خيرية المنصور لـ«الشرق الأوسط»: ما زلت أسيرة أفكار يوسف شاهين

المخرجة العراقية تنتقد «سيطرة الرجال» على صناعة السينما في بلادها

خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)
خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)
TT

خيرية المنصور لـ«الشرق الأوسط»: ما زلت أسيرة أفكار يوسف شاهين

خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)
خيرية المنصور مع الفنان أحمد زكي (الشرق الأوسط)

المخرجة العراقية خيرية المنصور (الشرق الأوسط)

انتقدت المخرجة العراقية خيرية المنصور «سيطرة الرجال» في بلادها على صناعة السينما، وذكرت أنها تواجه كثيراً من العراقيل التي تتمثل في الأفكار البالية، التي تعوق تقدم المرأة في مجال الإخراج، وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، على هامش زيارتها للقاهرة، لتوقيع عقد كتابها «شرنقة شاهين»، الذي قصت فيه كثيراً من الحكايات عن مسيرتها مع كثير من المخرجين المصريين، خصوصاً يوسف شاهين، قالت: «نعم كنت محظوظة جداً بالعمل مع مخرجين كبار، فلكل مخرج منهم أسلوبه الخاص به في إخراج عمله، وفي تكوين ورسم كادراته السينمائية، والتعامل مع الممثلين، وقد استفدت قطعاً من عملي معهم، ولكن يوسف شاهين، الذي ما زلت (أسيرة لأفكاره وشرنقته)، له مدرسته وأسلوبه اللذان يتميز بهما، وهو يختلف عن بقية المدارس الأخرى في كل شيء، فلديه عالم ساحر وراقٍ ومعرفي، اشتغلت معه في 4 أفلام، وكانت فرصة ذهبية لي لا تعوضها أي دراسة أكاديمية، وواكبت العمل في (حدوتة مصرية) بداية من كتابة السيناريو، ثم السيناريو التنفيذي والتصوير والمونتاج والموسيقى التصويرية، ووسائل الدعاية حتى ظهور النسخة النهائية للفيلم وعرضه للجمهور، وهذا الفيلم كان له صدى رائع في العراق حين عُرض هناك، وهو ما أثلج قلب شاهين».

خيرية المنصور وسهير البابلي وسيف عبد الرحمن

واعترفت خيرية المنصور التي شاركت في كثير من المهرجانات الدولية، وحصلت على جوائز مهمة، واختيرت عضواً في كثير من لجان التحكيم السينمائية، بفضل شاهين في مسيرتها الفنية فيما بعد، وقالت: «هو الذي نهلت من مدرسته أبجديات السينما، ووضع قدمي في هذا العالم، وقادني بكل اعتزاز وإصرار، وكان لا يبخل علي بأي جواب لأسئلتي المتلاحقة ويشرح لي، وحينما شاهد فيلمي الروائي الأول (6 - 6)، كان سعيداً بما شاهده، ونقلت رأيه وقتها الصحافة العراقية، وقال لي: (لا تتوقفي، ستكونين مخرجة ذات شأن في الساحة السينمائية، ولا تتنازلي عن حقك أبداً، ونفذي ما تؤمنين به)، وهذه الوصية التي أعتز بها سببت لي كثيراً من المشاكل مع الإدارة الحكومية للسينما، فليس لدينا قطاع خاص يقوم بدور في الإنتاج، والقطاع العام الممول من الحكومة يضطلع بالمهمة وحده».
وذكرت خيرية المنصور التي تعدّ أول مخرجة سينمائية في العراق، أن «هناك مخرجات ظهرن حديثاً في الساحة الفنية في مواجهة مجتمع ذكوري لا يؤمن بقدرات وإبداعات المرأة، ويظن أن الإبداع في الإخراج حكر على الرجال، لكنني أرى أن المرأة أكثر قدرة على فهم الواقع لأنها تمسك بالكاميرا مثل معول لتهدم كل فكر بالٍ، ولا تهمها الأعراف السائدة».
ويمر العراق -حسبما قالت خيرية المنصور- بحالة مخاض وإثبات وجود، «فمن يتحكم فيه ميليشيات دموية، ولكن هناك شذرات فنية متوهجة على يد شباب واعد يؤمن بالسينما أداةَ تغيير، وهم في صراع بين ما يريدون وبين السائد من قيم بالية عفّى عليها الزمن».

خيرية المنصور مع سعاد حسني أثناء زيارتها للعراق

وبدأت خيرية المنصور تجربة العمل في مجال السينما مساعدة مخرج مع مخرجين مصريين مهمين، مثل توفيق صالح في فيلمه «الأيام الطويلة»، وصلاح أبو سيف في فيلم «القادسية»، ومع يوسف شاهين في 4 أفلام، هي: «حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان»، و«المصير»، و«كلها خطوة»، ومحمد راضي في فيلم «حائط البطولات»، أما المخرجة إيناس الدغيدي فقد عملت معها مخرجة منفذة في فيلم «الوردة الحمراء».
وعن رأيها في دخول القطاع العام والحكومة على خط صناعة «الفن السابع» في العراق، فذكرت أنه يعرقل تقدمها وتطور أفكارها، «هم يرون أن الأفلام يجب أن تعكس ما تريده الحكومة، ولكني بالكوميديا اخترقت هذه السياسة التي فرضوها على العمل السينمائي، وقدمت فيلم (6- 6) بطولة الفنان قاسم الملاك، وليلى محمد، ويعد نقلة نوعية في تاريخ السينما الكوميدية العراقية، وقد حصل على جائزة الإبداع السنوية من وزارة الثقافة العراقية، وعُرض في مهرجان معهد العالم العربي بباريس. هذا بالإضافة لفيلم (100- 100) من تأليفي وإخراجي، ويعود لعام 1992. وقد أخرجت منذ عام 1980 وحتى عام 2003 أكثر من 80 فيلماً روائياً وتسجيلياً وتلفزيونياً، ورغم كثير من العراقيل التي واجهتني، لم يكن طريقي سهلاً، وكل فيلم قدمته كانت تصاحبه المشاكل والمشادات والصراعات».

يوسف شاهين وخيرية المنصور والمخرج علاء كريم (الشرق الأوسط)

وذكرت خيرية المنصور أن ما يزيل كل المتاعب التي يتعرض لها أي فنان، هو أن تحظى أعماله بالتقدير، «وقد حصد فيلمي (انظروا) عام 1991 الجائزة الأولى في المغرب، وأحسن فيلم تسجيلي في العراق، وشهادة تقدير من مهرجان المبدعات العربيات بتونس، وعن فيلم (أحلام بيضاء) حصلت على الجائزة الذهبية في مهرجان الأفلام التسجيلية في العراق، وجائزة الإبداع السنوية التي تقدمها وزارة الثقافة، وشهادة تقدير من جمعية نقاد السينما في مصر، وفاز (عاشق السينما) بالجائزة الأولى من مهرجان معهد الفنون الجميلة بالعراق».
وعن كتاب «شرنقة شاهين»، الذي صدر حديثاً عن دار «أطياف» المصرية، ذكرت أن «الهدف منه هو أن يعرف محبو (الفن السابع) سينما يوسف شاهين، وأن يجد طلبة السينما ودارسوها ما يفيدهم بين طياته، وهو اعتراف بفضل شاهين الذي نهلت من مدرسته السينمائية وتأثرت بها».

خيرية المنصور مع المخرج يوسف شاهين (الشرق الأوسط)

 


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

جدة تُغيّر قواعد الترفيه من زرقة البحر إلى بياض الثلج وتكتب موسماً جديداً

منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)
منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)
TT

جدة تُغيّر قواعد الترفيه من زرقة البحر إلى بياض الثلج وتكتب موسماً جديداً

منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)
منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)

لم يكن الثلج يوماً ضيفاً مألوفاً على جدة، هذه المدينة التي اعتادت أن تصحو على زرقة البحر، وحكايات التاريخ في كل زواياها، ولكنها تفاجئ زائريها هذا العام ببياض ناعم يهبط من الخيال لا من السماء، مكوناً ثلوجاً تتكون ببرودة مصنوعة بعناية، لتكون تجربة فريدة ومتكاملة لزوار موسم شتاء جدة.

وتفتح المدينة العتيقة أبوابها يوم الجمعة لأضخم تجربة شتوية تشهدها على الإطلاق، ضمن فعاليات «موسم جدة 2025» في فعاليتها الجديدة «ونتر وندرلاند جدة» لتفتح الفرصة لقاطني المدينة وزوّارها لمحاكاة الشتاء من خلال استحضار طقوسه بالكامل «الجليد، الضوء، الموسيقى» لتُسجل الدهشة الأولى حين يرى الزائر الثلج في مدينة اعتادت الشمس.

ولن يكون الثلج مجرد خلفية في «ونتر وندرلاند جدة» بل بطل المشهد، إذ ينساب على الممرات، ضمن 4 مناطق رئيسية ترسم خريطة هذا الشتاء غير المتوقع متمثلة في القطب الشمالي؛ حيث الجليد المتلألئ وحلبات التزلج، إلى «توي تاون» التي تُعيد الطفولة إلى ألوانها الأولى، مروراً بـ«وايلد ونتر» المليئة بالتحدي والحركة، وصولاً إلى «فروست فير»؛ حيث يهدأ الإيقاع، وتصبح الفوانيس والموسيقى جزءاً من ذاكرة المكان.

واجهة جدة البحرية (واس)

ويتوقع أن تشهد هذه الفعاليات تدفقاً كبيراً من الزوار؛ خصوصاً أن الطاقة الاستيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً لكل المواقع التي تشمل منظومة متكاملة تضم 32 لعبة ترفيهية، و9 تجارب تفاعلية، و10 ألعاب مهارة، إلى جانب أكثر من 60 مطعماً ومتجراً، في مشهد تتداخل فيه النكهات العالمية مع دفء الاحتفال.

توفر واجهة جدة البحرية التي يقصدها السكان والزوار أجواء مميزة خاصة خلال أوقات الغروب (واس)

وتعيش مدينة جدة طفرة نوعية وبإيقاع مختلف، إذ فتحت مساحاتها للضوء والموسيقى، من خلال «موسم جدة 2025» بوصفه إطاراً جامعاً، ضم تحت مظلته طيفاً واسعاً من الفعاليات الترفيهية والثقافية والفنية، وفتح المدينة على إيقاعات متعددة، من الحفلات الغنائية الكبرى، إلى العروض المسرحية، والفعاليات العائلية التي توزعت على مواقع مختلفة من جدة، في حين تحوّلت الواجهة البحرية إلى مسرح مفتوح، احتضن مهرجانات موسيقية، وفعاليات فنية في الهواء الطلق.

كما برزت المعارض والمناسبات الكبرى، ومنها معرض الكتب، والملتقيات الثقافية، وفعاليات ريادة الأعمال، التي جعلت من جدة منصة للحوار، والفكر، والتبادل المعرفي، إلى جانب كونها وجهة للترفيه، فيما حضرت الرياضة في مساراتها المختلفة بقوة من السباقات البحرية إلى سباقات السيارات والبطولات الكروية.

وفي قلب الذاكرة، عادت جدة التاريخية (البلد) لتكون من أبرز عناوين العام، عبر موسم جدة التاريخية، وما رافقه من فعاليات ثقافية وتراثية، شملت عروض الفنون الشعبية، والأسواق التراثية، والمعارض الفنية التي أعادت الحياة إلى الأزقة والبيوت القديمة، وقدّمت التراث بوصفه تجربة معيشة.

فعاليات ثقافية وتراثية أعادت الحياة إلى الأزقة والبيوت القديمة في المنطقة التاريخية بجدة (واس)

هذا الحراك السياحي والترفيهي لا ينفصل عن حركة الوصول إلى المدينة، فقد أعلن مطار الملك عبد العزيز الدولي أن إجمالي عدد المسافرين عبر المطار بلغ منذ بداية العام حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 48 مليون مسافر، بنسبة نمو 8.9 في المائة، فيما وصل عدد الرحلات إلى 273.7 ألف رحلة، بنمو 8.2 في المائة، في مؤشرات تعكس توسعاً متسارعاً في خدمات المطار، وترسيخ مكانته بوصفه من أبرز المراكز الجوية في المنطقة والجاذبة للمدينة، فيما سجّل شهر نوفمبر وحده عدد مسافرين بلغ 4.86 مليون، محققاً نمواً بنسبة 8.6 على ما كان مسجلاً للفترة نفسها في العام الماضي.

هذه الأرقام لا تُقرأ بمعزل عن المشهد العام، فهي تعكس جاذبية المدينة التي تتحرك بثقة، وتستعد لاستقبال العالم، وتُعيد بناء علاقتها بالزائر من لحظة الوصول حتى تفاصيل التجربة، متكئة على تاريخها العتيق، فلم تكن منذ اكتشافها قبل 3 آلاف عام منعزلة عن الطرق الكبرى والمسارات الإقليمية والدولية في التجارة والفن والأدب.

جدة التاريخية... قلب الذاكرة (واس)

هكذا تبدو جدة اليوم كما كانت، مدينة تجمع بين تاريخ عميق وحاضر سياحي متجدد، ومستقبل ترفيهي يصنع مواسمه بجرأة، تعتمد فيه على الحداثة والتطوير وأفكار تناسب الشارع المحلي بكل شرائحه وفئاته، خصوصاً أن قطاع السياحة متشعب، وله أبعاد ثقافية واقتصادية على البلاد.

جدة التاريخية «البلد» محطة رئيسية لعشاق التراث (واس)

وكشف التقرير أن إجمالي عدد السياح المحليين والوافدين في 2024 وصل إلى 116 مليون سائح، بنسبة نمو بلغت 6 في المائة مقارنة بعام 2023، وبلغ إجمالي الإنفاق السياحي 284 مليار ريال، بنسبة نمو 11 في المائة مقارنة بعام 2023، فيما بلغ إنفاق السياح الوافدين من الخارج إلى (168.5) مليار ريال، وهذه الأرقام لا تقتصر على مدينة بذاتها، بل شملت كل المدن السعودية بما في ذلك المدينة العتيقة «جدة».


معرض «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»... عود على بدء

تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)
تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)
TT

معرض «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»... عود على بدء

تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)
تحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق (الغاليري)

انتظرت الفنانة التشكيلية ندى صحناوي نحو 3 سنوات لإقامة معرضها الجديد «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور». ومن خلاله أعادت افتتاح مشغلها «كينشو» في شارع مار مخايل ببيروت. فهذا المكان لا يقتصر على كونه مساحة عمل فحسب، بل يجمع بين جلسات دافئة، وممارسة رياضة اليوغا، وتقديم الطعام الصحي. وكان المشغل قد تعرّض لدمار كبير إثر انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020.

تترك لمُشاهد لوحاتها حرّية تفسيرها كما يحلو له (الغاليري)

وفي هذه المساحة المُمزّقة، تركت ندى صحناوي للطبيعة أن تأخذ مجراها. فبدأت تنحت القماش، وتربط الأشكال ببعضها عبر طبقات سميكة من الطلاء. فتضخّمت الأحجام وانفجرت بالزهور. وهكذا حوّلت الفنانة الذكريات والصدمات إلى مساحات مضيئة، فيما استعاد مشغلها، كما غيره من المحال في هذا الشارع، نبض الحياة الطبيعية أخيراً.

رغبت في معرضها الحالي بالانتقال إلى حالات من التفاؤل والأمل (الغاليري)

ويُعرف عن ندى صحناوي تناولها في أعمالها الآثار التي تُخلّفها الحروب. فتُلامس موضوعات متعدّدة، من الذاكرة الشخصية إلى فقدان الذاكرة الجماعية، وتتطرّق أيضاً إلى كيفية بناء الهوية. ومن خلال هذه الأعمال، يتولّد نضال متواصل من أجل إبقاء أحلامنا نابضة بالحياة.

في «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور»، تدعونا ندى صحناوي إلى رحلة مفعمة بالإيجابية، تعبق بروائح الورود، وتفيض بأشكال وأفكار تثير بألوانها الراحة والهدوء. تستقبلك عند مدخل المشغل سلسلة لوحات «بعيداً عن الأفكار السيئة»، لتدخل بعدها فضاء قوالب الزهور المتفتّحة، وتستكمل الرحلة في أقسام المعرض للتعرّف إلى مجموعة «كم وكم بعد».

وتقول ندى صحناوي لـ«الشرق الأوسط»: «أترجم في أعمالي مشاعر وأفكاراً راودتني منذ عام 2018 حتى 2022. وفي سلسلة (كم وكم بعد)، أستعيد أوقاتاً طويلة كنّا نعدّ خلالها الأيام واللحظات للخروج من ظلمة نعيشها. وهي تعود إلى أعوام خلت وتدور بين 2015 و2019».

تعود ندى صحناوي إلى نشاطها الفنّي بعد غياب (الشرق الأوسط)

وتحاول الفنانة التشكيلية في هذه المجموعة العبور من المحدود إلى المطلق. وعلى مساحات واسعة، ترسم الوقت بتقنية «الميكسد ميديا»، مُحمّلة اللوحات بطبقات من الطلاء، وقصاصات الورق، والزهور السوداء وغيرها، لتجمعها على سطح يغزوه إيقاع متكرّر، قائم على صفوف أفقية تتكوّن من شرائط عمودية منتظمة.

وتشرح: «لم يسبق أن عرضت هذه اللوحات، رغم أنني نفّذتها منذ سنوات. أعبّر من خلالها عن لحظات وسنوات أمضيناها ونحن نعدّ الأيام. فانتظار بقعة الضوء في زمن قاتم أدّى إلى ولادتها. وقصدت أن تكون ضخمة وواسعة لتصوير طول تلك الأيام وثقلها علينا، إذ تطلّبت منا مقاومة وصبراً».

من قوالب الزهور التي تعود بها ندى صحناوي إلى عالم الفنّ التشكيلي (الغاليري)

تستخدم ندى صحناوي الألوان الزاهية، بالإضافة إلى الأسود والأبيض. وفي قوالب الزهور الحمراء والبيضاء، يخال للناظر إليها أنها تُشبه كعكة عيد. وتعلّق: «عادةً ما تأخذني القطعة نفسها إلى اختيار اللون الذي ينسجم مع موضوعها، فتناديني بصورة غير مباشرة لاستخدام لون معيّن، ومن خلالها أترجم الفكرة التي تراودني».

وفي مجموعتها الموزَّعة على معظم جدران المعرض تحت عنوان «بعيداً عن الأخبار السيئة»، تردّ ندى صحناوي على مجموعة سبق أن نفّذتها بعنوان «الأخبار السيئة». وتشرح: «رغبتُ في معرضي الحالي بالانتقال إلى حالات من التفاؤل والأمل. ففي الماضي عكست أعمالي الأحداث السوداء التي لفّت الأرض. أما اليوم فاخترت تحوّلاً نحو وجهة مُشبَّعة بالرجاء، أصطحبُ من خلالها المُشاهد إلى فضاء الحلم والنجوم، بعيداً كل البعد عن أي طاقة سلبية».

تُعبّر عن لحظات وسنوات أمضيناها ونحن نعدّ الأيام (الشرق الأوسط)

ويتمثّل مضمون هذه المجموعة بدوائر لوّنتها ندى صحناوي بالبرتقالي، والأسود، والأزرق، والأحمر، وغيرها. وتحمل بعضها ملامح وجه يختار بعناية ما يرغب في التصويب عليه، في حين تتمتّع أخرى بفرادة خاصة، لتؤلّف مجتمعة مائدة غنيّة بالأفكار، تفتح القابلية لمحاكاة الغد. وقد نسّقها صالح بركات لتُشكّل مساراً متعدّد التوجّهات والأبعاد.

من المجموعة المعروضة في «تفتّحت الزهور من بين حجار الإسمنت المكسور» (الشرق الأوسط)

وتستطرد ندى صحناوي: «أترك لمشاهد لوحاتي حرّية تفسيرها كما يحلو له. أعمّرها برؤيتي الخاصة، لكنني أحبّ أن يقرأها الناظر بأسلوبه وعلى طريقته، وهو ما يولّد هذا التفاعل بيني وبينه».

مجموعة «بعيداً عن الأفكار السيئة» لندى صحناوي في غاليري «كينشو» (الشرق الأوسط)

وفي نظرة عامة إلى المعرض، لا بدّ أن يشعر زائره بولادة زهور ندى صحناوي من بين الإسمنت المكسور. فهي تنبثق من المأساة، مُستمدّةً منها القوّة، ومُتمرّدةً على السائد ببساطة التعبير، لتُذكّر بالصراع الدائم بين الذاكرة والنسيان. وتختم ندى صحناوي حديثها لـ«الشرق الأوسط» واصفة عودتها إلى نشاطها الفنّي: «لا بدّ لنا دائماً من التفكير بإيجابية ونفض غبار المآسي عنا. وأنا، أسوةً بغيري من أهالي منطقة مار مخايل، شققنا طريقنا بعزم. ورغم مَشاهد الدمار التي خيَّمت عليها، فقد استعادت حياتها الطبيعية، وعادت لتتنفّس الصعداء، تماماً كما فعلت».


فنان يوناني يُعيد قراءة الإسكندر الأكبر في معرض بمكتبة الإسكندرية

بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)
بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)
TT

فنان يوناني يُعيد قراءة الإسكندر الأكبر في معرض بمكتبة الإسكندرية

بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)
بورتريه مُتخيَّل للإسكندر تظهر في خلفيته عناصر حداثية (مكتبة الإسكندرية)

تكشف أعمال الفنان اليوناني ماكيس فارلاميس (1942–2016) ملامح سيرة جديدة لحياة أحد أهم القادة التاريخيين في الحضارة اليونانية القديمة، وذلك عبر معرضه «الإسكندر الأكبر... العودة إلى مصر»، الذي تستضيفه مكتبة الإسكندرية حالياً.

يتوغّل فارلاميس في حياة القائد اليوناني، محاولاً استكشاف مشاعره وخيالاته واستبطان دواخله، في لوحات وتماثيل تركزت جميعها على المراحل المختلفة التي مرَّ بها، وغزواته، وعبَّرت عن قيم التسامح واحترام التنوع الثقافي والتعايش الخلّاق والتعاون بين الشعوب، وهي القيم التي ظلَّ حريصاً على إبرازها في كلّ أرض سيطر عليها.

يضمّ المعرض 53 عملاً، من بينها 40 لوحة كبيرة الحجم و12 منحوتة برونزية وخزفية، مزجها الفنان بعناصر حداثية، وركّز في بعضها، خصوصاً البورتريهات، على الألوان الساخنة المعبّرة عن روح الإسكندر المُتقدة. أما في الخلفيات، فقد سادت الألوان الغامقة والرمادية للتعبير عمّا يحيط به من عوالم مجهولة، بالإضافة إلى «بيت بندار»، وهو عمل خشبي أصلي ومبهر يُمثّل واجهة منزل الشاعر اليوناني بندار، وهو شخصية مؤثّرة ومحورية في حياة الإسكندر وكان له دور كبير في تشكيل أفكاره.

تمثال من البرونز يُظهر الإسكندر الأكبر شارداً (مكتبة الإسكندرية)

ولا تُعدّ الصور التي رسمها فارلاميس، وفق مدير إدارة المعارض والمقتنيات الفنية بمكتبة الإسكندرية، الدكتور جمال حسني، مجرّد بورتريهات تقليدية لقائد عسكري أسطوري أقام إمبراطورية ضخمة، بل تُعبّر عن رؤى فنية متنوّعة لحياة الإسكندر طفلاً وقائداً سياسياً عرف بوعي وذكاء كيف يتسلَّل إلى نفوس الشعوب التي انتصر عليها.

وقد صوَّره فارلاميس وهو يرتدي الملابس التي تميَّزت بها كل أرض غزاها، ليقول لسكانها إنه واحد منهم. وجاءت المنحوتات مُعبّرة عن المسارات نفسها، إذ ظهرت تماثيل تشكّلت من رأس الإسكندر، وأقيمت على قواعد من الألومنيوم والبرونز، مُعبّرة عنه في صور مختلفة، يُشير كلّ منها إلى البيئة التي وُجد فيها وظهر بين أبنائها في مصر وبلاد فارس والهند وبلاد الشام.

وأضاف مدير إدارة المعارض لـ«الشرق الأوسط» أنّ «المعرض، الذي بدأ في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر 35 يوماً، عبارة عن لوحات تُقدّم صورة كاملة لشخصية الإسكندر الأكبر، فالرؤية كانت واضحة لدى الفنان، وراح يُعبّر عنها بريشته عبر بورتريهات، منها ما يُصوّر الإسكندر في طفولته وهو يتعلَّم أصول الفروسية مع والده، ومنها ما يُعبّر عن ارتباطه بوالدته أوليمبياس وتأثيرها الكبير في حياته».

افتتاح المعرض في مكتبة الإسكندرية شهد زخماً كبيراً (مكتبة الإسكندرية)

وأشار حسني إلى وجود لوحة للإسكندر بنظرته المتأمّلة وهو شارد في البعيد، تظهر في خلفيتها عناصر معمارية قدَّمها الفنان بشكل حداثي، مُستفيداً من التكعيبية، وقد وُضعت في صدارة المعرض نظراً إلى قيمتها الفنّية الكبيرة.

وكانت قصة الإسكندر وغزوه مصر حاضرة بين المعروضات، من بينها لوحة تُصوّره واقفاً في معبد آمون بواحة سيوة، تُعبّر عن وعيه بكونه سياسياً قادراً على فتح قنوات تواصل مع الشعوب التي غزاها، وتُبيّن حرصه، رغم المسافة الكبيرة التي قطعها في الصحراء، على لقاء الكهنة والتودّد للمصريين. كما ضمَّ المعرض تمثالاً من البرونز نحته الفنان لوجه الإسكندر وهو يرتدي غطاء الرأس العربي، فضلاً عن قناع لوجهه مُكلّلاً بإكليل الغار، فيما تشكّلت التماثيل بطابع فرعوني وآسيوي، وأحياناً حملت سمات سكان بلاد الشام.

وعقب افتتاح المعرض، قال مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور أحمد زايد، إنّ «الإسكندر الأكبر صاحب رؤية ثاقبة ومفهوم شامل للحضارة، عبَّرت عنها أعمال الفنان الراحل فارلاميس، وسعت إلى اكتشافه قائداً وإنساناً وحالماً من زوايا لم نعتد عليها». وأضاف أنّ هذه الأعمال «ربطت بين الإسكندر في الماضي، والإسكندرية في الحاضر، وبين الفنان الذي انطلق في رحلة الحلم، ليكون الاحتفاء ليس فقط بذكرى القائد العظيم، بل أيضاً بأفكار المدينة التي دفعته ليظلَّ رمزاً للتنوّع الثقافي، ويُجسّد وحدة الإنسانية في مسيرتها الطويلة نحو التفاهم والسلام».

بورتريه مُتخيَّل للإسكندر في معرض عن القائد اليوناني (مكتبة الإسكندرية)

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تُعرض فيها أعمال فارلاميس في مصر، إذ سبق عرضها، وفق السفير اليوناني نيكولاوس باباجورجيو، في تسعينات القرن الماضي في معرض بالقاهرة، غير أنه عدَّ عرض الأعمال في مكتبة الإسكندرية «استثنائياً لأنه عاد إلى مدينته». وأشار إلى أنه «لم يكن هناك مكان على وجه الأرض أكثر ارتباطاً باليونانيين من الإسكندرية»، واصفاً إياها بأنها «تُمثّل رابطة متينة بدأت منذ القدم مع التفاعل بين اليونانيين والمصريين، وجاء تأسيس المدينة لتعزيز هذه الروابط التي لا تزال قائمة».

والمعرض ثمرة تعاون بين السفارة اليونانية في القاهرة، ووزارات الدفاع، والخارجية والداخلية اليونانية، وجامعة أرسطو في ثيسالونيكي، والأكاديمية الوطنية للعلوم، وبالتعاون بين مكتبة الإسكندرية والمختبر التجريبي في فيرجينا واتحاد البلديات اليونانية والمركز الهيليني لبحوث الحضارة السكندرية والمتحف الفنّي النمساوي.