الصدر يجمّد تياره عاماً بسبب «أصحاب القضية»

أرادوا إعلانه «المهدي المنتظر» والقضاء العراقي أوقفهم

مؤيدو مقتدى الصدر خلال احتجاج في مدينة الصدر ببغداد 2 أبريل الحالي (أ.ب)
مؤيدو مقتدى الصدر خلال احتجاج في مدينة الصدر ببغداد 2 أبريل الحالي (أ.ب)
TT

الصدر يجمّد تياره عاماً بسبب «أصحاب القضية»

مؤيدو مقتدى الصدر خلال احتجاج في مدينة الصدر ببغداد 2 أبريل الحالي (أ.ب)
مؤيدو مقتدى الصدر خلال احتجاج في مدينة الصدر ببغداد 2 أبريل الحالي (أ.ب)

لسبب ليس ناتجاً من احتجاج على موقف سياسي، قرر زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر تجميد تياره الذي يحمل اسم عائلته آل الصدر «التيار الصدري» لمدة سنة على الأقل طبقاً للتغريدة التي نشرها على حسابه في موقع «تويتر».
الصدر كان مهّد لقرار التجميد قبل ساعات من إعلانه عندما أعلن ما يسمى «وزير القائد» صالح محمد العراقي، أن الصدر قرر إنهاء الاعتكاف في مسجد الكوفة على خلفية حراك لمجموعة من أنصاره باتوا يسمون أنفسهم «أصحاب القضية». أما جوهر قضية هؤلاء التي كانوا على وشك إعلانها هي إعلان مبايعتهم زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر بوصفه المهدي المنتظر «الإمام الغائب عند الشيعة الإمامية والذي لا يظهر حسب المدونة الشيعية إلا في آخر الزمان».
الصدر، وعلى أثر استعداد هؤلاء مبايعته بوصفه هو الإمام المهدي المنتظر الغائب الإثني عشر، أصدر بياناً غاضباً قرر بموجبه تجميد «التيار الصدري»، وهو تيار سياسي جماهيري عريض دخل على مدى السنوات العشرين الماضية معظم الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العراق منذ عام 2005 وحتى آخر انتخابات أجريت عام 2021.
وكان «التيار الصدري»، بسبب جماهيريته وتنظيمه، يحصد المراكز الأولى في الانتخابات، بما فيها الانتخابات الأخيرة التي حصل بموجبها على أعلى المقاعد (73 مقعداً) - لكنه أعلن انسحابه من البرلمان بعد إعلان انسحابه من المشهد السياسي. الأمر الذي مهّد الطريق أمام خصومه الشيعة في قوى «الإطار التنسيقي» من تشكيل الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني.
الصدر قال في تغريدته «أن أكون مصلحاً للعراق... ولا أستطيع أن أصلح التيار الصدري فهذه خطيئة... وأن أستمر في قيادة التيار الصدري وفيه أهل القضية وبعض من الفاسدين وفيه بعض الموبقات... فهذا أمر جلل... فلذا أجد من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث وبراني السيد الشهيد، لمدة لا تقل عن سنة... لأعلن براءة من كل ذلك أمام ربّي أولاً وأمام والدي ثانياً... كما ويغلق مرقد السيد الوالد (قدس) إلى ما بعد عيد الفطر. على أن تنفذ هذه القرارات من هذه الليلة المباركة فوراً. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء مناً. فوالله قد سئمتهم وسئموني».
وفي تغريدة أخرى، أعلن مقتدى الصدر إغلاق حسابه في منصة «تويتر».
إلى ذلك، أصدرت السلطة القضائية قراراً قضائياً باعتقال ما أسمته «عصابة أصحاب القضية» بسبب «إثارتها الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي».
وقال بيان لمجلس القضاء الأعلى، إن «محكمة تحقيق الكرخ قررت توقيف 65 متهماً من أفراد عصابة ما يسمى أصحاب القضية التي تروج لأفكار تسبب إثارة الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي». أضاف البيان، أنه «تم ذلك بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني باعتباره الجهة المختصة بالتحقيق».
وبينما بدا للجميع أن جماعة «أهل القضية» جديدة أو طارئة على المشهد العام لـ«التيار الصدري» لأنه لم يكن لها نشاط أو دور خلال الفترة الماضية، شأن حركات شيعية متطرفة أخرى مثل «جماعة اليماني» أو «جند السماء» أو «جماعة الصرخي»، فإنه طبقاً لما أعلنه سياسي عراقي كان قريباً من أجواء «التيار الصدري» خلال السنوات الماضية لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما بات يسمى اليوم أهل القضية لهم جذور خلال فترة سابقة من بدء نشاط التيار الصدري بعد سقوط النظام السابق عام 2003»، لافتاً إلى أن «هؤلاء الذين يبدو أنهم نظموا أنفسهم على شكل تنظيم ينوي إعلان موقف يمكن أن يثير غضباً عارماً لدى الشيعة؛ كون عقيدة المهدي متجذرة لدى الشيعة الإمامية، وبالتالي فإن أي محاولة لأخذها إلى مسار آخر يمكن أن يخلق فتنة شيعية - شيعية».
وأوضح السياسي العراقي، أنه «منذ بدايات بروز السيد مقتدى الصدر على الساحة السياسية بعد سقوط نظام صدام حسين، وما بدا عنه من حضور لافت في وسط جماهيري كبير بدأ يلتف حوله، فضلاً عن بدء مقاومته للأميركيين الذين لطالما حاولوا اعتقاله أو اغتياله، بدأت تظهر أصوات حتى بين قيادات سياسية كانت جزءاً من التيار الصدري قبل أن تنشق عنه فيما بعد، أن مقتدى الصدر يكاد يكون هو نفسه الإمام المهدي المنتظر». وبيّن، أنه «من غير المستبعد أن يكون لهؤلاء ممن يسمون أصحاب القضية من يحركهم بهدف أحداث فتنة دينية طائفية سياسية في العراق، وهو ما تنبه له الصدر فاتخذ هذا الموقف العنيف ضد مثل هذه الأفكار والعقائد المنحرفة عن أصل عقيدة التشيع».
وكانت جماعة «أصحاب القضية» نظّمت حراكاً أثناء الاعتكاف في مسجد الكوفة، دعت فيه إلى مبايعة مقتدى الصدر بوصفه «الإمام المهدي». وظهر زعيم المجموعة، الذي سرعان ما تم اعتقاله مع عدد كبير من أتباعه بعد قرار الصدر تجميد التيار ورفض ممارساتهم، ويدعى حيدر الأمين (حذام) في مقطع مصور وهو يقول «في هذه الأيام المباركة، العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ستكون هناك حملة إعلان البيعة للإمام الموعود المنتظر السيد مقتدى الصدر عليه السلام».
سياسياً، فإن تجميد «التيار الصدري» لمدة سنة سوف يصب في مصلحة القوة الشيعية الأكبر المنافسة له، أي قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي التي تتصدر المشهد السياسي العراقي بعد نجاحها في تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، عبر شراكة مع الكرد والسنّة من خلال ائتلاف إدارة الدولة.
كما أن هذا التجميد جاء بمثابة ضربة قوية للقوى المدنية المعارضة للحكومة الحالية وائتلاف إدارة الدولة والرافضة لقانون الانتخابات، حيث كانت تراهن على إمكانية عودة الصدر وتياره إلى المشهد السياسي بعد العيد، وهو ما لم يعد متوقعاً بعد قرار التجميد.
لكن في مقابل ذلك، وطبقاً لمصدر سياسي عراقي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصدر، وعلى الرغم من إعلانه الانسحاب من المشهد السياسي والاعتكاف نحو العبادة وهو ما يظهر في سلسلة تغريداته بما فيها ما يقوم أحياناً من محاولات في تفسير القرآن، فإنه يبقى لاعباً سياسياً ماهراً يستطيع دائماً لفت الأنظار إليه».
وقال المصدر «قرار التجميد الأخير الذي جاء رد فعل على ممارسات الغلو من قبل أصحاب القضية، يمكن أن يكون بمثابة عودة هادئة له لا سيما أن الانتخابات ليست وشيكة وربما تحصل تطورات خلال الفترة المقبلة تجعله يعيد النظر حتى بالعديد من قيادات تياره وهو ما تتخوف منه الأطراف الشيعية التي تعد نفسها بارعة في فهم الصدر وفي تفسير تحولاته».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

أبناء جنوب لبنان يعودون إلى قراهم: لا مقومات للحياة لكننا متمسكون بالبقاء

مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)
مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)
TT

أبناء جنوب لبنان يعودون إلى قراهم: لا مقومات للحياة لكننا متمسكون بالبقاء

مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)
مواطنون يبحثون عن مقتنياتهم بين ردم منزلهم في بلدة الشهابية في جنوب لبنان (أ.ب)

في اليوم الرابع لوقف إطلاق النار، تبدو شوارع جنوب لبنان أقل زحمة من الأيام الأولى لوقف إطلاق النار، باستثناء مداخل المدن الرئيسيّة كصيدا وصور، وداخل البلدات الجنوبيّة.

وعلى طول الخط الجنوبي، من صيدا وحتّى القرى الحدوديّة، يطغى مشهد الدمار. يخفت قليلاً في الساحل ليعود ويرتفع كلما اقتربنا من القرى الحدودية. هناك، تبدلت معالم المكان من هول الدمار؛ مبان ومتاجر أصبحت على هيئة ركام، ورغم ذلك اختار الناس العودة إلى قراهم لتفقد منازلهم وأرزاقهم والاطمئنان على أقاربهم.

سنبقى في قرانا حتّى لو نصبنا خيمة

تقول زينب بكري، من بلدة صديقين الجنوبيّة (قضاء صور): «ما زلنا غير قادرين على تصديق أننا عدنا إلى هنا، رغم الدمار والخسارات الكبرى؛ إذ خسرنا أحباباً كثيرين».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «وصلنا إلى قريتنا يوم أمس، قدِمنا من بيروت، حيث كنا نازحين، أنا وكل أفراد عائلتي، المكونة من 6 أشخاص. ووجدت أن منزلي قد دمرته إسرائيل، بكيت حينها، لكنني عشت الحزن ونقيضه، فأنا هنا موجودة في قريتي وقد انتهت الحرب؛ أتمنى ألّا تتكرر مرة أخرى، حتّى لو نصبنا خيمة وسكنا فيها أفضل من العيش في غير مكان».

شهدت طريق الجنوب زحمة سير خانقة يوم الأربعاء مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

ليست مجرد أماكن نملكها

ومثل بكري، عائلات كثيرة، خسرت منازل نشأت وترعرعت فيها، وشكّلت ذكرياتها الأولى وتفاصيل حياتها، تقول إحدى سكان البلدة، التي صودف مرورها في المكان: «هي ليست مجرد أماكن نملكها؛ بل تسكن فينا وليس العكس، لنا فيها ذكريات طفولتنا، وملامح وجه أبي الذي فقدناه قبل أعوام قليلة، وصبر أمي، وأشياء كثيرة لا ندركها إلّا بعد خسارات كهذه».

في هذه البلدة (صديقين)، لا يمكن وصف حجم الدمار، غالبية المباني تحولت إلى ركام. ينتشر أهالي البلدة على جوانب الطرقات، لا حول لهم ولا قوة، يواسون بعضهم بعضاً في خساراتهم، ويتبادلون التهنئة بالعودة، أو بالنجاة من الحرب، كما يحلو للبعض تسميتها. أصحاب المتاجر والمصالح أيضاً، يقفون أمام أرزاقهم المدمرة، قلة قليلة من تلك التي لم تبعثرها الغارات الإسرائيلية، اختار أصحابها ترتيبها، تحضيراً لإعادة افتتاحها في وقت قريب.

خساراتنا كبيرة

في بلدة كفرا الجنوبيّة، المحاذية لها، يبدو مشهد الدمار أقل وطأة، تقول عبير: «عدنا أخيراً بعد نزوح دام 66 يوماً، إلى حيث نشأنا وترعرعنا، لا مقومات الآن للحياة، لكننا متمسكون بالبقاء».

تروي عبير لـ«الشرق الأوسط» كيف قضت أكثر من 9 ساعات وهي في طريقها من زغرتا (حيث نزحت في شمال لبنان)، إلى بلدتها كفرا، وتقول: «وصلنا عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في نفس اليوم الذي أعلن فيه قرار وقف إطلاق النار، كنا قد انتظرناه طويلاً، لا سيّما منذ زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان».

وتضيف: «فرحت بالخبر حينها، لكنني بكيت بشدة حين وصلت إلى الجنوب، وتحديداً إلى مدينة صور، إذ شاهدت حجم الدمار الهائل، بعض القرى التي مررنا بها، أضعت فيها الطريق؛ فلا معالم واضحة ولا أسماء أماكن اعتدنا زيارتها قبل نشوب العدوان، ولا كلمات تصف مشاعرنا، ما نعرفه أننا كنا في كابوس والآن باتت لحظة الحقيقة، خساراتنا كبيرة».

وعن تفاصيل الليلة الأولى، تقول: «يومها لم أتمكن من النوم، قضيناها في منزل شقيقتي، أنا ووالديّ وشقيقي، فمنزلنا غير صالح للسكن، عُدنا في اليوم التالي، لا كهرباء ولا مياه ولا إنترنت ولا متاجر مفتوحة في المكان، ولا حتّى تغطية للشبكة في هواتفنا تمكننا من الاتصال والتواصل مع من نحتاج، لكننا رتبنا أمورنا ومكثنا في الطابق السفلي، كونه الأقل تضرراً بين الطوابق».

المسيرات الإسرائيلية لا تفارقنا

تُكمل حديثها، فتُخبرنا عن صوت المسيرات الذي أعاد إلى ذاكرتها حال الحرب التي عاشها الناس منذ ما قبل العدوان، أيّ منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، «عادت الزنانة فوق رؤوسنا، لم تفارقنا طوال اليوم الأول لعودتنا، لكننا اعتدنا سماعها» إضافة إلى صوت الطائرات الحربيّة التي تخرق الأجواء بين الحين والآخر.

أما عن المخاوف، فتقول: «في اليوم الأول للعودة، سمعنا صوت الغارات الإسرائيلية، لم ترعبنا، لكننا نخاف من نشوب الحرب مع إسرائيل مرة أخرى، لنخوض تجربة النزوح البشعة التي لا نريدها أبداً». وتختم: «اليوم نشعر بالامتنان من عودتنا، أكثر من أيّ وقت مضى، لا نريد الحرب، ولا نريد أن يموت لنا عزيز، هي خسارات لا تعوض».

على مقربة منها، بلدة ياطر الحدوديّة، التي حذّر الجيش الإسرائيليّ أهلها من العودة إليها، لكن رغم ذلك، يأتي الناس إليها لتفقد منازلهم المتضررة بمعظمها، وكذلك فعل غالبية أبناء القرى العشر التي شملها التحذير.

ولم تتمكن عائلات كثيرة، من أبناء القرى الأمامية، من العودة إلى منازلهم، تقول منى ابنة بلدة حولا التي تبرز فيها مشاهد الحرب الطاحنة، لـ«الشرق الأوسط»: «أشعر بالأسى والحزن. بالأمس كنت في حال يرثى لها، لقد حُرق منزلي في حولا، فقدت ذكريات عائلتي وأطفالي، ولا شيء يمكن أن يعيدها لنا».

وتضيف: «منزلي في كفررمان (النبطية) متضرر أيضاً، سنبقى الآن حيث نزحنا منذ بدء العدوان في عرمون إلى أن نتمكن من العودة إلى منزلنا».