قلق في الأسواق المالية من التأخر في رفع سقف الدين الأميركي

إدارة بايدن والكونغرس يمارسان لعبة عض الأصابع على حساب حاملي السندات

بورصة وول ستريت في نيويورك (رويترز)
بورصة وول ستريت في نيويورك (رويترز)
TT

قلق في الأسواق المالية من التأخر في رفع سقف الدين الأميركي

بورصة وول ستريت في نيويورك (رويترز)
بورصة وول ستريت في نيويورك (رويترز)

بدأت الأسواق المالية تشعر بالقلق والتخوف من التأخر في حسم الخلافات بين إدارة بايدن والجمهوريين في الكونغرس حول رفع سقف الدين الأميركي مع اقتراب موعد استحقاقات سندات الخزانة الأميركية في يوليو (تموز) المقبل، وهو التوقيت الذي قد تتخلف فيه الولايات المتحدة عن سداد ديونها في ظل غياب توافق على إجراء تشريعي واتفاق بين البيت الأبيض والكونغرس.
ويمارس الجانبان لعبة عض الأصابع انتظاراً لمن يصرخ أولاً ويتنازل أولاً، لكن تداعيات هذه اللعبة السياسية تقع على حاملي السندات الذين سيعجزون عن الحصول على أموالهم المستحقة في الوقت المحدد. وقد حذر بنك «جيه بي مورغان» من مخاطر حقيقية من التخلف عن سداد سندات الخزانة الأميركية. وقال البنك في مذكرة نشرت مساء الأربعاء إن البنك يتوقع أن يصبح سقف الديون مشكلة في وقت مبكر من مايو (أيار)، وإن النقاشات السياسية حول سقف الدين ومشروع قانون التمويل الفيدرالي سوف تقترب بشكل خطير من المواعيد النهائية، وإن وزارة الخزانة قد تنفد مواردها المتاحة خلال أشهر قليلة.
وتدور اللعبة السياسية حول إلقاء اللوم؛ فإدارة بايدن تلقي على الجمهوريين في الكونغرس مسؤولية التباطؤ في حسم مسألة رفع سقف الدين، ويلقي رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي الجمهوري باللوم على أجندة إدارة بايدن الديمقراطية، العالية النفقات في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات مالية، وتكافح لخفض الدين البالغ 31.4 تريليون دولار.
ويدفع رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي بضرورة إجراء تخفيضات في الميزانية الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق بالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وهو أمر ترفضه إدارة بايدن التي تستعد لخوض معركة انتخابية تحتاج فيها لأصوات الناخبين. وقدم مكارثي يوم الأربعاء خطة لزيادة حد الاقتراض بمقدار 1.5 تريليون دولار، مقابل خفض الإنفاق الفيدرالي بمقدار ثلاثة أضعاف هذا المبلغ (4.5 تريليون دولار). ورد الرئيس جو بايدن أنه يتوجب على الكونغرس رفع حد الدين دون شروط، كما فعل ثلاث مرات في عهد سلفه دونالد ترمب.
* التاريخ إكس وسندات الخزانة
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في يناير (كانون الثاني) الماضي، إن الحكومة الأميركية قادرة على دفع فواتيرها حتى أوائل يونيو (حزيران) فقط. وتوقع المحللون أن الحكومة سوف تستنفد قدرتها على الاقتراض بحلول هذا التاريخ، وهو ما يسمى بالتاريخ إكس «X date».
وتنعكس مخاطر التخلف عن السداد بشكل واضح على أسعار سندات الخزانة الأميركية التي تتسم أن عائداتها مرتبطة بمخاطر التخلف عن السداد، وقد أغلقت عائدات سندات الخزانة لأجل ثلاثة أشهر عند 5.1 يوم الخميس في أعلى ذروة لها خلال أكثر من عقدين، كما ارتفعت عائدات السندات طويلة الأجل.
وبدأت مطالبات المستثمرين بعائدات عالية لسندات الخزانة الأميركية، في ظل عدم اليقين بشأن المسار الذي ستتخذه أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة... وينظر الخبراء أنه حينما تتجاوز عائدات السندات قصيرة الأجل عائدات السندات طويلة الأجل، فإن هذا يُعد علامة على أوقات اقتصادية صعبة في الأفق.
تتجلى مخاوف المستثمرين أيضاً في الهوامش على مقايضات التخلف عن سداد الائتمان لمدة خمس سنوات في الولايات المتحدة، والتي اتسعت إلى 50 نقطة أساس، وفقاً لبيانات S&P Global Market Intelligence. عندما جرى اختراق سقف الديون في يناير، كانت فروق مقايضات التخلف عن السداد لخمس سنوات تحوم حول 35 نقطة أساس. وعندما يشتري حامل السندات مقايضة التخلف عن السداد، فإنه يضمن تلقي الأموال المستحقة عليه في حالة تخلف جهة إصدار السندات عن السداد. ولكن عندما ترتفع احتمالات التخلف عن السداد، يصبح شراء مقايضة التخلف عن السداد أكثر تكلفة، ما يؤدي إلى اتساع فروق الأسعار.
* مشهد سقف الديون في 2011
وقد جرى حل المواجهات المتكررة حول حد الديون قبل أن تنتشر المخاوف في الأسواق، لكن المواجهة والتباطؤ كانا واضحين في عام 2011. وإذا جرت المقارنة بين الخلافات السياسية حول رفع سقف الدين الأميركي حالياً وبين ما حدث من خلاف في عام 2011، نجد أن المواجهات بين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وبين الكونغرس حول رفع سقف الدين أدت إلى خفض وكالة التصنيف الائتماني «ستاندارد آند بورز» لديون الولايات المتحدة من أعلى وضع ممكن وهو AAA، إلى AA+. بعد ذلك، قفزت تكلفة التأمين ضد الديون الأميركية لمدة عام إلى 63 نقطة أساس. وهذا أقل كثيراً من التكلفة الحالية التي ارتفعت مؤخراً فوق 100 نقطة أساس.
وتتخوف الأسواق من تداعيات أكثر من مجرد احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها. فعلى الرغم من استقرار القطاع المصرفي، فإنه لا يزال في حالة تأهب بعد الإخفاقات المصرفية الأخيرة. لم يقترب التضخم بعد من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة، ما دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الاستمرار في رفع أسعار الفائدة - وهو ما يخشى الاقتصاديون أنه سيدفع الاقتصاد إلى الركود.
* التداعيات
ويسود المستثمرين حالة من القلق؛ لأن الأغلبية الضيقة للحزب الجمهوري في الكونغرس قد تجعل من الصعب التوصل إلى حل وسط هذه المرة. ومن المرجح أن يؤدي التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة الفعلي إلى موجات صدمة من خلال الأسواق المالية العالمية، حيث سيفقد المستثمرون الثقة بقدرة الولايات المتحدة على سداد سنداتها، التي يُنظر إليها على أنها من بين أكثر الاستثمارات أماناً، وتعمل بمثابة لبنات بناء للنظام المالي العالمي.
ويقول ديفيد كيلي، كبير الاستراتيجيين العالميين في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول، إن ذلك «قد يترك بعض الندوب الدائمة، بما في ذلك زيادة دائمة في تكلفة تمويل الديون الفيدرالية الأميركية».


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

أميركا تراقب مواطنيها العائدين من حرب أوكرانيا... ولا تعدّهم مرتزقة

قوات روسية من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (أ.ف.ب)
قوات روسية من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (أ.ف.ب)
TT

أميركا تراقب مواطنيها العائدين من حرب أوكرانيا... ولا تعدّهم مرتزقة

قوات روسية من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (أ.ف.ب)
قوات روسية من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (أ.ف.ب)

منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) 2022، كثفت السلطات الحكومية الأميركية عمليات المراقبة للمئات من رعاياها الذين أخذوا ينخرطون في القتال هناك، تحسباً ليوم تنتهي فيه الحرب ويبدأون رحلة العودة مع ما يحملونه من مشاهد القتل وأعمال العنف التي يمكن أن تنعكس خطراً محتملاً على مجتمعاتهم في الولايات المتحدة.

بيرانجيه مينو تقول موسكو إنه قتل في خاركيف (أ.ف.ب)

رغم عمليات المراقبة هذه، فإن الحكومة الأميركية لم تنشر أي تقديرات رسمية لعدد الأميركيين الذي حاربوا أو يحاربون في أوكرانيا منذ أكثر من ألف يوم في القتال. غير أن إدارة الرئيس جو بايدن الذي شارفت ولايته على الانتهاء، رفعت قبل زهاء أربعة أسابيع الحظر على انتشار متعاقدين عسكريين أميركيين في أوكرانيا لمساعدة الجيش الأوكراني في صيانة وإصلاح أنظمة الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة، وبخاصة المقاتلات من طراز «إف 16» وأنظمة «باتريوت» للدفاع الجوي، مما يعني أن وزارة الدفاع «البنتاغون» صارت قادرة على تقديم عقود لشركات أميركية تعمل داخل أوكرانيا، في خطوة يبدو أنها اتخذت بعد أنباء عن استعانة روسيا بآلاف من الجنود الكوريين الشماليين للقتال بجانب القوات الروسية عبر الجبهات.

وقال مسؤول دفاعي أميركي إن «البنتاغون اتخذ هذا القرار الدقيق بعد تقييم المخاطر، وبالتنسيق مع أصحاب المصلحة بين الوكالات». وقارن مسؤولون حاليون وسابقون الوضع الراهن مع وجود المقاولين الأميركيين الذين كانوا موجودين في العراق وأفغانستان.

مدنيون في زيّ عسكري خلال تدريبات قرب العاصمة كييف

وليس من الواضح ما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي سيتسلم مهماته في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل سيُبقي على هذه السياسة أم لا، علماً بأنه يأمل صراحة في إنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا «خلال الساعات الـ24» الأولى من عودته إلى البيت الأبيض.

وكان الرئيس بايدن شدد طوال العامين الماضيين على أن يبقى الأميركيون، وبخاصة القوات الأميركية، بعيدين عن الجبهات الأمامية للقتال بين أوكرانيا وروسيا. وحاول البيت الأبيض مراراً الحد من الخطر الذي يهدد الأميركيين من روسيا. ومنذ عام 2022، حذرت وزارة الخارجية رعاياها صراحة من السفر إلى أوكرانيا.

تورط مبكر

ومن المعروف أن مجموعة من الأميركيين سافرت إلى أوكرانيا في وقت مبكر من الحرب. وبين هؤلاء عدد من المحاربين القدامى الملتزمين بـ«حماية الديمقراطية (...) ويدافعون عن العالم الحر ضد الطغيان والاستبداد».

غير أن وثائق لوزارة الدفاع سربت، العام الماضي، كشفت في ذلك الوقت عن وجود ما لا يقل عن 97 من القوات الخاصة التابعة لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في أوكرانيا، وبينهم 14 أميركياً. وفي ذلك الوقت، رفض منسق الاتصالات الاستراتيجية لدى مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، تأكيد العدد. لكنه أكد وجود «عدد صغير من القوات الأميركية» هناك. ويوجد أيضاً العشرات من مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» في أوكرانيا.

وكان العنصر في جناح الاستخبارات بالحرس الوطني الجوي الأميركي في ماساتشوستس جاك تيشيرا، نشر على منصة «ديسكورد» للتواصل الاجتماعي، مئات الصفحات من وثائق حكومية حساسة تشير إحداها إلى وجود 14 جندياً من القوات الأميركية الخاصة في أوكرانيا. لكن كيربي أكد أن تلك القوات «لا تقاتل في ساحة المعركة».

وترفض السلطات الأميركية تسمية هؤلاء «مرتزقة»، بل هم «متطوعون» بشكل غير رسمي لمساعدة القوات الأوكرانية في جهود التصدي للقوات الروسية.

وتقود وزارة الأمن الداخلي الأميركية جهداً مشتركاً مع بقية الوكالات الفيدرالية للتدقيق في الأميركيين العائدين من الحرب؛ بغية تحديد الأميركيين الذين قد يتحولون إلى العنف مع عودتهم، بموازاة استمرار الخشية لدى المسؤولين الأميركيين من أن تجتذب الحرب الروسية - الأوكرانية المتطرفين الأميركيين الذين يتعلمون المهارات القتالية في ساحة المعركة، ثم يهاجمون مواطنيهم الأميركيين عند عودتهم.

تنسيق مع أوكرانيا

ويتواصل المسؤولون في وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» مع نظرائهم في السلطات الأوكرانية؛ لتحليل المعلومات الاستخبارية حول الأميركيين العائدين، ويراجعون حسابات هؤلاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بحثاً عن خطاب عنيف. ويحاولون تحديد ما إذا كان الحصان المشتبه في تورطهما في محاولة اغتيال الرئيس ترمب خلال الحملة الانتخابية في كل من بنسلفانيا وفلوريدا، قد تأثرا بالحرب في أوكرانيا، علماً بأن ريان روث، الذي يعتقد المحققون أنه كان ينتظر ترمب ببندقية نصف آلية لأكثر من 11 ساعة قرب ملعب ترمب للغولف في «ويست بالم بيتش» بفلوريدا، سافر إلى أوكرانيا؛ دعماً لها في الحرب مع روسيا. وتثير هذه الحادثة تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة الأميركية تطبق المعايير الصحيحة لتقييم المخاطر التي يواجهها الأميركيون الذين حاولوا الانضمام إلى الحرب أم لا.

وأكدت السلطات الأوكرانية أن روث مُنع من الانضمام إلى الفيلق الأجنبي في البلاد، مضيفة أنه ليس هناك ما يشير إلى أنه شاهد قتالاً، أو تلقى تدريباً عسكرياً في البلاد.

ورغم عمليات المراقبة، فإن السلطات الأميركية لم تتعقب رسمياً المواطنين الذين يتجهون إلى أوكرانيا. لكن المسؤولين حققوا مع بعض الذين حاولوا جلب ذخيرة أو سكاكين حربية على متن طائرات. وفي حالات أخرى، تلقوا معلومات حول أفراد معينين أظهروا سلوكاً مثيراً للقلق أو ارتكبوا جرائم في أثناء وجودهم في أوكرانيا.

ويعتقد المحارب الأميركي القديم ديفيد برامليت الذي يعمل من كييف مع منظمة غير حكومية تساعد الأميركيين في القتال من أجل أوكرانيا، أن وزارة الأمن الداخلي أخطأت في تصنيف الأميركيين الذين جندوا في الحرب. وقال: «أعتقد أنه أمر مروع أن تتعقب وزارة الأمن الوطني هؤلاء المواطنين لأنهم قلقون بشأن قيامهم بأمر ما»، لافتاً إلى أن «الأميركيين الذين جاؤوا إلى هنا للقتال يستحقون احترامنا - في بعض الحالات - الذين قدموا التضحية القصوى».

قوات روسية من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (أ.ف.ب)

باحثون عن الإثارة

ويشير برامليت إلى أن بعض الآخرين من الأميركيين الذين سافروا إلى أوكرانيا كانوا «من الباحثين عن الإثارة وجنود الثروة». وتثير هذه المجموعة مخاوف في وزارة الأمن الوطني من إمكانية جذب العنصريين الأميركيين البيض والمتعاطفين مع النازيين إلى الحرب، خاصة في ضوء ادعاءات الدعاية الروسية منذ فترة طويلة بأن أوكرانيا هي ملاذ آمن للنازيين. ويعمل مسؤولون في الوزارة على تحديد هويات الأميركيين الذين يسافرون إلى أوكرانيا للقتال، بمن في ذلك أولئك الذين يجرون محادثات مع السلطات الأوكرانية حول الانضمام إلى الوحدات العسكرية أو شبه العسكرية.

ويؤكد مسؤول أن جهود وزارة الأمن الوطني تركز على الأشخاص الذين ينشرون خطاباً عنيفاً على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يهددون بالعنف الجسدي، يمكن الإبلاغ عنهم للسلطات والتحقيق معهم لاحقاً. ولدى الحكومة الأميركية مجموعة من الأدوات التي يمكنها استخدامها عندما يعود الأشخاص الذين يعدّون خطرين من مناطق الحرب. ويمكن للمسؤولين استجوابهم في المطارات وتفتيش أمتعتهم وأجهزتهم الإلكترونية. ويمكنهم أيضاً مراقبتهم مادياً أو إلكترونياً، مع الحصول على التفويض القانوني اللازم. ويمكن لوزارة الأمن الوطني أيضاً إبلاغ الـ«إف بي آي» عن الأشخاص. وبطبيعة الحال، إذا وجد المسؤولون عن إنفاذ القانون سبباً محتملاً لارتكاب شخص ما جريمة، فيمكن القبض على هذا الشخص وتوجيه الاتهام إليه.