صدر، أخيراً، للباحث والصحافي المغربي نزار الفراوي، عن منشورات «سليكي أخوين» بطنجة، كتاب جديد تحت عنوان «فاس... ذاكرة الروح وأنفاس المكان»، جاء، بحسب كاتبه، بمثابة «بانوراما عن المكان والمتخيل والأرواح المقيمة والعابرة، وعبقرية التجربة الإنسانية في مدينة متفردة».
بعد حديثه عن علاقته بفاس، منذ الولادة إلى حين مغادرتها، يكتب الفراوي: «كان تصالحي مع المدينة بطيئاً مديداً، تحقق، للمفارقة، بعد أن غادرت فاس إلى الرباط لمتابعة الدراسة ثم العمل. عادت فاس لتسكنني برفق وعمق على جناح التأمل العقلاني الناضج في أغوار المكان والتبتل الروحي في ألغازه وكنوزه المادية واللامادية. جددت زيارة فاس على خطى الصحافي المسلح بعين يقظة، حاولت معانقة المكان باستنفار في الحواس، وتواصل فعال مع الآثار المحفوظة والشخصيات العابرة».
والكتاب هو نماذج مختارة لا ديوان شامل، لأن «المدينة أبعد من أن يلم بها كتاب. هي أمشاج من نسيج مركب ولوحة متنوعة الأجزاء، تدعو إلى الغوص في المكان بتجربة شخصية مباشرة، أشبه بطقس حج روحي».
ويستلهم الكاتب أمكنة تنبض بأسماء مَن عبروا من أعلام خالدين، من قبيل ابن خلدون، وابن الخطيب، وليون الأفريقي (الحسن الوزان)، مستطلعاً وجوه فاعلين معاصرين ترتسم من خلالهم أحوال المشهد الثقافي والفني في عاصمة الروح، ومقتفياً أثر فاس في النص الإبداعي، شعراً ورواية، ولوحة أيضاً، حافراً في نوستالجيا الفضاء الجامعي الرائد «ظهر المهراز»، حاضن النخب الفكرية والسياسية، مع «إحساس حتمي بالنقصان والضآلة أمام زخم المكان وامتداده المضاعف في طيات الزمن وتعددية العناصر وأبدية الفضاء في مواجهة الإهمال والهجوم الضاري على الذاكرة».
وتتوزع الكتاب عناوين تنقل القارئ بجولة في بعض فضاءات فاس، مع لقاء وجوه تدل عليها، وذلك «تجميعاً لمكونات هوية باذخة ومتعددة للمكان، اكتسبها من شريط تاريخ ممتد عبرته شخصيات وازنة، وصهرته تحولات وأحداث كبرى».
في تقديم الكتاب كتب الناقد والباحث فريد الزاهي: «وأنا أقرأ كتاب نزار الفراوي، أحسست كم أن ديمومة الأحاسيس تسري بين أجيال متفاوتة، رغم التغيرات التي مست أديم المدينة والتحولات التي طالت جسدها وشرايينها. لن أكون مبالغاً إن قلتُ إني وجدت شيئاً من ذاتي هنا، في الأوصاف والحكايات، رغم أن الكتاب مزيج من الفيض الشعري والتحقيق الصحافي واستيحاء التاريخ... ثمة أشياء كثيرة انمحت، أو هي غابت مع أمواج الزمن... حلقات الحكاة في مقبرة روضة سيدي علي بوغالب، التي كنا نرتادها مباشرة بعد المدرسة، نستمتع فيها بحكايات سيف بن ذي يزن، ونتضاحك بها من العبارات المسكوكة لبائع الأعشاب والمنشطات الجنسية... وعام 1967 الموكب الأخير لسلطان الطلبة وهو يمر بفخامته السلطانية ممتطياً صهوة جواده... و(الشويطيني) المارد الحارس لسينما الملكية غير بعيد عن هناك، وبائع الكرداس (أكلة تُحضَّر من أحشاء أضحية عيد الأضحى) اللذيذ بين الموقعين».
ويتساءل الزاهي: «كيف يمكن لهذه المدينة أن تسلم أسرارها للكاتب الباحث المستقصي من غير أن تسبل عليه من وهجها؟ هكذا يبدو أن الغواية التي تمارسها المدينة لا يمكن إلا أن تفرز كتابة ممهورة بالذاتية، تُضْحي فيها الذات منغمسة في جسد الموضوع ومتعلقة بتحولاته. لذا فإن غور الكاتب في التاريخ والذاكرة والشفهي والمكتوب يغدو أشبه برقصة الكاتب أمام شجرة المدينة الفارعة وسموق أفنانها. إنها تدعوه لتسلقها كي يشارف كيانها ويتلمس باليد مكنوناتها».
كتاب مغربي يستوحي تاريخ فاس وروحها
كتاب مغربي يستوحي تاريخ فاس وروحها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة