أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

قوات بريطانية في طريقها إلى النرويج كجزء من تدريبات عسكرية لحلف شمال الأطلسي (رويترز)
قوات بريطانية في طريقها إلى النرويج كجزء من تدريبات عسكرية لحلف شمال الأطلسي (رويترز)
TT
20

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

قوات بريطانية في طريقها إلى النرويج كجزء من تدريبات عسكرية لحلف شمال الأطلسي (رويترز)
قوات بريطانية في طريقها إلى النرويج كجزء من تدريبات عسكرية لحلف شمال الأطلسي (رويترز)

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي.
وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا.
وهذه الزيادة هي الأكبر منذ أكثر من 30 عاماً، وتشكل بسعر الدولار الثابت عودة إلى مستوى الإنفاق عام 1989 مع سقوط جدار برلين، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وأشارت الدراسة إلى أن أوكرانيا وحدها ضاعفت إنفاقها سبع مرات ليصل إلى 44 مليار دولار، أو ثلث ناتجها المحلي الإجمالي، مستفيدة من التبرعات بمليارات الدولارات من الأسلحة.
وأظهرت التقديرات في الوقت نفسه ارتفاع الإنفاق الروسي على السلاح بنسبة 9.2 في المائة العام الماضي.
والإنفاق العسكري في أوروبا الذي بلغ بالإجمال 480 مليار دولار خلال عام 2022 كان قد ارتفع فعلياً بنحو الثلث خلال العقد الماضي، وهو مرشح أن يتسارع أكثر خلال العقد المقبل.
كما أن الإنفاق العسكري العالمي عاد للارتفاع منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد انخفاض حاد في التسعينات.
وجاء هذا المنحى التصاعدي في البداية نتيجة للاستثمارات الصينية الضخمة في قواتها العسكرية، وما أعقب ذلك من تطورات إثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
وبلغ إنفاق الولايات المتحدة على قوتها العسكرية 39 في المائة من الإنفاق العالمي، والصين في المرتبة الثانية بـ13 في المائة، ومعاً تشكلان أكثر من نصف الإنفاق العسكري العالمي. أما الدول التي تليهما فهي روسيا بنسبة 3.9 في المائة والهند بـ3.6 في المائة والسعودية بـ3.3 في المائة.
وتعد بريطانيا أكبر منفق على الأسلحة في أوروبا، إذ تأتي في المرتبة السادسة بنسبة 3.1 في المائة من الإنفاق العسكري العالمي، متقدمة على ألمانيا التي سجلت 2.5 في المائة وفرنسا بنسبة 2.4 في المائة، وهي أرقام تشمل التبرعات لأوكرانيا.
وعززت دول أوروبية مثل بولندا وهولندا والسويد استثماراتها العسكرية خلال العقد الماضي.


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم واشنطن تُحذر أربع دول أوروبية من مساعي موسكو لإصلاح صناعتها العسكرية

واشنطن تُحذر أربع دول أوروبية من مساعي موسكو لإصلاح صناعتها العسكرية

وجّهت الولايات المتحدة تحذيرات إلى أربع دول أوروبية، من الأساليب التي تستخدمها روسيا للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها، وزوّدتها بقائمة مفصلة عن السلع ذات الاستخدام المزدوج، عالية القيمة، التي تحاول موسكو الحصول عليها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

عالم الجيوبوليتيك... بين الترابط والانفصال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
TT
20

عالم الجيوبوليتيك... بين الترابط والانفصال

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث مع صحافيين على متن الطائرة الرئاسية الأحد (رويترز)

يشهد عالم اليوم ما يُسمّى «التحوّل النموذجي» (Paradigm Shift)، وفي أبعاد عدّة، منها الاجتماعي والاقتصاديّ، والتكنولوجي وبالطبع الجيوسياسيّ. التحوّل النموذجيّ يعني أن العالم يمرّ بمرحلة الانتقال من منظومة قديمة، كانت لها قواعدها وقوانينها وثقافتها وتوازناتها، إلى مرحلة لم تتّضح فيها الضوابط بعد. تُعدّ هذه المرحلة الانتقالية الأخطر على الأمن والسلم العالميّين.

في تسعينات القرن الماضي، أطاحت العولمة بكل الضوابط والحدود، لكن بطريقة سلميّة. يشهد عالم اليوم الانكماش والتراجع عن الانفتاح. وفي الحالتَيْن، يكون التأثير على التوازنات الجيوسياسيّة في النظام العالمي مختلفاً. في التسعينات، فتحت أميركا نفسها، وانفتحت على العالم بشكل لم يسبق له مثيل.

صورة من فيديو لمناورات صينية بالذخيرة الحية في محيط بحر الصين الشرقي (أرشيفية - رويترز)
صورة من فيديو لمناورات صينية بالذخيرة الحية في محيط بحر الصين الشرقي (أرشيفية - رويترز)

قرّرت أميركا اليوم الانحسار. عندما انفتحت على العالم ثبّتت نفسها بصفتها أولى بين متساوين، حتى الوصول إلى درجة الأحاديّة. تنحسر اليوم أميركا، مع الرئيس ترمب، في شكل لم تتظهّر معالمه وتداعياته الكاملة بعد، على العالم وعلى الداخل الأميركيّ أيضاً. وعليه يمر عالم اليوم بحالة من اللاتوازن. وفي حالة اللاتوازن، تستغلّ عادة القوى العظمى، والكبرى، وضمنها القوى الإقليميّة، هذا الوضع، وهذه الفرصة الجيوسياسيّة، لتحقيق أحلامها وأهدافها، خاصة عبر التوسّع الجغرافي، أو عبر الهروب من التحالفات، والاصطفاف في مكان آخر.

الترابط والانفصال

تفتح روسيا الباب أمام أميركا الآن، لكنها مع الصين في شراكة لا حدود لها. تقاتل الوحدات الخاصة من كوريا الشمالية في روسيا ضدّ أوكرانيا، كما تمدّ كوريا الشمالية روسيا بالذخيرة والصواريخ، علماً بأن ترمب سبق أن هدّد في ولايته الأولى بتدمير كوريا الشمالية، قبل أن يعقد محادثات مع زعيمها كيم جونغ أون. تُصنّف كوريا الشمالية اليوم ضمن مجموعة الدول التي تملك أسلحة نوويّة، وبذلك تشكّل، بسبب قربها الجغرافيّ من الصين، خطراً استراتيجياً على الأمن القومي الصيني، علماً بأن التنين الصيني يحاول حالياً فرض منطقة نفوذ في محيطه تشمل بحر الصين الجنوبي وتايوان وفيتنام وكوريا بشطرَيْها الشمالي والجنوبي.

وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في طوكيو 30 مارس 2025 (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث ورئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا في طوكيو 30 مارس 2025 (أ.ف.ب)

هناك شراكة «دون حدود» بين الصين وروسيا، لكن منطقة نفوذ الصين الحالية في آسيا الوسطى، تهدّد منطقة النفوذ الروسية التاريخيّة. كما أن المشروع الكوني للرئيس الصيني شي جينبينغ، «الحزام والطريق»، يمرّ حكماً في مناطق النفوذ الروسي.

في المقابل، تنشر أميركا في الفلبين صواريخ «تايفون» القادرة على ضرب كل الساحل الصيني الشرقي، كما تعزز القدرات الدفاعية لتايوان. لكن روسيا تشارك الصين في الكثير من المناورات البحريّة على حدود اليابان، الحليف المركزي للعم سام في الشرق الأقصى.

تستعجل الصين التحضير العملانيّ لضم جزيرة تايوان بالقوة، إذا تعثّرت القوة الناعمة عن تحقيق الأهداف. وحسب بعض الخبراء، تعتمد الصين على استراتيجية تجاه تايوان ترتكز على أربعة أسس هي: الإذلال، والإكراه، والعقاب، ومن ثمّ الاجتياح بوصفه حلاً أخيراً. ولذلك تعتمد الصين في محيطها الشرقي، ولتأمين منطقة نفوذها، على استراتيجيّة «الملفوف» (Cabbage)، بدل «السلامي» (Salami Tactic). فما الفارق بين المقاربتَيْن؟ ترتكز مقاربة «السلامي» على القضم المتدرّج للشرائح واحدة بعد الأخرى. لكن ما يربط شرائح «السلامي» بعضها ببعض يبقى هشّاً. أما استراتيجيّة «الملفوف» فهي تقوم على حماية كل إنجاز بإنجاز آخر يحميه ويٌحصّنه، وعلى عدّة مستويات وطبقات (Layers) تلتف حول بعضها، كما تلتف أوراق «الملفوف» على القلب. فإذا ما أراد البعض الوصول إلى القلب، فعليه المرور بطبقات عدة، الأمر الذي يبدو مُكلفاً.

جندي أوكراني يطلق قذيفة مدفعية باتجاه مواقع روسية على الجبهة الأحد (رويترز)
جندي أوكراني يطلق قذيفة مدفعية باتجاه مواقع روسية على الجبهة الأحد (رويترز)

تعاني تايوان من استراتيجيّة الغموض الأميركيّ تجاه مصير الجزيرة؛ فهل سيكون مصيرها مثل مصير أوكرانيا مع الإدارة الجديدة؟ وماذا لو هاجمت الصين الجزيرة واستبقت أي تحضير أميركيّ؟ أتى الردّ الأميركيّ على القلق التايواني بطريقة غير مباشرة؛ ولكن كيف؟

عمّمت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) مؤخراً مذكّرة تحت اسم «توجيهات سريّة ومؤقّتة» تشرح فيها رؤية الرئيس دونالد ترمب تجاه الصين. تطلب المذكّرة التحضير العسكري للانتصار في أيّ حرب مستقبليّة مع الصين. تعدّ المذكّرة أن الصين تشكّل الخطر الأوحد على الولايات المتحدة، ومن الضروري ردعها كي لا تفرض أمراً واقعاً (Fait Accompli) باحتلال الجزيرة.

وفي هذا الإطار، زار وزير الدفاع الأميركي الجديد، بيت هيغسيث، مؤخراً كلاً من الفلبين واليابان. ولإرضاء ترمب، قررت تايوان وعبر أهم شركة مُصنّعة للشرائح الذكيّة في العالم، استثمار ما يُقارب من 100 مليار دولار في الداخل الأميركي.

في الختام يُنظّر المفكّر والمحاضر في جامعة تكساس، إيونوت بوبيسكو، في كتابه «لا نظراء منافسون» (No Peer Rivals)، أن على الولايات المتحدة، وكي تبقى مهيمنة، وكي تحافظ على نفسها بصفتها القوة العظمى الوحيدة في العالم، أن تعتمد الواقعية الهجوميّة والاستراتيجية الكبرى التالية: «الهيمنة (الأميركية) على المحيط المباشر، ومنع الصين من الهيمنة على محيطها المباشر كي لا تنطلق منه إلى الهيمنة العالمية». فهل تشكّل تايوان مفتاح الهيمنة الصينيّة على محيطها، والباب للهيمنة العالميّة؟ وأين تصبّ سياسة ترمب الخاصة بغرينلاند وكندا وقناة بنما؟ وهل تدخل الحرب التجارية مع العالم في هذا الإطار؟ إن غداً لناظره قريب.