فرار الآلاف من الخرطوم جرّاء المعارك... ولا نهاية للأزمة في الأفق

امرأة سودانية تحمل أمتعتها في أحد شوارع الخرطوم (إ.ب.أ)
امرأة سودانية تحمل أمتعتها في أحد شوارع الخرطوم (إ.ب.أ)
TT

فرار الآلاف من الخرطوم جرّاء المعارك... ولا نهاية للأزمة في الأفق

امرأة سودانية تحمل أمتعتها في أحد شوارع الخرطوم (إ.ب.أ)
امرأة سودانية تحمل أمتعتها في أحد شوارع الخرطوم (إ.ب.أ)

يفرُّ آلاف المدنيين من الخرطوم تحت القصف، اليوم الأربعاء، في حين خلّف القتال المستمر، لليوم الخامس على التوالي، بين قوات «الدعم السريع» والجيش النظامي، قرابة 200 قتيل في السودان.
سيراً أو في مركبات، على الطرق التي تغطيها الجثث وهياكل المدرعات المتفحمة، عبَر آلاف السودانيين، وسط أزيز الرصاص ودويّ القذائف، خلال التراشق بين قوات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يقود البلاد منذ 2021.
وصمَّ الرجلان، اللذان يخوضان حرب «وجود»، على ما يبدو، وفق الخبراء، آذانهما، حتى الآن، أمام الدعوات لوقف إطلاق النار، أو على الأقل لإعلان هدنة مؤقتة؛ لإجلاء المدنيين من أخطر الأحياء.
على الرغم من المخاطر، وبينما يشهد القتال، الذي بدأ السبت، فترات هدوء قصيرة أحياناً - الوقت اللازم في أغلب الأحيان لإعادة شحن الذخيرة أو التنقل لبضعة شوارع - تمكنت مجموعات من العائلات من الخروج يومياً من العاصمة.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1648688426969866240
لم يعد البقاء ممكناً في الخرطوم، منذ السبت، مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية - الكهرباء والمياه لا تعودان سوى لبضع ساعات في بعض الأماكن - والرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ، وحتى الجدران. وتنهمر أحياناً من السماء صواريخ لتحوُّل مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.
أحصت الأمم المتحدة، مساء الاثنين، ما يقرب من 200 قتيل، وأكثر من 1800 جريح، في حين يؤكد كل الأطباء أنها مجرد حصيلة مؤقتة؛ لأن ساحة المعركة خطيرة، ولم يجرِ بعدُ جمع كثير من الجثث، ولم يصل كثير من الجرحى لتلقّي العلاج.
قصفت القوات الجوية والمدفعية من الجانبين 9 مستشفيات في الخرطوم. وفي المجمل خرج 39، من أصل 59 مستشفى، في المناطق المتضررة جراء القتال، عن الخدمة أو أُجبرت على الإغلاق، وفق ما أفاد أطباء؛ بسبب نفاد المعدات، أو احتلال المقاتلين إياها، أو لعدم تمكن أفراد الطواقم الطبية من العودة إلى تولّي مهامّهم.
أما مخزونات المواد الغذائية - وهي محدودة تقليدياً في بلد يشهد في الأوقات العادية تضخماً مرتفعاً جداً - فهي تتلاشى؛ إذ لم تدخل أي شاحنة مؤن إلى العاصمة، منذ السبت.
في بلد يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، يعاني أكثر من ثلثهم من الجوع، يقول العاملون في المجال الإنساني والدبلوماسيون إنهم لم يعودوا قادرين على أداء عملهم، بعد مقتل 3 موظفين في «برنامج الأغذية العالمي» في دارفور، غرب البلاد، في حين تندِّد الأمم المتحدة بنهب مخزونها ومنشآتها.
في هذه الظروف الخطيرة، يعيش السكان في حالة خوف من تعرض منازلهم أو عائلاتهم لهجوم.
فهم لم ينسوا المعارك والمداهمات وغيرها من الفظائع التي أدّت إلى إصدار مذكرتيْ توقيف بتهمة ارتكاب «جرائم حرب»، و«جرائم ضدّ الإنسانية»، و«الإبادة الجماعية» في دارفور بحقّ الدكتاتور عمر البشير، الذي خلعه الجيش في 2019. في ذلك الوقت، فوّض سياسة الأرض المحروقة لرجل واحد هو حميدتي.
سار الآلاف من النساء والأطفال، الأربعاء، باتجاه المحافظات خارج الخرطوم، متقدمين بين الجثث التي بدأت تنبعث منها روائح قاتلة، وفق شهود.
حتى الممثليات الدبلوماسية تحاول تنظيم نقل رعاياها، فهي لم تسلم من الهجمات، إذ تعرضت قافلة دبلوماسية أميركية لإطلاق نار، الاثنين، وتعرَّض سفير الاتحاد الأوروبي «لاعتداء في مقر إقامته» بالخرطوم.
على سبيل المثال، بدأت وزارة الدفاع اليابانية «الاستعدادات الضرورية» لعمليات الإجلاء، وإن كان هذا الاحتمال ما زال بعيداً، فالقتال بدأ في مطار الخرطوم، الذي هو خارج الخدمة منذ ذلك الحين.
في غضون 4 أيام من القتال، لا يبدو أن الجيش ولا قوات «الدعم السريع» على وشك تحقيق النصر.
في الخرطوم، تستحيل معرفة أي جهة تسيطر على ماذا، في ظل حالة إرباك شاملة، وانتشار المعلومات المضللة على الإنترنت. ومع ذلك، تُظهر صور الأقمار الصناعية حجم الأضرار التي تبدو جلية، على وجه الخصوص، داخل المقر الرئيسي شديد التحصين لهيئة الأركان، المُحاط بجدران مرتفعة. وتُركت عشرات الطائرات المتفحمة، بينما بدا مقر المخابرات العامة مدمّراً، في حين تحوَّل ما كان مستودعاً لناقلات البنزين إلى مجرّد بقعة سوداء ضخمة.
يقول كليمان ديشاي، الأستاذ بجامعة باريس الأولى: «لا يبدو أن أياً من الجانبين يحقق انتصاراً في الوقت الحالي، ونظراً لشدة القتال ومستوى العنف، فقد تزداد الأمور سوءاً، قبل أن يجلس الجانبان حول طاولة المفاوضات».
ويضيف ديشاي، الخبير في شؤون السودان، أنه لهذا «سيتعيّن على شركائهم الإقليميين ممارسة ضغوط، وفي الوقت الحالي لا يبدو أن التصريحات تسير في هذا الاتجاه».
ويرى الخبراء أن القوى الفاعلة وجيران السودان ومانحيه يحاولون البقاء على تواصل مع الجنرالين المتحاربين؛ لأنهم لا يريدون استباق الأمور والمستقبل الذي يجهلون مآله.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الصين ومصر تتفقان على ضرورة تشجيع السلام في الشرق الأوسط

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (يسار) ونظيره الصيني وانغ يي يتصافحان بعد إحاطة مشتركة في دار الضيافة الحكومية دياويوتاي في بكين، 13 ديسمبر 2024 (رويترز)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (يسار) ونظيره الصيني وانغ يي يتصافحان بعد إحاطة مشتركة في دار الضيافة الحكومية دياويوتاي في بكين، 13 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

الصين ومصر تتفقان على ضرورة تشجيع السلام في الشرق الأوسط

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (يسار) ونظيره الصيني وانغ يي يتصافحان بعد إحاطة مشتركة في دار الضيافة الحكومية دياويوتاي في بكين، 13 ديسمبر 2024 (رويترز)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (يسار) ونظيره الصيني وانغ يي يتصافحان بعد إحاطة مشتركة في دار الضيافة الحكومية دياويوتاي في بكين، 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن بكين اتفقت مع مصر على ضرورة أن يشجع البلدان على السلام والمفاوضات لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

وأدلى وانغ بهذه التصريحات خلال اجتماع مع نظيره المصري بدر عبد العاطي في بكين، اليوم (الجمعة)، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (يسار) ونظيره الصيني وانغ يي خلال إحاطة مشتركة في دار ضيافة الدولة دياويوتاي في بكين، 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

وقال وانغ إن البلدين يشعران بقلق بالغ إزاء الوضع الحالي في سوريا، ودعا إلى احترام سيادة البلاد واستقلالها وسلامة أراضيها. كما قال وانغ إن البلدين يرحِّبان باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان.