انتقدت المخرجة العراقية خيرية المنصور «سيطرة الرجال» في بلادها على صناعة السينما، وذكرت أنها تواجه كثيراً من العراقيل التي تتمثل في الأفكار البالية، التي تعوق تقدم المرأة في مجال الإخراج، وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، على هامش زيارتها للقاهرة، لتوقيع عقد كتابها «شرنقة شاهين»، الذي قصت فيه كثيراً من الحكايات عن مسيرتها مع كثير من المخرجين المصريين، خصوصاً يوسف شاهين، قالت: «نعم كنت محظوظة جداً بالعمل مع مخرجين كبار، فلكل مخرج منهم أسلوبه الخاص به في إخراج عمله، وفي تكوين ورسم كادراته السينمائية، والتعامل مع الممثلين، وقد استفدت قطعاً من عملي معهم، ولكن يوسف شاهين، الذي ما زلت (أسيرة لأفكاره وشرنقته)، له مدرسته وأسلوبه اللذان يتميز بهما، وهو يختلف عن بقية المدارس الأخرى في كل شيء، فلديه عالم ساحر وراقٍ ومعرفي، اشتغلت معه في 4 أفلام، وكانت فرصة ذهبية لي لا تعوضها أي دراسة أكاديمية، وواكبت العمل في (حدوتة مصرية) بداية من كتابة السيناريو، ثم السيناريو التنفيذي والتصوير والمونتاج والموسيقى التصويرية، ووسائل الدعاية حتى ظهور النسخة النهائية للفيلم وعرضه للجمهور، وهذا الفيلم كان له صدى رائع في العراق حين عُرض هناك، وهو ما أثلج قلب شاهين».
واعترفت خيرية المنصور التي شاركت في كثير من المهرجانات الدولية، وحصلت على جوائز مهمة، واختيرت عضواً في كثير من لجان التحكيم السينمائية، بفضل شاهين في مسيرتها الفنية فيما بعد، وقالت: «هو الذي نهلت من مدرسته أبجديات السينما، ووضع قدمي في هذا العالم، وقادني بكل اعتزاز وإصرار، وكان لا يبخل علي بأي جواب لأسئلتي المتلاحقة ويشرح لي، وحينما شاهد فيلمي الروائي الأول (6 - 6)، كان سعيداً بما شاهده، ونقلت رأيه وقتها الصحافة العراقية، وقال لي: (لا تتوقفي، ستكونين مخرجة ذات شأن في الساحة السينمائية، ولا تتنازلي عن حقك أبداً، ونفذي ما تؤمنين به)، وهذه الوصية التي أعتز بها سببت لي كثيراً من المشاكل مع الإدارة الحكومية للسينما، فليس لدينا قطاع خاص يقوم بدور في الإنتاج، والقطاع العام الممول من الحكومة يضطلع بالمهمة وحده».
وذكرت خيرية المنصور التي تعدّ أول مخرجة سينمائية في العراق، أن «هناك مخرجات ظهرن حديثاً في الساحة الفنية في مواجهة مجتمع ذكوري لا يؤمن بقدرات وإبداعات المرأة، ويظن أن الإبداع في الإخراج حكر على الرجال، لكنني أرى أن المرأة أكثر قدرة على فهم الواقع لأنها تمسك بالكاميرا مثل معول لتهدم كل فكر بالٍ، ولا تهمها الأعراف السائدة».
ويمر العراق -حسبما قالت خيرية المنصور- بحالة مخاض وإثبات وجود، «فمن يتحكم فيه ميليشيات دموية، ولكن هناك شذرات فنية متوهجة على يد شباب واعد يؤمن بالسينما أداةَ تغيير، وهم في صراع بين ما يريدون وبين السائد من قيم بالية عفّى عليها الزمن».
وبدأت خيرية المنصور تجربة العمل في مجال السينما مساعدة مخرج مع مخرجين مصريين مهمين، مثل توفيق صالح في فيلمه «الأيام الطويلة»، وصلاح أبو سيف في فيلم «القادسية»، ومع يوسف شاهين في 4 أفلام، هي: «حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان»، و«المصير»، و«كلها خطوة»، ومحمد راضي في فيلم «حائط البطولات»، أما المخرجة إيناس الدغيدي فقد عملت معها مخرجة منفذة في فيلم «الوردة الحمراء».
وعن رأيها في دخول القطاع العام والحكومة على خط صناعة «الفن السابع» في العراق، فذكرت أنه يعرقل تقدمها وتطور أفكارها، «هم يرون أن الأفلام يجب أن تعكس ما تريده الحكومة، ولكني بالكوميديا اخترقت هذه السياسة التي فرضوها على العمل السينمائي، وقدمت فيلم (6- 6) بطولة الفنان قاسم الملاك، وليلى محمد، ويعد نقلة نوعية في تاريخ السينما الكوميدية العراقية، وقد حصل على جائزة الإبداع السنوية من وزارة الثقافة العراقية، وعُرض في مهرجان معهد العالم العربي بباريس. هذا بالإضافة لفيلم (100- 100) من تأليفي وإخراجي، ويعود لعام 1992. وقد أخرجت منذ عام 1980 وحتى عام 2003 أكثر من 80 فيلماً روائياً وتسجيلياً وتلفزيونياً، ورغم كثير من العراقيل التي واجهتني، لم يكن طريقي سهلاً، وكل فيلم قدمته كانت تصاحبه المشاكل والمشادات والصراعات».
وذكرت خيرية المنصور أن ما يزيل كل المتاعب التي يتعرض لها أي فنان، هو أن تحظى أعماله بالتقدير، «وقد حصد فيلمي (انظروا) عام 1991 الجائزة الأولى في المغرب، وأحسن فيلم تسجيلي في العراق، وشهادة تقدير من مهرجان المبدعات العربيات بتونس، وعن فيلم (أحلام بيضاء) حصلت على الجائزة الذهبية في مهرجان الأفلام التسجيلية في العراق، وجائزة الإبداع السنوية التي تقدمها وزارة الثقافة، وشهادة تقدير من جمعية نقاد السينما في مصر، وفاز (عاشق السينما) بالجائزة الأولى من مهرجان معهد الفنون الجميلة بالعراق».
وعن كتاب «شرنقة شاهين»، الذي صدر حديثاً عن دار «أطياف» المصرية، ذكرت أن «الهدف منه هو أن يعرف محبو (الفن السابع) سينما يوسف شاهين، وأن يجد طلبة السينما ودارسوها ما يفيدهم بين طياته، وهو اعتراف بفضل شاهين الذي نهلت من مدرسته السينمائية وتأثرت بها».