الرئيس الفرنسي يسعى لتبريد المناخ الاجتماعي بعد «زلزال» قانون التقاعد

ماكرون يحاول استعادة المبادرة السياسية وطرح «خطة طريق»

جانب من الـتظاهرات التي شهدتها العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي احتجاجاً على إقرار قانون التقاعد (أ.ف.ب)
جانب من الـتظاهرات التي شهدتها العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي احتجاجاً على إقرار قانون التقاعد (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الفرنسي يسعى لتبريد المناخ الاجتماعي بعد «زلزال» قانون التقاعد

جانب من الـتظاهرات التي شهدتها العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي احتجاجاً على إقرار قانون التقاعد (أ.ف.ب)
جانب من الـتظاهرات التي شهدتها العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي احتجاجاً على إقرار قانون التقاعد (أ.ف.ب)

رغم مصادقة المجلس الدستوري الفرنسي على قانون التقاعد، ومسارعة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إصداره في ساعة متقدمة من ليل الجمعة - السبت، ونشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً، فإن صفحته لم تُطوَ بعد. فلا النقابات طوت لافتاتها وسلمت بهزيمتها بوجه السلطة، ولا الأحزاب المعارضة، وهي كثيرة، رأت أنها اندحرت ورفعت الراية البيضاء.
وسارعت النقابات والأحزاب إلى تأكيد أن المعركة «مستمرة» وضربت موعداً مشتركاً يوم الأول من مايو (أيار)، من أجل تعبئة شعبية غير مسبوقة، للتعبير أيضاً وأيضاً عن رفضها للقانون الجديد، وعن استمرارها في محاربته.
ولأن الوضع على هذه الحال، ولأن ماكرون يريد قلب صفحة قانون التقاعد بأسرع وقت، واستعادة المبادرة السياسية، قرر أن يتوجه الليلة (الاثنين) بكلمة متلفزة إلى الفرنسيين ليرسم لهم خطته للأشهر والسنوات القادمة.
وفي هذا الوقت، هبطت شعبيته إلى أدنى مستوى لها. ولأنه وحكومته لا يتمتعان بالأكثرية المطلقة في البرلمان، فقد كلف رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، بالعمل على إيجاد حلفاء جدد، من أجل التمكن من السير بمشاريع القوانين التي تحتاج لها كل حكومة لإدارة شؤون البلاد.
والحال أن شيئاً كهذا لم يحصل حتى اليوم، والسبب أن حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الذي يعوّل وبورن على اجتذابه إلى جانبهما، منقسم على ذاته ويعتمله تياران: الأول، راغب في الانضمام إلى الحكومة ولكنه يريد «ثمناً» سياسياً، قد يكون تعيين رئيس حكومة من معسكره، أو توزير بعض نوابه، أو تبني بعض من برنامجه السياسي. وحتى اليوم، لم تظهر أي علامات تؤشر إلى أن هذا السيناريو سيجد طريقه إلى التنفيذ.
وتجدر الإشارة إلى أن نواب الحزب المذكور هم من أنقذوا حكومة بورن من السقوط عندما طُرحت الثقة بها في البرلمان.
أما التيار الثاني، فيرفض الانخراط تحت راية ماكرون، ويتهمه بأنه «فخخ» الحزب من الداخل، وعمل على تقسيمه وتمزيقه.
ودليله على ذلك، أن ثلاثة من أبرز وزراء بورن أعضاء سابقون في الحزب، وهم وزراء الداخلية والاقتصاد والدفاع. كذلك فإن رئيسي حكومتي ماكرون السابقين إدوارد فيليب وجان كاستيكس، انضما إليه من صفوف اليمين.
وتُبين استطلاعات الرأي وجود هوة سحيقة بين ماكرون والفرنسيين بسبب قانون التقاعد، خصوصاً أنهم عبّروا عن رفضهم له في 12 يوم تعبئة، وطوال 3 أشهر. واليوم ما زالوا يرفضونه وهم يعوّلون على أمرين: الأول، أن يقبل المجلس الدستوري التماسهم بإجراء استفتاء بمبادرة مشتركة من البرلمانيين والناخبين.
والمشكلة التي يواجهونها أن المجلس المذكور رفض التماساً مشابهاً في القرار الذي أصدره يوم الجمعة الماضي. وتبدو الآمال بموافقته على الالتماس الجديد ضئيلة للغاية.
ووعد المجلس بالكشف عن قراره المنتظر في الثالث من مايو المقبل.
أما الأمر الثاني، فهو مواصلة التعبئة التي لم تتوقف إنْ على شاكلة مسيرات أو إضرابات.
إلا أن الرد الأقوى على القانون، سيرى النور في الأول من الشهر المقبل؛ إذ دعت النقابات والأحزاب المعارضة («الاشتراكيون»، و«الشيوعيون»، و«فرنسا الأبية»، و«الخضر»...) إلى أوسع وأكبر مسيرات ومظاهرات، لحمل ماكرون على التراجع عن القانون الذي اجتاز كل المراحل، وتريد السلطات أن يبدأ العمل به في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأسبق جاك شيراك، واجه أمراً مشابهاً، وعمد إلى «تجميد» العمل بقانون صوّت عليه في البرلمان ووافق عليه المجلس الدستوري.
ويُجمع المراقبون على أن فرنسا تجتاز أزمة سياسية عميقة عنوانها عدم تطابق الشرعية القانونية ممثلةً بالرئاسة والحكومة ومجلس النواب، مع الشرعية الشعبية التي يمثلها الشارع، والتي تبرز بمناسبة المظاهرات والمسيرات والإضرابات. وسبق لماكرون أن واجه في 2019 و2020 أزمة من هذا النوع، وهي «أزمة السترات الصفراء»، والتي كانت الأخطر نظراً لتوسعها، وللعنف الذي رافقها والذي يتخطى بأضعاف ما عرفته البلاد في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
ونجح ماكرون في تبريد المناخ الشعبي بإطلاقه حواراً وطنياً موسعاً، وتشكيل مجموعات عمل قدمت مقترحات عملية اختار تنفيذ بعضها.
ولا شك أنه يسعى، من خلال توجهه إلى الفرنسيين هذا المساء، إلى تحقيق مجموعة أهداف بينها «تبريد» المناخ الاجتماعي، والسعي لفتح فصل جديد مع مواطنيه، وعرض خططه المستقبلية، ومحاولة اجتذابهم للحوار حول مواضيع ذات أهمية كبرى مثل المدرسة والصحة والعمل.
لكن النقابات رفضت دعوة للقائه يوم الثلاثاء المقبل في قصر الإليزيه، وذكّرته بأنها طلبت منه الاجتماع قبل التصويت على قانون العمل، وذلك للبحث عن مخارج من الأزمة. إلا أن ماكرون رفض الطلب، ما أعطى شعوراً بأنه يتعامل معها بـ«فوقية».
من هنا، فإن مهمته اليوم تبدو شاقة وغير مضمونة النتائج. ورغم ذلك، فإن أوساطه أكدت أمس (الأحد) أنه «يسعى لتوجيه رسالة إلى الفرنسيين، في وقت تنتهي هذه المرحلة حول إصلاح نظام التقاعد، تاركةً حتماً غضباً في النفوس وفي القلوب».
إلا أن رغبة ماكرون لا تبدو قريبة المنال، ولعل أبرز دليل على ذلك أن شبكات التواصل الاجتماعي حفلت برسائل تدعو إلى القرع على الطناجر، وتنظيم تجمعات أمام مراكز البلديات أو الإدارات المحلية، بالتزامن مع خطابه المسائي.
واليوم، أجرى الرئيس الفرنسي سلسلة من المشاورات مع مجموعة من الوزراء، وعلى رأسهم رئيسة الحكومة، بالإضافة إلى المسؤولين عن الأحزاب الأربعة التي تشكّل أكثرية نسبية في البرلمان، بهدف تحديد الأولويات الرئيسية التي يتعين أن يتوقف عندها.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، اليوم، عن مصادر رئاسية قولها إن الرئيس سيركز على ضرورة المحافظة على الأمن والنظام الجمهوريين، وذلك لطمأنة ناخبيه والفرنسيين بشكل عام، وتأكيد إمساكه بالوضع، ثم التركيز على توفير فرص العمل للجميع ومحاربة البطالة، إضافةً إلى المسائل التي تهم مواطنيه في حياتهم اليومية، ومنها الارتفاع الجنوني للأسعار، بالتوازي مع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات لم تعرفها البلاد منذ أربعين عاماً، والتدابير التي ستتخذها الحكومة لتمكّن الفرنسيين من مواجهة هذه المرحلة الصعبة والدقيقة.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».