لبنان يتخوّف من «حماس لاند» جديدة في الجنوب

إطلاق الصواريخ يكشف ضعف الحكومة اللبنانية

جنود إسرائيليون ينتشرون أمس في موقع محاذٍ للحدود اللبنانية قرب مستوطنة المالكية (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون ينتشرون أمس في موقع محاذٍ للحدود اللبنانية قرب مستوطنة المالكية (إ.ب.أ)
TT

لبنان يتخوّف من «حماس لاند» جديدة في الجنوب

جنود إسرائيليون ينتشرون أمس في موقع محاذٍ للحدود اللبنانية قرب مستوطنة المالكية (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون ينتشرون أمس في موقع محاذٍ للحدود اللبنانية قرب مستوطنة المالكية (إ.ب.أ)

أثارت عملية إطلاق القذائف الصاروخية من جنوب لبنان باتجاه شمال إسرائيل المخاوف على الوضع الأمني في الجنوب، وطرحت علامات استفهام حول تظهير دور حركة «حماس»، وفرضها لاعباً أساسياً في الأمن اللبناني، وهو ما أحيا في ذاكرة اللبنانيين مرحلة «فتح لاند» في سبعينات القرن الماضي، التي مكنت رئيس السلطة التنفيذية ياسر عرفات (أبو عمّار) من تحويل لبنان إلى منصّة للعمل العسكري ضدّ إسرائيل مستفيداً من «اتفاق القاهرة».
وقرأ مراقبون في العملية التي يعتقد أن جهات فلسطينية قامت بها بمباركة «حزب الله»، تأسيساً لمرحلة جديدة من المواجهة، قد تطيح بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي أقرّ في أعقاب حرب يوليو (تموز) 2006، ورسم قواعد الاشتباك بين لبنان والدولة العبرية.

ورأى منسّق الأمانة العام السابق لـ«قوى 14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، أن «ما حصل يعدّ أول خرق حقيقي للقرار 1701 منذ 17 عاماً». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا التطور خطير للغاية بغض النظر عن الردّ الإسرائيلي، لأنه ينسف القرار 1701، ويعيدنا إلى مرحلة (فتح لاند)، ويكشف ضعف الحكومة اللبنانية أمام (حزب الله)».
وتتضارب الروايات حول الأبعاد الأمنية للرسالة التي بعث بها فصيل فلسطيني من جنوب لبنان، لكنّها تجمع على أنها تؤسس لمرحلة جديدة من العمل العسكري، ويقول فارس سعيد، «لمسنا بالوقائع إنشاء شيء جديد في جنوب لبنان اسمه (حماس لاند)، وكأنه يرث (فتح لاند)، الذي نشأ على أثر (اتفاق القاهرة) في عام 1969، الذي سمح باجتزاء منطقة من جنوب لبنان، لتكون منطلقاً للأعمال الفدائية ضدّ إسرائيل، وهذا ما أسس للحرب الأهلية اللبنانية». وتوقّف سعيد عند «اختيار هذه العملية في مرحلة حرجة جداً، عنوانها التفاهم السعودي - الإيراني». وسأل: «هل هذا مؤشر على خلاف بين أجنحة إيران العسكرية في المنطقة؟ أم أنه تحوّل نحو مشروع مواجهة جديد؟». ورأى أن «مشهد أمس (الخميس) يدل على أننا تحولنا إلى صندوق بريد لإرسال الرسائل إلى إسرائيل، بالتزامن مع انهيار اجتماعي واقتصادي ومالي، وفي وقت لا يحتمل البلد نزوحاً جديداً، ولا يتحمّل تحويل اللبنانيين إلى أكياس رمل».
المعطيات السياسية تفيد بأن عملية إطلاق الصواريخ لم تأت كردّ فعل على اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين، وليست رداً على الغارات الإسرائيلية على مواقع لإيران و«حزب الله» في العمق السوري، بل أتت بعد ساعات من لقاء جمع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية بأمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، والحديث عن غرفة عمليات مشتركة لقوى المقاومة، واعتبر السياسي اللبناني توفيق سلطان، أن «قضية مقاومة إسرائيل لا تزال حيّة في الوجدان العربي، وإن تقدمت حيناً وتراجعت حيناً آخر»، ورأى أن «ما يجري من انتهاكات في القدس وداخل المسجد الأقصى وفي غزة، ولّد شعوراً بالغضب والاحتقان لدى الشعوب العربية، خصوصاً دول الطوق، ومن هنا أتى الاختراق من جنوب لبنان، مستغلاً الوضع الهشّ». وعبّر سلطان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن اطمئنانه إلى أن «الموقف الرسمي للحكومة جدد التزام لبنان بالقرارات الدولية، كما أن المنظمات الفلسطينية الأساسية الموجودة في لبنان نأت بنفسها عن هذا العمل، وكذلك (حزب الله) الذي لم يتبنّ هذه العملية، وهذا يدلّ على غياب أي رغبة بالتصعيد، والذهاب إلى حرب واسعة، خصوصاً أن الصواريخ كانت محدودة الأثر، والردّ عليها غير ذي أهمية، بدليل أن الوضع في الجنوب هادئ ولا يوحي بالذهاب إلى حرب».
ولم تلغِ عودة الهدوء إلى مناطق التوتر في الجنوب اللبناني، القلق من العودة إلى دوامة العنف، وهو ما أبقى أبناء المنطقة في حالة ترقب وحذر لأي تطوّر مماثل، غير أن توفيق سلطان شدد على أن «الاختراق الذي حصل ليس له مناخ يحميه، فلبنان الذي قدّم للقضية الفلسطينية أكثر من طاقته، لا يتحمّل مثل هذه العمليات». وقال: «تستطيع القوى الفلسطينية ممارسة عملها المقاوم داخل فلسطين المحتلّة، لأن لبنان لم يعد مهيأ لها، من هنا جاء الموقف الرسمي للحكومة وللجيش اللبناني وقوات (اليونيفيل) في غاية المسؤولية»، وشدد على أن «المناخ الذي كان سائداً أيام أبو عمّار (ياسر عرفات) غير متاح حالياً، وبالتالي لا خوف من تحويل لبنان مجدداً منصّة للعمل العسكري الفلسطيني». وقال توفيق سلطان إن «الاعتداءات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى خطيرة للغاية». ولفت إلى أن «مواجهة هذا النمط العدواني يتطلّب موقفاً عربياً حاسماً ومؤثراً، ولا يكون الردّ عليها بعملية من هنا وهناك، لا تخدم أبناء القدس، بل تزيد الأمور تعقيداً».


مقالات ذات صلة

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

المشرق العربي توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

دعت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، مساء الجمعة، إلى الهدوء بعد توتر بين حرس الحدود الإسرائيليين وأنصار لـ«حزب الله» كانوا يتظاهرون إحياءً لـ«يوم القدس». ونظّم «حزب الله» تظاهرات في أماكن عدّة في لبنان الجمعة بمناسبة «يوم القدس»، وقد اقترب بعض من أنصاره في جنوب لبنان من الحدود مع إسرائيل. وقالت نائبة المتحدّث باسم يونيفيل كانديس أرديل لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ عناصر القبعات الزرق «شاهدوا جمعاً من 50 أو 60 شخصاً يرمون الحجارة ويضعون علم حزب الله على السياج الحدودي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

ذكرت أوساط سياسية لبنانية أنَّ «الصمت الشيعي» حيال إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه منطقة الجليل في شمال إسرائيل لا يعني أنَّ «حزب الله» على توافق مع حركة «أمل» بهذا الشأن، بمقدار ما ينم عن تباين بينهما، إذ ارتأيا عدم إظهاره للعلن لقطع الطريق على الدخول في سجال يمكن أن ينعكس سلباً على الساحة الجنوبية. وقالت المصادر إنَّ حركة «أمل»، وإن كانت تتناغم بصمتها مع صمت حليفها «حزب الله»، فإنها لا تُبدي ارتياحاً للعب بأمن واستقرار الجنوب، ولا توفّر الغطاء السياسي للتوقيت الخاطئ الذي أملى على الجهة الفلسطينية إطلاق الصواريخ الذي يشكّل خرقاً للقرار 1701. وعلى صعيد الأزمة الرئاسية، ذكرت مصادر فرنسية مط

العالم العربي المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

استنكر المطارنة الموارنة في لبنان، اليوم (الأربعاء)، بشدة المحاولات الهادفة إلى تحويل جنوب لبنان إلى صندوق لتبادل الرسائل في الصراعات الإقليمية. ووفق وكالة الأنباء الألمانية، طالب المطارنة الموارنة، في بيان أصدروه في ختام اجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي في بكركي شمال شرقي لبنان اليوم، الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية بالحزم في تطبيق القرار 1701، بما في ذلك تعزيز أجهزة الرصد والتتبُّع والملاحقة. وناشد المطارنة الموارنة، في اجتماعهم برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساعدة لبنان على تحمل أعباء لم تجلب عليه ماضياً سوى الخراب والدمار وتشتيت ا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب على إسرائيل

ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأحد، أن العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والانتهاك المتمادي للسيادة اللبنانية أمر مرفوض، مؤكدا أن «عناصر غير لبنانية» وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب. وقال ميقاتي إن «الهجوم الإسرائيلي على المصلّين في الأقصى وانتهاك حرمته أمر غير مقبول على الإطلاق، ويشكل تجاوزاً لكل القوانين والأعراف، ويتطلب وقفة عربية ودولية جامعة لوقف هذا العدوان السافر». وعن إطلاق الصواريخ من الجنوب والقصف الإسرائيلي على لبنان، وما يقال عن غياب وعجز الحكومة، قال ميقاتي إن «كل ما يقال في هذا السياق يندرج في إطار الحملات الإعلامية والاستهداف المجاني، إذ منذ اللحظة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد إسرائيل، على خلفية الغارات التي نفذتها على مناطق لبنانية بعد إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة

مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
TT

النزوح يضاعف معاناة المرضى اللبنانيين المصابين بالأمراض المزمنة

مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)
مرضى يخضعون لعلاج غسيل الكلى في مستشفى مرجعيون بجنوب لبنان (رويترز)

خرج يوسف زريق (70 سنة) نازحاً من بلدته شقرا الجنوبية، منذ بدء الحرب الموسعة على لبنان في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى إحدى قرى شرق صيدا، وبعد 16 يوماً من النزوح خضع لجلسة العلاج الكيميائي الأولى، في مستشفى سبلين الحكومي.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «دواء الوزارة متوفر، لكن الطبيب المتابع ارتأى، بسبب وضعي الصحي ونتائج الفحوص التي أجريت لي، استبدال دواء آخر به، لا تؤمّنه الوزارة، دفعت ثمنه 62 دولاراً، وهي كلفة مرتفعة عليّ، ونحن نازحون، نحاول تأمين احتياجاتنا الأساسيّة والضرورية جداً ليس أكثر»، خصوصاً أن غالبية الناس، ممن نزحوا من مناطقهم، توقفت مصالحهم وأشغالهم، ولا مصدر رزق لهم، ولا يعلمون متى ستنتهي الحرب، وإن كانت أرزاقهم وبيوتهم لا تزال صامدة أو دمرتها الغارات الإسرائيلية.

وزريق، واحد من اللبنانيين المصابين بالأمراض المستعصية والمزمنة، الذين تضاعفت معاناتهم بفعل النزوح، بعدما انتقلوا للعيش في مراكز الإيواء ومساكن مستأجرة، وهم يحتاجون للعلاج والمتابعة المستمرة مثل مرضى السرطان وغسيل الكلى والقلب وغيرها.

ويشكو زريق من «عدم وجود جمعيات أو أيّ جهة تساعد في دفع تكاليف الدواء الخاص بجلسات أو بعلاج مرضى السرطان، على عكس أدوية الضغط والسكري والدهن، المتوفرة في كل مكان».

ويحتاج زريق راهناً إلى صورة أشعة لا تتوفر سوى في المستشفيات الخاصة، أو في المستشفى الحكومي في طرابلس (شمال لبنان) كما يقول، ومن الصعب عليه جداً أن يتنقل على الطرقات في لبنان بسبب تصاعد وتيرة الغارات والاستهدافات الإسرائيلية في غالبية المناطق، في حين كان يجريها سابقاً في أحد مشافي النبطية.

وقد تمّ تحويل مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي والإشعاعي إلى أقسام العلاج النهاري في المستشفيات القريبة لأماكن النزوح، لكن مشاكل عديدة واجهت كثيراً منهم.

مشكلة سابقة للحرب

وعن واقع المرضى والصعوبات والتحديات في ظل النزوح والحرب، يقول رئيس جمعية «بربارة نصّار»، هاني نصّار، لـ«الشرق الأوسط»: «من المعروف في لبنان أن مشكلة مرضى السرطان سابقة لوجود الحرب، رغم التحسن الكبير الذي طرأ في هذا الخصوص لدى وزارة الصحة، لا سيّما لجهة المكننة وتأمين الدواء إلى أقرب صيدلية لمكان السكن أو المشفى الذي يتلقى فيه المريض العلاج، وهذا سهّل تأمين العلاج للنازحين».

ولهذه الغاية، طلبت الوزارة من جميع مرضى السرطان النازحين الاتصال على الخط الساخن رقم 1214 لإعلامها بمكان السكن الجديد. وقد نزح منذ بداية الحرب، أكثر من ألفي شخص مصاب بالسرطان، تبدلت ملفاتهم، وتحولت أدويتهم من منطقة إلى أخرى، وتمّ ترتيب أمورهم، حسبما يؤكد نصّار.

لكن المشكلة المزمنة، والقديمة، تكمن في قدرة المرضى الشرائية، والتي تدنت كما غالبية اللبنانيين الذين يعيشون تبعات الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد؛ إذ يقول نصّار: «الحرب ليس لها تأثير أكبر من تأثير الأزمة الاقتصادية بحد ذاتها على مرضى السرطان؛ إذ تؤمن الوزارة بعض العلاجات بشكل مجاني وليس جميعها، ويتحمل المريض تكاليف كبيرة جداً أحياناً، وتصل كلفة الجلسة الواحدة إلى الألف دولار تقريباً».

مشكلة أخرى يشير إليها نصّار، وهي الأدوية التي رُفع عنها الدعم وليست معتمدة من قبل وزارة الصحة حالياً، ولا تتكفل بإعطائها لمرضى السرطان، وتصل كلفتها إلى 6 و8 آلاف دولار، تؤمن الوزارة البديل عنها أحياناً، لكنه عادة يكون أقل فاعلية.

ووفق نصّار، «أحياناً كثيرة لا يتوافر البديل، كدواء مرضى سرطان المبيض الذي تبلغ تكلفته 6 آلاف دولار، وبالتالي تنجو الفتاة في حال كان لديها القدرة على تأمينه من لبنان أو خارجه، وتفقد حياتها في حال العكس، وللأسف الحالات المماثلة كثيرة». مع العلم أن هناك العديد من الأدوية المزورة التي تصل إلى أيدي مرضى السرطان.

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

مرضى الفشل الكلوي

تتوسع المعاناة لتشمل معظم مرضى الأمراض المستعصية من النازحين. ويُعدّ علي عز الدين (56 سنة) واحداً من بين نازحين كثر يعانون من الفشل الكلويّ، ويحتاجون لإجراء غسيل كلى دورياً، بمعدل ثلاثة أيام أو أكثر في الأسبوع.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أبحث عن مستشفى ألجأ إليه لإجراء غسيل الكلى، ومن ثمّ أؤمن مسكني، لذا تنقلت بين منطقتين، قبل أن أستقر راهناً في منطقة الروشة على مقربة من مستشفى رفيق الحريري الحكومي».

