معارك عنيفة في الخرطوم... ومخاوف من التداعيات الإنسانية

1200 قتيل ومصاب منذ بدء الاشتباكات... و«الدعم السريع» تتبرأ من عمليات النهب

دخان يتصاعد جراء المعارك في العاصمة السودانية (رويترز)
دخان يتصاعد جراء المعارك في العاصمة السودانية (رويترز)
TT

معارك عنيفة في الخرطوم... ومخاوف من التداعيات الإنسانية

دخان يتصاعد جراء المعارك في العاصمة السودانية (رويترز)
دخان يتصاعد جراء المعارك في العاصمة السودانية (رويترز)

شهدت العاصمة السودانية معارك عنيفة وضربات جوية وانفجارات اليوم الأربعاء بعد انهيار اتفاق برعاية أميركية لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما دفع السكان للبقاء في منازلهم واليابان للإعداد لإجلاء مواطنيها.
وسُمع دوي قصف مستمر وانفجارات عالية في وسط الخرطوم بالمنطقة المحيطة بمقر وزارة الدفاع والمطار، الذي جرت معارك ضارية بين الجانبين للسيطرة عليه وخرج من الخدمة منذ اندلاع القتال في مطلع الأسبوع.
وتصاعد دخان كثيف إلى السماء.
وسعت قوى خارجية من بينها الولايات المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع للسماح للسكان العالقين بسبب القتال لتدبير احتياجاتهم.
وقالت منظمة الصحة العالمية نقلا عن وزارة الصحة السودانية إن القتال أسفر عن مقتل 270 شخصا على الأقل وإصابة 2600 آخرين.
ووافق الجانبان على وقف إطلاق النار اعتبارا من السادسة مساء بالتوقيت المحلي (1600 بتوقيت جرينتش) أمس الثلاثاء لكن إطلاق النار لم يتوقف وأصدر كل منهما بيانا يتهم فيه الآخر بخرق الهدنة.
وقالت القيادة العليا للجيش إنها مستمرة في عمليات تأمين العاصمة والمناطق الأخرى.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1648637195241279489
وكشفت صور الأقمار الصناعية عن آثار مروّعة للاشتباكات في مطار الخرطوم الذي أُصيب بتدمير واسع وتعرض الكثير من الطائرات فيه للاحتراق، وسط تبادل الفرقاء للمسؤولية عن الاشتباكات التي دارت حول المطار.
وقال الجيش السوداني إنه تصدى لهجوم جديد على محيط القيادة العامة وكبد قوات «الدعم السريع» خسائر في الأرواح والعتاد، بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية.
وأضاف الجيش أنه «يستطيع توجيه ضربات جوية لتجمعات قوات «الدعم السريع» بوسط الخرطوم لكنه لا يريد وضع حياة المواطنين على المحك»، مجددا الدعوة لأفراد «الدعم السريع» لتسليم أنفسهم والانضمام له للخروج من «حالة التمرد».
وقالت واحدة من السكان على الأطراف الشرقية للخرطوم إن القتال الكثيف استؤنف في وقت مبكر من اليوم الأربعاء بعد ضربات جوية وقصف بالمدفعية قرب منزلها أمس.
وقالت "لم نستطع النوم. فترة الهدوء الوحيدة كانت بين الثالثة والخامسة صباحا".
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني إن السلطات تعتزم استخدام طائرة تابعة لقوات الدفاع الذاتي لإجلاء نحو 60 مواطنا يابانيا موجودين حاليا في السودان، وذلك بالتنسيق مع دول كبرى أخرى.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1648596073416638464
وفي ألمانيا، أفادت مجلة شبيجل الإخبارية نقلا عن مصادر لم تسمها أن مهمة للجيش الألماني لإجلاء نحو 150 مواطنا من السودان توقفت اليوم الأربعاء بسبب القتال الدائر في العاصمة الخرطوم.

انقطاع الكهرباء وأعمال نهب

منذ صباح السبت الماضي يجري قتال كثيف لأول مرة منذ عقود في أنحاء العاصمة السودانية التي يقطنها نحو 5.5 مليون نسمة بينما يسكن ملايين آخرون في مدينتي أم درمان وبحري على الجانب الآخر من النيلين الأبيض والأزرق.
وقوض القتال أحدث خطة مدعومة دوليا للانتقال إلى حكم ديمقراطي يقوده المدنيون بعد مرور أربعة أعوام على الإطاحة بعمر البشير وعامين على انقلاب عسكري.
وقد تجتذب أحداث العنف قوى من دول مجاورة للسودان تدعم كل منها أحد طرفي الصراع وربما تزيد من شدة التنافس على النفود بالمنطقة بين روسيا والولايات المتحدة.
وسبَّب انقطاع الكهرباء والمياه المتكرر نتيجة القتال معاناة للسكان في الأيام الأخيرة من شهر رمضان وأدى لتوقف العمل بمعظم المستشفيات.
وطلبت شركة توزيع الكهرباء من سكان الخرطوم ترشيد استهلاك الكهرباء وقالت إن الخوادم المسؤولة عمليات شراء الكهرباء عبر الإنترنت تعطلت.
وأضافت الشركة في بيان أن المنطقة التي توجد بها الخوادم شديدة الخطورة على المهندسين.
وأغلقت الشركات والمدارس أبوابها في العاصمة منذ بدء القتال، ووردت أنباء على نطاق واسع عن أعمال نهب واعتداء وتكونت طوابير طويلة أمام المخابز التي لا تزال تعمل. وقال أحد السكان في مدينة بحري قال إن اسمه محمد "معظم السلع غير متوفرة. الناس يبحثون عن احتياجات لكنهم لا يجدونها".
من جهتها، تبرأت قوات «الدعم السريع» في السودان من عمليات النهب وحرق الأسواق التي أُبلغ عنها في مناطق متفرقة بالبلاد.
وقالت قيادة قوات «الدعم السريع» عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك» صباح اليوم (الأربعاء): «ظهر خلال فيديوهات متداولة أفراد يتبعون لهيئة العمليات وكتائب الظل ومجاهدي الحركة الإسلامية يرتدون زي قوات (الدعم السريع) ويقومون بنهب المحال التجارية وحرق الأسواق، للتعويض عن الهزائم الكاسحة التي تجرعوها في أرض المعركة».
كما أهابت بالسودانيين «التبليغ عن أي مظهر من مظاهر التعدي لأقرب ارتكاز من ارتكازات قواتكم المنتشرة بالعاصمة حتى تتصدى لهم بقوة وحسم».
 

تداعيات إنسانية

تقول وكالات تابعة للأمم المتحدة إنه جرى تعليق الكثير من برامجها في الدولة مترامية الأطراف التي تعاني بالفعل من وضع إنساني غير مستقر.
وقال أحمد عمر، وهو منسق لخدمات الاتصالات في المجلس النرويجي للاجئين يعمل في القضارف بشرق السودان، إن الاشتباكات حطمت أمله في زيارة والديه في الخرطوم في نهاية شهر رمضان.
وقال "كنا جميعا نأمل في سلام وشيك وتشكيل حكومة ... لقد حطموا كل أحلام الشباب السوداني والثورة السودانية".
واندلع القتال الذي يضع قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في مواجهة مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، بعد تصاعد التوترات بسبب خطة لدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
ويرأس البرهان مجلس السيادة الحاكم الذي تشكل بعد انقلاب عام 2021 والإطاحة بالبشير في 2019. ويشغل دقلو، المشهور باسم حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس.
وأدى خلاف حول الجدول الزمني لتلك العملية إلى تأجيل توقيع الاتفاق الإطاري للانتقال إلى حكم مدني كان من المقرر توقيعه في وقت سابق من الشهر الجاري.

واندلعت المعارك في العاصمة السودانية الخرطوم، السبت الماضي، بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وعلى الصعيد نفسه، أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان اليوم (الأربعاء)، ارتفاع عدد الضحايا المدنيين منذ بداية الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش وقوات «الدعم السريع» يوم السبت الماضي إلى 174 قتيلاً و1041 مصاباً.
وقالت اللجنة في بيان إن 30 من القتلى المدنيين سقطوا أمس (الثلاثاء)، في حين أُصيب 245 بينهم عدة حالات غير مستقرة.
وأشار البيان إلى وجود عدد من القتلى والجرحى غير مشمولين في هذا الحصر بسبب صعوبة التنقل والوصول إلى المستشفيات في ظل الوضع الأمني بالبلاد.

وعلى صعيد الوضع الصحي، أشارت اللجنة إلى أن 39 من أصل 59 مستشفى أساسياً في العاصمة والولايات المتاخمة لمناطق الاشتباكات، متوقفة عن الخدمة.
وأضافت أن بقية المستشفيات البالغ عددها 20 تعمل بشكل كامل أو جزئي، محذرةً من أنها مهدَّدة بالإغلاق أيضاً نتيجة لنقص الكوادر والإمدادات الطبية والمياه والكهرباء.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السودانيون يعلقون آمالهم على المبادرة التركية لإنهاء الحرب

البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)
TT

السودانيون يعلقون آمالهم على المبادرة التركية لإنهاء الحرب

البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)

خلت التصريحات التي أدلى بها كل من وزيري الخارجية التركي والسوداني عقب نهاية الزيارة التي قام بها الأول للسودان، من أي إشارة لـ«مصالحة سودانية - إماراتية»، وركزت بشكل مباشر على وقف الحرب في السودان. ورغم عدم الكشف عن تفاصيل المبادرة، فإن أحاديث انتشرت عن تضمينها لقاءات بين قيادتي الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الإمارات.

ورغم المواقف المتناقضة التي تصدر من تنظيم الإسلاميين السودانيين المؤيد بشدة لاستمرار الحرب حتى هزيمة «قوات الدعم السريع» عسكرياً، فإن السودانيين يعلقون آمالاً عريضة على المبادرة التركية لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ بداية الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وركّز نائب وزير الخارجية التركي، برهان الدين دران، في تصريحاته للصحافيين في نهاية زيارته للسودان، على أهمية «استعادة السلام ووقف الحرب» ودور بلاده واستعدادها للعب دور في هذا الأمر. كما لم يشر وزير الخارجية السوداني المكلف، علي يوسف، في تصريحه المشترك مع ضيفه التركي إلى «إنهاء الخلافات السودانية الإماراتية»، واكتفى بالقول إن المبادرة التي وافق عليها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، سيكون لها ما بعدها، وإنها «يمكن أن تقود لجهود حقيقية لتحقيق السلام في السودان».

وتحدث نائب وزير الخارجية التركي، الذي زار السودان بصفته مبعوثاً للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عن دعم بلاده للمبادرات الإقليمية والدولية الساعية لوقف الصراع المسلح في السودان، ووقف المعاناة الإنسانية والحفاظ على وحدة السودان واستقراره وأمنه، وأن بلاده ستبذل الجهود المطلوبة من أجل تحقيق ذلك. كما أبدى وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، عقب لقائه المسؤول التركي الزائر، ترحيبه بالمبادرة التركية وأسماها «المبادرة التركية لتحقيق السلام في السودان».

مشاهد الدمار في أحد أحياء أم درمان بالسودان (د.ب.أ)

لقاءات بين قيادة طرفي الحرب؟

ووفقاً لمحللين، فإن ما دار ويدور في الكواليس عن الوساطة التركية، هو أن أنقرة لن تكتفي بمحاولة تذويب الخلافات السودانية الإماراتية، على غرار ما فعلت مع إثيوبيا والصومال، بل ستلعب دوراً في وقف الحرب وتحقيق مصالحة بين أطراف الصراع في السودان، والسعي لعقد لقاءات مباشرة أو غير مباشرة بين قيادة طرفي الحرب.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي محمد لطيف، لـ«الشرق الأوسط»، إن المبادرة التركية صممت، في أغلب الظن، بالتشاور مع دولة الإمارات، التي ترغب أيضاً في لعب دور في وقف الحرب السودانية.

وأوضح لطيف أن الخلافات بين السودان والإمارات ليست كبيرة، قائلاً: «تكاد تكون خلافات مصنوعة، لأن مصالح الطرفين كبيرة، خصوصاً مع حكومة بورتسودان. كما أن موقف الإسلاميين في السودان ليس مبدئياً بقدر ما هو مرتبط بضمان مصالحهم».

ويرى لطيف في المبادرة التركية فرصة كبيرة، وأنها قد تنجح في إعادة قيادة طرفي الحرب إلى مائدة التفاوض، متوقعاً ألا تكون «الإمارات طرفاً في هذا التفاوض، لأن حكومة بورتسودان عدَّت الإمارات في أثناء مفاوضات (منبر المنامة)، وسيطاً مقبولاً، لذا لا أرى أن التفاوض سيكون مع الإمارات، بل سيكون بين طرفي الحرب السودانية».

وحسب لطيف، تعتمد مبادرة أنقرة على دور إماراتي لمساعدتها في حل الأزمة السودانية، موضحاً أن «القراءة الصحيحة للمبادرة ليست وساطة بين السودان والإمارات، بل إن تركيا تعتمد على الإمارات لمساعدتها في الوساطة لحل الأزمة السودانية». ورجح لطيف أن يكون دور الإمارات في الضغط على «قوات الدعم السريع»، وتقديم الضمانات للجيش، والتأثير على القوى المدنية لقبول تسوية مقبلة، لأن لدى الإمارات علاقة بالأطراف الثلاثة. وتابع: «تركيا قرأت دور الإمارات بصورة صحيحة، لذلك طرحت حل المشكلة بهذه الطريقة».

قصف جوي جنوب الخرطوم

يعد جنوب الخرطوم مسرحاً دموياً للمعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

ميدانياً، قتل 10 أشخاص على الأقل وأصيب عشرات آخرون، الأحد، في قصف جوي لطيران الجيش السوداني على إحدى ضواحي منطقة الحزام الأخضر جنوب العاصمة الخرطوم. وقالت غرفة الطوارئ في بيان على «فيسبوك» إن الضربة الجوية التي استهدفت إحدى الأسواق الصغيرة بمنطقة الصهريج، أسفرت عن مقتل 10 أشخاص، وإصابة نحو 30 آخرين، من بينهم 5 أشخاص في حالات حروق من الدرجة الأولى.

وأضافت: «هذه المرة الثالثة خلال أقل من شهر تتعرض فيها المنطقة لضربات جوية من الجيش». وعدت غرفة الطوارئ القصف جزءاً من حملة تصعيد مستمرة، تدحض الادعاءات بأن الغارات تركز على الأهداف العسكرية، بينما تستهدف المناطق المأهولة بالسكان. وقال المتحدث باسم الغرفة، محمد عبد الله، الشهير باسم «كندش»: «لقد فقدنا 10 من المدنيين الأبرياء جراء الغارة الجوية التي تعرضت لها ضاحية الصهريج التي يرتادها المئات يومياً للتبضع».

وأضاف في تسجيل مصور من داخل «مستشفى بشائر» أن مواطني منطقة جنوب الحزام «يدفعون ثمناً غالياً» للصراع الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، فيما قال سكان في جنوب الحزام لـ«الشرق الأوسط» إنهم سمعوا دوي انفجارات قوية هزت أرجاء المدينة. وأضافوا أن «الطيران الحربي ظل منذ اندلاع الحرب يشن غارات جوية بالبراميل المتفجرة على عدد من مناطق جنوب الحزام، ما أوقع ضحايا بالمئات بين قتيل وجريح».