كنغسولفر تكيف رواية ديكنز مع مكانها وزمانها في «ديمون كوبرهيد»

كتبت روايتها الجديدة في «المنزل الكئيب» الذي أكمل فيه «ديفيد كوبرفيلد»

باربرا كنغسولفر
باربرا كنغسولفر
TT

كنغسولفر تكيف رواية ديكنز مع مكانها وزمانها في «ديمون كوبرهيد»

باربرا كنغسولفر
باربرا كنغسولفر

- تعالج رواية كنغسولفر ثيمات الفقر والبطالة واستغلال الأطفال في بيوت الحضانة والأطفال
في يوم أخمن أنه في أحد الشهرين الأخيرين من 2018، وفي أثناء جولتها لترويج روايتها «بلا مأوى، 2018» في إنجلترا، تدخل الروائية الأميركية باربرا كنغسولفر، بصحبة زوجها، قصر «المنزل الكئيب» - فندق بسرير وإفطار يقع فوق الجرف المطل على مدينة برودستيرز وخليج الفايكنغ في مقاطعة كنت، يعود تاريخ بنائه إلى 1801. كان في الأصل منزلاً لقائد الحصن المحلي إبان الحروب النابوليونية، ويسمى «فورت هاوس». في هذا النزل كتب الروائي الإنجليزي تشارلز ديكنز جزءاً كبيراً من روايته «ديفيد كوبرفيلد، 1850»، وألهمه فكرة روايته «المنزل الكئيب، 1853». كان ديكنز قد استأجر «فورت هاوس» من 1837 إلى 1859 ليقيم فيه مع أسرته. بعد وفاته في 1870 غُيِّرَ اسم النزل إلى «المنزل الكئيب» تكريماً وتخليداً لذكرى الروائي الإنجليزي الكبير.
اكتشاف كنغسولفر لارتباط المكان بديكنز وبروايته «ديفيد كوبرفيلد»، على نحو خاص، هو ما دفعها وزوجها إلى الإقامة فيه، حسب ما ذكرت في بعض حواراتها الصحافية والمتلفزة. وكانا النزيلين الوحيدين أثناء إقامتهما فيه. هناك، وخصوصاً في المكتب الذي أكمل فيه ديكنز روايته «ديفيد كوبرفيلد»، قضت كنغسولفر الليلة الأولى تفكيراً واشتغالاً على مشروع روايتها الجديدة «ديمون كوبرهيد» التي صدرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022. كان ديكنز إلى جانبها، كما تقول، طوال الوقت وخلال السنوات التي استغرقتها الكتابة.

تتعدد ماهية وطبيعة علاقة راوية كنغسولفر برواية ديكنز في أحاديث وحوارات الروائية، فمرة تصفها بأنها ترجمة معاصرة لـ«ديفيد كوبرفيلد»، أو تشير إلى أنها مبنية على هيكل روايته، أو أنها تكييف وملاءمة لشكل روايته مع مكانها وزمانها، كما تقول في بداية صفحة العرفان – الامتنان، التي أرفقتها في نهاية الرواية: «إنني ممتنة لتشارلز ديكنز لتأليفه (ديفيد كوبرفيلد)، ونقده المتقد للفقر المؤسساتي وآثاره المدمرة على الأطفال في مجتمعه. هذه المشكلات لا تزال معنا. في تكييف روايته مع مكاني وزماني، ومع العمل لسنوات، مع غضبه وإبداعه وتعاطفه بجانبي، صرت أفكر فيه كصديقي العبقري».
بالإمكان وصف علاقة «ديمون كوبرهيد» برواية ديكنز بأنها علاقة تكييف وملاءمة أو ترجمة أو محاكاة أو استلهام أو استيحاء، أو بأنها كل هذه الأشياء والعلاقات مجتمعة في نص واحد. رواية كنغسولفر نص لا يضمر تعالقاته التناصية مع رواية ديكنز كنص سابق رئيسي، أو هو إعادة كتابة لها. إنه نص سردي ما بعد حداثي تتمثل فيه، على نحو واضح، فحوى ما يقوله غراهام أَلِن في «التناص، 2000»: «لم يعد ممكناً في عصر ما بعد الحداثة... الحديث عن الأصالة أو تفرد العمل الفني، سواء أكان لوحة أم رواية، لأن كل عمل فني هو تجميع من أجزاء وقطع من الفن الموجود بالفعل». والمؤلفون، حسب قوله: «لا يختارون الكلمات من نظام لغة فقط، بل يختارون الحبكات والملامح الأجناسية والشخصيات والصور وأساليب السرد حتى العبارات والجمل من النصوص الأدبية السابقة ومن الموروث الأدبي». تُذَكِّرُ رواية كنغسولفر، مع أخذ الاختلافات بعين الاعتبار، برواية مواطنها مايكل كننغهام «الساعات» بعلاقاتها وتعالقاتها التناصية مع رواية فرجيينا وولف «السيدة دالوي»، وبرواية جون ماكسويل كوتزي «فو-Foe» كإعادة كتابة لرواية دانيال ديفو «روبنسون كروزو»، على سبيل المثال.

تطلب بناء «ديمون كوبرهيد» على هيكل رواية ديكنز، خلق عدد من التوازيات والتناظرات بين النص السابق والنص اللاحق، وعلى أكثر من مستوى وناحية. فمن ناحية النوع والشكل، «ديمون كوبرهيد» هي سيرة ديمون كوبرهيد الذاتية، أي أنها »Bildungsroman» سرد لقصة حياته من الطفولة إلى سن الرشد، يسردها ديمون نفسه بضمير المتكلم؛ وهي في الوقت نفسه، ومن زاوية أخرى، »Kunstlerroman »صورة للفنان في شبابة كما هي رواية ديكنز «ديفيد كوبرفيلد». سأتناول هذه الثنائية الشكلية والنوعية لاحقاً.
وثمة توازيات أخرى بين أسماء ووظائف بعض الشخصيات في الروايتين. والتوازي الآخر الذي يضاهي في الأهمية التناظر الشكلي والأجناسي بين الروايتين يتجسد في الجانب الثيمي - الموضوعاتي، أو البعد «الديكنزي» الذي يشمل الجانب الموضوعاتي والموقف منه.
«ديمون كوبرهيد» سيرة الشخصية المركزية دامون فيلدز، الملقب بديمون كوبرهيد بسبب لون شعره النحاسي، تركز على سيرورة نمو وعيه ونضجه النفسي والأخلاقي خلال السنوات التكوينية إلى بلوغه سن النضج والرشد. يرافق خلالها القارئ ديمون كوبرهيد، وهو يروي قصة حياته منذ اللحظات الأولى بعد مولده إلى النهاية، وهي بداية رحلته إلى المحيط برفقة الفتاة آنغوس وينفيلد. ينظر ديمون من الحاضر، زمن السرد، إلى الماضي، زمن الحدث. يمتزج في سرده التأمل والنقد والاحتجاج على ظروف وأوضاع الفقر والمعاملة السيئة والاستغلال التي يعيشها الأطفال غير المحظوظين أمثاله؛ اليتامى أو من آباؤهم في غياهب السجون أو في مراكز إعادة التأهيل للتعافي من الإدمان، خصوصاً بسبب ما يعرف بوباء المواد الأفيونية الذي انتشر في إقليم أبالاتشيا في التسعينات من القرن العشرين، زمن أحداث الرواية.
وُلِدَ ديمون لأم مراهقة ومدمنة، أغمي عليها أثناء ولادته، وخرج من رحمها وهو لمّا يزل في الكيس، يحاول لكم الكيس ليخرج منه، «مثل ملاكم أزرق صغير» كما تقول جارتهما السيدة بيغوت التي أنقذته وأمه باستدعاء سيارة الإسعاف. ويتذكر ديمون كلام السيدة بيغوت بأن خروجه وهو لا يزال في الكيس «وعد من الرب بأنه لن يغرق». ديمون لم يغرق في الماء، ولكنه غرق في ماء الإدمان، فالطفل الذي يولد لأم مدمنة هو مدمن. هكذا يعلق ديمون في لحظة السرد على ما حدث له ولغالبية أترابه وزملائه في بيوت الرعاية.
باستثناء سنوات الطفولة السعيدة المبكرة التي قضاها مع صديقه مات بيغوت «ماغوت»، والفترة التي عاشها في رعاية السيد وينفيلد مدرب كرة القدم في المدرسة الثانوية، كانت حياة ديمون انتقالات من أسرة حاضنة إلى أخرى، سواء بسبب دخول أمه المتكرر في مركز إعادة التأهيل والعلاج من الإدمان أو بعد وفاتها بجرعة زائدة من الـ«Oxycodone-OxyContin» مخدر الألم القوي المسبب للإدمان، هو ذاته السبب في إدمان ديمون بعد أن وصفه الطبيب له بعد تعرضه لإصابة في ركبته أثناء مباراة لكرة القدم.
تنتهي الرواية، وقد تعافى ديمون وتطهر من إدمانه بعد 3 سنوات ونصف سنة قضاها في مركز إعادة التأهيل، والعمل بعد خروجه في مدينة نوكسفيل بعيداً عن مقاطعة لي كاونتي، مسقط رأسه ومكان الحدث.
يتخلل سرد تفاصيل حياة ديمون ومعاناته وخروجه في النهاية معافى ومتطهراً من إدمانه، حكاية تطوره كفنان بصري، بدءاً بشغفه المبكر بالصور، ومشاهدة أفلام الأبطال الخارقين أو قراءة قصص مغامراتهم في المجلات المصورة، والرسم الكاريكاتيري في دفتره للتسلية أو السخرية من زوج أمه برسمه كشخصية شريرة، ثم تلقيه الرعاية والتشجيع من مُدرسة الفن في المدرسة الثانوية، والرسم الكاريكاتيري في الجريدة المحلية وإبداعه شخصية البطل الخارق «Red Neck»، وانتهاء بنشر حلقات روايته المصورة الأولى» graphic novel» في موقعه على الإنترنت وتلقيه العروض من ناشرين قبل نهاية الرواية. وهو توازٍ آخر مع نظيره في رواية ديكنز. لكن التناظر الآخر الذي لا يقل أهمية عما سبق هو تجلي البعد أو العنصر الديكنزي في رواية كنغسولفر. «ديمون كوبر هيد» رواية ديكنزية »Dickensian»، ليس لأنها مبنية على هيكل رواية ديكنز فحسب، أو بسبب التوازيات والتناظرات التي سلطت الضوء على بعضها، ولكن لتناولها بعض الثيمات والقضايا التي تميزت بها الرواية عند تشارلز ديكنز بشكل عام.
تعالج رواية كنغسولفر ثيمات الفقر والبطالة واستغلال الأطفال في بيوت الحضانة والأطفال الذين تيتموا أو فقدوا آباءهم بسبب الإدمان أو السجن أو بسبب الجرعات الزائدة من المخدرات. وتصور بشكل خاص الآثار الكارثية لوباء المواد الأفيونية الصناعية المخدرة للألم التي روّجتها شركات الأدوية في منطقة أبالاتشيا في تسعينات القرن الماضي، مُدّعِية أنها لا تسبب الإدمان، ولكن اتضح العكس. ولا تزال المنطقة تعاني من ارتدادات وآثار الوباء. فقد ديمون أمه، ثم حبيبته دوري، وكاد يلاقي المصير نفسه، لو لم يدخل مركز إعادة التأهيل بإلحاح وإقناع من الممرضة جون بيغوت، إحدى الشخصيات القليلة في الرواية التي لم تسقط في هاوية الإدمان.
* كاتب وناقد سعودي


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«برستيج»... دراما التشويق تعود إلى واجهة الشاشات المصرية

محمد عبد الرحمن وأحمد داود في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
محمد عبد الرحمن وأحمد داود في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
TT

«برستيج»... دراما التشويق تعود إلى واجهة الشاشات المصرية

محمد عبد الرحمن وأحمد داود في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)
محمد عبد الرحمن وأحمد داود في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

تضرب العاصفة قلب القاهرة. يلجأ عدد من الغرباء إلى مقهى صغير وسط المدينة. تبدأ رحلة عن ملاذ مؤقت. لا أحد يتوقع أن تنقلب تلك الليلة الماطرة الهادئة إلى نقطة تحوّل، حين تُكتشف جثة في ركن بالمكان. هكذا تبدأ أحداث المسلسل المصري «برستيج» الذي يقدّم قصة تدور في مكان واحد؛ حيث لا أحد يستطيع المغادرة. كل شخص يُحتمل أن يكون القاتل.

المسلسل الذي يُعرض عبر منصة «يانغو بلاي» في 8 حلقات، بواقع حلقتَيْن كل خميس، من تأليف إنجي أبو السعود وإخراج عمرو سلامة. يعتمد على حبكة مغلقة، حيث يحاصر الغموض عدداً من الشخصيات المتنوعة التي اجتمعت بالصدفة، لتصبح فجأة أطرافاً في جريمة لم يكن لأيٍّ منهم استعداد لمواجهتها. ومع توالي الحلقات، تتعقّد العلاقات، وتتشابك دوافع الصمت والتورط، في حين يزداد التوتر داخل جدران لا تسمح بالخروج، ولا تتيح الراحة.

«برستيج» ينتمي إلى نوعية دراما الجريمة والتشويق، وتدور أحداثه في إطار مغلق داخل أحد المقاهي بوسط القاهرة، حيث تجتمع مجموعة من الأشخاص بعد اضطرارهم إلى الاحتماء من عاصفة مفاجئة، لتنشأ بينهم توترات تتصاعد مع وقوع سلسلة من جرائم القتل.

الملصق الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

المسلسل من تأليف إنجي أبو السعود وإخراج عمرو سلامة، ويشارك في بطولته عدد من الممثلين من أجيال مختلفة؛ منهم: محمد عبد الرحمن، ومصطفى غريب، ودينا، وسامي مغاوري، وآلاء سنان، بالإضافة إلى عدد من ضيوف الشرف، أبرزهم الفنانة يسرا وأحمد داود.

الحلقة الأولى تُفتتح بحدث مفصلي: مقتل «تامر الجمال»، وهو متخصص في وسائل التواصل الاجتماعي، ويجسّد دوره أحمد داود في ظهور قصير. الجريمة تقع داخل المقهى، في وقت لا يُسمح فيه لأحد بالخروج بسبب العاصفة، ما يجعل المشتبه بهم محصورين في دائرة مغلقة من الشخصيات، وتبدأ من هنا محاولات استكشاف القاتل. يتصاعد الغموض مع وقوع جريمة ثانية، وتصبح كل شخصية محل شك في سياق درامي يُبقي على وتيرة التوتر دون أن يُهمل الجوانب الإنسانية أو اللمسات الكوميدية الخفيفة.

من الناحية التقنية، اعتمد المسلسل على أسلوب بصري بسيط، يتماشى مع طبيعة الأحداث، ونجح في خلق توازن بين الإضاءة وزوايا التصوير بما يخدم أجواء الترقب. المونتاج حافظ على إيقاع مناسب. لا يتسرّع في تقديم الأحداث ولا يتباطأ في الكشف عنها؛ مما جعل الحلقات الأولى قادرة على جذب الانتباه، دون الاعتماد على مشاهد صادمة أو مفاجآت مبالغ فيها.

مصطفى غريب ومحمد عبد الرحمن في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

المخرج عمرو سلامة قال إن «برستيج» جاء بعد فترة من التحضير، وإنه اختار المزج بين التشويق والكوميديا ضمن قالب يعتمد على بطولة جماعية.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «العمل جرى تصويره بالكامل في موقع واحد تقريباً، وهو تحدٍّ من نوع خاص يتطلّب تنسيقاً عالياً بين الإخراج والتصوير والتمثيل»، مشيراً إلى أن «الفريق نجح في تقديم العمل بالصورة التي كان يأملها».

ويرى الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن أن «المسلسل يخوض تجربة غير معتادة في الدراما المصرية من خلال تقديمه نمط (كوميديا الجريمة)، وهو نوع لا يُطرح كثيراً محلياً». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُحسب لصنّاع (برستيج) اعتمادهم على بطولة جماعية، ومحاولتهم المزج بين الجريمة والتشويق بخفة، دون إثقال درامي». ولفت إلى أن «الحلقة الأولى تأخرت قليلاً في التمهيد، لكنها سرعان ما دخلت في مسار أكثر تشويقاً».

واحدة من الشخصيات التي أثارت اهتمام المتابعين هي شخصية متحكم في اللجان الإلكترونية. يجسّدها أحمد داود، وهي المرة الأولى التي تُعرض فيها هذه الشخصية بوضوح في عمل درامي مصري.

وعدّ عبد الرحمن «هذا الطرح يُعدّ خطوة لافتة، كونه يعالج موضوعاً معاصراً له امتداداته في الواقع الرقمي وتأثيراته في المجال العام»، مشيداً باختيارات المخرج عمرو سلامة للأبطال، فإلى جانب الأسماء المعروفة، شهد المسلسل عودة فنانين؛ مثل: راندا وبسام رجب، مع تقديم «اليوتيوبر» محمد عبد العاطي في أول تجربة تمثيلية له.