارات في أثناء الحرب العالمية الأولى خصوصاً الملحقيات العسكرية، التي بذلت جهداً مخابراتياً كبيراً للحد الذي خلق الكثير من الفُرص الاستراتيجية، أسهم في تحقيق مصالح جمّة لقوات التحالف وعلى رأسها بريطانيا، حيث اتضح من الموقف العسكري البريطاني تجاه المذبحة أن البريطانيين كانوا ينظرون إلى أرمينيا كموقع استراتيجي يجب ألا تُهيمن عليه القوى العُظمى الصاعدة آنذاك، روسيا مثلاً. كانت أرمينيا جُغرافياً بالنسبة لبريطانيا مثل بوابة تقطع الطريق على الروس الطامحين إلى الهيمنة الاقتصادية والسياسية - آنذاك - على الشرق الأوسط وصولاً إلى الهند. وكانت تعتقد أن تتبُّع الفارين الأرمن إلى البلدان العربية تحت ذريعة الحماية لهم سيفتح لها الآفاق أن تحتل بلداناً كالعراق وما جاوره فيما بعد... ولعل أهم نتائج سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمنية هو دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الأولى.
وتؤكد الباحثة أن الدوافع البريطانية تجاه المذبحة الأرمنية لم تأتِ ارتجالية، بل كانت لها جذور استراتيجية وسياسية شكَّلَت ردود فعل متباينة تجاه الأزمة، وكان المبدأ الحاكم لكل تلك الدوافع هو تطبيق مبدأ «الغاية تبرِّر الوسيلة»، وحسب مقتضيات الظروف السياسية الدولية. ولعل أعمق دافع سياسي، والذي يُعد بمثابة الركيزة الأساسية لبريطانيا تجاه المذبحة الأرمنية، هو ألَّا يُنافسها أي من القوى العُظمى في المنطقة، وأن تتصدّر المشهد من خلال تبنِّي قضايا وملفات مُعقَّدة وشائكة كالملف الأرمني، وقد تركت هذا الملف يتعقَّد أكثر بواسطة سياسة المد والجزر حيال هذه الأزمة، وهي لم تسعَ يوماً من أجل تحقيق الاستقلال للأرمن، أو إيجاد حل جذري لهم. وهكذا، فإن التنافس الاستعماري الدولي انعكس سلباً على الشعب الأرمني، وعلى تقسيماتهم المذهبية. ومن هنا نجد أن القضية الأرمنية أظهرت بوضوح تضارُب مصالح الدول الأوروبية الكبرى بصورة جعلت اتفاقها ضد الإمبراطورية العثمانية أمراً بعيد المنال، فوجدنا المواقف تتضارَب من حين إلى آخر تجاه الأزمة الأرمنية.


مقالات ذات صلة

«إبادة الآشوريين الكلدان»... أزمة جديدة بين تركيا وفرنسا

شؤون إقليمية رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش خلال لقائه رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل بمقر البرلمان الثلاثاء (موقع حزب الشعب الجمهوري)

«إبادة الآشوريين الكلدان»... أزمة جديدة بين تركيا وفرنسا

برزت أزمة جديدة إلى سجل الأزمات المتراكمة في العلاقات بين تركيا وفرنسا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا جنديان أذربيجانيان يحرسان نقطة تفتيش عند ممر لاتشين في أذربيجان (أ.ب)

أرمينيا تعلن توقيع اتفاق سلام مع أذربيجان الشهر المقبل

أعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان أن يريفان ستوقّع اتفاق سلام مع أذربيجان الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (تبليسي)
آسيا سكان يستقلون سيارة وسط ستيباناكيرت قبل مغادرة كاراباخ (رويترز)

الكرملين: ليس هناك سبب يدعو الأرمن للفرار من كاراباخ

قالت موسكو، اليوم (الخميس)، إنها لا ترى سبباً يدعو الأرمن إلى الفرار من كاراباخ، نافيةً فعلياً الاتهامات بالتطهير العرقي التي وجهتها يريفان لباكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رئيس جمهورية ناغورنو كاراباخ المعلنة من جانب واحد سامفيل شهرامانيان (أ.ف.ب)

جمهورية ناغورنو كاراباخ تعلن حل مؤسساتها اعتباراً من بداية العام

أعلن رئيس جمهورية ناغورنو كاراباخ من جانب واحد سامفيل شهرامانيان حل جميع مؤسسات الدولة اعتباراً من 1 يناير (كانون الثاني) 2024.

«الشرق الأوسط» (بريفن)
آسيا أشخاص يتجهون إلى المطار، حيث يتمركز بعض قوات حفظ السلام الروسية، خارج بلدة ستيباناكيرت، في منطقة ناغورنو كارباخ التي تسيطر عليها أذربيجان (أ.ف.ب) play-circle 00:32

رئيس وزراء أرمينيا: مستعدون لقبول سكان ناغورنو كارباخ من الأرمن

قال نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا في كلمة إلى مواطنيه اليوم (الأحد)، إن أرمينيا مستعدة لقبول جميع سكان ناغورنو كارباخ من الأرمن.

«الشرق الأوسط» (موسكو - يريفان)

البيض في جنوب أفريقيا يرفضون عرض ترمب لإعادة توطينهم

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
TT

البيض في جنوب أفريقيا يرفضون عرض ترمب لإعادة توطينهم

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ربما لا يلقى عرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة توطين أصحاب البشرة البيضاء من مواطني جنوب أفريقيا كلاجئين فارين من الاضطهاد القبول الذي توقعه، حتى كجماعات ضغط يمينية مدافعة عن البيض ترغب في «معالجة الظلم» الذي تمارسه الأغلبية من أصحاب البشرة السمراء على أرض الوطن.

ووقَع ترمب، يوم الجمعة، أمراً تنفيذياً بخفض المساعدات الأميركية لجنوب أفريقيا، مشيراً إلى قانون نزع الملكية الذي وقَّعه الرئيس سيريل رامافوزا، الشهر الماضي، لمعالجة التفاوت في ملكية الأراضي الناجم عن تاريخ تفوق البيض في جنوب أفريقيا.

ووفقاً لـ«رويترز»، نص القرار على إعادة توطين «الأفريكانيين في جنوب أفريقيا، بوصفهم ضحايا للتمييز العنصري» كلاجئين في الولايات المتحدة.

ويطلق وصف «الأفريكانيين» في الغالب على ذوي البشرة البيضاء من الوافدين قديماً إلى جنوب أفريقيا من هولندا وفرنسا، الذين يمتلكون معظم الأراضي الزراعية في البلاد.

وقال متقاعد يبلغ من العمر 78 عاماً يعيش في بلدة بالقرب من كيب تاون: «إذا لم يكن لدى المرء أي مشكلات هنا، فلماذا يريد الرحيل؟».

وأضاف: «لم نتعرض لأي استيلاء بشكل سيئ حقاً على أرضنا، والناس يواصلون حياتهم بشكل طبيعي وتعلمون ذلك، فماذا ستفعلون؟».

ومن خلال القانون تسعى السلطات إلى معالجة التفاوت على أساس عنصري في ملكية الأراضي - وهو ما ترك ثلاثة أرباع الأراضي المملوكة للقطاع الخاص في أيدي الأقلية البيضاء - من خلال تسهيل مصادرة الدولة للأراضي لصالح الملكية العامة.

ودافع رامافوزا عن هذه السياسة.

وتشير بيانات هيئة الإحصاء إلى أن البيض يمثلون 7.2 في المائة من سكان جنوب أفريقيا البالغ عددهم 63 مليون نسمة. ولا توضح البيانات عدد الأفريكانيين.

ويقول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة رامافوزا، وهو الحزب الأكبر في الائتلاف الحاكم، إن ترمب يعمل على تضخيم المعلومات المضللة التي تروجها منظمة «أفري فورام»، وهي جماعة ضغط يقودها الأفريكانيون.

وقالت الجماعة التي مارست الضغط على إدارة ترامب السابقة بشأن قضيتها إنها لن تقبل العرض.

وقال كالي كريل الرئيس التنفيذي لمنظمة «أفري فورام»، السبت: «الهجرة لا تقدم سوى فرصة للأفريكانيين المستعدين للتعرض لخطر التضحية بالهوية الثقافية لأحفادهم كأفريكانيين. الثمن باهظ للغاية».

وبشكل منفصل عبرت حركة «تضامن» عن تمسُّكها بجنوب أفريقيا. وتضم الحركة «أفري فورام» ونقابة «تضامن» العمالية، وتقول إنها تمثل نحو 600 ألف أُسرة أفريكانية ومليوني فرد.

وقالت حركة «تضامن»: «قد نختلف مع المؤتمر الوطني الأفريقي، لكننا نحب بلدنا. وكما هي الحال في أي مجتمع، هناك أفراد يرغبون في الهجرة، لكن إعادة توطين الأفريكانيين كلاجئين ليس حلاً بالنسبة لنا».

كما رفض ممثلون لمنطقة أورانيا التي يسكنها الأفريكانيون فقط وتقع في قلب البلاد، عرض ترامب، وقالوا: «الأفريكانيون لا يريدون أن يكونوا لاجئين. نحن نحب وطننا ونلتزم به».