أعادت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الجدل حول المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية، بعدما طالبتها الشهر الماضي بـ«تصحيح وضعها القانوني»، بما يتماشى مع قانون عام 2001.
والقانون المشار إليها هو رقم 19، وصدر في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، ويوصف بأنه متشدد في التعامل مع منظمات المجتمع المدني، التي لم يكن مسموحاً لها بالعمل إلا في أضيق الحدود حينذاك، الأمر الذي دفع حقوقيين ليبيين لطرح السؤال عن الأسباب التي دفعت الحكومة للعودة إلى قانون القذافي.
وربطت منظمات دولية ومحلية توجه حكومة الدبيبة، وما شهدته البلاد، خلال الأشهر الماضية، من «تزايد القيود على أنشطة الجماعات المدنية»، وبين التمسك بـ«قانون قديم» تم تعليق العمل به في السابق، وهو ما أشارت إليه منظمة «هيومن رايتس ووتش»، بـ«كثرة المضايقة والاحتجاز والملاحقة القضائية للموظفين المحليين، والعقبات التي تحول دون حصول غير الليبيين العاملين في المنظمات الإنسانية والحقوقية وغير الحكومية على تأشيرات دخول».
واستعرض الحقوقي الليبي طارق لملوم، الجدل الذي أحدثته الحكومة بشأن مطالبة الجمعيات بتصحيح أوضاعها بما يتماشى مع القانون الصادر في العهد السابق، وقال: «للأسف لا توجد مركزية لدى الحكومة في القرارات»، مشيراً إلى أن مثل هذه الإجراءات «لا تنبع عبر دراسة، أو وفق آليات تكون مقنعة وقابلة للنقاش معها». وأضاف لملوم في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «ما يحدث في ليبيا من خطاب تحريض من بعض الجهات - في ظل صراع راهن - يلقي بظلاله على الحراك الحقوقي والمدني الموجود بالبلاد، بجانب التضييق على المجتمع المدني وتكوين الجمعيات، وحتى التظاهر السلمي».
وعبّر لملوم عن اعتقاده بأن الحكومة «تنصاع لموجهات منبعها مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل حملات التحريض على المجتمع المدني»، متابعاً: «في المقابل تجد الحكومة نفسها - حتى المجموعات المسلحة والجهات الأمنية - تستعين بمجتمع مدني موازٍ، وبالتالي فهي من تصنعه وتموله، وتسمح له بالعمل داخل ليبيا ليروّج لها ويعطي صبغة لهذه الجهات».
كانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» وجهت اتهامات في تقريرها السابق إلى حكومة «الوحدة الوطنية»، وسلطات أخرى، بأنها «تقمع المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية»، وقالت: «ينبغي للحكومة سحب المتطلبات المرهقة للتسجيل والإدارة، والتأكد من تمكن الجماعات المدنية من العمل بحرية».
وقالت حنان صلاح، مديرة مشاركة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، إن «السلطات الليبية تسحق الفضاء المدني متذرعة بتطبيقها للقوانين. ينبغي للسلطات بدل ذلك حماية هذا الفضاء عبر دعم الحق في حرية تكوين الجمعيات».
وكان القسم القانوني في «المجلس الأعلى للقضاء»، الذي يشرف على الشؤون القضائية ومهنة المحاماة، أصدر في الثامن من مارس (آذار) الماضي، مرسوماً يقضي بأن «جميع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ستغدو غير قانونية ما لم تعّدل وضعها وفقاً لأحكام القانون رقم (19) 2001 بشأن المنظمات غير الحكومية». وجاء المرسوم رداً على طلب «مفوضية المجتمع المدني» بطرابلس، ونص أيضاً على أن الجماعات المدنية المنشأة بموجب أي لوائح أخرى تعد «لاغية وباطلة».
رداً على ذلك، أصدرت حكومة «الوحدة الوطنية» في 13 مارس تعميماً يأمر جميع المؤسسات الحكومية بالالتزام به حتى إشعار آخر. في 21 مارس تراجعت الحكومة عن التعميم، ومنحت المنظمات غير الحكومية وضعاً قانونياً مؤقتاً لكي «تصحح وضعها القانوني»، من دون تحديد جدول زمني واضح.
ويقيد القانون 19، العائد إلى حقبة القذافي، بشأن إعادة تنظيم المنظمات غير الحكومية، عمل المجتمع المدني بشكل كبير، ويسمح فقط بتسجيل المجموعات الراغبة في العمل على القضايا الاجتماعية أو الثقافية أو الرياضية أو الخيرية أو الإنسانية، ويحول دون تسجيل المنظمات الراغبة في العمل على قضايا مثل القضايا الحقوقية. لم توضح الحكومة كيف يمكن لهذه المنظمات العمل بشكل قانوني.
ويرى بعض الخبراء القانونيين الليبيين أن القانون 19 عُلِق فعلياً مع اعتماد «المجلس الوطني الانتقالي» لـ«الإعلان الدستوري» في 2011، الذي يضمن حرية تكوين الجمعيات والتعبير والتجمع. لكن لم يُلغِ المشرعون حتى الآن أحكام العقوبات المشددة في قانون العقوبات، والموجودة منذ عهد القذافي، لتأسيس جمعيات «غير قانونية»، بما في ذلك عقوبة الإعدام.
وفيما رأى لملوم أن ليبيا تعاني راهناً من «فوضى في قضية التشريعات»، عبر عن اعتقاده أيضاً بأن «هذه الموجة ستمضي ولن يسمح لها بأن تمرر ما تريد لأن الظروف راهناً تغيرت - كان في السابق ممكناً - الآن لا يمكن تمرير قوانين بهذا الشكل، فالمجتمع المدني والحقوقي قوي بالقدر الذي يدفع الحكومة للتراجع عن مثل هذه القرارات».
وقالت «هيومن رايتس ووتش» إن السلطات الليبية وجماعات مسلحة مختلفة في عموم البلاد تقيّد على مدى سنوات قدرة المنظمات غير الحكومية وموظفيها على العمل. وسبق أن خلصت البعثة الأممية في تقريرها الصادر في مارس الماضي، إلى أن «الهجمات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحافيين وجمعيات المجتمع المدني، ساهمت في خلق جوٍّ من الخوف دفع الناس إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو الاختباء أو الاغتراب».
«قانون القذافي»... هل يحل أزمة منظمات المجتمع المدني في ليبيا؟
«قانون القذافي»... هل يحل أزمة منظمات المجتمع المدني في ليبيا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة