حل موسم الجفاف ورحل الجميع، لكن العجوز وكلبه الأعمى لم يرحلا، وقررا البقاء مع نبتتهما الوحيدة ومحاولة النجاة. هكذا يتشكل عالم درامي فريد في رواية «أيام... شهور... سنوات» للروائي الصيني «يان ليان كه» التي صدرت عن دار «العربي» بالقاهرة، ترجمة محمد عبد العزيز. إنه نص شديد التكثيف لا مكان فيه للاستطراد أو الثرثرة. ثمة شيخ بلغ من الكبر عتياً يواجه طوال الوقت شمساً حامية لكنه يتحدى قوتها الخارقة، وهو يقضي أيامه محاولاً إنقاذ نبتته الوحيدة التي تكافح من أجل البقاء. ترك جميع القرويين الآخرين القرية بحثاً عن أقرب مكان به شيء يؤكل، لكن البطل هنا يتمسك بأرضه ويفضل الموت بين الأطلال على الهجرة والمجهول، متسلحاً بالحكمة كما يليق بفلاح صيني هرم، لكنه يعاني من هجوم الفئران وتحرش الذئاب وانعدام أي شيء يصلح للأكل فيواجه في النهاية مصيره المحتوم.
وتصف صحيفة «فاينانشيال تايمز» المؤلف بأنه «أكثر المؤلفين انتقاداً في الصين»، بينما تؤكد «نيويورك تايمز» أنه «كاتب لا يمكن تجاهل قوة موهبته». أما صحيفة «لوموند» فتصف العمل بأنه «حكاية غنائية عن قوة الحياة».
ولد «يان ليان كه» عام 1958 وهو يعيش في بكين، تنوعت كتاباته بين الروايات والقصص القصيرة وتتميز أعماله بأنها ساخرة للغاية مما تسبب في منع بعضها. بدأ الكتابة عام 1978 ومن أبرز مؤلفاته «في خدمة الشعب» و«الحلم بقرية دينج» و«قبلات لينين» و«الكتب الأربعة» و«حكايات الانفجار». حصل على عدد من الجوائز الأدبية المرموقة داخل وخارج الصين مثل «لاو شي» و«فرانز كافكا»، كما وصل للقوائم القصيرة للعديد من الجوائز الأدبية مثل جائزة «البوكر» العالمية و«جائزة إندبندنت للأدب الأجنبي» وفازت روايته «اليوم الذي ماتت فيه الشمس» بجائزة «حلم الغرفة الحمراء» لأكثر رواية مميزة في العالم كتبت بالصينية.
- ومن أجواء الرواية نقرأ:
«في عام الجفاف الكبير، بدا الوقت وكأنه تحول لرماد لدرجة أنك لو حاولت أن تمد يدك نحو قرص الشمس لالتصقت بكفك كغبار الفحم. تمر شمس وراء الأخرى فوق الرؤوس، ومن الفجر للغسق كان بوسع العجوز سماع احتراق خصلات شعره نفسها. أحياناً كان يمد يده نحو السماء وهنا يصبح بوسعه أن يشم رائحة أظافر محترقة. اللعنة على تلك السماء!
اعتاد أن يلقي لعناته بتلك الطريقة بينما يخرج من القرية الخالية ليخطو نحو الوحدة المتطاولة التي تغلف كل شيء. نظر بطرف عينيه نحو الشمس قبل أن يهتف وهو لا يزال لا يستطيع الرؤية:
- هيا بنا
تبع كلبه الأعمى خطواته الباهتة وكزوج من الظلال تركا القرية.
تسلق العجوز الجبل داهساً ضوء الشمس تحت قدميه. ارتطمت أشعة الضوء المتحدرة من قمة الجبل الشرقية بوجهه ويديه وقدميه كأنها أعواد من الخيزران. كان وجهه يحترق كأنما صفعة أحدهم وحيث تلاقت التجاعيد العميقة على خديه مع ركني عينيه بدا ألم شديد يخفي خلفه الكثير من الدموع، التي بدت كأنها جمرات موقدة. نظر العجوز لأعلى. وضع يده على جبهته متتبعاً أشعة الشمس ومن بعيد كان بوسعه رؤية قمة الجبل العارية تتألق بلون أرجواني كما لو كانت هناك طبقة سميكة من الدخان فوق الأرض».
«أيام وشهور وسنوات» رواية صينية عن التمسك بالأرض
«أيام وشهور وسنوات» رواية صينية عن التمسك بالأرض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة