«للموت 3»... مسلسل كل شيء

سطوة البطولات وتسلُّل المبالغة تقابلهما واقعية مؤثرة

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.


مقالات ذات صلة

«القدر»... مسلسل جديد يقتحم عالم الأمهات البديلة

يوميات الشرق قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل «القدر» (إنستغرام)

«القدر»... مسلسل جديد يقتحم عالم الأمهات البديلة

جذب المسلسل العربي «القدر» الاهتمام عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن استطاع أن يقتحم عالم الأمهات البديلة، ويظهر حجم المشكلات والأزمات التي يتسبب فيها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان محمد هنيدي (حسابه بفيسبوك)

دراما رمضانية تراهن على فناني الكوميديا و«المهرجانات»

يراهن عدد من الأعمال الدرامية المقرر عرضها في الموسم الرمضاني المقبل خلال عام 2025 على عدد من فناني الكوميديا و«المهرجانات».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يراهن صناع مسلسل «إقامة جبرية» على جاذبية دراما الجريمة والغموض لتحقيق مشاهدات مرتفعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

هشام المياني (القاهرة)

اتفاق غزة يُطرح على الحكومة الإسرائيلية للمصادقة عليه

أهالي الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)
أهالي الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)
TT

اتفاق غزة يُطرح على الحكومة الإسرائيلية للمصادقة عليه

أهالي الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)
أهالي الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» يتظاهرون في تل أبيب (رويترز)

تجتمع الحكومة الإسرائيلية، اليوم (الخميس)، لإعطاء الضوء الأخضر لاتفاق وقف إطلاق النار مع حركة «حماس» في غزة الذي أعلنته الدوحة وواشنطن، بعد أكثر من 15 شهراً من حرب خلّفت عشرات آلاف القتلى ودماراً واسعاً وكارثة إنسانية في القطاع.

وبعد أكثر من عام من التعثر، ومع اقتراب تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الاثنين، خلفاً لجو بايدن، تكثفت المفاوضات غير المباشرة الجارية في الدوحة، مما أدى مساء الأربعاء، إلى اتفاق بثلاث مراحل ينص على هدنة، اعتباراً من الأحد، وإطلاق سراح 33 رهينة محتجزين في قطاع غزة مقابل الإفراج عن ألف معتقل فلسطيني من السجون الإسرائيلية، وإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

ولقي الأمر ترحيباً من عدد من العواصم والمنظمات الدولية، واحتفل آلاف الفلسطينيين عبر أنحاء قطاع غزة المحاصَر والمدمَّر جراء الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مع شن حركة «حماس» هجوماً غير مسبوق على إسرائيل.

وسارعت حركة «حماس» إلى التأكيد أن الاتفاق «إنجاز» للمقاومة و«ثمرة صمودها الأسطوري».

وفي إيران، رحَّب «الحرس الثوري»، الخميس بالاتفاق، معتبراً أنه «انتصار واضح وعظيم لفلسطين، وهزيمة أكبر للنظام الصهيوني الوحشي».

كما رحَّب رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بالاتفاق الذي «جعل النظام الصهيوني يفشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي».

لكن الحكومة الإسرائيلية لم تصدّق بعد على الاتفاق، واستمرت الغارات الإسرائيلية على القطاع ليل الأربعاء وفجر الخميس، موقعةً 27 قتيلاً.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان صدر خلال الليل عن مكتبه، أن العمل لا يزال جارياً على معالجة «آخر تفاصيل» الاتفاق، لكنه شكر دونالد ترمب وجو بايدن اللذين تعاونا بشكل وثيق في هذه المسألة، على «مساعدتهما في الاتفاق بشأن الرهائن».

ويعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي اجتماعاً، الخميس، لبحث الاتفاق، ومن المتوقع أن يصدّق عليه رغم الخلافات، في ظل الغالبية التي يحظى بها نتنياهو.

ورأى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أن اتفاق الهدنة هو «الخيار الصحيح» لإعادة الرهائن، فيما ندد وزير المالية اليميني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، بـ«صفقة خطيرة» على أمن إسرائيل، موضحاً أن وزراء حزبه سيصوّتون ضدها.

إعادة الإعمار

تسبّب هجوم «حماس» في مقتل 1210 أشخاص، معظمهم من المدنيين، حسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى بيانات إسرائيلية رسمية.

وخُطف خلال هجوم «حماس» 251 شخصاً ما زال 94 منهم محتجزين في قطاع غزة، فيما أعلن الجيش مقتل أو وفاة 34 منهم.

وقُتل أكثر من 46 ألفاً و707 فلسطينيين، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، في الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وفق بيانات صادرة عن وزارة الصحة التي تديرها «حماس» وتعدّها الأمم المتحدة موثوقة.

وأوضح رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي أسهمت بلاده في جهود الوساطة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر، بنود الاتفاق الرئيسية.

وقال إن «حماس ستطلق في المرحلة الأولى سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً بما يشمل النساء المدنيات والمجندات والأطفال وكبار السن والمرضى والجرحى المدنيين، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومراكز الاعتقال».

وأشار إلى أن «فريقاً مشتركاً» من الولايات المتحدة وقطر ومصر «سيراقب تنفيذ الاتفاق».

وشدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على «أهمية الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لأهل غزة، لمواجهة الوضع الإنساني الكارثي الراهن، دون أي عراقيل».

مستقبل سياسي عالق

من جانبه، أعلن بايدن أن «المرحلة الأولى تمتد على ستة أسابيع، وتتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة في غزة، وإطلاق سراح عدد من الرهائن الذين تحتجزهم (حماس)، بما في ذلك النساء والمسنون والجرحى».

ولفت الرئيس الأميركي إلى أنّه في هذه المرحلة الأولى من الاتفاق «ستفرج إسرائيل عن مئات السجناء الفلسطينيين، وسيتمكن الفلسطينيون من العودة إلى أحيائهم في مناطق غزة كافة، وسيبدأ تدفّق المساعدات الإنسانية على غزة، وسيتمكن الناس الأبرياء من الحصول على قدر أكبر من هذه الإمدادات الحيوية».

وحسب بايدن، فإنّه خلال هذه المرحلة الأولى «ستتفاوض إسرائيل على الترتيبات اللازمة للوصول إلى المرحلة الثانية التي ستمثّل نهاية دائمة للحرب».

وأوضح أن المرحلة الثانية ستتضمن «تبادل (معتقلين فلسطينيين مقابل) الإفراج عن بقية الرهائن الأحياء، بمن فيهم الجنود الذكور، وسيتمّ سحب كلّ القوات الإسرائيلية المتبقية من غزة، وسيصبح وقف إطلاق النار المؤقت دائماً».

أما في المرحلة الثالثة، فسيتمّ خلالها «إعادة رفات الرهائن المتبقّين الذين قُتلوا، إلى عائلاتهم، وستبدأ خطة إعادة الإعمار الكبرى في غزة»، حسبما أوضح الرئيس المنتهية ولايته.

وتسببت الحرب في دمار هائل في قطاع غزة المحاصَر، وأدت إلى نزوح الغالبية الكبرى من سكانه الـ2.4 مليون نسمة وسط أزمة إنسانية حادة.

وقالت رندة سميح (45 عاماً)، وهي نازحة من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات وسط القطاع: «لا أصدق أن هذا الكابوس الذي نعيشه منذ أكثر من عام سينتهي. لقد فقدنا كثيرين، فقدنا كل شيء، نحن بحاجة لكثير من الراحة».

وإن كان الاتفاق يوقف الحرب، إلا أنه يترك المستقبل السياسي عالقاً في القطاع الذي تحكمه حركة «حماس» منذ 2007.