مرّ أكثر من أسبوع على بدء الحرب الموسعة (23 سبتمبر)، حتّى تمكن عز الدين من الخروج من منزله في بلدة العباسية، قضاء صور، لكن «قبلها أرسلت عائلتي إلى مكان أكثر أماناً، وبقيت أنا لوحدي هناك، كي أجري جلسات غسيل الكلى في موعدها ومن دون انقطاع في مستشفى اللبناني - الإيطالي في صور، وإلّا ستتدهور حالتي الصحّية»، كما يقول، علماً بأن محيط المستشفى تعرض للغارات الإسرائيلية مرات كثيرة.

ويضيف: «بداية لم نتوقع أن الحرب ستطول والضربات ستكون متزايدة وكثيفة خلال مدة قصيرة جداً، إلى أن شعرت بأن المسألة خطيرة، وأن سقف المنزل سيقع على رأسي في أيّ لحظة. عشت تجربة القصف في صور، وخاصة حين كنت أتنقل بين المنزل والمشفى».

ويقول: «تمكنت من ترتيب أمور المستشفى الجديد، في قرنايل بالقرب من عاليه، حيث نزحت واستأجرت منزلاً في المرة الأولى للنزوح، أجريت 4 جلسات غسيل للكلى، لكن الطقس لم يلائمني هناك؛ برد قارس وضباب في المكان»، لينزح مرة أخرى إلى منطقة الروشة، حيث يوجد راهناً؛ كونها آمنة نسبياً حتّى الآن، وعلى مسافة قريبة من المستشفى.

يقارن عز الدين بين الأماكن التي تنقل بينها، وفي المستشفيان «لم يتغير عليّ شيء، سوى أن مدة الجلسة انخفضت من 4 إلى 3 ساعات، بسبب الضغط الهائل على المستشفيات التي نزح إليها المرضى. وللصراحة لم أعتد الأماكن الجديدة، فرغم أنني أعاني من الفشل الكلوي، فإنني كنت أعمل وأمارس حياتي بشكل طبيعي قبل بدء الحرب، والآن ننتظر أن تنتهي، ونعود إلى منازلنا وحياتنا وحتّى المستشفى الذي كنت فيه فقط».

وعن شعوره بالخوف في أثناء التنقل، قال: «بالطبع لدي مخاوف، خصوصاً أن لا شيء يردع إسرائيل؛ إذ إنها تقتل بلا رحمة وتدمر المقدسات، وبالتالي يسهل عليها قصفنا، ونحن على الطرقات وحتّى على أسرّة المستشفيات».

متطوعون يعدون وجبات الطعام للنازحين إلى مراكز إيواء مؤقتة في بعلبك بشرق لبنان (أ.ف.ب)

أمراض أخرى أيضاً

تقصد عبير، النازحة من بلدتها في بنت جبيل إلى الفوار، قضاء زغرتا، أحد المستوصفات التي تقدم خدماتها للنازحين، لتحصل على الأدوية الضرورية التي تحتاج إليها وعائلتها؛ كالسكري والضغط والغدة والقلب.

تقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نزحنا إلى هنا، قبل نحو شهرين، قصدت المركز مرتين، وفي المرتين حصلت على ما يحتاج إليه والديّ، فهما يعانيان من أمراض مزمنة، ويحتاجان للدواء باستمرار، أو بالأحرى عند بداية كل شهر».

وتضيف: «يتوفر في المركز أيضاً أطباء باختصاصات مختلفة، وجميع هذه الخدمات كانت مجانية»، لافتة إلى أن الأدوية التي حصلت عليها كانت بديلاً متوفراً في المركز، وأن بعض الأدوية لم تتمكن من الحصول عليها في الزيارة الأولى، بسبب ازدياد طلب النازحين كما أخبروها.

وخصصت الوزارة الخط الساخن رقم 1787 للرد على أسئلة النازحين واستفساراتهم، وقد فاق عددهم أكثر من 1.5 مليون شخص أخرجوا من منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان.