نشرث جريدة «لوفيغارو» الفرنسية نقداً لاذعاً للصحافي نيكولا ديتيان دورف بعنوان «قراءة فارغة»، وصف فيه الرواية بـ«الممسحة»، وأنها «تنتمي لهذا النوع الأدبي الذي يكتفي بوصف المشاهد والحركات... هي مجرد خيالات فقط...»، كما هاجم بشدة دور النشر ووسائل التواصل الاجتماعي التي تمنح منبراً قوياً لهذه الأعمال الروائية.
وطرحت يومية «لوبارزيان» التساؤل التالي في أحد عناوينها: من هذه الكاتبة التي تفوقت على الأمير هاري؟ أما «لوموند» فبحثت في سر إقبال القارئات، لا سيما المراهقات على روايتها في مقال بعنوان: «رهينات الرومانسية السوداء». وخصصت إذاعة «فرنس كولتور» لها برنامجاً، وتساءلت: كيف تمكنت كاتبة مغمورة من دخول قائمة المبيعات بهذه القوة؟
والرواية المقصودة هي «الرهينة» لكاتبة جزائرية شابة لا تتعدى 24 سنة، وتنشر باسم مستعار، احتلت صدارة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، بل أحدثت زلزالاً في سوق الكتب، إذ اصطفت طوابير طويلة من القراء الشباب أمام أبواب المكتبات في انتظار شراء نسخة منها. الأهم أن الكاتبة وصلت إلى هذا الإنجاز في وقت قياسي: 10 آلاف نسخة نفدت بعد ساعة واحدة فقط من عرضها، متفوقة بذلك على السيرة الذاتية للأمير هاري «الاحتياطي»، وحتى الرواية الناجحة «فيريتي» لكوليين هوفر التي لم تعرف انطلاقاً بهذه القوة. وكانت الكاتبة قد بدأت في الكتابة على منصّة «الواتباد» الكندية لنشر الكتب والروايات، وهي في الـ19، مكتفية بتوقيعها باسم أجنبي مستعار، حيث عرفت بين الجميع باسم «الفتاة الضبابية» (بلوغي غور)، ولاحقاً سارة ريفنز، علماً بأنه لم يتم الكشف عن كنيتها العربية أو أي معلومات خاصة باستثناء ما كشف عنه الناشر من أنها قاطنة بالعاصمة الجزائر وتعمل موظفة إدارية في نادٍ رياضي، كما أنه لا يوجد سوى حوار قصير للكاتبة الشابة أجري معها بمناسبة حفل توقيع الكتاب في محلات «لافناك» الفرنسية، حيث كشفت عن تفاجئها بالنجاح الكبير الذي تلاقيه روايتها وفضل «تيك توك» في التعريف بعملها. من «واتباد»، بدأت أعمال سارة تلقى نجاحاً بين أوساط المشاركين في هذه المنصّة، حتى بلغ عدد قراءات الجزء الأول من ثلاثيتها 9 ملايين، هنا تعقبتها دار نشر «أشيت» الفرنسية وعرضت عليها عقداً لنشر نسخة ورقية من الرواية مع ترجمتها لـ9 لغات.
وتحدثت مديرة الدار سيسيل تيروان، في حوار لها مع صحيفة «لوموند»، عن الدور الكبير الذي لعبه تطبيق «بوك توك» ومنصة «واتباد» في اكتشاف مثل هذه المواهب، قائلة: «تتابع مؤسستنا بشكل دائب كل المضامين الإبداعية التي تظهر على الشبكة على أمل العثور على الجوهرة النادرة ثم دمجها في إطار نموذج يناسبنا. فيما يخص الرواية كثيراً ما نجد أنفسنا أمام ظواهر مذهلة، كتلك الفتاة التي نشرت رواية الرهينة على (الواتباد)، بعدد متابعين يفوق 7 ملايين شخص. ورغم أن الرواية كانت منشورة منذ مدة، فإننا راهنّا على نجاح النسخة الورقية، فنشرنا طبعة أولى من 10 آلاف نسخة في أواخر أغسطس (آب) 2022، نفدت في ظرف ساعة واحدة من صدورها، وفي أقل من شهر بعنا أكثر من 200 ألف نسخة. أما الجزء الثاني فقد تم بيع 70 ألف نسخة في ظرف أسبوع. وهذا يعني أن كثيراً ممن قرأوا الرواية بنسختها الإلكترونية اقتنوا أيضاً النسخة الورقية، أما البقية فقد تعرفوا عليها بفضل الدعاية الكبيرة التي حظيت بها من قبل تطبيق (بوك توك)».
وسارة ريفنز ليست حالة استثنائية، فكثير من الكتاب المبتدئين وصلوا إلى طريق الشهرة بطريقة مفاجئة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما «واتباد» و«إنستغرام» و«بوك توك»، وهو نادي القراءة المتفرع من تطبيق «تيك توك»، الذي ينشر فيه المستخدمون مقاطع تصويرية قصيرة للكتب التي قرأوها وأحبوها. فكل من كولين هوفر (في رواية «حقيقة»)، ولوسي سكور (الأشياء التي لم نتجاوزها) وقبلهما آنا تود (ما بعد)، وآي. إل جيمس (خمسون ظل طليق) وصلوا إلى الشهرة بهذه الطريقة.
يمكن إدراج تدخل رواية «الرهينة»، بجزأيها، ضمن جنس أدبي يحظى بشعبية كبيرة عند القراء الشباب هو «الرومانسية القاتمة»، وهي غالباً ما تحمل معاني سوداوية، ومشاهد عنف وعلاقات محظورة تخالف الأخلاق والقانون، كما تبني هذه القصص حبكاتها حول شخصيات جذّابة لكنها تائهة ومضطربة، فبطلة الرواية «إيلا»، تقع أسيرة لدى شبكة المافيا قبل تسليمها للشاب الوسيم «أشير»، الذي يقوم بإذلالها قبل أن يقع في حبها. وككل الروايات الرومانسية، تضرب على الوتر الحسّاس لدى القراء الشباب من تشويق ودراما وعواطف جياشة، حيث يكون البطل والبطلة عدوين في البداية قبل أن تجمعهما قصة حب قوية. لكل هذه العناصر تأثير قوي على رواد وسائل التواصل الاجتماعي، كتطبيق «بوك توك» مثلاً. ونلمس ذلك من خلال التعليقات الكثيرة التي يتركها المعجبون على منصة «غود ريدز»، أو «أمازون بوك».
على أن ردود الأفعال لم تكن دائماً إيجابية في الجزائر، موطن الكاتبة سارة ريفنز، حيث ظهرت عدة أصوات تنتقد عمل الكاتبة الشابة واختياراتها، حيث يكتب أحدهم على موقع «تويتر»: «تمثل الجزائر كيف؟ وهي تكتب بلغة المستعمر...»، أو هذه التغريدة الأخرى: «رواية مبتذلة... أن تكون كاتباً شيء جيد، لكن في هذا الكتاب أشياء تخالف عادات وقيم مجتمعنا الإسلامي». وهذا التعليق الآخر: «يا للأسف، اخترتِ اسماً مستعاراً بعيداً عن أصولك... أنتِ جزائرية... أين العار في ذلك؟ بداية تعيسة...».
حول ذلك يقول الناشط الثقافي الجزائري على حيدوش: «الكثير يتفادى الحديث عن الكاتبة، لأنها حققت قطيعة مع الكتابة الجزائرية ورمت بظلها على من يدعون أنهم كتاب كبار، وحطّمت كثيراً من القيود وتجاوزت السلبية التي ينشرها كثير ممن يبتهجون لنشر السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي!».